تداعيات الكارثة لنفتح ملف الفساد
2 يناير 2010 - مكتبة مساواةتداعيات الكارثة لنفتح ملف الفساد
السبت 05-12-2009 م الموافق 18-12-1430 هـ
التحدث بشفافية بات ضرورياً والشفافية أصبحت مطلباً، وهذا المطلب دشنه عبدالله بن عبدالعزيز قبل أيام بأمره النبيل بملاحقة الفساد، ويجب أن نعترف بأن المجتمع السعودي قبل ذلك كان محتقناً ومتألماً وغير مقتنع بمبررات الخطاب الرسمي التي زامنت الكارثة وتلتها، إلى أنْ انتصف الملك لوطنه وشعبه بهذا القرار الشجاع.
فلماذا نحاول خداع أنفسنا من حيث ندري ولاندري؟! لماذا نحاول مداراة الواقع بالزيف المنمق، وكأننا ندسّ رؤوسنا في الرمال كما يفعل النعام؟! أليس من الأجدى البحث عن الأسباب الموضوعية قبل محاولة القفز على المنطق للتوصل إلى نتائج غير موضوعية؟
أيام من الوجع والموت ودموع الألم وأشكال الدمار، كان يجب ألاّ تمر بأي مدينة سعودية وليس فقط بمدينة حالمة مثل جدة، التي لولا الفساد الذي غرقت فيه لسنوات لما غرقت بالماء! فما مرّت به هو أشبه بطوفان مفاجئ ولدته زخات مطر قليلة، فأصبحت جدة (غير) بحزنها وموتاها وآلامها!
أعتقد أن المشكلة في بلادنا ومجتمعنا أننا نرى الفساد واضحاً وجلياً في الشوارع؛ ولذلك علينا إذا ما رأيناه بهذا الوضوح ألاّ نبحث عن السبب على الأرصفة فقط، بل أن نجول بأعيننا في المباني العالية! فالفساد الإداري والمالي هو امتداد للفساد في الداخل الاجتماعي، ولن يقف مده إلا بسيادة القانون على الجميع وعدل المحاسبة، فهناك قناعات اجتماعية كثيراً ما يتم تداولها لدينا مفادها أن البيروقراطية والمحسوبيات دمرت المجتمع أفراداً ومؤسسات، وإذا ما أراد أحد أن يصغي أكثر، فإنه سيسمع الكثير من الأخبار والقصص أبطالها تحولوا إلى لصوص غير مرئيين، والواحد منهم من السهل أن يتحول إلى منشار لا بد أن يقتطع نصيبه صعوداً ونزولاً.
مشكلة جدة اليوم لم تعد خاصة بها، ولكن يمكننا اعتبارها البداية الحقيقية والانطلاقة المفترضة للحرب على الفساد التي يقودها خادم الحرمين الشريفين الذي أجمع البعيدون قبل الأقربين على نبله ونزاهته وحبه لصلاح وعزة الوطن والمواطن، ولكي نقف مع هذا الرجل العظيم في المضي قُدماً في مشروعه الإصلاحي الكبير، الذي بدأ منذ توليه الحكم، لا بد أن يكون الجميع صادقين، المواطن والمسؤول، الكبير والصغير.. وإن أكثر ما نعاني وطأته في حياتنا هو الزيف المتعمد، حتى تصبح هذه الحياة وردية، بينما هي في الواقع أكثر سواداً من الليل المظلم الذي يحتاج منا أن نشعل ضوءاً كي نرى حقائق الأمور.
وحين يوجد الفساد واضحاً في الأماكن التي تمس حياة المواطن بشكل مباشر، فإن المتضرر الأول هو هذا المواطن (اللا منتمي) للطبقات المخملية، والذي لا بدائل أخرى لديه، رغم أن حكومة بلاده ترصد المليارات من الدولارات والريالات للمشاريع التنموية، ولكنها حين تكتمل يلاحَظ أن ثمة شيئاً ناقصاً، فيفكر فوراً بأن جزءاً كبيراً من تلك المبالغ ذهب مع الريح!
وإذا كان لدينا القناعة بأن “الإنسان” السعودي هو الرصيد الأهم في هذا الوطن، فعلينا أن نتحمل المسؤولية في الدفاع عنه وتبني قضاياه في ملاحقة المفسدين الذين يزيد خطرهم عن خطر أي فساد أخلاقي آخر، لأنهم كالمرض المزمن الذي ينخر في الجسد ببطء حتى يقضي عليه.
ولذلك فإن عمل اللجان الرسمية غير كاف أبداً إذا ما نظرنا لآفاق المستقبل، وهنا تبرز الضرورة القصوى لإشراك المواطن في العمل الاجتماعي العام من خلال “مؤسسات المجتمع المدني” التي يفترض أن تمارس دورها المستقل والكامل ومن ضمنه الدور الرقابي على الأداء الحكومي، وإعطاء الفرصة للصحافة والإعلام لممارسة دورها المفترض دون قيود مخلة بحرية التعبير، وهذا مما يعزز دور المواطن في تكريس وتحقيق المواطنة وإرساء دعائم العدل القائمة على دولة المؤسسات.
الآن علينا أن نحدد نقطة البداية من جديد، فكارثة جدة أطلعتنا على أن المواطن السعودي بات واعياً لكل دقائق الأمور التي تحصل في البلد، ففي الوقت الذي يستقيل فيه المسؤولون من مناصبهم في الدول الأخرى، لم يفكر أحد بالاستقالة في جدة أو في غيرها ولو من قبيل الإحساس بالمسؤولية الإنسانية!
ويبدو أن كارثة جدة أطلعتنا على مدى الوعي الذي يتمتع به المواطن السعودي، وهنا أشيد بدور المدونين والمواقع الإلكترونية على شبكة الإنترنت، إذ تكوّن لدينا ما شبه (الإعلام الموازي) للإعلام الرسمي الذي مع الأسف لم يكن على مستوى المواكبة الحقيقية للحدث. غير أن قرار الملك عبدالله بن عبدالعزيز كان كالبلسم الذي داوى الجراح، ونأمل قريباً أن نستبشر بمحاسبة كل المسؤولين والجهات، كائناً من كانوا، وبذلك يتم تدشين مرحلة حاسمة للقضاء على الفساد.
المصدر جريدة الوطن السعودية، على الرابط:
http://www.alwatan.com.sa/news/writerdetail.asp?issueno=3353&id=16125&Rname=85
تعليقـــات القـــراء «0»