حقوق العمال واجب وطني تؤكد عليه قوانين الدولة
13 مارس 2010 - جريدة الخليجشركات تختفي وأخرى تماطل و”العمل” في حيرة
حقوق العمال واجب وطني تؤكد عليه قوانين الدولة
تحقيق: عصام همام
لا أحد فوق القانون، فالكل سواسية في الحقوق والواجبات، سواء كانوا عمالاً أم أرباب عمل، وهذا ما أكدت عليه قيادات الوطن مرارا وتكرارا ووضعوا العديد من القوانين الكفيلة لضمان حصولهم على مستحقاتهم المالية خاصة في القطاع الخاص ما جعل الإمارات مثالاً يحتذى به في دول عديدة في مجال حقوق الانسان، ومع عودة الثقة في سوق العمل، وانقشاع حالة الضبابية التي سادت أعقاب الأزمة المالية، بفضل الجهود المبذولة للتعافي، والوقوف لدفع عجلة الإنتاج، إلا أننا نجد قلة مازالوا ينفخون في رماد الأزمة، ويتعلقون بذيولها وكلما هدأت حدتها، تعالت أصواتهم إما بقرع الأبواب لتلقى مساعدات، أو الحصول على استثناءات أو اعفاءات من التزامات مالية، فضلاً عن طلبات الاسترحام التي لا آخر لها، هؤلاء هم أصحاب المنشآت الصغيرة الذين اتخذوا من الأزمة زريعة للضغط على العاملين فيها، إما بتخفيض رواتبهم، أو بالتنازل عن بعض مستحقاتهم المالية ملوحين بإنهاء خدماتهم في حال عدم الرضوخ لرغباتهم، وهذا ما يخشاه الكثيرون خاصة أن معظمهم عليهم من الالتزامات المالية ما يجعلهم يخضعون لتلك الضغوط والقبول بتخفيض رواتبهم .
هذه الفئة من أصحاب المنشآت حاولوا استغلال الأزمة لتحسين أوضاعهم على حساب العاملين لديهم، وهؤلاء وان كانوا غير مقبولين إلا أنهم أقل وطأة من تلك المنشآت التي عمدت إلى أكل حقوق العاملين فيها تماما بعدم دفع رواتبهم الشهرية لمدد تصل إلى أكثر من 6 شهور، هذه الفئة لم نكن نراها من قبل، وهي دخيلة على سوق العمل .
وكانت وزارة العمل قد اكدت ضرورة التزام المنشآت بتحويل رواتب العاملين فيها وفق نظام حماية الأجور بحسب القرار الوزارى 188 الصادر في ستمبر من العام ،2009 ويبلغ عدد المنشآت التي يسرى عليها القرار 4100 منشأة، تضم في ملفاتها أكثر من مليونين و100 ألف عامل ، ويقضى القرار الوزارى بوقف منح أي تصاريح عمل جديدة للمنشآت التي تتأكد الوزارة من مخالفتها لقانون العمل، مع إحالة المسؤولين فيها إلى القضاء، لاتخاذ ما يلزم من أحكام، تضمن حصول العمال على مستحقاتهم المالية .
“الخليج” بحثت وتطرقت إلى العديد من جوانب القضية، وحاورت عدداً من أصحاب المنشآت والعمال، وتوجهت للمسؤولين في وزارة العمل، للوقوف على الإجراءات التي تتخذها الوزارة للحد من انتشار هذه الظاهرة، كما أتاحت الفرصة لعدد من المواطنين لإبداء الرأي فكان هذا التحقيق:
أكد أحمد درويش نائب مدير إدارة علاقات العمل بوزارة العمل أن تمكين العامل من الحصول على حقوقه، أولى اهتمامات الوزارة في حال تقدم العامل بشكوى تفيد بعدم حصوله على مستحقاته المالية، لافتاً إلى أنه أثناء بحث الشكوى عن طريق الباحث القانوني، نجد الكثير من أصحاب العمل ليس لديهم أي فكرة عن الشكوى المقدمة ضدهم، وبمطالبتهم بدفع مستحقات العامل، لا نجد منهم مماطلة، ويبادرون إلى دفعها، وناشد درويش العمال المطالبين بحقوق لهم بضرورة التوجه لصاحب العمل أولاً، وفي حالة عدم الاستجابة لطلباتهم، عليهم التوجه إلى الوزارة لتقديم شكواهم .
وحول الإجراءات المتبعة لفض المنازعات بين العمال وأرباب العمل، قال ان دور إدارة علاقات العمل هي إيجاد تسوية ودية للنزاع، وفي حال عدم تجاوب صاحب المنشأة للاستدعاءات التي توجهها له الوزارة، أو تعذر الحل الودي، فإن إدارة علاقات العمل تقوم بتحويل الشكوى إلى إدارة التفتيش العمالي، التي تقوم بدورها بتخصيص مفتش لتقييم مدى التزام المنشأة بأحكام القانون الاتحادي، بشأن تنظيم علاقات العمل، وبحسب قوله، فإن الوزارة تقوم بفرض حظر على المنشآت المخالفة، وعدم منح أي تراخيص عمل جديدة لها، حتى تقوم بتسوية أوضاعها، مع إحالة الموضوع برمته للقضاء لاتخاذ ما يلزم، خاصة إذا تأكدت الوزرة من مماطلة أصحاب العمل .
تشريعات العمل
وحول ذات الموضوع، يقول عبدالوهاب عيسى خبير إدارة المكاتب بوزارة العمل إن تشريعات العمل ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالمتغيرات التي تطرأ على سوق العمل، وتم وضع قوانين عديدة لتنظيم العلاقة بين العامل وصاحب العمل على أسس ومبادئ، تم دراستها بطريقة موضوعية، لتحقيق المساواة الكاملة بين العامل المواطن والعامل الأجنبي، بالرغم من إدراك المشروع مقدماً أن الغالبية العظمى من العمال في الدولة هم من العمالة الأجنبية، وهذا يؤكد أن الجميع أمام القانون على حد سواء، لافتاً إلى أن وزارة العمل تنظر باهتمام بالغ إلى القضايا العمالية، وتعمل على حل المنازعات التي تنشأ بين العامل وصاحب العمل، من خلال آلية تضمن حقوق الأطراف كافة .
ويقول سعد العويلي مدير شركة تعمل في مجال البناء والتشييد إن الأزمة المالية أفرزت العديد من المعطيات الجديدة على سوق العمل، من أهمها تخفيض الرواتب للعاملين بما يتناسب مع الوضع الحالي، حيث انخفضت إيجارات الشقق السكنية بصورة ملحوظة، خاصة في دبي وأبوظبي والشارقة، وارتفاع الرواتب كان بسبب ارتفاع السكن، ومن الطبيعي أن تقوم الشركة عقب الأزمة بتخفيض نفقاتها، ولكن ليس بعدم دفع رواتب موظفيها وعمالها لأن هذا حرام، ولا أحد يقبله، لأن العامل ترك بلده وجاء هنا، ليعمل ويستفيد من الراتب لتحسين دخله، وطالما أنه يؤدي عمله كما يجب وفق شروط العقد، فلا بد من إعطائه حقوقه كاملة .
وأضاف العويلي ان القطاع الحكومي لم يتأثر كثيراً بالأزمة المالية، ولم يتم تخفيض الرواتب فيه، أما القطاع الخاص فكان الأكثر تضرراً، حيث أنهيت خدمات العديد من الموظفين والعمال، وخفضت الرواتب، خاصة خلال العام الماضي، ولكن مع بداية العام 2010 بدأت عجلة العمل في الدوران من جديد، وشاهد سوق العمل انتعاشاً كبيراً، خاصة مع تصريحات كبار المسؤولين في الدولة التي أسهمت بشكل كبير في عودة الثقة بين المتعاملين في مختلف القطاعات .
وحول الموضوع ذاته، يقول اسماعيل آل رحمة مندوب علاقات عامة بمصنع للورق: لست من أنصار تخفيض الرواتب، لأن ذلك يؤثر في حالة العاملين نفسياً، وبالتالي ينعكس على أدائهم الوظيفي، بما يعود بالسلب على صاحب العمل، فلا بد من توفير سبل الراحة للعاملين، ليتمكنوا من تأدية أعمالهم، في مناخ صحي من دون ضغوط أو منغصات، ولا يمكن بأي حال من الأحوال هضم حقوق العمال، وعدم دفع رواتبهم الشهرية، لأنهم يبذلون الجهد والعرق، ويجب مكافأتهم بمنحهم الحوافز والعلاوات، وهذا ما يحدث في المصنع الذي أعمل فيه، حيث يضم أكثر من 3000 عامل وموظف حيث يعمل أصحاب العمل على تهيئة المناخ المناسب للعاملين، ليتمكنوا من أداء مهامهم على الوجه الأكمل .
أما المنشآت التي لا تدفع رواتب موظفيها، فهي تسيء لهذا البلد، ولا بد من الضرب بيد من حديد على كل من تسول له نفسه الإضرار بمصالح مجتمعنا، حتى لا يتحول هذا السلوك الفردي إلى ظاهرة لا يحمد عقباها .
الالتزام بالعقد
أما إبراهيم حسين أسد صاحب شركة تعمل في مجال السياحة، فيقول: طالما أن العامل اتفق على راتب محدد مع صاحب العمل، وتم توثيق الاتفاق في عقد عمل، فلا بد من الالتزام ببنود العقد على اعتبار أن العقد شريعة المتعاقدين، وفي حال رغب صاحب العمل في تخفيض الراتب، فلا بد من موافقة وزارة العمل، ويتم ذلك بطريقة ودية وبرضاء العامل أيضاً أما أسلوب الضغط على العمال الذي تنتهجه بعض الشركات، فإنه مرفوض ولا يتفق مع شريعتنا الإسلامية السمحاء التي تدعو إلى إعطاء العامل حقه قبل أن يجف عرقه، كما قال رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم .
وطالب أسد الحكومة بضرورة دعم القطاع الخاص ومساندته، ليتمكن من مواجهة الصعاب التي تعترضه في سوق العمل، وحتى لا تلجأ بعض الشركات لاتخاذ طرق غير مشروعة لتحسين أوضاعها .
زيادة الرواتب
ويقول محمد غلوم موظف في شركة للإنشاء والتعمير أن الغلاء ضرب كل شيء من مأكل ومشرب ومسكن، ولا يمكن بأي حال من الأحوال تخفيض رواتب العاملين، بل لابد من زيادتها بما يتناسب مع هذا الغلاء، لأن الالتزامات كثيرة، خاصة مع وجود الزوجة والأولاد، فإن تكاليف المعيشة تكون باهظة، ولا يستطيع الراتب سد كل هذه الاحتياجات، والغريب أننا نسمع أن هناك منشآت لا تدفع رواتب موظفيها وعمالها لشهور، فكيف يمكن أن يكون مصيرهم سوى الضياع والانحراف، خاصة العمالة التي تفقد العمل والراتب والمأوى، ولابد من معاقبة هذه المنشآت، وإيجاد الطرق الكفيلة لحصول العمال على حقوقهم، ولابد من السعي للتغلب على الأزمة المالية، لأن سوق العمل بحر واسع، يحتاج إلى الكثير من المجاهدة، وبذل الجهد والعرق، ليس بهضم حقوق العمال، وإنما بتهيئة المناخ المناسب حتى يتمكن العامل من تأدية مهام عمله بالشكل المناسب .
أمر محزن
وحول الموضوع نفسه يقول عبدالرحمن حيدر الذي يعمل في مجال الأعمال الحرة: لا شك في أن ما نسمعه عن شركات لا تدفع رواتب عمالها أمر محزن ومؤسف للغاية، لأن هذا الأمر جديد على مجتمعنا الإماراتي، وليس من شيم شعبنا المعروف عنه حب الخير ومساعدة الغريب قبل القريب، فكيف يمكن أن يصل بنا الحال إلى هذا الحد؟ أعتقد أن من يقوم بمثل هذه التصرفات هم الشركاء الأجانب لا المواطنون، لأن الشعب الإماراتي كريم، ولا يمكن أن تصدر عنه هذه الأفعال، وفي الأخير لابد من إعطاء العمال حقوقهم وجميع مستحقاتهم بالقانون الذي كفل حماية العمال وضمان حقوقه .
وقال إن الإمارات دولة غنية، ولديها من المقومات، ما يجعلها تقف في وجه الأزمة المالية العالمية، ببذل الجهد والعرق، مشيراً إلى أن العام 2010 سيحمل معه الخير الكثير لهذا البلد .
الحالة النفسية
أما سليمان هاشل مندوب علاقات عامة في شركة للمقاولات، فيقول: إن تخفيض الرواتب لا يخدم العمل، لأن ذلك يؤثر في الحالة النفسية له، وبالتالي يعود بالضرر على صاحب العمل، ويكون له أثر سلبي في الإنتاجية .
وقد تتعرض المنشأة للانهيار، إذا فقد العاملون فيها الأمان والثقة، فإن ذلك يدفعهم إلى البحث عن العمل في أماكن أخرى، إن عدم دفع رواتب العمال أمر مرفوض، ولابد من معاقبة المنشآت التي تسير في هذا الاتجاه، حتى لا تكون معول هدم في سوق العمل .
حقوق العمال
يقول خالد أحمد عبدالغني إداري بوزارة العمل معبراً عن رأيه الشخصي إن هناك شركات كثيرة لا تهتم بالحالة النفسية للعاملين، في حين أنها مهمة جداً، وتؤثر إما بالسلب أو بالإيجاب في الإنتاجية، ولا يجوز أن تمارس الشركات أسلوب الضغط على العاملين فيها لتخفيض رواتبهم وتهديدهم بإنهاء خدماتهم .
وليس من المعقول عدم دفع مستحقات العاملين المالية، كما نسمع هذه الأيام، ولابد من محاسبة كل من تسول له نفسه سلب حقوق العمال ومستحقاتهم .
http://www.alkhaleej.ae/portal/6bbe6c24-b1d4-467c-8ae8-9ab68419b869.aspx