علي بن أبي طالب.. ومواثيق حقوق الإنسان
14 أكتوبر 2006 - أ . عالية فريدكثيرا مانادى الغرب بمختلف مؤسساته وهيئاته ونظمه بمبادئ حقوق الإنسان الذي قننها ونظمها ضمن مواثيق ومعاهدات دولية أدرج في هيكليتها الكثير من الدول، ونحن في الوقت الذي نثني فيه على هذه الجهود، فإننا نلحظ أنه برغم إنضمام غالبية الدول الكبرى لهذه المعاهدات وتوقيع المجتمعات العربية والإسلامية على – الشرعة الدولية – التي تحتوي في طياتها على مواثيق حقوق الإنسان وتضم الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عام 1948م..والتفاصيل الواردة في العهدين الدوليين العهد الدولي الخاص بالحقوق الإقتصادية والإجتماعية والثقافية، وكذلك العهد الدولي الخاص بالحقوق السياسية والمدنية عام 1966م والبروتوكلات الملحقة بها، وما حددته حول حقوق الأفراد والجماعات، إلا أن كل هذه المواثيق مجتمعة لا نرى لها فاعلية بحجم ما تنادي به على أرض الواقع؟ وإلا كيف نفسر الممارسات التعسفية التي تفتقد لأدنى مقومات الإحترام لهذه المعاهدات من قبل هيئة الأمم المتحدة على مستوى مانراه اليوم ونلمسه ونعيشه في هذا العالم من مآسي وويلات، من حروب ونزاعات، من فتن وصراعات، تجعلنا نعيش الحيرة والدهشة، ويتملكنا الإستغراب بين مانراه من مطالبات على ضوء مرجعية وثائق حقوق الإنسان وبين ما نعيشه من إنتهاكات صارخة لهذه الحقوق والمطالب على الأرض؟
فأين هي السياسات العادلة، وأين هي الحريات المتاحة؟ وما هو نصيب مجتمعاتنا منها؟ وإلى أي مدى حصل الأفراد أو الجماعات على حقوقهم الثقافية والإجتماعية والإقتصادية؟ وماهي الفرص التي أتيحت لهم للمشاركة في الحياة العامة؟ أين هي كرامة الشعوب وحقوق المواطنة المسلوبة؟ ومن المسؤول والمحاسب عن الخروقات الواضحة والخطيرة بحق شعوب الأمة؟؟ ياترى من أجل ماذا؟ ولصالح من تجري كل هذه الإنتهاكات المنظمة؟
إنظروا ماذا جرى في أفغانستان وفي أرض الشيشان، وماجرى في الصومال، وفي فلسطين الجريح، وفي لبنان الشقيق والصديق، وما يجري في أرض الرافدين… آه وألف آه على ماجرى ويجري في العراق من إنتهاكات صارخة وبشعة أودت بحياة البلاد والعباد، من ظلم وقهر، ذل ومهانة، حرمان وإضطهاد، أرامل وضحايا، مقابر جماعية وسجون، محرومين ومضطهدين ومعذبين، لم يبقى حجرا ولامدرا ولا أخضرا ولا يابسا إلا أتت عليه رياح القوم، وفي كل بقعة من بقاع الكرة الأرضية هناك من يئن بين القضبان ومن يشتكي، ومن يبكي ويستغيث، فكيف نفسر هذا الإستهتار والتعدي واللامبالاة بتلك الأنظمة والقوانين المطروحة التي وقعت أكثرية الدول عليها، وألزمت نفسها بمراعاتها وإحترامها إن كان فيها خيرا للأمة؟!
لذلك فإن أهم ما يجب أن نعيه ونحن نحتفي بهذه الذكرى العظيمة هذه الليالي برحيل بطل الإنسانية الإمام علي بن أبي طالب ، هوكالتالي:
1- أن حقوق الإنسان وحرياته الأساسية والمساواة بين البشر جميعا مقررة في قاموس علي بن أبي طالب على أساس العقيدة، لأنها أساس الإسلام والحق، وكما قال رسول الله «علي مع الحق والحق مع علي يدور معه يدور معه حيثما دار»، وإن ممارسة الآخرين لحرياتهم وحقوقهم ينبغي أن لاتتم في إطار العطف والإحسان والشفقة، لأنها ليست حقوقا ممنوحة ومتاحة بل مقررة وثابتة لهم شرعا، وإذا حدث إهدارا لتلك الحقوق، فإنه لايصيب الآخرين وحدهم بالظلم، بل الأسوأ من ذلك أنه يمثل عدوانا على حقوق الله وشريعته.
2- إن إهتمام علي بن أ بي طالب بحقوق الإنسان لم تأتي جزافا أو تخبطا أو وليدة تجربة حديثية وضعية، فهو من تتلمذ بالقرآن الكريم، وهو من تربى في حضن رسول الله الذي قال عنه «أنا وعلي أبوا هذه الأمة» و«علي مني بمنزلة هارون من موسى» فنهل من علمه وتعلقت روحه بروحه فآخاه وآزره ونصره، وكان معه الكرار الفرار في الصولات والجولات وكان البطل والبطولات، في كل وقفة لنا من وقفات حياته تنبع معاني السمو والعظمة، إنه رجلا آخر غير الآخرين، فهو لايعرف نفسه أكثر من كونه عبدا لله سواء كان حاكما على خمسين دولة أو محكوما لايملك سوى قرصين من الخبز، يأكل الخبز والذيت والشعير ويلبس لباس العبيد، ويفترش الخيش ورمال الأرض، وكان علي أشبه الناس طعمة وسيرة برسول الله ، وكان يعيش مع الناس ويسعى في قضاء حوائجهم، ويجالس الضعفاء ويشاركهم في أمورهم وكونه كأحدهم حتى قال عنه ضراربن ضمرة: «كان فينا كأحدنا»، وذكر في فلسفة زهده أنه قال: «إن الله جعلني إماما لخلقه ففرض علي التقدير في نفسي ومطعمي ومشربي وملبسي كضعفاء الناس كي يقتدي الفقير بفقري ولاسطعى الغني بغناه» وكان نعم خير إسوة لنا في زهده وورعه وتحسسه آلام الآخرين، فهو من قال «لو شئت لاهتديت الطريق إلى مصفى هذا العسل ولباب هذا القمح، ونسائج هذا القز… ولكن هيهات أن يغلبني هواي ويقودني جشعي إلى تخير الأطعمة، ولعل بالحجاز، أو اليمامة من لاطمع له في القرص ولا عهد له بالشبع.. أو أبيت مبطانا وحولي بطون غرثى وأكباد حرى» وكان يقول «ينبغي أن يكون الضعيف عندك بمنزلة القوي فلا تظلم الناس»، حكم خمسين دولة لم يرى فيها فقير أو مظاوم أوصاحب حق، لأنه كان يخرج بنفسه لإعانة المظلوم وإغاثة الملهوف ونصرة الضعيف، لذلك حري بنا إذا أردنا أن نكون في مصاف العظاء أن نقف عند هذه الشخصية الفذة لنستلهم منها ونتعلم منها الكثير في الكرامة الإنسانية وحفظ الحقوق.
3- من الأهمية جدا أن نقرأ ونطلع على ماورد في عهد الإمام علي لمالك الأشتر – عندما ولاه مصر – نتأمل فيه جيدا فهو موضع عز وفخر للمسلمين جميعا على مر العصور – لذلك أشتهر ب العهد العلوي أو عهد مالك، ولأنه كان خير نموذج ومثال لمعاملة القادة والرؤساء مع شعوبهم في إدارة الحكم وتنظيم الدولة، وفي بسط العدل والقسط بين الناس، وفي السياسة وتنظيم الجيش، وفي الوحدة والتعاون، وفي التكافل والتضامن، وفي صلاح البلاد، وفي الحرب السلم، وفي الصلح والتسامح، وفي أحوال الناس ومنابع الثروة، وفي إستثمار الصناعة والتجارة وفي النهضة والعمران والتنمية.
وقد كان هذا العهد محط إهتمام الكثير من رجال العلم والأدب والسياسة، وأساتذة الفكر والقانون، وكان محط تناول المؤرخين، والكتاب، والمهتمين في بحوثهم ودراساتهم، وفي كتبهم ومؤلفاتهم، لما يحتوي من أنظمة وقوانين بل قواعد رئيسية في الفقه السياسي والتشريع..
وقد لفت نظري ما نقله الكاتب المسيحي جورج جرداق عند مقارنته بين عهد الإمام علي لمالك الأشتر وبين وثيقة حقوق الإنسان قائلا: ليس من أساس بوثيقة حقوق الإنسان التي نشرتها هيئة الأمم المتحدة إلا وتجد له مثيلا في دستور إبن أبي طالب ثم تجد في دستوره ما يعلو ويزيد..
فالفرق بين العهد والوثيقة في عدة أمور:
• أولا: هو أن الوثيقة الدولية لإعلان حقوق الإنسان وضعها إلوف من المفكرين ينتمون لمعظم دول الأرض أو لها جميعا، فيما وضع الدستور العلوي عبقري واحد هو علي بن أبي طالب.
• ثانيا: هو أن علي بن أبي طالب يسبق واضعي هذه الوثيقة ببضعة عشر قرنا.
• ثالثا: هو أن واضعي هذه الوثيقة أو جامعي شروطها، والقول أصح وقد ملئوا الدنيا عجيجا فارغا حول ما صنعوا وما يصنعون، وأكثروا من الدعاوى لأنفسهم على صورة ينفر منها الصدق والذوق جميعا، وأزعجوا الإنسان بمظاهر غرورهم وما إليه، وحملوه ألف منة وألف حمل ثقيل. فيما تواضع ابن أبي طالب للناس ورب العالمين فلم يستعل ولم يستكبر بل رجا الله والناس في أن يغفروا له ماعمل ومالم يعمل.
• رابعا: والأهم، هو أن معظم هذه الدول المتحدة التي ساهمت في وضع وثيقة حقوق الإنسان، وإعترفت بها، هي التي تسلب الإنسان حقوقه، فينتشر جنودها في كل ميدانا تمزيقا لهذه الوثيقة وهدرا لهذه الحقوق.
فيما مزق إبن أبي طالب صور الإستبدار والإستئثار حيث حطت له قدم وحيث سمع له قول، وحيث تلامع سيفه مع نور الشمس وسوي بها الأرض ومشىّ عليها الأقدام، ثم قضى شهيد الدفاع عن حقوق الأفراد والجماعات بعد أن إستشهد في حياته ألف مرة..
أخيرا:
وبعد هذه الوقفة في حياة علي وفي شخصيته، كم أرى من العار على جبين الأمة العربية والإسلامية أن تتجاهل مثل هذا العملاق العظيم، وتبحث عن وجوه مقنعة في قيادات العالم الغربي والأوربي لتمجدهم كأبطال لايملكون إلا النذر اليسير من العمل الإنساني المزيف لتصنع منهم روادا وعظماء، وهم ليسومنا ولنا، فعزتنا بتاريخنا وحضارتنا، وإذا كانت الحضارة اليونانية تفخر على عالم العصر الحاضر بشريعة – سولون – ومبادئ سولون، والتاريخ الإنجليزي يباهي حضارة اليوم بوثيقة – الماغتا كارتا -، والثورة الفرنسية تزهو بين تاريخ الثورات بـ«إعلان حقوق الإنسان» فحسب الحضارة العالمية والعربية والإسلامية اليوم أن تزهوا فخرا ومجدا بأنها قدمت للأجيال المتعاقبة منذ أربعة عشر قرنا أرقى المبادئ وأعدلها في هذا العهد الخالد لأمير المؤمنين علي إبن أبي طالب.
المصادر:
ك – علي صوت العدالة لجورج جرداق.
ك – الراعي والرعية للمرحوم توفيق الفكيكي.
ك – مع الإمام علي في عده لمالك الأشتر، محمد باقر الناصري.
– موسوعة «الإمام الصادق والمذاهب الأربعة» ج2 للشيخ أسد حيدر.
ك – الإمام علي للسيد هادي المدرسي.
ك – الصياغة الجديدة للسيد محمد مهدي الحسيني الشيرازي.
10 يوليو 2009 في الساعة 11:56 م
عاشت ايديك عزيزي الكاتب واتمنى ان تراسلنا على البريد اعلاه كي نتعاون في نشر عدالة الامام علي ع
28 أبريل 2012 في الساعة 5:29 ص
احسنتم وبارك الله بكم