سيادة القانون في وعد ملكي بالتحقيق، والمحاسبة، وإعلان النتائج سريعاً في كارثة ” جدة “
2 يناير 2010 - مكتبة مساواةسيادة القانون في وعد ملكي بالتحقيق، والمحاسبة، وإعلان النتائج سريعاً في كارثة ” جدة “
السبت 05-12-2009 م الموافق 18-12-1430 هـ
ذاكر آل حبيل
الخطاب الغاضب الذي أصدره الملك عبدالله بن عبد العزيز، للتحقيق في مأساة جدة، يستحق التوقف، كونه يرتكز عل معطيات قانونية في النظر إلى قضية وأزمة وطنية جراء كارثة جدة التي سببتها السيول الجارفة، جراء موسم أمطار غير عادي، لم تكن البنية التحتية للمرافق الصحية ، فضلاً عن مجاري تصريف الإمطار، مهيئة له، والتي لا تزال مدينة جدة بحجمها وأهميتها التجارية تعاني منها منذ عشرات السنين، كما هي مدن أخرى لم يطالها الإعداد الأولي السليم القادر على استيعاب أي متغير طبيعي وارد، جراء تحولات المناخ وتقلباته، فضلاً عن أي خلل أو خطأ بشري متعمد أو غير متعمد يحدث أي نوع من أنواع الكوارث البشرية أو العمرانية وغيرها؛ والتي عادة ما تتحمل مسئوليات مكافحته وتحمل أعباءه دوائر عديدة مثل الأمانة وبلدياتها، ومؤسسة المرافق العامة، والدفاع المدني، ووزارة الصحة، وغيرها ، والتي يجب أن تكون على أهبة الاستعداد لهكذا كوارث ونتائجها وتقوم بواجبها على أكمل وجه.
لكن ما حصل في مدينة جدة من نتائج كارثية تسببت في قتل العشرات وأتلاف الممتلكات من سيارات ومحلات وغيرها، فضلاً عن تأثيرها على البيئة الصحية في الأيام القادمة، أثبت أن هناك إهمالاً على كل الأصعدة، الذي ربما وقف خلفه فساد إداري طال أمده، الأمر الذي أثار الغضب الشعبي لعموم المواطنين في البلد وبالذات للمعنيين بتلك الكارثة من أهالي جدة خصوصاً المنكوبين من ذوي الضحايا ( يرحمهم الله ) فضلا عن الذين تضرروا مادياً بأي شكل من الأشكال، الأمر الذي كان يلزمه أجراء بحجم تلك الكارثة، والذي جاء فيه أمراً ملكياً أهم ما فيه بعد قرار التعويض للمتضررين، أنه أرجع أمر القرار الملكي إلى مسودات القوانين والأنظمة المعمول بها في المملكة، بدأً بنظام الحكم الأساسي ، مروراً بكل الأنظمة التي ذكرها المرسوم الملكي والذي يمكن الإطلاع عليها من خلال المرسوم لمن يريد ذلك.
هذا الأمر الرسمي الملكي المهم، تكمن أهميته إلى رجوعه واستناده على الأنظمة والقوانين في معالجة أولية للحدث، هي الأولى من نوعها على المستوى الرسمي في المملكة، ومعالجة القضية المترتبة على أثر كارثة ” جدة “، بهذه الصورة أن ذهبت في مدى عملي متحقق, سيكون محل اعتبار وطني وإقليمي ودولي، كونه أرتكز على أنظمة الحماية القانونية الوطنية، لمعالجة كارثة وطنية تستحق أن يكون التحرك لمعالجتها بهذا المستوى من المعالجة القانونية الحقوقية، والتي لو سارت حثيثاً نحو أهدافها المرجوة، وكما يتمنى الجميع بأن يتكلل أمرها بالنجاح، ستكون بمثابة ضربة قاصمة ورادعة لكل أشكال الفساد والإهمال الإداري المتعدد، وستكون بادرة رشيدة نحو مزيد من الأمن والحماية للوطن والمواطنين.
فهذا الخطاب الرسمي الملكي الذي بدا عازماً على الذهاب إلى أقصى حد في التحقيق والمحاسبة والذي أوصى بتشيكل لجنة من أعلى مسئولي الدولة ومن مختلف الوزارات المعنية بحسب الأنظمة الذي اعتمد عليها القرار، وطالب جميع المسئولين بالتجاوب معها، وفي حقها في استدعاء أي ” شخص أو مسئول كائناً من كان” لتقديم الإفادة، أو مساءلته – عند الاقتضاء، وطالب الخطاب والأمر الملكي اللجنة برفع النتائج للملك بما تتوصل إليه من تحقيقات ونتائج وتوصيات بشكل عاجل جداً، وطالبها بالجد والمثابرة لتحقيق ذلك، الأمر الذي يتمناه كل مواطن شريف وعلى وجه السرعة، وبأن تعلن النتائج قريباً، وبشكل علني شفاف، والذي به سيكون الحساب المنتظر لكل من ساهم في القصير كما وعد خادم الحرمين: ( فإنه من المتعين علينا شرعاً التصدي لهذا الأمر وتحديد المسؤولية فيه والمسؤولين عنه – جهاتاً وأشخاصاً- ومحاسبة كل مقصر أو متهاون بكل حزم دون أن تأخذنا في ذلك لومة لائم تجاه من يثبت إخلاله بالأمانة، والمسؤولية الملقاة عليه والثقة المناطة به، أخذاً في الاعتبار مسؤولية الجهات المعنية كل فيما يخصه أمام الله تعالى، ثم أمامنا عن حسن أدائها لمهماتها ومسؤولياتها، والوفاء بواجباتها، مدركين أنه لا يمكن إغفال أن هناك أخطاءً أو تقصيراً من بعض الجهات، ولدينا الشجاعة الكافية للإفصاح عن ذلك والتصدي له بكل حزم، فهؤلاء المواطنون والمقيمون أمانة في أعناقنا وفي ذمتنا، نقول ذلك صدقاً مع الله قبل كل شيء، ثم تقريراً للواجب الشرعي والنظامي، وتحمل تبعاته ) ” أنظر نص الخطاب الذي نشر في الصحف المحلية ”
أذن نحن أمام وعد ملكي يفي بغرض التحقيق والمحاسبة وإعلان النتائج وبشكل سريع، ويطمأن المواطن بأن حمايته القانونية الوطنية، فوق كل اعتبار، ولا هوادة في الأخذ بأسبابها، وليكون من خلالها سيادة القانون والنظام، وتوكيد المستوى الأعلى من شفافية العلاقة بين أعلى المسئولين وبين كافة المواطنين، في يخدم الوحدة الوطنية التي لا يمكن تحقيقها إلا بالمزيد من مكافحة الفساد، ومحاسبة كل من تسول له نفسه العبث بمقدرات الوطن، وأهمها الإنسان المواطن الفرد، التي يجب إن يشعر بشكل دائم بأن الدولة تحميه وتنصفه من أي شخص أو جهة تنتهك حقه أو تقصر في خدمته، الأمر الذي سيفي بذلك الشعور الوطني السوي من قبل المواطن تجاه وطنه ونظامه، فعندما يكون المواطن قد تأكد بأنه قد حصل على جل حقوقه، فأنه سيشعر بمواطنيته، وسيخلص الهمة للقيام بواجباته على أكمل وجه، مؤكداً هو بدوره كمواطن حبه لوطنه.
نعم كم سيكون يوماً مشهوداً حين تعلن نتائج التحقيق في مأساة جدة، ويتخذ بحق المقصرين الإجراءات المناسبة، والرادعة لهم، ولغيرهم ممن لا يزالوا يقصرون في واجباتهم تجاه وطنهم ومواطنيهم، فضلا عن أولئك الذين لا يزالون ينتفعون من مناصبهم ووظائفهم أكثر مما يخدمون الوطن والمواطن، ويراهنون على غياب المحاسبة وسيادة النظام عليهم، فهم يعتقدون واهمين بأنهم فوق النظام والقانون، فهل سيكون ما سيجري من نتائج في قضية ” كارثة جدة ” بمثابة رادع لهم وتغيير في مجرى حساباتهم الخاطئة، ونكون قد أجرينا انقلاباً نوعياً على حقيقة المثل القائل ” من أمن العقاب أساء الأدب ” وإبداله معكوساُ ” من توقع العقاب أحسن العمل ” ، الجميع يترقب ذلك.
المصدر: مساواة.