مؤسساتنا الأهلية وديمقراطية المجتمع المدني
12 يونيو 2009 - أ . عالية فريدفي ظل ظروف صعبة تشتد فيها أعاصير الفتن وتهب فيها رياح التغيير، ووسط تحديات جسام تدفع بتحريك عجلة الإصلاح التي يشهدها ويعيشها المسرح العالمي اليوم، ويرمي بهبوبها ونسائمها على مجتمعاتنا، تجعلنا في أمس الحاجة إلى إستنهاض الهمم وشحذها تجاه لملمة الجهود، ووحدة الصف، وإستثمار الطاقات جميعها في مسيرة حاشدة ترفع راية التوحيد و الوحدة، وتحمل شعار العمل والعطاء كل ذلك بغية تنمية الوطن والحفاظ عليه. وذلك لأن الإصلاح الحقيقي الذي ينشده الكثير من أبناء الوطن لا يتم إلا من خلال قنواته الصحيحة، ولا يأتي إلا بالجهد المشترك وعبر بوابة العمل المأسسي المنظم، ومؤسساتنا الأهلية واللجان الاجتماعية في المنطقة أدت دورها الكبير ونشاطها المتميز بكل ما تملك من طاقات وإمكانات، فأثمرت وأينعت في خططها وأهدافها، وأفرزت عبرها برامج وأنشطة متنوعة وإستطاعت أن تغرس المبادئ والقيم النبيلة في نفوس الناس، وأن تبذر بذور الخير في أعماق المجتمع، وتجسد فيه روح الجد والمثابرة نحو تحقيق الإصلاح والتنمية والتقدم، وتطبيق المعنى الحقيقي لمفهوم التواصل والتعاون والتراحم والتكافل وتقديم المساعدة ومد يد العون لكل ضعيف و محتاج.
ونتيجة لما تملكه هذه المبادرات من تفاعل إجتماعي نشط تؤثر فيه على مجاميع وشرائح كبيرة من الناس، ولما تملكه من قدرة على استثمار الكفاءات البشرية بشكل حيوي وملحوظ، فحماية لهذه المؤسسات ولأفرادها ولمكتسباتها وجهودها وحفاظا على تعزيز دورها والنهوض بها و تطويرها وتحسن أداء روادها، قد آن الأوان وحان الوقت لتأطير هذه المؤسسات والعمل على تحويلها إلى مؤسسات المجتمع المدني.
وذلك لما تتميز به مؤسسات المجتمع المدني من حداثة وتطور، وبما تمتلك من برامج وتأثير وجرأة وصلابة، وبما تتمتع به من إستقلالية تامة بعيدا عن رسميات الدولة وتأثيراتها، ولما تمتلكه من لوائح وقوانين تنظم عملها وفق آليات ديمقراطية – منفتحة – تعزز تطورها وإتساعها.
فالمجتمع المدني الذي ننشده هو «ذلك المجتمع الذي يقوم على المؤسسات الأهلية المتنوعة سواء السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والتي يتم تأسيسها من قبل نشطاء المجتمع الأهلي وينخرط فيها الناس لتحقيق أغراض وغايات تصب في النفع العام مستقلة في جهودها، ولكنها في نفس الوقت تكمل جهود المؤسسات الرسمية دون إصطدام».
وذلك لأن مؤسسة المجتمع المدني تعمل من خلال خطط ورؤى واضحة، وآليات عمل منظمة تحارب الفساد والفوضى، وتؤهل كلا الطرفين وتشجعهما للقبول والتعامل مع بعضهما جنبا إلى جنب في نطاق تكاملي قانوني قائم على مبدأ التعاون والاحترام، إضافة إلى كونهما شريكين في عملية التقدم، والإسراع بإنجازات التنمية التي تعتمد عناصرها على الحرية والمساواة وعدم التمييز وتكــافؤ الفرص.
أن ما تملكه هذه المؤسسات من قوة يعد رصيدا ثمينا في تمثيلها للناس، وتعبيرها عن مصالحهم وأفكارهم ورؤاهم، لذلك هي مكلفة بتأدية دور رقابي على عمل الأجهزة الرسمية والضغط عليها لتصحيح المسار.
ولا نبالغ أذا قلنا بأن أهم ميزات العمل المأسسي المدني أنه قريب جدا إلى ممارسة فنون الديمقراطية في العمل، كاختيار رئيس وأعضاء ومجلس إدارة وانتخابات وترشيح وغيرها، مما يعزز الروح الديمقراطية، ويدعم أسس الحرية ويؤسس للعمل الجمعي المنظم في قواعد ممارسة السلطة وتداولها، الذي بدوره يدفع باتجاه تطوير العمل الإداري وتنمية الموارد الذاتية وتطوير المهارات والقدرات الخاصة للكوادر البشرية للارتقاء بمستوى الأداء في العمل..
ولأن هدفنا جميعا هو الإصلاح والتنمية، والاهتمام بالصالح العام في هذا الوطن، فإن كل ذلك يدفعنا ويحفزنا تجاه تجنب السلبية والشخصنة والأنانية، والقفز على المصالح الشخصية والمحسوبية حتى يكون التغيير مجد ونافع، وبحجم الآمال والتطلعات يكون العمل.
*أظن أن مجتمعنا في هذه المرحلة يحتاج إلى ثلاثة أمور:
الأول – بحاجة إلى أطر وبرامج عملية، واقعية مستجدة مواكبة للمتغيرات الاجتماعية، وتغذي مختلف الاحتياجات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والخدمية، مضافا للمؤسسات الموجودة والقائمة، وهي قليلة بكل تأكيد، فإننا بحاجة إلى المزيد من المؤسسات المعنية بتنمية ورعاية الشباب والشابات، وأخرى لرعاية المرأة والطفل، وثالثة تهتم بشؤون الأسرة، ورابعة تهتم بتمكين المرأة ورعاية المسنين والعجزة، ومؤسسات لحماية البيئة، وأخرى خدمية وعلمية إلى غيرها من المجالات التي تمس وتتكامل بها حاجات المجتمع.
الثاني- الحفاظ على الأمن الاجتماعي والسلم الأهلي، فإننا مع ما أنجزنا وبنينا من مؤسسات فنحن بحاجة – لحفظ الأمن والسلم الاجتماعي – إلى مؤسسات أهلية يمكن أن تلعب دور المساهم في هذا الجانب بشراكتها مع بقية مؤسسات الوطن الأهلية وتواصلها معها، وتغطيتها لجوانب لم تغطى خدميا أو إداريا أو فكريا، ولا ندعي الكمال، فلا زال مجتمعنا تتهدده أخطار وتحديات كثيرة تهدد الأمن وتمزق وحدة الوطن، ومن مسؤولية مؤسساتنا السعي في هذا الاتجاه.
الثالث – إننا نطمح للالتقاء والتواصل المستمر، ونطمح إلى التفاعل مع الدولة المدنية الجامعة التي تضم الجميع تحت غطاء الوحدة الوطنية مع كافة الأطراف المنافسة في الساحة من جهة، ومع كافة الأفراد بصفتهم مواطنين لهم حقوق وهموم ومطالب مشتركة من جهة أخرى، وكل ما علينا هو العمل على تعزيز هذه المؤسسات، فكل ما تحتاج إليه هو القوة، والتمكين، والقدرة على الإبداع، والتنمية والعمل سوية على إستقطاب كافة الطاقات والكفاءات، وإستثمارها ضمن أطر حديثة تتناسب مع متطلبات المرحلة وحاجة الشباب، وحتى تتكامل صورة التنمية الإجتماعية المنشودة.
الرابع – إستيعاب مختلف العقليات، وذلك بالعمل على إحتوائها والإستفادة من تجاربها والتعاون معها فيما هو ممكن. وحتى نحرز الكثير من التقدم ونضاعف إنجازاتنا قد يشكل وجود بعض الأفكارالتقليدية و البعيدة عن مواكبة العصر عقبات في طريق التطوير والتحديث وإعاقة القرار وسط مؤسساتنا أما يكون ذلك ناتج عن جهل، أو عدم إلمام بمتغيرات الواقع.
أخيراً: الوقت يداهمنا والعجلة تسير، إذن كل مانحن بحاجة إليه هوالمزيد من الجرأة والشجاعة في الإقدام نحو خطوات التغيير.