العنف الأسري .. جرائم علنية الجاني فيها “بريء”
13 مارس 2010 - جريدة اليومأساليب “مخيفة”.. وإحصاءات “مقلقة”
العنف الأسري .. جرائم علنية الجاني فيها “بريء”
عبير العلي وعبدالله الحسين ـ الأحساء
تبدو مشكلة العنف الأسري في المملكة والوطن العربي، مختلفة عن نظيرتها في دول العالم، فهي تتفاقم يوماً بعد آخر، وتتخذ أشكالاً “مخيفة”، وتشهد إحصاءات “مقلقة”، ورغم ذلك، ممنوع المساس بـ”الجاني”، وممنوع مساعدة “المجني عليه”، ليس لسبب، سوى أن الأمر شخصي بحت، وان التدخل في الشؤون الداخلية للأسرة وأفرادها، هو تطفل غير مسموح به، ومن يفكر في مناقشة المشكلة، متطفل، يجب عقابه في عرف المجتمع، الذي ساد وانتشر منذ مئات السنين، ولا طريق لتغييره.
الدلالة والمعنى
على الرغم من تعدد أشكال العنف الأسري بتعدد الأطراف المكونة للعلاقات الأسرية، فإن الاهتمام كثيرا ما ركز على الطفل والمرأة نظرا لطبيعة الصلة التي تحكم علاقة الرجل بهما، سواء داخل الأسرة أو في المجتمع بشكل عام, وظاهرة العنف الأسري، التي كانت تعتبر شأنا داخليا، ومن المواضيع المسكوت عنها، أصبحت في ظل التطور الحضاري مسألة مكشوفة وموضوعة على طاولة البحث والتدقيق والمساءلة والإدانة، بحيث إنها في العقد الأخير من القرن العشرين، أضحت أهم المسائل التي أميط عنها اللثام، وكشفت ما تخفيه من الممارسات اللا إنسانية, إذ تحمل عبارة “العنف الأسري” في طياتها تناقضا في الدلالة والمعنى، فالأسرة ترتبط عادة بمعاني المحبة والمودة وليس بالعنف والصراع, والعنف الأسري يشكل خطورة كبيرة على حياة الفرد والمجتمع، فهو من جهة يصيب الخلية الأولى في المجتمع بالخلل، مما يعيقها عن أداء وظائفها الاجتماعية والتربوية الأساسية في أحسن الأحوال وأفضل الظروف، وهو من جهة ثانية يساعد على إعادة إنتاج أنماط السلوك والعلاقات غير السوية بين أفراد الأسرة، وهذا يستوجب الاهتمام العلمي بهذه الظاهرة، لتحليل ووصف أسبابها وآلياتها.
ومن الصعب تحديد مفهوم العنف الأسري تحديدا دقيقا، غير أنه يمكن القول بأنه هو العنف الموجه لواحد أو أكثر من أفراد الأسرة ذاتها أو أحد منها، أو بعبارة أخرى هو كل أشكال السلوك العدواني الذي تترتب عنه علاقات قوة غير متكافئة داخل المحيط الأسري, ويأتي السياق الدولي للظاهرة في 1999، إذ أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة عبر القرار رقم 54/134، يوم 25 نوفمبر من كل سنة، اليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة، كما دعت في القرار نفسه الحكومات والمنظمات الدولية والمنظمات غير الحكومية لتنظيم نشاطات معدة خصيصا لزيادة الوعي بالمشكلة في ذلك اليوم.
ظاهرة غريبة.
والعنف الأسري ظاهرة غريبة وجديدة على مجتمعاتنا العربية، طرقت أبوابنا في الآونة الأخيرة بشدة، وذلك ناتج لما اعترى وظيفة التنشئة الاجتماعية في النظام الأسري من تغيرات نشأت كظواهر سلبية للحضارة الحديثة، ويكمن مصدر الخطر في ظاهرة العنف الأسري في أنها مؤشر لفشل عملية التنشئة الاجتماعية التي تعد من بين العمليات الرئيسية التي تحافظ على بناء المجتمع وأمنه، ويشكل العنف الأسري وخاصة ضد النساء ذروة الضعف والعجز عن التواصل والعدوانية واللا إنسانية، التي يمكن أن يقوم بها البشر، لأنها تسير في الاتجاه المعاكس لما يجب أن يحظى به الإنسان من كرامة، وما يجب أن يتصف به من عفة، سواء في التصرف أو التعامل, لكن بالرغم من اهتمام النصوص الدولية لحقوق الإنسان بموضوع العنف الأسري، وبالرغم من مصادقة معظم الدول العربية على هذه النصوص، وبالرغم من النضالات والاعترافات والمفاهيم الجديدة، إلا أن العنف الأسري في المجتمعات العربية ما يزال حاضرا في الحياة اليومية، بكل أشكاله وأنواعه وفي كل المجالات والأمكنة.
عدم الإفشاء.
على الرغم من أن هذه الظاهرة منتشرة ومعروفة في كل المجتمعات المتقدمة منها والمختلفة، فإن الإحصاءات الدقيقة لحجم انتشارها في العالم العربي غير معروفة، لما ينتابها من تستر ورغبة في عدم الإفشاء أحيانا على اعتبار أن الخلافات الأسرية وخباياها الحميمة لا ينبغي ـ في نظر البعض ـ أن تفشى، أو مخافة التعرض للمزيد من العنف بعد التشهير وإعلانه, وتأتي أسباب العنف الأسري بأنه يوجد هناك سببان رئيسيان. ما بين أسباب عامة وأخرى خاصة, وتكمن الأسباب العامة في تعقد الحياة العصرية وتغير العلاقات الاجتماعية, كذلك طغيان المادة والروح الاستهلاكية على العلاقات في نمط الحياة, أما عن الأسباب الخاصة فهي ضعف الضبط الأسري (تخلي الأسرة عن دورها) والتفكك الأسري, وتأتي مفاهيم ومظاهر العنف الأسري حيث يعتبر العنف عموما ظاهرة من ظواهر الحياة المعاصرة التي تعج بالمشكلات والصعوبات والإحباطات النفسية والاجتماعية والاقتصادية، مما يؤدي إلى القلق والتوتر ومن ثم إلى العنف.