الميثاق العربي لحقوق الإنسان.. حماية أقل من القانون!
22 ديسمبر 2009 - جريدة القبسبعد 61 عاما على الإعلان العالمي
الميثاق العربي لحقوق الإنسان.. حماية أقل من القانون!
إعداد منى فرح
قبل يومين احتفل العالم بذكرى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948 الذي تضافرت على إعداده جهود دول العالم في سعيها الحثيث للنهوض بمستوى الإنسان وضمان حمايته من جميع الانتهاكات التي مورست ضده سابقا، وللحيلولة دون وقوع المزيد من الانتهاكات مستقبلا. وقد تم اختيار مبدأ «عدم التمييز أساس مفهوم حقوق الإنسان»، كشعار رسمي ليوم حقوق الإنسان هذا العام. حيث ينص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أن كل فرد يتمتع بكل ما له من حقوق إنسانية، ولا أحد ينبغي أن يحرم من تلك الحقوق، وأن جميع الناس يولدون أحرارا ومتساوين في الكرامة والحقوق. كيف هي حال حقوق الإنسان في العالم الثالث بعد أكثر من 60 عاما على الإعلان العالمي؟
في الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية يشكل الميثاق العربي لحقوق الإنسان، الذي أقر في قمة مايو 2004، أحد مؤشرات موجة الإصلاح التي يقال إنها ضربت العالم العربي في وقت سابق من العقد الجاري. لكن بنودا كثيرة من هذا الميثاق (نصف أعضاء الجامعة العربية لم يصدقوا عليه بعد) لا تزال بعيدة جدا عن تلك المعايير التي يحددها القانون الدولي. ففي حين ينص القانون الدولي على «الشمولية» وعدم قابلية حقوق الإنسان «للتجزئة»، جاء الميثاق ليعكس- إلى حد كبير- المجالات التي توافق فيها الدول الأعضاء في الجامعة العربية على ما هو وارد في المعاهدات الدولية لحقوق الإنسان، وتلك التي تتحفظ عليها. فالميثاق، على سبيل المثال، لا يحظر العقوبات القاسية أو غير الإنسانية أو التي تحط من مكانة الإنسان، كما أنه لا يمنح حقوقا إلى غير المواطنين في مجالات عدة. وهو يسمح أيضا بفرض قيود على ممارسة حرية الدين والمعتقد تتجاوز إلى حد كبير ما هو مسموح به في القانون الدولي لحقوق الإنسان
دخل الميثاق العربي لحقوق الإنسان* حيز التنفيذ في مارس 2008، وصادقت عليه عشر دول عربية، هي: الجزائر، والبحرين، والأردن، وليبيا، وفلسطين، وقطر، والسعودية، وسورية، والإمارات العربية المتحدة، واليمن. الميثاق الذي يشكل مراجعة لوثيقة وضعت في عام 1994، هو جزء من عملية أوسع لتحديث الجامعة العربية، تشمل إنشاء مجلس السلم والأمن وبرلمان عربي مؤقت. وتكمن أهميته في أنه أداة منبثقة عن المنطقة، جرى التفاوض عليها بين دول المنطقة. لذا، فهو يملك القدرة على أن يقلص تشكيك الدول العربية المستمر بواجباتها في مجال احترام حقوق الإنسان في مجالات عدة، وحمايتها، وترويجها، ويمكن أن يضع في خاتمة المطاف حدا لهذا التشكيك. لقد كشفت عملية مراجعة الميثاق عن وجود تشنجات بين الدول العربية والمنظمات الأهلية العربية ودول من خارج المنطقة حول حقوق الإنسان. فعلى الرغم من أن أمين عام الجامعة العربية عمرو موسى أعلن منذ البداية أن الهدف الرئيسي هو جعل الميثاق منسجما مع القانون الدولي لحقوق الإنسان، بعدما قصرت نسخة عام 1994 إلى حد كبير عن مراعاته، فإن المسودة الأولى التي وضعتها اللجنة العربية لحقوق الإنسان (وهي هيئة مشكلة من ممثلي الحكومات التابعة للجامعة العربية) بقيت بعيدة جدا عن تلك المعايير– رغم أن العديد من الدول العربية قبلت بها عبر التصديق على المعاهدات الدولية لحقوق الإنسان. ثم، بعد التعرض إلى ضغوط من المجتمع الدولي والمنظمات الأهلية، وافقت الجامعة العربية على الطلب من خبراء عرب مستقلين في مجال حقوق الإنسان (وهم أعضاء في هيئات متخصصة في حقوق الإنسان في الأمم المتحدة)، وضع مسودة. وبعد حصولهم على مساهمات من منظمات عربية ودولية، وضع هؤلاء مسودة تنسجم إلى حد كبير مع القانون الدولي، رحبت بها مجموعات حقوق الإنسان في المنطقة.
غير قابلة للتجزئة
لكن، حين طرحت المسودة الثانية على اللجنة العربية لحقوق الإنسان، أدخلت عليها اللجنة تغييرات مهمة. وكان الهدف من ذلك، في شكل رئيسي، أخذ في الاعتبار مواقف بعض الدول العربية في ما يتعلق بمسائل معينة في القانون الدولي، بما في ذلك عقوبة الإعدام، وحقوق المرأة، وحقوق غير المواطنين، وحرية التعبير والمعتقد الديني. ويعترف الميثاق النهائي بالعديد من الحقوق المهمة التي تتماشى مع القانون الدولي لحقوق الإنسان، كما هي مبينة في المعاهدات والاجتهادات وآراء هيئات الخبراء في الأمم المتحدة. يبدأ الميثاق بتأكيد شمولية حقوق الإنسان وعدم قابليتها إلى التجزئة، فيضع بذلك حدا لتشكيك بعض الدول العربية المستمر في شمولية حقوق الإنسان. كما يعترف بالحق في الصحة والتعليم والمحاكمة العادلة، والحرية من التعذيب وسوء المعاملة، واستقلال القضاء، والحق في تمتع الشخص بالحرية والأمن، والعديد من الحقوق الأخرى. لكن، في الوقت نفسه، لا يحظر الميثاق العقوبات القاسية أو غير الإنسانية أو التي تحط من مكانة الإنسان، كما أنه لا يمنح حقوقا إلى غير المواطنين في مجالات عدة. وهو يسمح أيضا بفرض قيود على ممارسة حرية الدين والمعتقد تتجاوز إلى حد كبير ما هو مسموح به في القانون الدولي لحقوق الإنسان، الذي يجيز فرض قيود فقط على الجانب المتعلق بحرية المجاهرة بالدين أو العقيدة، وليس على الجانب المتعلق بحرية اعتناق الدين أو العقيدة. علاوة عن ذلك، يترك الميثاق العديد من الحقوق المهمة للتشريعات الوطنية. وعلى سبيل المثال، فهو يجيز فرض عقوبة الإعدام على الأطفال إذا ما كانت التشريعات الوطنية تنص على ذلك. كما أنه يترك تنظيم حقوق الرجال والنساء ومسؤولياتهم في الزواج والطلاق للقوانين الوطنية.
وهكذا، يعكس الميثاق إلى حد كبير المجالات التي توافق فيها الدول الأعضاء في الجامعة العربية على ما هو وارد في المعاهدات الدولية لحقوق الإنسان، وتلك التي تتحفظ عليها.
أقل من حماية القانون!
حتى الآن، لم يصدق نصف الأعضاء في الجامعة العربية تقريبا على الميثاق. ففي لبنان، برزت مخاوف من أن الميثاق يقدم حماية أقل للحقوق من تلك التي توفرها القوانين اللبنانية. وللسبب عينه، ناشدت بعض المنظمات التونسية، بما في ذلك منظمات حقوق المرأة، الحكومة عدم التصديق على الميثاق. إلا انه في العديد من الدول الأخرى، لا يدور الكثير من النقاش أو البحث حول ما إذا كان يجب الانضمام إلى المعاهدة. كذلك، يمتنع عدد كبير من المنظمات العربية والإقليمية والدولية عن شن حملات ناشطة من أجل الحث على التصديق على الميثاق، لأنها تعتبر أنه يتعارض مع القانون الدولي في العديد من المجالات الأساسية. بدورها، تتعهد الدول التي تصدق على الميثاق تغيير قوانينها وسياساتها بما يتماشى مع أحكامه، بيد أن أيا منها لم يفعل ذلك حتى الآن. وقد تشكلت لجنة للإشراف على تطبيق الميثاق في يناير 2009، تتألف من أعضاء من الدول السبع الأولى التي صدقت عليه (الأردن، وسوريا، والبحرين، وليبيا، والإمارات العربية المتحدة، والجزائر، وفلسطين). وستتلقى اللجنة تقارير من الدول وتراقب تطبيق الميثاق وتصدر استنتاجاتها وتوصياتها في تقارير علنية. لكن، حتى الآن، ركزت اللجنة على أنها هيئة مستقلة، وعلى أن أعضاءها لا يتلقون تعليمات من الحكومات أو من هيئات الجامعة العربية. كما طالبت بأمانة فنية مستقلة لها، وطلبت الحصول على الدعم المالي والتقني اللازم من أمانة الجامعة العربية.
المطلوب التعاون والتكافل
في الختام، يتوقف نجاح الميثاق على مدى جدية الدول العربية ومنظمات حقوق الإنسان العربية في التعامل معه. فإلى جانب السؤال البديهي حول ما إذا كانت الدول العربية ستجري تغييرات فعلية في القوانين والممارسات كي تتماشى مع الميثاق، يتمثل السؤال المطروح هنا في ما إذا كانت المنظمات الأهلية العربية ستنخرط في العملية تماما كما تنخرط في المنظومات الإقليمية والدولية الأخرى.
ثم، من أجل أن ينجح الميثاق في تعزيز حقوق الإنسان، يجب على الحكومات العربية أن تبدي استعدادا لإعادة فتح النقاش حول بعض الأحكام التي تتناقض بوضوح مع المعايير الدولية. أما المقياس الآخر عن جدوى الميثاق، فهو السؤال حول ما إذا كان ثمة نقاشات جدية حول حقوق الإنسان ستنطلق داخل جدران الجامعة العربية، حين ترفع الدول تقاريرها عن الإجراءات التي اتخذتها للتقيد بالميثاق أمام اللجنة..
* ميرفت رشماوي، مستشارة قانونية في الأمانة الدولية لآمنستي (عن كارنيغي)
المصدر: جريدة القبس الكويتية 12/12/2009
http://www.alqabas.com.kw/Article.aspx?id=557341