أ . عالية فريد >> أخبار و مقالات


حدود حرم المدينة تعيد الجدل حول صحتها

29 ديسمبر 2009 - جريدة الوطن

حدود حرم المدينة تعيد الجدل حول صحتها

p03-01
أحد المواقع المختلف عليها في حدود الحرم

المدينة المنورة: خالد الطويل
أثارت ندوة النقاش العلمية التي نظمتها الجمعية الجغرافية بالتعاون مع جامعة طيبة الثلاثاء المنصرم في مسرح الجامعة حول “أعلام وحدود حرم المدينة المنورة” عددا من الباحثين في معالم وتاريخ المدينة المنورة. وبذات القدر الذي شهدت به الندوة اعتراضا واسعا على صحة حدود حرم المدينة الحالية إلى الدرجة التي حمّل فيها عضو هيئة التدريس السابق بالجامعة الإسلامية الدكتور عبدالعزيز القارئ اللجنة السابقة (وهي اللجنة الشرعية الثانية التي بدأت أعمالها عام 1418) وأمانة المدينة مسؤولية وضع تلك العلامات في غير مكانها الصحيح، جاءت تداعيات باحثين آخرين في حديثهم لـ”الوطن” تعليقاً على آراء المشاركين متباينة، لتؤكد حجم الإشكالية التي يشهدها الملف المعني بصحة حدود حرم المدينة المنورة.
وفيما رجح رئيس نادي المدينة المنورة الأدبي عبدالله عبدالرحيم عسيلان النتائج التي وصل إليها القارئ والتي ضمنها كتابه “حول حدود الحرم النبوي الشريف” ذهب الباحث في معالم المدينة المنورة عبدالله مصطفى الشنقيطي إلى رجحان الرأي الذي ذهب إليه عضو هيئة التدريس بجامعة طيبة الدكتور خليل ملا خاطر والذي نسف كثيرا مما أورده الدكتور عبدالعزيز القارئ وأكد في انتقاده أنه يجب على الأخير أن يقف على النص وعدم الإتيان بشيء يصادمه.
جدل قديم
وقال الشنقيطي في تعليقه على أوراق تلك الندوة التي شهدت تضاربا بين آراء المشاركين حول “دائرية الحرم” وصحة دخول عدد من المعالم داخل المدينة المنورة: إن حرم المدينة كان محل جدل منذ قرون وخاصة ما يتعلق بجبل ثور، مشيرا إلى أن النصوص تؤكد أن حد الحرم الشرقي والغربي هو اللابتان أي الحرة الشرقية والحرة الغربية، وحيث إن اللابتين لهما امتداد شرقي وغربي فإن الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى بني حارثة وهم في سند الحرة فقال “أراكم يا بني حارثة قد خرجتم من الحرم” ثم التفت فقال “بل أنتم فيه، بل أنتم فيه”، بمعنى أنهم – والحديث للشنقيطي- كانوا على وشك الخروج من الحرم، فلو تجاوزوا سند الحرة لخرجوا من الحرم. وسند الحرة هو ما ارتفع عن السهل من الحرة ولم يصل إلى ظهرها، وهذا دليل على أن حد الحرم من اللابة هو سندها فقط ويخرج منه أعلاها، والحرة ليس لها شكل هندسي معين، فهي تبتعد في مكان وتقترب في مكان آخر.
ويرى الشنقيطي أن الأعلام الحالية المقامة في الجهتين الشرقية والغربية لا تعكس منطوق الحديث الصحيح في تحريم ما بين اللابتين، بل قد تجاوزتهما بكثير، أما الحدان الجنوبي والشمالي فهما جبلا عير وثور، فجبل عير معروف فلا يحتاج إلى تعريف، وثور هو الجبل الأحمر الصغير المدور الواقع تحت جبل أحد عن يساره والذي سبق أن حددته لجنة هيئة كبار العلماء في الثمانينات الهجرية على أنه جبل ثور وليس جبل الدقاقات الذي عنده الحد الآن.
ولم يخف عسيلان – الذي سبق له أن قام بتحقيق أكثر من كتاب تناولت قضية معالم المدينة – استغرابه من تحول حلقة النقاش حول حدود وعلامات الحرم إلى انتقادات بين قطبي الرحى في الندوة كل من الدكتور عبدالعزيز قارئ والدكتور خليل ملا خاطر في إشارة منه إلى أنه حينما طرح الدكتور قارئ نقده على أمانة المدينة التي نفذت تلك العلامات على غير أسس علمية جاء خاطر لينسف – بعد أن أورد بعض الأحاديث التي تتعلق بحدود الحرم – تقريبا جل ما جاء في كتاب قارئ حول حدود الحرم.
توسع اجتهادي
وفي رأي ذهب بالقضية إلى اتجاه آخر يرى الباحث في معالم السيرة النبوية الدكتور تنيضب الفايدي أن اللجنة السابقة التي توصلت للنتائج التي قادت لتحديد معالم الحرم النبوي الشريف ربما توسعت – بحسب تعبيره – باجتهادها وذلك لصالح المسلمين، مشيرا إلى أنه يخالف رأي الدكتور عبدالعزيز القارئ في قوله بـ”دائرية الحرم”، مؤكدا أن النصوص والدراسات التي تناولت حدود الحرم تؤكد أن حرم الحمى وحرم الصيد لا يمكن أن يكونا دائريين وإنما يمكن أن يكونا “إهليليجيا الشكل”، مضيفا أن النصوص كانت واضحة في تحديد حدود الحرم من الشرق والغرب.
وكان الباحث في معالم المدينة المنورة الدكتور غازي التمام قد سبق أن أكد في أحد أبحاثه التي نشرها نادي المدينة الأدبي والمعنون بـ”رسائل في آثار المدينة النبوية” عن حدود حرم المدينة المنورة وحماها، أن حدود حرم المدينة المنورة لا يمكن تمثيلها على الطبيعة برسم هندسي معين، لأن الأحاديث حددت الحرم بشكل عام بالتضاريس الجغرافية للمدينة المنورة خصوصا من الشرق والغرب، حيث إن حدوده هي اللابة الشرقية “حرة واقم” والحرة الغربية “حرة الوبرة” وحده من الشمال جبل ثور وهو الجبل المختلف عليه- بحسب تعبيره – على أربعة أقوال، وأما حده الجنوبي فهو جبل عير.
12 ميلا
وتذهب رسالة التمام حول حدود الحرم إلى أن حدود الحمى “حرم الشجر”، فقد صح عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أن حمى المدينة اثنا عشر ميلا من كل اتجاه.
وأكدت النتائج التي توصل إليها التمام – الذي سبق له أن قدم بنادي المدينة الأدبي قبل سنوات محاضرة في هذا الباب شهدت نقاشا واسعا حينها – إمكانية الجمع بين أحاديث الحمى سواء منها ما تحدث عن المسافة وما تحدث عن المواضع وكذلك ما تحدث منها عن اتجاهات السيول ومجاري الأودية، حيث إنها تتفق في المضمون تماما ويصدق بعضها بعضا، مشيرا إلى أنها قوية بتطبيقها على جغرافية الأرض وقوية كذلك بحديث أبي هريرة، إذ إن المسافة بين كل منها وبين المدينة المنورة حوالي اثني عشر ميلا باعتبار طرق القوافل قديما وطرق السيارات حديثا.
ويرى التمام أنه إن كان لا بد من نصب علامات فليس بالضرورة أن توضع على حدود الحرم بل تنصب على مسافة اثني عشر ميلا على الطرق الرئيسة مثل طريق مكة وطريق بدر وطريق نجد وطريق تبوك.
اللجنة الأولى
من جهته قال الدكتور عبدالله بن إبراهيم العياشي المسؤول عن تركة والده المخطوطة: إن والده حدد حرم المدينة بعدد من المعالم من بينها جبل عير وهو اسم للجبل الذي يأتي في قبلة المدينة أي جنوبها، وهو يقسم الحليفتين كما يقسم وادي المحرم وهو حد من حدود حرم الصيد في المدينة، وهناك جبل تيم، وهو جبل أحمر يمتد من الجنوب إلى الشمال بمسافة 10 كلم ويقع شرق المدينة بنحو 12 ميلا، وكان في جانبه الشمالي الشرقي بعض المزارع في خيف البصل، وهو حد من حدود حرم الشجر على مذهب من يرى ذلك – بحسب وصفه -.
ويخلص العياشي – كما يقول ابنه – إلى أن حرم المدينة مسافة بريد في بريد، والبريد – كما يراه العياشي – ما بين 16 – 17 كلم، مؤكدا أن جبلي عير وثور خارجان عن الحرم، وتحصى المسافة بين عير وثور وتطبق على الحدين الشرقي والغربي.
وكشف العياشي لـ”الوطن” عن إحدى الوثائق التي توضح مشاركة والده عالم المدينة المنورة الراحل – يرحمه الله – في اللجنة الأولى التي طلب منها تحديد حدود الحرم عام 1374هـ وهي اللجنة التي شارك فيها عضو من محكمة المدينة حينها الشيخ محمد الحافظ وعضو من هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والمكنى بالخاتم وكذلك عضو من بلدية المدينة محمد غلام، وقد توصلت اللجنة في ذلك العام إلى نتائج حدود الحرم ورفعت تقريرا إلى الجهات المعنية.
يذكر أن ندوة “أعلام وحدود حرم المدينة المنورة” التي نظمتها الجمعية الجغرافية بالتعاون مع جامعة طيبة شارك فيها الدكتور خليل ملا خاطر، والدكتور عبدالعزيز القارئ، والمهندس عبدالهادي جعفر من أمانة المدينة المنورة، وأدارها عميد كلية الآداب بجامعة طيبة الدكتور سليمان الرحيلي.
http://www.alwatan.com.sa/news/newsdetail.asp?issueno=3374&id=129834&groupID=0

أضف تعليقاً