مَن يسمع مَن؟
21 يناير 2010 - جريدة عكاظمَن يسمع مَن؟
عبده خال
رائحة ما يدور في دهاليز نزيلات دار الرعاية للفتيات فاحت قبل حدوث الشغب الذي حدث أخيرا.
وسبب انتشار رائحة الدار أمور كثيرة تحكى عبر وسائل الإعلام وأمور تسرب كحكايات لا تستطيع معها إلا (فك فمك) دهشة مما تسمع.
ويبدو أن تلك الرائحة الكلامية هي التي دعت جمعية حقوق الإنسان لإيفاد فريق نسائي برئاسة الدكتورة الجوهرة العنقري لزيارة الدار في وقت سبق شغب النزيلات، ورصد فريق جمعية حقوق الإنسان مخالفات، رفعت للجهات ذات العلاقة يدعو فيها التقرير إلى تحسين وضع النزيلات.
وهذا التقرير يعني بالضرورة وجود ملاحظات لا تتناسب مع دار رعاية، فهي مكان -كما يوهموننا- إصلاح وإيواء قبل أن تكون سجنا يمارس فيه السجان أساليبه، كي يقلع المجرم عن إجرامه.
وحقيقة، نحن نتغافل عن كثير من المواقع التي يرتادها أو ينزل بها من ننظر إليه بنظرة اجتماعية دونية، فهذه المواقع تعاني من إشكالات وإطلاق يد مسؤوليها بما لا يتناسب مع كرامة الإنسان، وهذا الإطلاق يظن المسؤولون عنه أنهم يقدمون خدمة للوطن بالضغط على هؤلاء النزلاء.
فالنزيلات مثلا في دار الحماية هن صاحبات ظروف اجتماعية مختلفة، أدت بهن للجوء إلى هذا المكان كحماية، وتهيئة الظروف المناسبة لبدء حياة جديدة، إلا أن الوضع هناك يؤدي إلى خلق معاناة نفسية لا نطلع نحن كمجتمع على أثر تلك المعاناة إلا على شكل جرائم أو حوادث.
ولو عدنا لحادثة الشغب فيبدو أن مدير الشؤون الاجتماعية السيد الحناكي، غضب لذلك الشغب الذي حدث من قبل النزيلات، فتوعد أن الوزارة (الشؤون الاجتماعية) سوف تتخذ إجراءات رادعة بحق النزيلات المخالفات اللاتي تجاوزن النظام، وهو تهديد للسجينات يعد سابقا على معرفة المسببات التي أدت بهؤلاء السجينات إلى حالة الشغب، وكان من المفترض أن تكون لغته حيادية إزاء ما حدث حتى يتم كشف ملابسات الشغب.
واعتبر السيد الحناكي أن حدث الشغب يعد تدخلا صارخا في الإجراءات النظامية ومخالفة صريحة لما ينبغي أن تكون عليه النزيلة، لكنه لم يمتلك ردة فعله كي يقف على الحقيقة، فربما من جاءك بعين مفقوعة قد فقع عيني خصمه و(سدحه على غير قبله).
وإذا كان هذا الشغب حدث واخترق أنظمة وزارة الشؤون الاجتماعية، فماذا عن اختراق الدار لأنظمة حقوق الإنسان، ففي النهاية، الأمران بمسمى واحد، وهو (خرق نظام)، فهل يحق لمن اخترقت كرامته أن يطلع على وسائل الإعلام ويطالب بمحاسبة المسؤولين عن الدار؟ هل يمكن حدوث ذلك مثلا؟.
ثم لو تحدثنا بشكل مفتوح وصريح، هل يجد هؤلاء الناس -في أية جهة تعتبر نفسها مهيئة للفرد لأن يعود إلى المجتمع كمواطن سوي- حقوقهم الإنسانية من غير انتقاص وعدم مبالاة؟.
أشك في ذلك، فكل الجهات المغلقة التي تضم أناسا نعدهم غير أسوياء توقع على هؤلاء النزيلاء تجاوزات لا يمكن إغفالها، ولأنها خلف الجدران، فنحن لا نعرف إلا تصريحات المسؤولين.
تصريحات تعد بالتهديد والوعيد، بينما لا نجد تهديدا واحدا يرفع في وجه أية جهة اخترقت حق إنسان وجد نفسه محاصرا بين أربعة جدران.
المصدر: جريدة عكاظ الإثنين 03/02/1431 هـ 18 يناير 2010 م العدد : 3137
http://www.okaz.com.sa/new/Issues/20100118/Con20100118327393.htm