أ . عالية فريد >> أخبار و مقالات


الموت العبثي و سيول جدة ( مقال منع من النشر)

2 يناير 2010 - مكتبة مساواة

الموت العبثي و سيول جدة ( مقال منع من النشر)

السبت 05-12-2009 م الموافق 18-12-1430 هـ

 
د. هتون الفاسي

 

إلى متى يستمر الموت لدينا عبثياً، من حوادث السيارات، إلى حوادث الباصات، إلى حوادث الصرف الصحي، والآن إلى حوادث غرق الشوارع التي نسي المقاولون تزويدها بمخارج تصريف ونسي مراقبو البلدية التدقيق عليهم أو محاسبتهم. 83 غريقاً قابلة للزيادة فضلاً عن تدمير 3000 سيارة و1500 منزل، أليس هذا موت  عبثي لا قيمة له ولا هدف منه وناتج بكل بساطة عن فساد متفشٍ وضعف في المحاسبة والمراقبة وقلة اكتراث بأرواح البشر مقابل الملايين التي تكدسها حراماً العديد من الأطراف المعنية بتجارة مقاولة الطرق ومشاريع البلدية؟
 إلى أين نحن ذاهبون؟ وقد جفت الحلوق والأقلام والأحبار وهي تنادي بحل أزمة تصريف مياه وسيول جدة، حل أزمة المجاري، حل أزمة التلوث، دون استجابة إلا من تصريحات من غرف مكيفة حول خطط استراتيجية لما بعد خمسين سنة وعلى من يعيشون اليوم أن يدفعوا الثمن وينتظروا إن مدت فيهم الحياة.
قضايا بناء طرق من غير فتحات تصريف هذه فضيحة، وبناء أنفاق بلا تصريف هذه كارثة ينبغي لا أن يتسقيل المسؤولون لها بل أن يُحكاموا في محاكمات عامة وعلنية. والقضية لا تقتصر على جدة فحسب فتشترك معها العديد من مدن المملكة وتضيع الحقوق بين وزارات الشؤون البلدية والنقل والمياه وربما غيرها أيضاً فلا ندري، والكل مسؤول عن استلام طرق من غير فتحات تصريف مياه. كيف يمكن لطريق جديد لم يبلغ عمره عام واحد (طريق الملك عبدالله) أن يضم نفقاً من غير فتحات تصرف منها مياه الأمطار. نفق يعني بديهية فيزيائية أنه سوف يتحول إلى بركة أو بحيرة إذا كانت مسدودة جميع أطرافه في حال هطلت أمطار لمدة ساعة واحدة فكيف بست ساعات وكيف لو كنا كأي دولة إفريقية أو آسيوية مما يهطل عليها المطر ليل نهار، كنا انقرضنا. وإذا كان هذا يحدث لنفق الملك عبدالله الحديث فما بالنا بالطرق الأخرى في بقية أحياء جدة الجنوبية والشرقية.
أما القضية الثانية المرتبطة بالتصريف فهو جشع العقاريين الذين يعمدون إلى سد مجاري الوديان بتخطيط أراض ومزيد من الأراض ودفنها وتغيير معالمها  دون اكتراث بحاجات الطبيعة لمنافذ تتحرك منها وتخرج منها سيول الأمطار. وقبول البلديات بهذه المخططات وإعطائها تصريح وطرحها للبيع للمواطنين الغافلين عن حقيقة الأرض التي يشترونها يجعلهم يتحملون المسؤولية أيضاً.
الجشع ليس له حدود وخوف الله ليس وارداً هنا ومنهجنا الإسلامي الذي يحيط بنا أينما ذهبنا ليس له موقع هنا وكل ما يمكن مسؤولونا أو مشائخنا التحدث عنه هو احتساب أرواح هؤلاء الموتى عند الله، واحتسابهم شهداء لأنهم غرقى، وتعزيز عقيدة الإيمان بالقضاء والقدر وعدم الاعتراض عليها. فهل هذا يعني القبول والسكوت على الباطل؟ أين إتقان العمل والخوف من الله في عباده والقناعة في الرزق والخوف من المال الحرام من هؤلاء المسؤولين أو من خطب الجمعة؟
الغريب في الأمر أن أحداً من المسؤولين وهو يعلن أعداد القتلى لم يخرج ليعزي أهالي الضحايا وكأنهم لا بواكي لهم.
لا يمكنني أن أهنئ الشعب السعودي بالعيد وعشرات الأسرفي جدة تنصب صواوين العزاء بعد فقدها لأعزائها الذين قضوا هدراً.  فرحمهم الله وعظم الله أجرهم وألهم أهاليهم الصبر والسلوان وعوضهم خيراً وحقاً.
وسوف ننتظر من يواجه أهل جدة بالاعتذار وبتحمل المسؤولية وبتحمل تعويضات الخسائر وأرواح الضحايا.
 * ملاحظة فنية: عتب على جريدة الرياض لسوء اختيار بعض تغطياتها، فأحد صحفييها (ياسر جاروشة) يغطي خبر السيول بأن “سيول جدة تحصد 77 من أرواح أهل جدة” اختيار غير سليم للتعبير عن الفقد والموت، فالحصاد معنى إيجابي سعيد  متفائل لا يتناسب مع المأساة التي تغطيها القصة.
المصدر، رسالة خاصة على بريد مساواة

أضف تعليقاً