أ . عالية فريد >> أخبار و مقالات


سويسرا بلد أجراس الحرية ومآذن حقوق الأنسان..

2 يناير 2010 - مكتبة مساواة

سويسرا بلد أجراس الحرية ومآذن حقوق الأنسان..

الإثنين 07-12-2009 م الموافق 20-12-1430 هـ

 
حسين دويس

 

في بلاد العرب لا شيء مستغرب:
لو يأتي تصويت تجاه قرار يجيز إنتهاك حق أقلية تعيش في أي دولة عربية وكانت الأغلبية مع هذا القرار لما أستنكرنا الأمر. لو تم في أي بلد عربي التضييق على أقلية سواء دينية أو عرقية أو أياً كانت، لما أستنكرنا الأمر.. لا يمكن ولا يحق لنا أن نستنكر مثل هذه الأمور على خارطة الحدود العربية.. لأنها وبكل بساطة جزء لا يتجزأ من ثقافتنا أن نجبر الأقلية دائماً أن يكونوا أتباعاً للأكثرية وأن يرتدوا نفس الرداء حتى لو كان ضيقاً أو قصيراً أو طويلاً أو واسعاً حسب معتقداتهم…
في بلادنا وبحسب ثقافتنا فأنت إن لم تكن معي فأنت ضدي.. لذلك يجب على الجميع أن يكونوا وفق مسار واحد وعلى دين واحد وعلى مذهب واحد.. نحن شعوب لا تعرف الأختلاف ولا تطيقة ولا تتأقلم معه.. شعوب تربت على الأحادية والأقصاء لكل مخالف.. بالرغم من أن التعددية أمر رباني والأختلاف شيءٌ جعلة الله ناموساً للأرض ومن عليها.. ولكن نحن لا نعرف التنوع ولا الألوان.. جميعناً لون واحد..وهو داكن في الغالب.
في بلاد الغرب.. إنتهاك الحق مستغرب:
وهنا مربط الفرس.. هنا علامة التعجب التي تدور على رؤوس من يرون في الدول الغربية دولاً إنسانيّة الهوى حقوقيّة الأنظمة.. تسير من أجل الأنسان وتسعى لأن يكون المحور والمركز لها..
ولكن يبدو أن الصورة إختلفت.. هي لم تختلف تجاة الحكومات والمنظمات والهيئات الحقوقية المعنية بحقوق الأنسان… ولكن إختلفت تجاة شعوب تلك البلاد.. إختلفت تجاة العامة ممن تربوا على مبادئ الأختلاف والتعدد حتى في أضيق الأمور..فمثلاً تجد في البيت الواحد أباً مسيحياً وأماً ملحدة وإبناً مسلماً وهكذا.
من الغريب أن يصوّت شعب مثل الشعب السويسري الواعي مع قرار ينتهك حق أقلية تشاركة الأرض والماء والهواء.!! من الغريب أن يتحول الأنسان الأوربي الداعم دائماً لحقوق الأنسان والساعي دائماً لتطبيقها، ان يتحول إلى عربيّ الطباع ! منتهك للحقوق ومستخدمٌ للديموقراطية في سبيل إحقاق باطل كما فعل اليونانيون بسقراط.. فالديموقراطية في أحايين كثيرة تكون قاتله تكون موجعة حين يتم إستخدامها في الطريق الخطأ.
تصويت الشعب السويسري بأغلبية صغيرة تجاة إقرار منع بناء المآذن أمر مستغرب! أمر لا يمكن تصديقة لأنه يحدث هناك.. هناك في تلك البلاد التي نحلم بقوانينها وهوائها وجمال كل ما فيها.. إنه يحدث في أرض الأحلام التي يتمنى كثيرون العيش فيها ليتنفسوا هواءً نقياً من الحرية خالياً من التعصب والإنتهاكات لأبسط الحقوق الإنسانية..
حتى لو كان حزب الشعب، الحزب اليميني المتطرف، حزباً يملك القدرات الهائلة التي تصب في صالح ما يرمي إلية من تقييد للمسلمين في سويسرا.. ولكنه لا يملك عقول السويسريين! الإنسان السويسري والأوربي بشكل عام إنسان لا يمكن السيطرة على آراءه وتوجهاته بسهولة.. لأنه وبكل بساطة نِتاج نظام تعليمي حر مبني على أسس تجعل من مخرجاته مخرجات قادرة على تحديد ماهو الصح وماهو الخطأ ومعرفة الطريق الذي تسلكه إلى أين يؤدي.. وهذه المخرجات بالتأكيد ليست مخرجات التلقين وملئ الرؤوس بالغث والسمين..
هناك سبب ما وراء تغيّر نظرة المواطن السويسري الغير مسلم تجاة حقوق المواطن السويسري المسلم.. ولكن ما هي؟
قد يقول البعض أن الأعلام لديهم هو صاحب الدور الأبرز في زيادة الإحتقان وترسيخ الكره للأسلام والمسلمين.. من يقول بهذا فأنا أتفق معه.. لأنه وبكل بساطة لا يقوم هذا الأعلام بجلب ممثلين يؤدون أدواراً نقوم في الأساس نحن بها..
إعلامهم لا يقوم بجلب ممثلين زائفين ليقوموا بجز عنق شخص ما لأنه مخالف للدين الأسلامي.. وأعلامهم لا يقوم بتفخيخ جسد شخص ما ويقوم بتفجيرة في مجموعة من المواطنين المدنيين العزل.. وإعلامهم كذلك لا يأتي برجال دين مزيفين ليلقوا خطباً على المئات من الأتباع ويدعون فيها على الغرب بالموت والتشتت واللعنه وأن يكون مصيرهم جنهم..
إعلامهم لا يقوم بهذا أبداً.. إعلامهم ينقل لهم الصورة المتشدد الغالبة لدينا كمسلمين تجاة الآخر المخالف لنا في العقيدة.. هكذا وبكل بساطة هو ما يقوم به إعلامهم بشكل عام..
إذاً فخوف المواطن السويسري على طريقة حياته شيء مبرر.. خوفة من أن يتم أسلمة بلادة أمر مبرر.. خوفة من أن يكون تحت رحمة مجتمع يجبرة أن يرتدي قناعه العام ويخلع قناعة الخاص به وبهويته وفكرة وآراءه ومعتقداته الشخصية أمر مبرر.
 

نحن نخلق نسخة عربية في المجتمعات الغربية:
نعم.. هذا هو ما نقوم به. نحن نقوم بنقل عدوى التشدد والرفض للمخالفين لنا إلى الشعوب الغربية.. نحن من يرمي في صدورهم ببذرة التشدد ونحن من يسقيها بتصرفاتنا تجاههم وتجاه معتقداتهم وأفكارهم.. ونحن من يجني ثمار هذه البذرة.. نحن من سيأكل من نفس الثمرة التي نأكلهم إياها منذ سنوات في بلادنا وفي طريقة تعاملنا معهم.. فلم الخوف ولم الأستنكار ولم التعجب!
ألا يسعدنا أننا بدأنا بالتأثير على الغرب؟ ألا يسعدنا أننا بدأنا في نقل شيءٍ من ثقافتنا وعاداتنا لهم؟ عملية النقل الثقافي التي نقوم بها تنقلب ضدنا.. أليس كذلك؟ ولكن قد تكون في صالحنا إن نحن أصبحنا قادرين على نقل كل شيء لهم.. ولكن  إن نقلنا لهم كل شيء واصبح العالم كله مسلماً!! فمن سنحارب؟ على من سندعوا بالويل والثبور وجهنم؟؟ سنقاتل بعضنا البعض على ما أعتقد.. فمذاهبنا كثيرة وأبواب الأختلاف لا زالت مفتوحة.. ولن تقفل أبدا.
مآذن الحرية السويسرية نحن من يهدمها ونحن من يعلّق أجراس الخطر القادم والخوف من الأسلام والمسلمين بتصرفاتنا.. في كل دين وفي كل فكر وفي كل بلد يوجد متشددون.. ولكن في بلادنا نحن وفي ديننا نحن يوجد العدد الأكبر من المتشددين.. يجب علينا أن نصلح أحوالنا نحن اولاً قبل أن ننتقد الغير وننتقد تصرفهم المنتهك لحق من حقوقنا كأقلية هناك.. إن كان يهمنا مصير المسلمين هناك فيجب علينا المحافظة على مصير المسيحيين وغيرهم في بلادنا العربية..
يجب أن نشعرهم بسماحة الدين الأسلامي وبأننا بشر مؤمنون بالتعدد وبالأختلاف وبأنه سنة من سنن الحياة التي فرضها الله على هذه الأرض التي جئنا عليها لنعمرها..
 

سيتعافي السويسريون من العدوى..
وسيمارس الجميع حريته هناك كما هي الحال دائما..
فمن يصل إلى منارة الحق والعدل والحب والسلالم..
لا يمكن أن يعود عنها أبداً.. أبداً.
*كاتب سعودي، مهتم بحقوق الإنسان

**المصدر، مساواة، رسالة خاصة من الكاتب

أضف تعليقاً