امريكا وإسكات الإعلام العربي
18 ديسمبر 2009 - محرر الموقعامريكا وإسكات الإعلام العربي
د. علي محمد فخرو
17/12/2009
ما الذي يحصل عندما يعتمد أعضاء مجلس نيابي على أموال الشركات والأفراد الأغنياء وتجمعات اللوبي لإعادة انتخابهم في ذلك المجلس؟ إنهم يصبحون مبتذلين وخدماً للجهات الممولة. وهذا الإبتذال والسقوط المفجع تحت أقدام الممولين هو ما يميز مجلسي النواب والشيوخ الامريكيين. وما كان ليهمنا كثيراً ممارسة الغش الديمقراطي الامريكي في هذين المجلسين لولا أن الكثير من قراراتهما المجنونة الانتهازية تمس مصالح وحياة وطننا العربي وساكنيه.
مناسبة هذا الحديث القرار الأخير بشأن المطالبة بفرض عقوبات على المحطات التلفزيونية الفضائية إن هي مارست بأي شكل من الأشكال ما يمكن اعتباره تحريضاً أو مساساً بصورة امريكا أو تشويهاً لسمعتها. وبالطبع فان ذلك المنع الفاشستي سيشمل كيان السفاح في فلسطين المحتلة العربي، إضافة إلى ما حظي به من قبل من حصانة ضد التعرض له باسم محاربة اللاسامية، سيحظى الآن بحصانة مضاعفة كحليف للولايات المتحدة الرافعة للواء الثأر من جهة والمنغمسة في كل خطايا الكيان الصهيوني من جهة ثانية.
في هذا المشهد السريالي ستكون اللغة هي الضحية بامتياز. وهكذا، إذا رضخت غداً امريكا للضغط الصهيوني ورفضت أن تكون القدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية وقلنا بأن امريكا هي دولة صليبية تحارب الإسلام من خلال سلخ بقعة إسلامية مقدسة من ديار المسلمين فان الكونغرس الامريكي سيعتبر ذلك تشويهاً لسمعة امريكا في العالم الإسلامي وبالتالي يستحق قائله التقريع والعقاب. وإذا قلنا بان الوجود العسكري الامريكي في العراق وأفغانستان والكثير من دول العرب والمسلمين الأخرى هو احتلال استعماري يجب القضاء على تواجده فاننا نمارس التحريض الإرهابي على امريكا. وإذا قلنا بأن السلاح العربي الذي تعطيه الولايات المتحدة الامريكية للصهاينة يجعلها شريكة في ارتكاب المذابح ضد الفلسطينيين الأبرياء العزل، وبالتالي يدخلها في عداد الهمجية النازية، فان ذلك القول سيكون تشهيراً بالدولة الديمقراطية الكبرى ولاسامية بالنسبة للصهيونية المغوية لمؤسسات الحكم في امريكا.
سيكون لزاماً علينا ان نقول تواجداً بدلاً من الاستعمار، وسوء فهم بدلاً من الاعتداء على مقدساتنا الدينية، ومضاعفات جانبية بدلاً من المذابح الإجرامية. سيكون لزاماً أن لا نقول الحقيقة كما هي وإنما أن نغلفها بأقنعة وبتحايل كاذب وبمجاملات المذعور أمام السيد المغرور. وعند ذاك، عند ذاك فقط، سندخل في قاموس المتحضرين حسب التعريفات التي يضعها الكونغرس الامريكي المخترق من كل حدب وصوب.
لكن، هل أن ذلك القرار الأرعن الظالم غريب على السلطة التشريعية الامريكية؟ أبداً، فتاريخ هذه المؤسسة يشهد على الإمكانيات الهائلة لديها للخضوع بانتهازية بكل أنواع الضغوط على أعضائها، هذا إضافة للفضائح الفردية لأعضائها والتي شملت عدم دفع الضرائب المستحقة، والمخالفات المالية والسياسية وقبول الرشاوى والانغماس في فضائح جنسية، وهي فضائح شملت المئات عبر العقود الأخيرة. لنذكر بعض الأمثلة، إذ الفت كتب عديدة عن مئات الفضائح السياسية. فهذا المجلس لم يدافع عن الحقوق الانسانية لمواطنية لا إبان الحرب العالمية الثانية عندما وضع الألوف من الامريكيين من أصول يابانية في معسكرات الاعتقال ولا إبان الخمسينات عندما انفجرت المكارثية الفاشستية في وجوه الامريكيين الأحرار ولا إبان فترة ما بعد أحداث الحادي عشر من ايلول/سبتمبر عندما استبيحت حقوق العرب والمسلمين الامريكيين.
وهذا المجلس لم يمنع إلقاء القنبلة الذرية على هيروشيما بالرغم من كل الدلائل على عدم الحاجة لاستعمالها، ولم يمنع امريكا من ألف إعتداء وإعتداء على حقوق دول امريكا الجنوبية، ولم يتدخل لايقاف حرب فيتنام المجنونة، ولم يكشف كذب الرئيس بوش في الذهاب لاحتلال العراق، الخ… من وقوف سلبي من كل الأخطاء والجرائم التي ارتكبتها دوائر الحرب والاستغلال والاستعمار الامريكية.
هكذا مجلس، بهكذا تاريخ، بهكذا تكوين، بهكذا اختراق لا يمكن إلا أن ينتقل إلى وقاحة الإعتداء على حرية الوسائل الإعلامية العربية حتى في التعبير عن الغضب واليأس من هذا النظام السياسي الامريكي الظالم الذي أتعب بلاده وأتعب العالم كله.