وجوه الكارثة
3 يناير 2010 - جريدة الوطنوجوه الكارثة
المصدر: جريدة الوطن الاثنين 11 محرم 1431 ـ 28 ديسمبر 2009
سعد عطية الغامدي
لكـل كارثة وجهان: الكئيب الذي يظهر الآلام والمعاناة والهموم، ويكشف عن الجراح والجثث والدماء، ويشير بالأصابع كلها إلى الفساد الذي يستتر خلف بيروقراطية أداء تتبادل أدوارها إدارات هنا وهناك لكـن المسرح الكارثي لا يظهرها مجتمعة إلا للذين يرون ما خلف الستار مهما سعى البعض تحت أي نية ـ حسنة أو سيئة ـ إلى التركيز على جهة واحدة وترك بقية الجهات.
وهناك للكارثة جانب آخر مشرق متألق تعبر عنه جهود المخلصين الصادقين في سرعة استجابة لرفع الآثار وتخفيف المعاناة وتجفيف الدموع ولم الشمل والإغاثة بالمسكن والملبس والمطعم والمشرب مؤثرين راحة الآخرين على الراحة الذاتية، مواصلين الساعات بالساعات والليل بالنهار كمن يسابق العاصفة كي يصل قبل أن تصل ويجعل منها نسيماً ومن ضجيجها اطمئناناً.
كـارثـة جدة هي الحالة العملية لكل ذاك، فكانت فوق المقاييس الطبيعية في كل شيء في جانبها المظلم وفي جانبها المشرق، كان فيها من الدمار الناتج عن مطر ساعات ما لم يحدث في أكثر دول العالم بل إنه حدث في جدة من قبل لكنه جاء هذه المرة ليوقظ العقول والقلوب وليفتح الآذان والعيون وليقول: إن كنتم جادين في القضاء على الفساد فقوموا الآن أو فانتظروا الدمار الكبير.
وكان الجانب المشرق سريعاً ومفاجئاً وحاسماً وكأنه السيل الجارف لكنه يحمل في طياته الصفات الجميلة في النفوس وفي الجهود، حيث تداعى إلى ميدان التطوع المئات من الأولاد والبنات يعملون الساعات الطوال دون كلل أو ملل بل لا ترى في وجوههم إلا السعادة والبشر والتألق.
صــادفني أحدهم في باحة مركز المعارض في جدة بشعره الطويل ولباسه الرياضي وجسمه النحيل يقول في ابتهاج: تخيل أنني عملت اليوم على تحميل (28) شاحنة من المواد والمستلزمات!! وكان الوقت بعد العشاء، لكنه لا يزال في قمة النشوة والرغبة في المزيد، ولو شاهده البعض في أحد الأسواق بشعره الطويل ولباسه وقلادة من الجلد رقيقة حول رقبته لنظر إليه شزرا لا يكاد يملأ عينه أو يثير انتباهه.
هــذه المبادرة الإيجابية تستحق أموراً كثيرة حتى تصبح ظاهرة طبيعية في المجتمع تلتقي عليها النفوس وتشتاق إليها القلوب ويحتفي بها الناس، إنها بحاجة إلى توثيق من إعلاميين متميزين عاشوها بكل مكوناتها منهم من وثق بعض ما رآه منها بأسلوب مؤثر جميل، إضافة إلى توثيق “الفيس بوك” و “اليوتيوب” لمعالم الكارثة وحجم الدمار الذي خلفته حتى لا يقول قائل: إن في الأمر مبالغة.
قســم الدراسات الاجتماعية في جامعة الملك عبدالعزيز مرشح لدراسة المبادرة ومحفزاتها وعناصرها السلبية وخاصة في التنافس غير المحمود بين بعض الجمعيات الخيرية التي جعلت بعض المتطوعين يقفون حائرين أمام هذا التجاذب والرغبة المفرطة في الفوز بأكبر نصيب من الأضواء، بل إن إدارات حكومية كانت أحياناً تتصدر هذا التنافس المذموم لتفوز بنصيب أكبر من الإشادة ومن الأضواء، وكأن أوجاع الناس وآلامهم ميدان يحظى فيه المتفرجون بالجوائز والأوسمة !!
الفــن والإبداع يضيفان قيمة نوعية لمبادرة جدة في توثيق يرتقي بالتجربة إلى أن تكون طموحاً إنسانياً لدى الكثير من الأولاد والبنات خاصة حين تتفاعل المشاعر الإنسانية في استجابتها للضرورات الإنسانية ليكونا معاً نسيج الشراكة التي تخلقها الكارثة وتسقط أمامها الكثير من الحواجز والسدود التي يقيمها الفراغ أو التفاخر أو التكاثر ويصبح الإنسان الحق هو قلب الصورة وإطارها وتغدو المشاعر الإيجابية هي الرابط الذي يصل بين الناس كلهم: من هم في الأزمة ومن يسعون إلى تطويق آثار الأزمة.
ولابد في كل هذا الخضم الحافل بكل شيء أن يكون هناك حرص على أن يحارب الجميع السلبية والأنانية والأثرة والمنصب الذي لا ينزل صاحبه إلى الشارع ليعيش مع الناس ويستمع إليهم ويعرف من خلال هذه المعايشة مدى ما قدمه أو يقدمه لهم لأنها الأمانة الملقاة على عاتقه، ولأن الوظيفة العامة هي عطاء وليست أخذاً، وهي تضحية وليست امتيازاً، وهي مسؤولية وليست غنيمة، كيف له أن يعرف كيف يخدم الناس إن لم يكن قريباً منهم، وكيف له أن يعرف عن المشروعات إن لم يذهب لمتابعتها من حين لآخر.
http://www.alwatan.com.sa/news/writerdetail.asp?issueno=3377&id=16674