أ . عالية فريد >> حديث الشهر


إلى وزير العدل .. مع التحية

17 أبريل 2010 - أ . عالية فريد

 إلى وزير العدل .. مع التحية

جاء مشروع الملك عبدالله بن عبد العزيز لتطوير القضاء  كنقلة حضارية متميزة في تاريخ القضاء في المملكة  العربية السعودية ،

وذلك للأهمية  التي يمتلكها القضاء. فهو بمثابة عصب الحياة للمجتمع وناموس من نواميس الضبط الاجتماعي الذي يرمي إلى استقرار النظام السياسي وتحقيق الأمن والاستقرار وتقرير الحقوق والواجبات وحماية المصالح المشروعة للناس . 
 

وقد أعلن وزير العدل الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى قبل أيام في لقائه الدوري مع المحامين في العاصمة  الرياض ، عن  وجود إصرار في الوزارة على إجراء إصلاحات في المحاكم، والعمل على معالجة القضايا والمشكلات والمظالم التي تواجه المجتمع المدني، في ما يخص هيئة المحامين وحقوق المرأة وتوسيع دائرة مشاركتها .
 وطرح عناوين عدة وكثيرة أبرزها المعاملة القاسية من قبل بعض القضاة للمحامين ، وتأخر الفصل في بعض القضايا ، وإنشاء هيئة للمحامين وتحسين أوضاعهم، وتدريب القضاة  ، و تطوير سيطال إجراءات التقاضي وتحسين أداء المؤسسات القضائية والأمور الإدارية والفنية وتعديل الكثير من الأنظمة .

وشخص الوزير مشكلات المحاكم وكتابة العدل، مؤكدا وجود نقص حاد في طاقة الموظفين لخدمة المواطنين، ربما انعكس على أدائهما، مشيرا إلى أن العمل خارج (الدوام) ليس العلاج لإنجاز أكبر عدد من المعاملات، معتبرا أن إنجاز المعاملات يتم عن طريق أمانة الموظف ،
وبين أن المكتب القضائي في المحاكم بحاجة إلى إعادة تأهيل «إذ اتضح أن الموظفين ليس على مستوى طموح القضاة “

مثل هذه الخطوات أعتبرها جهود ا طيبة يشكر عليها وزير العدل ، ومبادرة إصلاحية  جيدة أتمنى أن نرى الأثر الكامل للإصلاح فيها  سريعا ، لاسيما في منح المرأة حقها في إقامة الدعوى والمرافعة والمدافعة عن قضاياها لأنها أقرب وأدرى بمعاناة مثيلتها المرأة . 

المرأة في النظام الإسلامي تتبوأ نفس الموقع الذي يتبوأه الرجل في القيمة الإنسانية والمركز الحقوقي  ودخولها إلى ميدان المحاماة والمرافعات القضائية يعد نقلة جديدة في حياتها لأنه سيرفع عنها الظلم وسوف يعزز ثقة المرأة بذاتها وقدراتها ، قال تعالى ( فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض ) سورة آل عمران – 195

 واستكمالا لهذه الخطوات  ونظرا لأهمية إصلاح القضاء فإني أتبعها بمايلي :
1- إذا انطلقنا من قاعدة أن التغيير والإصلاح  في المملكة يأتي من أعلى قمة الهرم يعني الإصلاح السياسي أولا  ، فإصلاح القضاء من إصلاح السياسة ، وإصلاح السياسة بحاجة إلى القضاء المستقل ، وفي عملية إصلاح  وتعديل إجراءات القضاء أتمنى أن لايكتفي الوزير بإصلاح المسائل الإدارية والمادية للقضاة والمحاكم فقط ، ويترك المسألة الأهم وهي قيام السلطة القضائية باختصاصاتها بشكل مستقل  ، دون اعتداء من السلطات الأخرى على هذه الاختصاصات بحيث يضمن لها القوة والاستقلال ويجعلها في قوى متساوية مع بقية السلطات ، ويحول دون أن تطغى  مصالح سلطة ما على غيرها حفاظا على الصالح العام  ، وهذا يذكرني بعبارة الفقيه السياسي مونتسكيه بقوله ” السلطة توقف السلطة ” ، وبمعنى آخر  لاسلطان لأي جهة على القاضي في قضائه ، ولا يجوز التدخل في سير العدالة ويكفل القانون استقلال القضاء وبيان الضمانات الحقيقية له.
أي يجب العمل على منع أصحاب النفوذ من التدخل في سير عمل القضاة أو التأثير عليهم  بما يؤدي لكثرة التجاوزات وإضاعة حقوق  الناس والأبرياء بين أروقة المحاكم ، وما كثرة المشاكل مؤخرا إلا نتيجة للتداخلات التي أصابت المؤسسات ومحاكم العدل على مدار سنوات  .
إذن فاستقلال القضاء ليس منحة بل ركيزة من ركائز النظام الأساسي للحكم الذي شمل نصوص أساسية باستقلال القضاء وحصانته .

2- الاعتراف بالحقوق الفردية وإحترام حقوق الإنسان .
وذلك بالعمل على كفالة مبدأ العدل والمساواة بين الأفراد وحماية حقوقهم وحرياتهم ، فالدولة المدنية في العصر الحديث مطالبة إلى جانب إحترام هذه الحقوق والحريات بالتدخل والعمل على كفالة وضمان ممارستها ، بل أكثر من ذلك أن الدولة ملزمة بتحقيق الرفاه والاستقرار لمواطنيها ، وذلك لا يتم إلا بالعمل على تحقيق وتنمية الحقوق والحريات الفردية التي جدت وتنامت مع تطور الزمن والتي تعرف  اليوم بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية  .
 فحقوق الإنسان  هي روح القضاء  ، وجوهر معركة حقوق الإنسان يكمن في إستقلال القضاء ، والقضاء  الرشيد هو جسر العبور لتفعيل مختلف الحقوق التي تقرها  الدساتير والأنظمة والمواثيق الدولية والتي يفترض ضمانها للجميع دون  تفرقة أو تمييز .

3- تفعيل دور الرقابة القضائية ، وذلك بالعمل على تنظيم رقابة قضائية وفقا للقانون والمساواة والمحاسبة تحت نظر القانون الكل فيه سواسية دون تميز لصاحب عرق أو مال أو نفوذ ، فالعدالة بسيادة الحق والحق يعلو عندما يعاقب المخطئ ويحاسب المقصر ، وللرقابة القضائية أهميتها في حياد القاضي واستقلاله ، وفي توفير ضمانات قوية لحقوق الأفراد وحرياتهم ، وبالتالي ما تنتهي إليه هذه الرقابة من صدور أحكام لها الحجية تبقى محط احترام الجميع .

4- نظرا لأهمية مباحث القضاء في الفقه الإسلامي وبسبب إرتباطه بتطور المجتمع المدني وتعقيداته فمن الطبيعي أن تستجد أمور بين فترة وأخرى ، وتتشكل مسائل قضائية جديدة تبعا لتطور الأوضاع الاجتماعية ومستجدات العلاقات الدولية خاصة في عصرنا الحاضر هناك مستجدات في المسائل القضائية وتفريعاتها بحاجة إلى أدلة علمية وافية مما يستدعي وجود كوادر قضائية  قوية ومؤهلة ، ونظرا لما تعانيه محاكمنا من نقص صرحت به بعض الوسائل الإعلامية المحلية  أن نقص القضاة يأتي بنسبة 90% عن متوسط العدد المطلوب عالميا ، فبدلا عن وجود قاض لكل ثلاثة آلاف مواطن وهي المتوسط  العالمي ، فإن الموجود لدينا قاض واحد لكل ثلاثين ألف مواطن !!! وهذه نسبة غير طبيعية ولايستهان بها ، على سعادة الوزير النظر لها بجدية فهي سبب رئيسي لا يمكن إغفاله في قلة الإنجاز وطول المواعيد وتعطيل قضايا المواطنين في المحاكم .

وللعمل على زيادة عدد القضاة فإني أضع بين أيدكم هاذين المقترحين ..

1- التعليم مكسب وطني ، والمواطن المتعلم سواء داخل المملكة أو خارجها ثروة وطنية تثري المجتمع وتلبي إحتياجاته ونواقصه ، والمجتمع فيه الكثير من أصحاب العلم والكفاءة والنزاهة يمكن للقضاء أن يكون الحاضن لهم  والاستفادة منهم ، فلماذا تتجاهلهم وزارة العدل ؟  وتمارس التمييز ضدهم ؟
لدينا في المنطقة الشرقية في محافظة ( القطيف والإحساء ) علماء مؤهلون من الناحية العلمية والشرعية والفكرية ، مشكلتهم هي إقصائهم عن هيئة القضاء وإبعادهم عن المجلس الأعلى للقضاء  ، فقط لأنهم لم يدرسوا في جامعات شرعية داخل الدولة أو جامعات خارجية تتبع لها  ،  دون النظر إلى نزاهتهم الأخلاقية وإمكاناتهم العلمية وكفاءتهم العملية التي بإهمالها تعد خسارة كبيرة للوطن .

إن  إدراج هؤلاء العلماء  مكسب يعكس الاندماج الاجتماعي والتسامح ويعزز روح الوحدة الوطنية الذي أكد عليها خادم الحرمين الشريفين  ، ولإمكانية تقنين ضم هذه الكوادر لسلك القضاء ،  أقترح على معاليكم  إمكانية معادلة شهاداتهم أو تزكيتهم أو إخضاعهم لدورات تدريبية …الخ ، ولترشيحهم يمكن تقديم بياناتهم وما يتعلق بأوضاعهم عن طريق العلماء مصدر الثقة في المنطقة .

2- القضاء الصالح هو المظلة الذي يحفظ أبناءه ، فيتعهدهم ويحميهم ويدافع عنهم ويعترف بإمكاناتهم لأنهم مصدر إشاعة العدل  والخير في الدولة والمجتمع ، واليوم لدينا الكثير من أبنائنا الطلبة بعضهم محامين حملة رسالة ماجستير أو دكتوراه ، وبعضهم طلبة حقوق وناشطين قسم منهم حصلوا على شهادات من جامعات أخرى ، وبعضهم من المبتعثين – أي الخريجين – الجدد في مجال الحقوق ، سؤالي لماذا  يبقوا حائرين بين عطالتهم عن العمل وبين عملهم في مجالات لا تتناسب مع تخصصاتهم ومؤهلاتهم العلمية ؟  مع حاجة المجتمع الماسة لهم ! لماذا لايتم الاستفادة من كل هؤلاء وما ذنب أبنائنا إذا نالوا تحصيلهم العلمي خارج أو طانهم ؟ بالذات إذا كانت المجالات العلمية غير متاحة لهم في أرض الوطن  ؟
وفي الختام :
أحي فيكم رحابة صدركم سعادة الوزير ولا أثقل عليكم ، فمهمات القضاء ليست بالهينة وأدرك تماما بأن هناك من يعارض التغيير والتطوير بينكم ، لا كن أشد على يديكم  فالوطن للجميع ويدا بيد نحو دفع عجلة التنمية .

    

تعليق واحد على “إلى وزير العدل .. مع التحية”

  1. عمر العنزي علق:

    صراحه كلام في الصميم وانا من اشد المعجبين فيك اخت عاليه واتمنى تكون مواضيعك كلها تعزز الوحده الوطنيه مثل ماعهدناه عنك اخت عاليه سلمت اناملك ولا تحرميني من ابداعاتك

أضف تعليقاً