أ . عالية فريد >> أخبار و مقالات


عبقرية هيئة حقوق الإنسان

1 يناير 2010 - جريدة اليوم

عبقرية هيئة حقوق الإنسان

 المصدر: جريدة اليوم  الاثنين  2009-12-28 م 

عادل الحوشان

في أحد اللافتات التي تستخدمها بعض الجهات لترويج سلعها أو أهدافها فاجأت هيئة حقوق الإنسان عقول المواطنين بإعلان أقل ما يمكن أن يقال عنه إنه عبقري وفي منتهى الحكمة.

خصوصاً أن مسألة الحقوق التي تتولى مسئوليتها ومسئولية إعلانها وتعزيزها وحمايتها والدفاع عنها ونشر ثقافتها، وأعني هنا حقوق الإنسان، بصفتها واحدة من هيئتين وليدتين نظراً لعمرهما القصير نسبياً، والنسبية هنا تتعلّق بجمعيات وهيئات حقوق إنسان عربية ودولية مماثلة، وخصوصاً أن أهم وثيقة لحقوق إنسان معلنة حتى الآن تم إعلانها قبل ما يقارب 72 عاماً (الإعلان العالمي لحقوق الإنسان 1948م(

الهيئتان، أو الهيئة والجمعية، الوطنيتان هما الوحيدتان في المملكة إحداهما (هيئة حقوق الإنسان ـ 1426هـ) وهي صاحبة الإعلان العبقري المعلّق على جسرٍ معلّق.

أما الأخرى فهي (جمعية حقوق الإنسان ـ 1425هـ) وحتى الآن تحتفظ لنفسها بصمت مهيب فيما يتعلّق بنشر ثقافة حقوق الإنسان بينما يتصدّر صفحتها الإخبارية زيارات لوفود وسفراء واستقبالات رئيسها، وللأمانة فإن الصفحات التالية خلت تقريباً من الاستقبالات وتفرّغت للتعريف بعملها فيما يتعلّق بنشر التقارير والشكر وزيارات لجهات مختلفة (دار رعاية وسجن) والمشاركة في ندوة تدريبية.

الإعلان العبقري الملفت للانتباه يقول التالي (العدل والتسامح والرحمة من أهم حقوق الإنسان) ويذيّل باسم الهيئة وليست الجمعية، بالرغم من أنني متأكد أنه لو تم توزيع استبيان على المواطنين يحتوي على فقرة تتعلّق بـ «التفريق» بين الاسمين لاختلطت الإجابات كما اختلطت القوانين والمفاهيم لدى المسئولين في الهيئة الموقرة، ناهيك عن المهام والواجبات.

لا أعرف من هو العبقري الذي أدار هذه اللوحة المعلّقة التي لم تفرّق بين الحقوق التي يجب أن تعلنها وتدافع عنها وتعرّف بها وتنشر ثقافتها وبين الصفات البشرية؟!

ما هي العلاقة بين صفتين بشريتين (الرحمة والتسامح) وبين المواثيق التي تم إعلانها والتوقيع عليها رغم الاعتراضات التي أعلنتها المملكة فيما يتعلّق بالبند الثامن عشر في الإعلان الدولي؟

النصوص الوحيدة المعلنة في مواثيق ومبادئ وإعلانات حقوق الإنسان منذ الميثاق التأسيسي لليونسكو ( نوفمبر 1945) وتتعلّق بشكل مباشر في مفهوم التسامح كان (إعلان مبادئ بشأن التسامح) والمعتمد من المؤتمر العلم لليونسكو نوفمبر 1995، والذي أخذ في اعتباره نص ميثاق الأمم المتحدة على أننا «نحن شعوب الأمم المتحدة، وقد آلينا على أنفسنا أن ننقذ الأجيال المقبلة من ويلات الحرب… وأن نؤكد من جديد إيماننا بالحقوق الأساسية للإنسان وبكرامة الفرد وقدره… وفي سبيل هذه الغايات اعتزمنا أن نأخذ أنفسنا بالتسامح وأن نعيش معا في سلام وحسن جوار».

كما نصت الديباجة على التذكير بأن «الميثاق التأسيسي لليونسكو ينص على أن « المحتم أن يقوم السلم على أساس من التضامن الفكري والمعنوي بين بني البشر».كما تذكر الديباجة بأن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان يؤكد أن «لكل شخص الحق في حرية التفكير والضمير والدين» (المادة 18) و «حرية الرأي والتعبير» (المادة 19) و «أن التربية يجب أن تهدف إلى تنمية التفاهم والتسامح والصداقة بين جميع الشعوب والجماعات العنصرية أو الدينية» (المادة 26).
أما فيما يتعلّق بمعنى التسامح والمنصوص عليه في المادة الأولى فهو جزء لا يتجزأ من كل المواد الست التالية التي تتعلّق بإعلان المبادئ ( دور الدولة، الأبعاد الاجتماعية، التعليم، الالتزام بالعمل واليوم الدولي للتسامح ).
وكل ما جاء في تفريعات المادة الأولى المعنية بتحديد مفهوم التسامح لا يمكن أن يتم تجاهلها والاكتفاء بجعله صفة على شكل «حق» دون التعريف الكامل الذي يُحمِّل جميع ما جاء في البنود الستة، بما فيها التعريف، للجميع ويشتمل على توضيح كامل لأهمية التعريف ونقله من موقعه كصفة إلى أن يكون مفهوماً شاملاً يتعلّق بالسلم والعدل وكما جاء في البند 1-1 في المادة الأولى فإن التسامح يعني الاحترام والقبول والتقدير للتنوع الثري لثقافات عالمنا ولأشكال التعبير وللصفات الإنسانية لدينا. ويتعزز هذا التسامح بالمعرفة والانفتاح والاتصال وحرية الفكر والضمير والمعتقد. وأنه الوئام في سياق الاختلاف، وهو ليس واجبا أخلاقيا فحسب، وإنما هو واجب سياسي وقانوني أيضا، والتسامح، هو الفضيلة التي تيسر قيام السلام ويسهم في إحلال ثقافة السلام محل ثقافة الحرب.

كما أن البند 1-2 ينص على أن التسامح لا يعني المساواة أو التنازل أو التساهل بل التسامح هو قبل كل شيء اتخاذ موقف إيجابي فيه إقرار بحق الآخرين في التمتع بحقوق الإنسان وحرياته الأساسية المعترف بها عالميا. ولا يجوز بأي حال الاحتجاج بالتسامح لتبرير المساس بهذه القيم الأساسية. والتسامح ممارسة ينبغي أن يأخذ بها الأفراد والجماعات والدول.
كما أن البند 1-3 ينص على أن التسامح مسؤولية تشكل عماد حقوق الإنسان والتعددية (بما في ذلك التعددية الثقافية( والديمقراطية وحكم القانون. وهو ينطوي على نبذ الدوغماتية والاستبدادية ويثبت المعايير التي تنص عليها الصكوك الدولية الخاصة بحقوق الإنسان.

أما التسامح في حالته التي أعلنتها هيئة حقوق الإنسان فإنه صفة منقوصة ومجتزأة ومحوّلة إلى حقّ لا يمكن الدفاع عنه ولا تحقيقه بفصله عن التعريف الشامل في إعلان المبادئ والذي يحمّل الجميع مسئولية تحقيق مبادئ حقوق الإنسان دون عزل صفة بشرية من سياقها ومفهومها القانوني والحقوقي ووضعها عارية على رفّ وإلا فإنها ستصبح مرادفة للعذر الذي نحاول الخروج به من مأزق عدم قيامنا بواجب الضيافة عندما نعلن للمعازيم بطلب « العذر والسموحة يا جماعة عن القصور «!

أما الرحمة فنسأل الله العلي القدير بأسمائه الحسنى أن «يرحم» أمهاتنا وأمهات المؤمنين من كل « اللوحات « والجسور المعلّقة والضجيج، وأن يغفر لموتانا وموتى المسلمين وهيئات حقوق الإنسان في العالم ويشملهم بعفوه ورحمته إنه سميع مجيب.

 

http://www.alyaum.com/issue/search.php?sB=%CD%DE%E6%DE&sS=1&sT=1

أضف تعليقاً