أ . عالية فريد >> أخبار و مقالات


إنقاذ جدة: مؤسسات المجتمع المدني في الصدارة

26 ديسمبر 2009 - جريدة الجزيرة

إنقاذ جدة: مؤسسات المجتمع المدني في الصدارة 

د. فوزية البكر

تعتمد المجتمعات الحديثة اليوم على الخدمات التطوعية التي تشكل جزءاً أساسياً من بنية الخدمات المقدمة في كثير منها حيث لم تعد الحكومات فيها قادرة بمفردها على ملاحقة التنوعات في الاحتياجات والخدمات لمواطنيها مما أوجد الأرضية المناسبة للعمل التطوعي الذي يصل في بعض البلدان إلى أكثر من 40% من الخدمات التي تقدم للسكان.

كما أن المؤسسات نفسها تدير أساطين من الرجال والنساء المتطوعين في مختلف أصقاع العالم كما هي مؤسسة (AFS) وهي المؤسسة الأمريكية للعمل الميداني والتي تم إنشاؤها بعد الحرب العالمية الأولى ويعمل بها اليوم أكثر من مائة ألف متطوع حول العالم والتي تركز على برامج التبادل التعليمي والثقافي لزيادة التقارب والتفاهم والحوار بين شعوب العالم.

في المقابل لا يزال العمل التطوعي في المملكة وليداً ضعيفاً ضمن حركة نمو مؤسسات المجتمع غير الحكومية التي تحاول تكثيف جهودها لحل أزمات القطاعات البشرية التابعة لها ضمن مفاهيم ومتطوعين تظل أعدادهم محدودة مقارنة بمفاهيم العمل التطوعي العالمية.

الذي حدث ويحدث في جدة اليوم هو المختلف الذي يستحق التنويه به وهو ما يستحق أيضا انتباه الباحثين في مجال الدراسات الاجتماعية في المملكة والذين كانوا يؤكدون في دراساتهم دائما على ضعف دوافع وتقاليد العمل التطوعي بين السكان في المملكة بحكم ندرة وجوده في المؤسسات العامة واعتماده على أعمال فردية متفرقة.

جدة اليوم تذهلنا بما يبدر من رجالها ونسائها خلال أيام الكرب التي تمر بها بحيث انتفضت المدينة ووقفت وقفة إنسان واحد لا يعنيه سوى حماية من بداخله ومن هنا تجمعت معظم المؤسسات التطوعية تحت مظلة واحدة تقريبا سمتها إنقاذ جدة دون أن تعنى بوجود اسم أو صور لها أو لمسئوليها وتم استخدام التكنولوجيا للتواصل والتنسيق ودعوني أسمعكم صوت الأستاذ أحمد صبري المنسق لبعض هذه اللجان التطوعية في جدة وكيف يرى الأمر من زاويته كمن يعمل في الميدان بشكل مباشر:

يقول الأستاذ أحمد: هناك نقاط أساسية لابد من الإشارة لها عند الحديث عما يحدث الآن في جدة بالنسJJبة للعمل التطوعي وهو:

1- الإنترنت هو الآن أحد أهم ما يحرك الشباب فقد كانت نداءات الشباب الناشط عبر الإنترنت أحد أكبر المحركات في عبارات مثل (هبوا لنجدة مدينتكم) أو (إلى قويزة وما بعد قويزة وما بعد ما بعد قويزة) وما شابه، وهناك آخرون شكلوا مجموعات إلكترونية استطاعوا من خلالها تجميع العديد من الحقائق والصور للمتطوعين ومنهم مجموعات حقوقية وهذا تطور كبير في الحراك المدني السعودي.

2- وصل المتطوعون إلى بعض المناطق المتضررة قبل الكثير من الجهات ذات العلاقة.

3- فضلت العديد من المجموعات الموجودة محو اسمها في هذه الأحداث والانخراط مع باقي المجموعات دون أن يذكر لهم اسم أو مدح فتشكلت جبهات تجمع العديد من المجموعات.

4- مارس الناشطون في أول أيام توثيق ومسح وتصوير المناطق المتضررة، ولكن كان أحد أهم إنجازاتهم القدرة على التجنيد والقدرة على النشر والقدرة على بث روح التفاؤل والإيجابية في المتضررين وإشعارهم بالتضامن.

5- عدد المتطوعين بالمئات ويزداد عن كل يوم وهم من الجنسين وفيهم السعودي وغير السعودي وفيهم شباب صغار في السن (16 سنة أقل شيء وصلني).

6- كان للعلماء والدعاة المشهورين في جدة دور ومنهم السيد عبد الله فدعق الذي نزل للميدان مع جزء من طلبته ونشرت مقابلة له مع صحيفة الوطن تضمنت قوله بأن (أهلنا في المناطق العشوائية لا يستحقوا ما جرى لهم كما قد يتصور البعض) وقال: (أسئلة الناس في المناطق المتضررة تدل على أنه يجب أن نسهم وبقوة في جهود لتوعيتهم بحقوقهم وهذا يتماشى مع ما وجه به ولي الأمر قبل مدة بسيطة بنشر ثقافة حقوق الإنسان).

7- بعض من أول الواصلين للمناطق المتضررة والمساهمين في حملات التبرعات ناشطون أيضاً في القضية الفلسطينية وهذا يدل على نقطة نحب دوماً التأكيد عليها وهي أنه لا تناقض بين الاهتمام بالشأن المحلي وبين سائر شؤون الأمة.

8- تمكن المجتمع المدني بمؤسساته الرسمية وغير الرسمية وبأفراده أن ينظم نفسه بسرعة مثيرة للإعجاب مما يثبت أن العمل في مؤسسات المجتمع المدني غير الرسمية قد تطور بشكل كبير جدا.

الآنسة دارين كوسة إحدى متطوعات نادي أحلام جدة والذي انضوي تحت مظلة إنقاذ جدة كغيره من المجموعات التطوعية من أجل توحيد وتنسيق الجهود تذكر:

استقبلنا أعدادا هائلة من المتطوعين وأذهلنا أكثر في حملتنا هذه لإنقاذ جدة أننا نرى الشباب والشابات والغواصين والمهندسين ورجال الأعمال والأمراء وسيدات البيوت سواء من داخل الغربية أو خارجها والكل يرغب في تقديم مساعداته التي يستطيع أن يقدمها بغض النظر عن موقعه أو جنسيته أو لونه…

الجميع يعمل لهدف واحد وهو تخفيف آثار المصاب على أهالي جدة وحمايتها من المزيد من الغرق.

والآن أعمالنا تكمن في: جمع التبرعات العينية وسحب السيارات المتضررة من الطرق وترميم المباني والبيوت المتضررة وتوزيع المعونات الغذائية والعينية على الأسر وتنظيف شوارع جدة والتطوع لتقديم الخدمات الطبية العاجلة. وكل ذلك يجري على مدار الساعة حيث تستقبل هذه المجموعات التطوعية الاتصالات والتبرعات عبر مواقعها الالكترونية.إن ما يحدث في جدة هو غيض من فيض من تيار شعبي عم الكثير من مدن وقرى المملكة مما يعين حقيقة بسيطة أن الناس لديها الاستعداد النفسي لتبني أهداف نبيلة وعامة إذا وجدت الأرضية المناسبة وتم القبول الحكومي والشعبي لهذه المبادرات وتوفر من ينسق لها مباشرة على أرض الميدان كما يحدث اليوم في جدة وغيرها من مدن المملكة. هذا الأمر فرصة للكثير من المؤسسات الخيرية والإنسانية لتراجع برامجها وطرق إدارة المتطوعين المنتمين لها والاستفادة من تجارب المؤسسات التطوعية العالمية الكبرى في هذا المجال لتعزيز وتمكين القوى الشعبية ومؤسسات العمل التطوعي هي احد أشكال هذا التعزيز.

المصدر: جريدة الجزيرة 13596 السبت 02 محرم 1431   العدد  13596

http://www.al-jazirah.com/132492/ar9.htm

أضف تعليقاً