“الخطاب الثقافي” يؤكد على الالتئام حول الثوابت الدينية والوطنية والانفتاح على الآخر
28 ديسمبر 2009 - جريدة الوطنابن معمر: خادم الحرمين وجه بتخصيص أوقاف لـ”الحوار الوطني”
“الخطاب الثقافي” يؤكد على الالتئام حول الثوابت الدينية والوطنية والانفتاح على الآخر
الهفوف: عدنان الغزال
أعلن الأمين العام لمركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني فيصل بن عبدالرحمن بن معمر عن صدور توجيه خادم الحرمين الملك عبدالله بن عبدالعزيز بتخصيص أوقاف وثلاثة أبراج استثمارية ضخمة كموارد مالية ثابتة لمركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني، وذلك لضمان استمرارية أداء وفاعلية المركز، موضحاً أن المركز يعتبر من مؤسسات المجتمع المدني المستقلة في برامجها ومواردها المالية، لافتاً إلى أن أحد تلك الأوقاف في المدينة المنورة.
وأكد خلال افتتاح فعاليات اللقاء الفكري، الذي نظمه المركز صباح أمس تحت عنوان “واقع الخطاب الثقافي السعودي وآفاقه المستقبلية”، بالأحساء بمشاركة نحو 70 من المثقفين، أن المركز أصبح قلعة من قلاع الحوار، وسيكون له حضور متميز خلال المرحلة المقبلة.وأبان رئيس اللقاء الشيخ صالح الحصين أهمية طرح موضوع واقع الخطاب الثقافي السعودي وآفاقه المستقبلية خلال الفترة الراهنة، مشيراً إلى مدى أهمية أن يتمثل المثقفون والمفكرون طريقة الاستدلال القرآني في الحكم على الأشياء والظواهر، وأن يتحلى الجميع بالمعلومات ومصادر المعرفة المختلفة للتوصل السديد لهذا الحكم، مشيراً إلى أن دور المركز سيقتصر على إدارة اللقاء بما يضمن حرية المشاركة لجميع المشاركين وطرح الآراء والأفكار التي يرون أن من شأنها الإسهام في تطور الخطاب الثقافي السعودي، مشدداً على عدم وجود أي قيود على حرية المتكلم وإبداء رأيه وفكره التي يعتقد، وتجنب أي تأثير على المشارك.
عقب ذلك، انطلقت فعاليات الجلسة الأولى، التي أدارها نائب رئيس اللجنة الرئاسية بالمركز الدكتور راشد الراجح، والتي تناولت موضوع: “المشهد الراهن للخطاب الثقافي السعودي وتوجهاته الحالية”، تحدث فيها أكثر من 50 مشاركا ومشاركة أكدوا ضرورة الالتئام حول المبادئ والثوابت الدينية والوطنية، والانفتاح على الخطاب الثقافي العربي والعالمي والاستفادة من ذلك في تطوير الخطاب الثقافي السعودي.
واستهل الدكتور معجب الزهراني بالحديث عن وجود تيار فكري مهيمن منذ عقود، ورأى أن الخطاب الثقافي متنوع ومتعدد، ويجب أن يظل هكذا لكي يثري أذهاننا وأذواقنا ويرسم المصير المشترك الذي نسميه الوطن، محذراً من خطورة أحادية الرأي والهيمنة من طرف على آخر، في مجال الثقافة والفكر، بينما تحدثت نورة العدوان عن لغة الخطاب الثقافي السائدة التي تتسم بـ”التعديات على الأشخاص” حسب تعبيرها، وطالبت بتأسيس جمعيات مدنية تراقب ما يصدر في الصحافة من “تعديات”. فيما رأى الدكتور مسعد العطوي أن مشهدنا الوطني يتنوع بين الخطاب الاجتماعي، والفكري، والديني، وتساءل عن دور الفرد في نسيج هذه الثقافة، وقال: نحن أحوج ما نكون إلى أكاديمية عليا يستقي منها الإعلامي والعالم والواعظ، ويبني السياسي قراراته.
وتسـاءلت هـدى الدليجان عن غياب قضايا ملحة وحـاسـمة مثل: حقوق المرأة، الأنظمة، المخرجات الثقافية، مؤسسات المجتمع المدني، قائلة إن وسائل الإعلام تغيّب كل هذا.
وأشار الدكتور محمد الهرفي إلى أنه أجرى استطلاعاً للرأي على بعض الطلاب الجامعيين حول الخطاب الثقافي السعودي، وجاءت نتائجه أن الخطاب لا يعجبهم ولا يلبي تطلعاتهم. وأبان الدكتور عبدالرحمن الحبيب أن الخطاب الثقافي يعاني من “المساجلة والارتجالية”، فيما أشار الغذامي إلى منع ندوات ومحاضرات خلال العامين الماضيين، وحضور “صيغة المنع” في حياتنا الثقافية، مستشهداً برفض بعض المشاركين في اللقاء السلام على البعض الآخر. وأوضحت حليمة مظفر أن الخطاب يعاني من هيمنة الغلو والتحريم المستمر والازدواجية في الداخل والخارج.
وتركزت مداخلات الدكاترة عبدالله الغذامي، وحمزة المزيني، وعلي الموسى، وأميرة كشغري، وفاطمة العتيبي، ونوال العيد، حول تعدد الخطاب الثقافي وتنوعه، وإيقاف هيمنة الخطاب الأحادي، وركزت على أن الخطاب الثقافي “لا يلبي متطلباتنا”، وأن الإسلام والوطن هما الجامع لمختلف الخطابات، فيما أقر الموسى بوجود التطرف الفكري بين الخطابين الديني والثقافي. وقال: إن خريجي “تورا بورا” لم ينزلوا من السماء كالمطر، وليسوا تلامذة للغذامي وحمزة المزيني وتركي الحمد!.
وفي المقابل تحدث عوض القرني، ونوال العيد، وعبدالعزيز القاسم، ووليد الرشودي عن أن بلاد الحرمين ترتكز على الإسلام، وعلى الشريعة الإسلامية، وأن الخطاب الثقافي السعودي لم يقف على اختراق الخصوصية الشرعية. ورأى عبدالعزيز القاسم أن هناك انقلابات بيضاء على الفقه السائد من جانب العلماء أنفسهم، وتجلى ذلك في موضوع “الاختلاط”.
وتحدث الدكتور سعيد السريحي عن مفهوم “الوسطية” وأن هذا المفهوم مغلوط في حياتنا، حيث انتقل من مجال الأخلاق، إلى مجال الفكر، مما أدى إلى التضييق على مساحة الفكر، فالفكر لا يشترط عليه شرط قبل أن يكتشف الآفاق، والوسطية تقيد الفكر.
وتناولت الجلسة الثانية، “المؤسسات الثقافية وتأثيرها في الخطاب الثقافي”، والتي أدارها نائب رئيس اللجنة الرئاسية بالمركز الدكتور عبدالله نصيف، واقع المؤسسات الثقافية ومدى توافقها مع مخرجات المؤسسة التعليمية، وآليات تطويرها. وأكد المشاركون أن المؤسسات الثقافية والإعلامية ستظل المؤثر الأساسي في صناعة ثقافة المجتمع وتطويرها، وأن ضعفها سيؤدي إلى انصراف المتلقي إلى مؤسسات إعلامية وثقافية أكثر جاذبية. ودعا الدكتور محمد أبو ساق إلى تطوير المؤسسات الثقافية لتشمل جميع الأطياف والتوجهات الثقافية، لتكون المؤثر الأكبر في صناعة وعي وثقافة أبناء مجتمعنا.
من جهتها قالت ليلى الأحيدب في مداخلتها إن النظرة العامة لوضع المؤسسات الثقافية تكشف عن تناقض ما بين المؤسسة التعليمية وما تطرحه المؤسسة الإعلامية، وأنه لا بد من إيجاد تقارب بين خطاب المؤسستين، فيما تناولت الدكتورة ثريا الشهري وضع الصفحات الثقافية في المؤسسات الصحفية، والتي ترى أن بعضها قد أفرغ من محتواه الثقافي.
من جانبه أوضح الدكتور عبدالله الغذامي في مداخلته أن ثقافة العصر تؤكد أن الوسيلة الإعلامية أو الثقافية الأكثر تنافسية هي الأكثر نجاحاً، وهو ما يعني ضرورة تطوير المؤسسات الإعلامية والثقافية لتصبح أكثر تنافسية وأكثر جذباً للمتلقي.
وقال الدكتور عبدالرزاق الزهراني: الخطاب الثقافي السعودي يعتبر خطابا معتدلا يتسم بالوسطية والتسامح بالرغم من وجود ثلاثة مستويات ثقافية: الليبرالية والمتشددة والمستوى المائع، وهي مختلفة وغير منضبطة ويعتبر المستوى الوسطي هو السائد في المجتمع.
وأكد حمود أبو طالب أن القضايا الفكرية هي التي تشكل الحوار الوطني، لافتاً إلى أن مركز الحوار الوطني تعرض لنقد شديد بابتعاده عن القضايا الفكرية والتوجه إلى الموضوعات الخدمية التي لا تتناسب مع ما يهدف إليه المجتمع من هذا المركز، مطالباً بأن يرقى الحوار الثقافي إلى طموحات خادم الحرمين الذي سبق العالم أجمع عندما حول الحوار الداخلي إلى حوار بين أتباع الديانات المختلفة على المستوى العالمي والوصول به إلى آفاق أرحب.
وأضاف عبدالعزيز القاسم أن الخطاب الثقافي يعيش مرحلة تحول تاريخية، بسبب أن الساحة الشرعية التي هي عمق الساحة الثقافية ستشهد خروج العديد من الفتاوى كالاختلاط ولعل تصريح وزير العدل وهو من عمق الثقافة الدينية السعودية دليل على ذلك.
وأشار الدكتور أحمد الحليبي إلى أن اللقاء أسهم في إزالة نوع من الضبابية التي تغلف خطابنا الثقافي، موضحاً أن واقع الخطاب الثقافي السعودي يشوبه كثير من الضبابية لاسيما فيما يخص الماهية المقصودة منه.
المصدر: جريدة الوطن الأربعاء 6 محرم 1431 ـ 23 ديسمبر 2009 العدد 3372 ـ السنة العاشرة
http://www.alwatan.com.sa/news/newsdetail.asp?issueno=3372&id=129549&groupID=0