أ . عالية فريد >> أخبار و مقالات


قتلت الطفولة

13 مارس 2010 - جريدة عكاظ

قتلت الطفولة

عبدالله مغرم
لم تغب عن الأعين لحظة واحدة مقطع البلوتوث الذي يصور فيه الأب طفلته التي زج بها في المسبح، وهي تصارع من أجل البقاء وسط تهكمه وتهكم أبنائه،وتحذير أبيه لابنائه بأن لا يخرجها أحد، وهذا يوضح مقدار العطب في العقل التربوي السعودي.
إن المتأمل لدورة حياة الطفل السعودي، يجد وبلا شك أن سنوات الطفولة الخمس الأولى تنقسم مناصفة بين الدلال في بدايتها، ومكافحة الدلال في آواخرها، وتلك السنوات الخمس تعد أساس تكوين الإنسان، ونتيجة لممارسات التربية البالية لتلك السنوات يكون الأبناء ضحايا البرمجة الثقافية المحلية.
كنت قبل فترة بصحبة صديق من جنسية غربية في منطقة الثمامة خارج مدينة الرياض، وبدأنا نشرح له طبيعة التقاليد السعودية في الاستمتاع بالأجواء الرملية الهادئة، خاصة بعد غروب الشمس، وما أن نلتفت إليه إلا ونجد السرور يغطي محياه، وما أن انتهينا إلا وعلامة تعجب واستفهام تكتسح وجهه، وكأننا نسينا بعض التفاصيل، فسأل وماذا عن الأطفال؟ احترنا في الإجابة عليه، ولكننا كنا مضطرين للتبرير فذكرنا أنهم يحضرون بعض ألعابهم من المنزل، ثم التفت بعد أن أدرك كل تفاصيل الحياة الممتعة التي يحرص عليها المجتمع وينسى أهم شريحة وهي الأطفال «عرفت الآن صعوبة أن تكون طفلا في السعودية!!!».
أوضحت دراسة وطنية، أن الأطفال يعانون أنواعا من العنف، أبرزها الإهمال العاطفي والمتمثل في عدم إشباع حاجة الطفل إلى الحب والتقدير أو مشاهدة شجار بين والديه، والعنف النفسي والمتمثل في الحرمان من المكافآت المادية والمعنوية، والإحباط والتهديد بالضرب، فضلا عن العزل عن المجتمع والتجاهل، بالإضافة إلى العنف الجسدي، والذي لا يخفى على أي متابع للصحافة الوطنية المشاهد الدامية التي تنقلها عدسات الكاميرات من أجساد الأطفال وكأنهم ناجون من حروب أهلية للأسف.
إننا اليوم أمام تحد جسيم، أمام تبعات طفرة نفطية لا تزل بإمكانها أن تصنع مجتمعا متصالحا مع نفسه، فالمجتمع في أغلبه، انقسم بين انغلاق يجعل من ابنائهم أضحوكة، نتيجة بعدهم عن معتركات التقنية بحجة المحافظة، وبين شريحة أخرى جعلت تبعات التمدن أساس انطلاق، والبديل الأنسب والأنجح الاعتدال، السير بين الشريحيتن السابقة، وتشجيع الرقابة الذاتية على حساب المجتمعية وليس العكس كما هو حاصل، فالتحديات القادمة لا تعد ولا تحصى، ولا بديل عن الاعتماد على العقل والتغيير أساس عمل، ووضع العاطفة في موضعها الصحيح دون تضخيم يحجم العقل.
إن السبب الرئيس المسؤول عن استمرار العنف ضد الأطفال وآثاره اللا محدودة على المجتمع، هو عدم وجود جهاز فاعل مسؤول عن التربية، فالمتاح الآن مؤسستين لحماية حقوق الإنسان، تعمل إحداهما بإصدار تصاريح توضح عدد الحالات، وتنسى أن المعنف بهم مصيرهم هو الحياة مع أرباب العنف، وهذا ما يحتم على ضحايا العنف التراجع أميالا عن التقدم بشكوى، وهذا لا يدع مجالا للشك أهمية إلزام جهاز أو أكثر بالتوعية حتى تخف الآثار النفسية والاقتصادية التي أنتجتها أساليب التربية الحالية، فالبطالة خير شاهد، فهي ليست نتاجا لمحدودية الوظائف، بل لسوء التربية، فالمربون ربوا أبناءهم منذ سنوات مبكرة على قتل العقل، والانصياع للتوجيهات، وهذا ما صنع من الغرض من التحاقهم بالتعليم النظامي هو الحصول على وظيفة وليس ممارسة العقل، فعندما لم تتوفر الوظيفة غرقوا، ونفض المجتمع يديهم من أبنائهم العاطلين، وأصبح الشارع هو حضنهم الأول، ومع ذلك لم يصدق المجتمع إلى الآن مع ذاته، خاصة المربين الذين يعترفوا بأنهم سبب البطالة، وسبب الكثير من الأزمات وعليهم التغيير.

http://www.okaz.com.sa/new/Issues/20100307/Con20100307336906.htm

أضف تعليقاً