أزمة جدة تكشف عورة مشاريعنا
3 يناير 2010 - جريدة الوطنأزمة جدة تكشف عورة مشاريعنا
المصدر: جريدة الوطن الاثنين 11 محرم 1431 ـ 28 ديسمبر 2009
علي عيسى الشعبي
ما حدث في جدة جراء الأمطار والسيول والأضرار التي لحقت بالناس وبالممتلكات حيث مات عشرات الأشخاص وتهدمت مئات المباني وفقد الكثير من الممتلكات مأساة بكل المقاييس وتزداد المأساة سوءاً إذا أيقنا أن هذه الصورة ممكن أن تحدث في أي مكان من مناطق المملكة لنفس الأسباب التي أدت إلى مأساة جدة. السبب الأول أن آلية تنفيذ المشاريع واستلامها هي واحدة في كل مناطق المملكة وهي تقليدية ولا تقوم على أسس علمية حديثة، وثانياً أن كل مدننا تعج بالعديد من المخططات العشوائية وتفتقد إلى البنية التحتية القوية، وثالثا أن الفساد الإداري للأسف الشديد ينتشر في كل مناطق المملكة بدون استثناء مما أدى إلى هشاشة المشاريع وبعدها عن المواصفات العالمية.
المشكلة وقعت في جدة وهي ثاني أكبر مدن المملكة وهي بوابة الحرمين الشريفين وهي المركز التجاري الأول للمملكة ولم تقتصر على الأحياء العشوائية وإنما طالت بعض المرافق الحكومية الحديثة ولهذا فإنه يجب النظر إلى مشكلة جدة على أنها مشكلة المملكة بشكل عام وأن في انكشاف عورة مشاريع مدينة جدة انكشافاً لعورات كل مشاريعنا في كل المناطق وبالتالي هو انكشاف لعورات وزاراتنا التي إلى الآن مازالت تلقي باللوم على بعض وتؤطر المشكلة في نطاق مدينة جدة ولم نسمع إلى الآن على الرغم من كبر حجم الكارثة وموت عشرات الأبرياء باستقالة مسؤول وبدلاً من ذلك نبحث عن ملاك المخططات العشوائية ومنفذي المشاريع ولكن من سمح لأصحاب المخططات العشوائية ومن استلم من منفذي المشاريع ومن” لهف” قيمة المشاريع الكبيرة وباعها لغيره وقبض قيمتها وهو على أريكته من ومن كل من تجر أختها في سلسلة بدايتها من مكتب المسؤول الكبير ونهايتها عند ذلك الموظف الصغير الغلبان الذي لابد أن يأخذ حقه من الكعكة لأنه يرى أن كل الهوامير أقصد الطيور أو السباع كما يحلو للبعض قد طارت بأرزاقها من أموال الدولة.
إن توجيهات الملك عبد الله بن عبد العزيز يحفظه الله بتشكيل لجنة لتقصي الحقائق والتحقيق في أسباب المشكلة واختيار الأمير خالد الفيصل لرئاسة هذه اللجنة هي بداية الحل وهي مؤشر جاد على حرص القيادة على إصلاح الأخطاء ومحاسبة المقصرين والكل متفائل أن تكون نتائج التحقيق بمستوى تطلعات الملك وأن يكون العقاب بمستوى الإصلاح كيف لا ورئاسة هذه اللجنة أسندت لرجل بقامة الأمير خالد الفيصل أمير منطقة مكة المكرمة الذي عُرف عنه أنه رجل لا يقبل أنصاف الحلول. ويؤمل أن تكون النتائج التي يتوقع أن تتمخض عن هذه اللجنة بداية لحقبة جديدة تقوم على الإصلاح الفعلي، ومحاربة الفساد الإداري ومحاسبة المقصرين.
أقول لعل هذه الأزمة تكشف كل حلقات الخلل في المنظومة الإدارية لدينا وتسمح بفتح عدد من الملفات وتكشف المستور ويعرف الجميع أنه لا يوجد إنسان فوق القانون أو بعيد عن المساءلة ليقف ولي الأمر يحفظه الله وهو راعي الإصلاح والملك العادل على حجم التلاعب في مقدرات الوطن، وتهاون بعض المسؤولين في المحافظة على المال العام. نتطلع أن تخرج اللجنة بتوصية إنشاء هيئة عليا مستقلة تشرف على وضع مواصفات مشاريع الدولة وتقوم باستلامها أو المشاركة في استلامها كجهة محايدة وفق معايير ثابتة وجودة عالية. كما نأمل أن تنظر في قيم المشروعات كما اعتمدت من وزارة المالية وما آلت إليه عند التنفيذ لترى الفرق وبحسبة بسيطة جداً تقف على كم حجم الفاقد من المال العام للتعرف أين ذهب ولماذا مشاريعنا تكاليفها باهضة في ميزانية الدولة ولكن عند التنفيذ مواصفاتها متدنية جدا.
http://www.alwatan.com.sa/news/writerdetail.asp?issueno=3377&id=16677