أ . عالية فريد >> أخبار و مقالات


إسرائيل تعتمد سياسة الإهمال الطبي المقصود لتحطيم الأسرى نفسيا وقتلهم جسديا

28 ديسمبر 2009 - جريدة الوطن

إسرائيل تعتمد سياسة الإهمال الطبي المقصود لتحطيم الأسرى نفسيا وقتلهم جسديا
ألف تجربة لأدوية خطيرة تحت الاختبار الطبي تجرى سنوياً على الأسرى الفلسطينيين والعرب 

غزة: وائل بنات

أصبح الإهمال الطبي في السجون الإسرائيلية سياسة متبعة وخطرا يوميا يداهم حياة الأسرى على وجه العموم وحياة 1600 أسير على وجه الخصوص، فالأوضاع المأساوية التي يعيشها الأسرى، من حيث ظروف السجن وسياسة الاعتقال المتبعة والإهمال الطبي، تجعل من الأسرى الأصحاء مرضى، وتجعل المرضى منهم يزدادون مرضا وصحتهم تزداد تدهورا، حيث تعتمد إسرائيل سياسة الإهمال الطبي المقصود؛ من أجل تحطيم الأسرى نفسيا وقتلهم جسديا، بعد أن عجزوا عن تحطيمهم وقتلهم فكريا، حيث يعاني بعضهم من أمراض بسيطة يسهل علاجها ووضع حد لها لو تم العلاج في الوقت المناسب وحصل الأسير على الرعاية والاهتمام الطبيين، غير أن الإهمال الطبي المتعمد من قبل سلطات السجون الإسرائيلية وأجهزتها الطبية، جعل من الحالة الطبية السهلة حالة صعبة، ومع الإهمال،وطول فترة الاعتقال أصبحت أمراضاً مزمنة مستفحلة تهدد حياة الأسير وتودي به إلى الوفاة.

قصص الإهمال

الأسير إياد محمود صالح نصار (28 عاما) من طولكرم يمثل قصة من قصص الإهمال المؤلمة التي تحدث جهرا في السجون الإسرائيلية.

اعتقل نصار قبل ست سنوات بعد أن أصيب بعدة شظايا في أماكن مختلفة من جسده ومن ضمنها عينه التي كان من الممكن علاجها لولا المماطلة، وافتعال العقبات والحجج الواهية لمنعه من مواصلة إجراء العمليات الجراحية مما زاد من المضاعفات الصحية حتى انتهى به الأمر إلى فقد الرؤية في عينه اليسرى، ومع ذلك فقد أكد الأطباء المتابعون حالة نصار أن الأمل بالشفاء لايزال قائما، ومن الممكن أن يعود إليه بصره في حال أجريت له عدة عمليات جراحية.
ويقول ذووه “إنه وعلى مدار سنوات ثلاث قدم عشرات الطلبات لإجراء عملية لإزالة المياه الزرقاء من عينه وفي كل مرة كانت إدارة السجون تقابل طلباته بالرفض بحجة أن العملية تجميلية، ناهيك عما تمارسه الإدارة وأطباء العيادة من سياسة التخويف والتلاعب بالأعصاب”.

والأمرّ من ذلك أن إدارة السجن خلال المراجعة الأخيرة للأسير في مستشفى الرملة قررت وقف صرف القطرة العلاجية؛لأنّ العلاج – بحسب مزاعمهم- بات غير مجد في مثل حالته، ولا داعي لإجراء أية عمليات جراحية.

أما الأسير ثائر عبد الناصر نخـلة من مدينة رام الله والذي يعــاني من الآلام في الظهر فيحتاج تدخــلا جراحيا يخلصه من أوجاعه ويمكنــه من السير بصورة طبيعيـة فيما إدارة السجون الإسرائيلية ترفض إجراء العملية، وتماطل تحت بند سياسية الإهمال المتعمد التي تقصد من خلالها القضاء على حياتهم.

قصة الألم الأخرى يمثلها الأسير خليل مسلم من مدينة بيت لحم المحكوم بالسجن المؤبد عشرين مرة، إذ يعاني من وضع صحي سيئ ناجم عن إصابته بالديسك في الظهر وقرحة في المعدة، وقد طالب عشرات المرات إدارة السجن بتوفير فرشة طبية تساعده على التخفيف من تدهور وضعه الصحي فيما ذهبت طلباته أدراج الرياح.

القائمة تطول

منذ عام 1992 يقضي الأسير المقدسي أحمد جمعة مصطفـى حكما بالسجن 21 عاما تختلـف في معاناتها إذ إنه إلى جانب الأوضـاع المأساوية وسياسية الإهمال الطـبي فإن إدارة السجـون ترفـض إطـلاعه على مرضه حيث يعاني منذ قرابة العام والنصف من مرض ضغط الدم، وقبل سنة بدأ يشعر بألم شديد في يده اليسرى وعند فحصه قرر الطبيب نقـله إلى المستشفى فورا وتبين أنه يعاني من أعرض جلطة، وتم إبلاغه أن ما يعانيه أعراض جلطة خفيفة ولم يتم إعلامه بتفاصيل حالته الصحية وتم تحويله إلى مستشفى الرملة لإجراء الفحوصات، وقبل أسبوع حول إلى مستشفى سيروكا، لكنهم رفضوا إبلاغه بالنتائج وحقيقة مرضه. فيما قال نادي الأسير الفلسطيني إن 47 أسيراً استشهدوا في سجون الاحتلال الإسرائيلي جرّاء الإهمال الطبي، و70 نتيجة التعذيب في مراكز التحقيق، و73 قتلوا بدم بارد على يد الجنود الإسرائيليين.
سياسة مبرمجة ومتعمَّدة

“إن الحالات المرضية بين الأسرى في سجون الاحتلال ومعتقلاته كافة في ازدياد يومي، الأمر الذي يدل على استمرار إسرائيل في تقصّد سياسة الإهمال الطبي المتعمَّد بحق الأسرى، حيث أصبحت سياسة مبرمجة ومتعمَّدة من قبل إدارة السجون”. كما يقول نادي الأسير، ويزيد “إن سجون الاحتلال تشهد غيابًا للطواقم الطبية المتخصصة، وهناك بعض السجون التي لا يوجد فيها طبيب، وفي حال وجوده فإن دوامه في السجن لا يتجاوز ساعتين، ليستحيل الإهمال الطبي في السجون الإسرائيلية أحد الأسلحة التي تستخدمها سلطات الاحتلال لقتل الأسرى وتركهم فريسة سهلة للأمراض الفتاكة”.
ويضيف “كثيرة هي الحالات المرضية التي تم رصدها من قِبل نادي الأسير من بينها حالات خطيرة مصابة بأمراض الكلى والسرطان، والسكر والقلب، والشلل وفقد البصر”.

ليناشد المؤسسات الحقوقية المدافعة عن الأسرى في سجون الاحتلال العمل على فضح الانتهاكات التي تمارس بحق الأسرى في سجون الاحتلال، وإيصال آلامهم إلى المحافل الدولية.

تقول دراسة عن واقع المعتقلين في السجون الإسرائيلية أعدها مجموعة من الباحثين في شؤون الأسرى وحقوق الإنسان بمناسبة يوم الصحة العالمي “إن غالبية المعتقلين الفلسطينيين يواجهون مشكلة في أوضاعهم الصحية نظرا لتردي ظروف احتجازهم في السجون الإسرائيلية.

انتهاك الاتفاقيات الدولية

إدارات السجون الإسرائيلية سواء التابعة للجيش أو لمصلحة السجون تمعن في انتهاك الاتفاقيات الدولية ذات العلاقة بالرعاية الطبية والصحية للمعتقلين المرضى، خاصة المادة (92) من اتفاقية جنيف الرابعة التي تنص عـلى أنه (تُجـرى فحوص طبية للمعتقلين مـرة واحدة على الأقل شهرياً، والغرض منها بصورة خاصة مراقبة الحالة الصحية والتغذية العامة، والنظافة، وكذلك اكتشاف الأمراض المعدية، ويتضمن الفحص بوجه خاص مراجعة وزن كل شخص معتقل، وفحصا بالتصوير بالأشعة مرة واحدة على الأقل سنويا).

هناك العشرات من المعتقلين الذين أجمع الأطباء على خطورة حالتهم الصحية، وحاجتهم الماسة للعلاج وإجراء عمليات جراحية عاجلة بمن فيهم مسنون، وأطفال، ونساء، ترفض إدارة السجون نقلهم للعيادات أو المستشفيات، وما زالت تعالجهم بحبة “الأكامول” السحرية التي يصفها الأطباء لجميع الأمراض على اختلافها كمرضى السكري، والقلب، والسرطان، والناسور، وضعف البصر، والكلى، والأمراض الجلدية، والإعاقات، والأمراض النفسية، والمصابين بالرصاص.
و تتأخر إدارة السجون في إجراء بعض العمليات للمرضى مما أدى إلى بتر أطراف من أجساد معتقلين يعانون من مرض السكري، كما أن هناك معتقلين أدخلوا إلى عيادات ومستشفيات السجون وهم يعانون من أعراض مرضية بسيطة، وغادروها بعاهات مستديمة وأمراض خطيرة، عوضا عن تمكّن المرض واستفحاله في أجساد بعض الأسرى نتيجة تأخر التحاليل الطبية والمخبرية وصور الأشعة التي تكتشف المرض في مراحله الأولى.

وتعمد إلى استغلال مرض الأسـرى وحاجتهم للحصول عــلى العلاج، لابتزازهم على التعامل مـع الاحتلال، أو تقديـم معلومـات عن أنفسهم وغـيرهم من المعتقـلين، وإلا فلن تقدم لهم العـلاج، خاصـة الأسرى الذين يُعتقلون بعد إصابتهم بالرصاص، حيث يضغط عليهم بعدم إسعافهم أو علاجهم كما ذكر في الدراسة الآنفة.

مهام قمعية

وبغض النظر عن حاجة المريض الأسير للعلاج أو المساعدة يتواطأ الأطباء في عيادات ومستشفيات السجون، مع رجال التحقيق في مهامهم القمعية ضد الأسرى،، بدا ذلك واضحاً من شهادات العشرات من الأسرى الذين تم نقلهم للعلاج في سجن مستشفى الرملة الذي لا يمكن تسميته بالمشفى بل يعدّ قسماً من أقسام العزل والعقاب تمارس فيه سلطات الاحتلال كافة أشكال التنكيل والتعذيب بحق الأسرى المرضى، وتحرمهم من أبسط حقوقهم التي نصت عليها القوانين والاتفاقيات الدولية، وكفلتها المؤسسات الإنسانية.

بينما يتعرض الأسرى المصابون بمرض السكر إلى نوبات إغماء نتيجة انخفاض السكر في الدم، نتيجة عدم إعطائهم جرعة من السكر، مشيرا إلى أن إدارة السجن غالبا ما تماطل وتؤخر إحضار الطبيب مما يعرض حياة هؤلاء الأسرى إلى الخطر الشديد.

حدث أن طبيبا أسيرا عالج أسيرا من نوبة إغماء سكري، وعندما علمت إدارة السجن بذلك عاقبت ذلك الطبيب الأسير بعزله وحرمانه من الزيارة، وقالت إنه كان عليه تركه حتى يحضر طبيب السجن.

إدارات السجون لا تقوم بالفحوصات الطبية الدورية اللازمة لاكتشاف الأمراض، ولا تقدم لمرضى السكري علاج تخفيض السكر وفق فحوصات محددة تجرى لهم إنما بشكل عشوائي، ولا توفر لهم طعام الحمية “كالخبز الأسمر والخضروات والطعام الخالي من الدهون والسكر والكربوهيدرات”؛ لحمايتهم من مضاعفات السكر وارتفــاعه ودرء أخطاره. مما يضطر الأسـرى إلى علاج أنفسهم والحفاظ عـلى عـدم تدهور أوضاعهم الصحية بتجنب العصبية والانفعال، وتوفير الأجواء الهادئة، والانشغال بوسائل القراءة والمطالعة وتلاوة القرآن والأذكار، بالإضافة إلى استخدام أعشاب طبية معينة يتم إحضارها عن طريق الأهل خلال الزيارات تساعد على التخفيف من المرض ومنها “نبات الجعدة شديد المرارة، واللوز المر، والزعتر الفارسي الجاف” وكذلك اللجوء إلى التمارين الرياضية، وتناول أنواع معينة من الطعام، يتم شراؤها من السجن على حساب الأسرى رغم ارتفاع أسعارها عدة أضعاف.

لقد أضحى السكر سببا رئيسا ومباشرا في ارتقاء عدد من شهداء الحركة الأسيرة داخل السجون، بحسب التقرير، من بينهم الشهيد جمعة إسماعيل موسى (65 عاما) من القدس، الذي عانى لفترات طويلة من مرض السكري وأمراض أخرى واستشهد نتيجة الإهمال الطبي المتعمد، وسبقه الأسير الشهيد فضل عودة شاهين (47 عاما) من مدينة غزة الذي كان يعانى من مرض السكري، وتم إهمال علاجه على الرغم من المناشدات الكثيرة التي أطلقها الأسرى لعلاجه ونقله إلى مستشفى سجن الرملة إلا أن هذه الدعوات قوبلت بالرفض مما أدى إلى تدهور صحته قبل أن يرتقي شهيدا.

الانسلاخ عن شرف المهنة

ومن عجب أن ينسلخ أطباء السجون عن شرف وأخلاق المهنة، ويسهموا مع الفرق الأمنية والعسكرية في تعذيب الأسير وانتزاع الاعترافات منه، ولعل أهم الأدوار غير الأخلاقية التي يقوم بها الأطباء في المعتقلات هو إعداد تقرير طبي عن حالة الأسير الصحية، يحددون فيه لرجال التحقيق نقاط الضعف لدى الأسير لاستغلالها في الضغط عليه وإجباره على الاعتراف، وإخفاء آثار التعذيب والتنكيل عن جسد المعتقل، قبل عرضه على المحكمة، أو قبل زيارته من قِبل مؤسسات حقوق الإنسان أو الصليب الأحمر.

حقول تجارب

لم تقتصر التجاوزات القانونية والاختراقات لحقوق الإنسان على سياسة الإهمال الطبي، بل امتدت إلى استخدام الأسرى كحقول لتجارب بعض الأدوية. فقد كشفت عضو الكنيست الإسرائيلي ورئيسة لجنة العلوم البرلمانية الإسرائيلية سابقاً “داليا ايزيك” النقاب في يوليو 1997، عن وجود ألف تجربة لأدوية خطيرة تحت الاختبار الطبي تجرى سنوياً على الأسرى الفلسطينيين والعرب، وأضافت في حينه أن بين يديها وفي حيازة مكتبها ألف تصريح منفصل من وزارة الصحة الإسرائيلية لشركات الأدوية الإسرائيلية الكبرى لإجراء ألف تجربة دوائية على أسرى فلسطينيين وعرب داخل السجون الإسرائيلية.
إنّ على المؤسسات الدولية الحقوقية والإنسانية، والصحية كافة أن تتحمل مسؤولياتها الأخلاقية والإنسانية وتتحرك لوضع حد لسياسة قتل المصابين وعدم تقديم الرعاية الطبية لهم.

تضييق وانتقام

صور الإهمال الطبي متعددة غير أنها متركزة في المماطلة في إخراج الأسير المريض إلى العيادة، ولا يخرج إلا بعد احتجاجات شديدة من قبل الأسرى، كما يصف الباحث المختص بشؤون الأسرى عبد الناصر عوني فروانة، وهذا الأمر أدى إلى استشهاد العديد من الأسرى المرضى، كذلك عدم تقيّد إدارة السجن غالباً بصرف العلاج اللازم لحال المريض الصحية، وتستعيض عن ذلك بالمسكنات، كما تفتقر العيادات إلى الأطباء الاختصاصيين، وغالباً ما ترفض الإدارة نقل الأسير المريض إلى المستشفى على الرغم من خطورة حالته، وتوصية الطبيب بذلك، وتمنع إدارة السجون السماح لأطباء من الخارج بزيارة الأسرى المرضى والاطلاع على حالتهم الصحية، إضافة إلى سوء معاملة الأسرى المرضى من قبل الأطباء والممرضين، وكذلك عملية نقلهم من السجن إلى المستشفى مقيدي الأيدي والأرجل، في سيارات شحن خاصة لنقل الأسرى، وعادة ما يتم تقييدهم بقيود حديدية في أسرّتهم داخل المستشفى.

“من المعروف أن الأسرى المرضى لا يتلقون طعاماً خاصاً يلائم حالتهم الصحية، بل على العكس فالطعام المقدم لهم سيئ كماً ونوعاً، كذلك يضطر الأسير المريض إلى الانتظار فترات طويلة لإجراء فحوصات أو تحاليل معينة، ناهيك عن مماطلة الإدارة في إجراء عمليات جراحية الأمر الذي يعرض حياتهم للخطر” يقول فروانة.

 

المصدر: جريدة الوطن الاثنين 4 محرم 1431 ـ 21 ديسمبر 2009 العدد 3370 ـ السنة العاشرة

http://www.alwatan.com.sa/news/newsdetail.asp?issueno=3370&id=129325

أضف تعليقاً