الجنس في الذهنية السعودية!
25 يناير 2010 - محرر الموقع
أوسلو في 18 يناير 2010
لابد أنْ أعترف في البدءِ أنَّ الكتابة عن السعوديةِ في الصحافةِ العربيةِ لا تخرج عن حفنةٍ صغيرةٍ مِنْ الاحتمالات، فإما أنْ تكون في قائمةِ الخصومِ الذين لا يرون إيجابية واحدة في المملكة القائمة فوق رمال لا متناهية من وادٍ غير ذي زرعٍ، وفقاً لرؤيتهم، وهؤلاء تحرك أقلامَهم مشاعرٌ من الاستعلاءِ نحو الخليجيين بوجهٍ عام، أو ممن يدافعون عن أقليةٍ طائفية، أو من الذين يحصرون المشهدَ السعوديَّ برُمته في إطار الوهابية!
وهناك احتمالُ المديح الزائف، وتقليد صحافة الأمراء، وهؤلاء هم المؤلفة قلوبُهم، أو من الخائفين على مصالحهم المادية مع السعودية، فالسعوديون لا يطلبون منك إلا أنْ تكون معهم أو ضدهم، وليست هناك تدرجات بين اللونين الأبيض و .. الأسود!
النصائحُ ممنوعة، والانتقادُ مُحَرَّم، والصداقة تعني التصديقَ بكل توجيه وأوامر وخطب وإنجازات. فإذا ادَعَيّت أنك تحب المملكة، ولا تناهض نظامَ الحُكم فيها، لكنك تكتب عن السلبيات، وتنتقد المؤسسة الدينية، وتطالب بحقوق كاملة للمواطن، ومساواة بين السُنّة والشيعة، ونظام قضائي عادل، وإلغاء سُخرة الكفيل، وأهمية قيادة المرأة للسيارة حماية لأولادها من عبث السائقين المحرومين جنسياً، وإزالة الفوارق بين الطبقات، فقد صَنّفت نفسك مع خصوم السعودية حتى لو كنت تدعو اللهَ آناء الليل وأطراف النهار أنْ يحمي المملكة وأهلها وأرضَها وآلَ سعود!
السعودية تؤثر ولا تتأثر، فإذا أقام فيها أستاذ جامعي ليبرالي خمسَ سنوات أو عقدا أو أكثر قليلا، ثم عاد إلى مسقط رأسه، دمشق أو القاهرة أو الرباط أو بنغازي أو .. فإن نصف همومه تصبح ملتصقة بفتاوى العُلماء والفقهاء عن المرأة، وجسدها، وحجابها، ونقابها، ومكياجها، وعملها، وواجباتها تجاه سيدها .. ربِّ البيت!
رجلُ الدين هو نبي العصر، فيعصر عشرات من الكتب التي توَقفَ الزمنُ عندها ليُخرج من بطونها نصائحَ وتعليمات تختص بذلك الكائن الذي تكَوّن من ضِلع أعوجٍ لرجلٍ مستقيم، فيرقص إبليسُ فرحاً، ويهمس في أذن أُمِّ البشرمُوَسّوسا بضرورة إقناع أبينا أنْ يترك كلَّ فواكه الجنة ليضع في فمه تفاحة حمراءَ أو صفراء أو خضراء.
في السعودية لا تزال الشجرة تُغري السعوديين والوافدين، فالمؤسسة الدينية ترعاها، وترويها، والمرأة لم تعد تهمس في أذن آدم واحدٍ لكنها تضع كل رَجُلٍ أمام اختبارات لا نهائية، وعلىَ المؤسسة الدينية أنْ تحْميه من الفتنة قبل أنْ يقع في المحظور.
في السعودية قامت المؤسسة الدينية بصناعة الذهنية البورنوجرافية التي ترى ثلثي المُحَرّمات الدينية في المرأة، فكلها عَوّرة وفتنة حتى حبال صوتها تستمد نغماتها من خلايا أنثوية رضعت حليبَ الشياطين، والمرأة تغطي وجهَها فلا تدري إنْ كان السببُ الخوفَ علىَ الرجلِ من الفتنةِ أمْ الخوف على نفسها!
عشرات الآلاف من الفتاوى التي فتكت بالذهنيةِ السعوديةِ حَمَلَتْ أكثرُها صورتين متلاصقتين كأنهما توأمان لا ينفصلان: المرأة والشيطان، ومع ذلك فكلها كانت مُعَنّوَنة بكرامة المرأة والحفاظ عليها، فهي المَلِكة المتوَّجة في البيت.
تبحث أحيانا عن المرأة الصديقة، والزميلة، والمناضلة في حقوق الإنسان، والتي تتقدم مظاهرة تدافع عن أبرياء خلف القضبان، فلا تعثر عليها إلا بشق الأنفس، فالذهنية البورنوجرافية تقف لك بالمرصاد، مثلما حدث مع الأب الذي استقبلته ابنته في المطار بعد غياب دام عدة أعوام، فاحتضنته وهي لا تستطيع صَبْراً، وكاد ( المطاوعة ) يفتكون بالأب المسكين في مكان من المفترض أنْ يكون مرآة للمشاعر الإنسانية التي تعَبّر عنها قبلات وأحضان وعناقُ الأحباب والآباء والأمهات والأولاد فهي الصورة الطبيعية للقاءٍ بعد غياب، أو لوداع خشية طول الغياب!
كل خلايا الجسد تصرخ بعبادة الجنس ولو بدا ظاهريا أنها كراهية وبغضاء ونفور، وهنا يُشحذ اباطرة الفتوى أسلحتهم، وكلما أغلقوا باباً سَدّوا معه عدة فتحاتٍ لئلا يتنفس السعوديون، فظهور العينين حرام، ثم يأتي مُزايد جديد ويفتي بأنَّ على المرأة أنْ تُظهر عيناً واحدة كأنها الدجال الأعور، ويُعمم ثالثٌ فتاويه بأنَّ اللونَ الأسود الحزينَ في قيظ الصيف هو المناسب للمرأة لئلا تُغطي جَسَدَها بعباءةٍ خضراء فاقع لونها، وخمار تتخمر من رؤيته خيالات الرجل، فيتقلب على جنبيه طوال الليل بعدما أثِمَ خياله دون أنْ ترسل العينان إشاراتٍ مثيرةً لذهنٍ مريض.
الذهنية التي امتلأت بفتاوى تقتل كل قوى الابداع والفكر والمنطق والموضوعية تصبح عَصِيّة على الانفتاح على هموم الآخرين، وقضايا الحرية، وكرامة الإنسان، وروح التمرد والعِصيان والمناهضة والنقاش والرفض ، بل تصبح أكثر خشونة في التعامل مع الغير، فكل الانتهاكات تصْغر بجانب فتنة مجهولة لا تراها العين المجردة، وحينئذ يُضطر الملك نفسُه، بكل ما يملك من قوى تمَكنه أنْ يقول، أرضياً، للشيء كن فيكون، فيأمر بعدم نشر صور النساء في الصحف السعودية ضماناً لطاعة المؤسسة الدينية له، وبالتالي جماهير الشعب التي تستمد روحَ الطاعة والنوم والتغييب من المنبر، والنصوص التي يَفك طلاسمَها مَنْ لا يستطيع أحدٌ أنْ يأكل لحومَهم، وفقاً لأدبيات مُطيعي العلماء.
كانت هناك ثنائية للعرش يطيع العلماءُ فيها القصرَ، ويبارك القصرُ كهنة التفسير شريطة أنْ تظل صورة الحُكم مَهيبة كأنَّ القانونَ يَسْري على الجميع بنفس القدْر، لكن الحقيقة تغيّرت بمرور الوقت بعدما تم تكبيلُ المواطن السعودي المُسلم بفتاوى استخرجها العلماءُ عُنْوَة من أحشاءِ كُتبٍ اختلطت فيها عصورٌ مختلفة، وعهودُ الازدهار والانحطاط، التقدم والتأخر، الانتصار والهزيمة، وجاء منها كل عالِم بما في داخله أولا قبل إعادة صنعها لتناسب المسلمَ الجديدَ الذي جعلوه يرتعد رعباً وفزعاً من الملوك والعلماء و .. فتنة المرأة.
هنا تصرخ المرأة فتسمع صراخَها السماواتُ السبْعُ ومن فيهن، وتطالب بحقها في أنْ تقود سيارتها لتذهب إلىَ الطبيبِ مع زوجها المريض، أو تحمي أطفالَها الصغارَ من سائق مَحروم جنسيا لم يغادر المملكة لسنوات، وتقتله رغبة جنسية جامحة، لكن الدولة بكل مَنْ فيها، من حُكام وعلماء ورجال فكر ومئات الآلاف من الذين نهلوا علومَهم في الخارج لا يستطيعون إيجادَ مَخرج واحدٍ آمن، فالسماءُ ستلعن المرأة التي تريد حماية أطفالها(!)، والذهنية البورنوجرافية تؤكد لها المؤسسة الدينية أنَّ المرأة سترتمي في أحضان أول رجل يقابلها، أو سيعتدي عليها أول سعودي تقع عيناه على عجلات سيارتها وهي تنهب الأرض نهباً، وتصمت أرضُ الحرمين، وتلوذ الأمُ بصمتِ الصمت، ويُخفي الأبُّ ضعْفه وخوّفه وقلة حيلته، ويعود الطفل إلى البيت مكسور الجناح بعدما عبثتْ في جسده الغض الضعيف أناملُ شيطانية لسائق أنهكه التفكيرُ في الجنس، فأهدته المؤسسة الدينية، وحماقة الصامتين، أطفالَ المملكة ذهابا إلى مدارسهم وإيابا إلى بيوتٍ ضجت الشياطينُ ضَحِكاً في أرجائها وهي تراقب آباءً وأمهات يُقدمن فلذات الأكباد قربانا لرضا التفسير الجنسي للدين و.. طاعة الله!
تخفت، وتدْبل، ثم تموت الروحُ التي نفخها الله في عباده، وكرَّمَهم بها، ومنحَهم العقلَ ليتدبروا شؤونهم، ويتحوّل الإنسانُ ، كما أوهمته المؤسسة الدينية إلى ذئبٍ، إذا رأى ابنة عمه وهي تصارع سَكرات الموت حَرَّضه الشيطانُ على أكل التفاحة، فهو ليس مَحْرَما لها، ووجهُها الذي تتجه بَشرَته الباهتة إلىَ اللونِ الأزرق سيثير شبَقَ الجنسِ ويتحدى المشاعرَ الإنسانية ورباطَ الرَحم.
وتستفتي فتاة في أنَّ شقيقتها ستسافر مع زوجها الذي يُعِدّ دراسة جامعية ستشغله عنها وهي وحيدة، وتريد شقيقتها لتؤنس وحدتها في غربةٍ مؤلمة، لكن صاحبنا، الشيخ المفتي، يُحَرّم سَفرَها خشية أنْ يأتي الزوجُ فجأة في غياب شقيقتها، ويراها، ثم يحدث بينهما لقاء الشياطين!
أي فكر مريض هذا الذي ابْتُلينا به، والذي يظن أنَّ كل رجل سيقفز على أيّ امرأة يقابلها في المطار أو المَدرسة أو الجامعة أو المستشفى، أو حتى شقيقة زوجته، بل إنَّ أحدَهم سأل عن حُرمة الدخول على أمِّهِ وهي بمفردها! وأنا قابلت فتاة أصابها مرضُ التديّن البورنوجرافي فحكى لي والدُها عن رفضها مصافحة عمّها، أي الشقيق الأكبر لوالدها، خشية الفتنة، والذي في الواقع شارك في تربيتها كأنها ابنته!
سيقول قائل بأنها نماذج فردية ونادرة الحدوث، ومشاهد مستقطعة لحاجةٍ في النفس، لكن الحقيقة أنَّ شعبنا السعودي وقع في أسْرِ المؤسسة الدينية، وقيّدت فكرَه، وأمسكت برقبته، واغتالت ابداعاته، وسرقت حُرّيته، وداست على كرامتِه، وخنقت روحَه، ولوَّحَتّ في وجهه بصكوك الغفران.
هل مقالي هذا كراهية لشعبنا السعودي؟
معاذ الله أنْ أكون من الجاهلين، فقد تعرّفت على المملكة في أول زيارة عام 1985 ولازلت أذكر وصولي إلى مطار جدة، وكيف تم تفتيش الواقف أمامي وهو مواطن دانمركي وفتح كل حقائبه، ولما جاء دوري ابتسم لي الموظف مرحبا بدماثة خلق لطيفة.
وفي الطريق من مكة المكرمة إلى المدينة في ميكروباس تشاجر شخصان، سعودي ويمني، مع السائق، وكل واحد منهما يريد أن يجلس بجانبي، ولما سألت اليمني لاحقا عن السبب، قال لي: إنه لو كان بيده لأقام تمثالا من ذهب لكل مصري سقط شهيدا في اليمن ليحرره من حكم الإمامة البائد.
وكان مضيفي الدكتور عبد الله عمر نصيف أمين عام رابطة العالم الإسلامي(سابقا)الذي ربطتني به علاقة دافئة، وصداقة جميلة وفكرية شهدتها مكة وجدة ومدريد وإشبيلية و أيضا أوسلو عدة مرات.
وفي زيارتي الأخيرة للمملكة، منذ تسع سنوات، خفف عني وقعَ الصدمةِ في استقبال بدا كأنه عقوبة وليست ضيافة، وزيرُ الإعلام الأسبق، والمستشارُ لخادم الحرمين الشريفين، والمثقفُ المتحضرُ الأستاذ علي الشاعر، فالتقيت به في كل يوم من أيام الزيارة عندما قاطعني المضيفون، وكانت كل جلسة معه نناقش فيها الشِعرَ والأدب والإعلامَ واللغة كأنها كنز أحتار في النهل منه، إلىَ أنْ استقبلني الأمير سلمان بن عبد العزيز أمير منطقة الرياض، وهو أحب آل سعود إلى قلبي وعقلي، وكثيرا ما تمنيت أن يصبح هو الملكَ القادمَ للسعودية والقادرعلى ترتيب البيت الداخلي، وعلاقتي الطيبة به تمتد لربع قرن، وكنت أيضا قد أهديته ألبوما لصور مدينة الرياض ألتقطتها بنفسي في وقت سابق، عندما استقبلني في افتتاح المركز الاسلامي بالعاصمة الإسبانية مدريد في 20 سبتمبر 1992.
مشاعري تجاه السعوديين ترقى إلى أجمل صور المحبة، وتجاربي غير الرسمية كانت معظمها جيدة، ومفعمة بدفء شديد، لهذا كتبت كثيرا أناشد الملكَ تحريرَ شعبنا السعودي من عبودية الفتاوى، وتمنيت عليه في مقالات عدة أنْ يجعل مملكة الصمت إشعاعاً لحقوق الإنسان، ويُلغي نظامَ الكفيل وهو النظام المناهض تماماً للإسلام وتعاليمه، ويمنح المواطنَ حرية الفكر، والكتابة، والمعارضة، والاختيار، ويفرج عن المعتقلين ظلما وعدواناً، ويرفع رقابة المؤسسة الدينية التي تتحكم في كل شاردة وواردة من حياة المواطن السعودي، ويحلّ هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فشعبنا السعودي أكرم وأشرف من أنْ يحركه السوط على الظهر..
وتمنيت على خادم الحرمين الشريفين أيضا العدالة والمساواة بين كل مواطنيه، وأنْ لا يشعر أبناءُ البلد من الشيعة أنَّ حقوقهم أقل ولو درجة واحدة من اخوانهم السُنّة، وأن يذهب جزء كبير من ميزانية الدولة إلى صناع جيش قوي، ومصانع سلاح محلية، وأن تتساوى المرأة والرجل في الحقوق والواجبات، وأن يتغير مفهوم الإسلام لتنضم إليه فروض جديدة مثل التأمين الصحي، والعلاج المجاني، ومحاربة الفقر، ومعاشات كريمة للمُسّنين، واعتبار وجود فقير واحد أو محتاج أو متسوّل مع تلك الثروة الهائلة كفر بديننا الحنيف!
وتمنيت عليه أن لا يصبح الدينُ سلاحاً في أيدي المتطرفين، وأن تنتهي تلك الحفلة التنكرية التي جعلت نصف المجتمع في غياب تام خلف خمار أو نقاب، وأفسحت المجالَ للارهاب لكي يتحرك بسهولة، وللرذيلة أنْ تختفي وراء قطعة قماش خلافا لأمر الله تعالى الذي جعلنا شعوبا وقبائل لنتعارف.
لقد تمكنت المؤسسة الدينية المُسيّطِرة والقاسية من أنْ توحي للجميع بأنَ انتقادَها خصومة مع الاسلام، وأنَّ المسلم السعودي في زمن الانترنيت، والموسوعات، ومعارف كل القرون الماضية، وضغطة على كلمة (بحث) فتظهر ملايين المعلومات أمام المسلم ليختار ما يشاء، يجب أن يظل تحت قدميها، ويفهم أن المَلكيّن عن اليمين عن الشمال هما من المطاوعة، وأن رضا الله مرهونٌ برضا رجال الدين والعلماء والفقهاء.
كل الذين اكتشفوا الإسلامَ من جديد إثر تأثرهم بالمؤسسة الدينية السعودية، من مقيمين ووافدين، شحنوه بالجنس، وجعلوه محصورا في المرأة أو التكفير وكراهية الآخرين، وقاموا بتلوينه بالأسود القاتم فتشعر عندما تتحدث مع أحدهم أنك في سرادق عزاء، أو أن صاحبنا يتلوّىَ من سُمّ الثعبان الأقرع.
المجتمع الذكوري أخطر على الأمة من الاختلاط العفيف الذي يجمع المرأة والرجل في حدود مايراه العقلاء أساليبَ تعارفٍ لا تستقيم الحياة الطبيعية بدونها، فالتعارف يرقق الطباع، ويقلل نسبة اللواط، ويُكمِل مشاركة الجنسين في التربية والبناء والتعلم والخبرات الحياتية.
الذهنية الجنسية التي صنعها أباطرة الفتوى نزعت كل وسائل المقاومة في الجسد والعقل، والمحروم والمكبوت والمقهور لا يحتاج لأكثر من لمسة واحدة لتتفكك مفاصل قدميه، وترتعش مسامات جسده، ويخرّ صريعا أمام أيّ امرأة عندما تطأ قدماه أرض المطار في القاهرة أو دمشق أو تونس أو لندن أو جنيف أو بانكوك أو بيروت أو الدار البيضاء!
لقد صادرت آلافُ الفتاوى أجهزة الدفاع الطبيعية في جسد الرجل من حب، وعشق للموسيقى، وأحاديث عفيفة مع زميلة الدراسة والعمل، وأحاديث عائلية مع ابنة الخال وابنة العم وتلك الجارة الجميلة التي كبرت على مقربة من عينيه ، لكنه لا يعرف الدنيا إلا بقائمة المُحَرّمات والتي تزيد أضعافا مضاعفة عما حلل الله لعباده.
ودخلت صناعة الكبت أخطر مراحلها في أجسادٍ لا تستطيع أيُّ قوة أنْ تكبح جماحَها، فسمعنا صيحات احتجاج على الرجال الذين يقومون، في المساجد، بالسجود في صلواتهم وقد ضاقت ملابسُهم لتكشف أجسادَهم، وتكشف عن قرب مرحلة الانفجار بعد ثلاثين أو أربعين عاماً من بدء صناعة المسلم المفخخ بورنوجرافياً.
لقد آن الوقتُ الذي يُعيد فيه السعوديون بناءَ وطنهم من جديد، ويتحرروا من سوط المطاوعة، وفتاوى العلماء والفقهاء، وكراهية المرأة واحتقارها، ولو أقسم الجميعُ أنها مَلِكة متوّجة في بيت زوجها.
وآن الوقت الذي يختار فيه آل سعود الكرام بين المؤسسة الدينية و .. الشعب السعودي العظيم، والراشد، والقادر على أن يعبد اللهَ دون وصاية، ويذهب للصلاة في المسجد بغير التلويح له بالعصا!
قِلة من الناس هي التي صفقت للسعوديين وهم يقصفون الحوثيين نيابة عن الرئيس اليمني الذي ساند صدام حسين في البدء باحتلال دول الخليج العربية، وشمَتَ الكثيرُ منهم في خسائر السعودية ولو كانوا على طرفي نقيض مع الفكر الحوثي الذي لم يكن العربُ قبل عدّة أشهر يعرفون عنه شيئاً!
إذا أردت أنْ يهاجمك الناسُ من كل حدب وصوب، فما عليك إلا أن تكتب مقالا يجمع بين المديح والغزل في نظام الحُكم السعودي، وتلك لعمري هي الخسارة الفادحة التي مُنيَتْ بها المملكة، والتي تصغر بجانبها كلُّ الخسائر الأخرى على الساحة السعودية.
الآن فإنَّ الكرة في ملعبِ خادم الحرمين الشريفين، ويستطيع الملكُ أنْ يتحرر ثم يقوم بتحرير أبناءِ بلده، والعُمر الافتراضي يقترب من الفصل الأخير الذي يمكن فيه للعقل أنْ يستوعب ما يحدث حوله، وأجنحة الحُكم ليس بينها وبين بلوغ العام المئة أكثر من عقدين من الزمان، والأمير بندر بن سلطان فقدَ قوته وتأثيره، وتبخرت أحلامُه، ووالده عاد لبعض الوقت، كما فعل الملك حسين بن طلال، رحمه الله، ليؤكد أنه لا يزال الرجلَ الثاني، ولم يبق في الصورةِ غير المقاتل من الصحراء.. خالد بن سلطان، والأمير نايف بن عبد العزيز الذي تؤيده المؤسسة الدينية.
السعودية خسرت تعاطف العالميّن العربي والإسلامي بسبب مصانع الكراهية التي استقطبت قوى التشدُّدّ باسم الدين، وفي العقد المنصرم تفجّرت في الأفئدة والعقول فتاوى البغضاء التي تبدأ من عدم تهنئة غير المسلمين، ورفض مصافحتهم، وعدم الاعتراف بحقهم في طقوسهم الدينية، وتمرعبرعالَمٍ بورنوجرافي لم يبق منه إلا خطوة واحدة وهي وأد المرأة في رمال الصحراء لئلا يراها الرجل، أعني خشية أن تمر على خيال الرجل حتى وهي داخل سبعين خيمة.
لا يقرأ السعوديون ما يكتبه الصحفيون والإعلاميون من ضيوف المؤتمرات والندوات والملتقيات والجنادرية، فهي لقمة عيش مُرّة في بلادهم، وسهلة في المملكة، والأمر لا يستغرق وقتا طويلا ليخرج المؤلفة قلوبهم بأكاذيب مزيفة عن الوضع المبدع في عالم الانجازات والمكتسبات، وأزعم أنَّ الانهيارَ يبدأ عندما يبتسم سيّدُ القصر الملكيّ والمحيطون به يقرأون له مقالات خطتها أقلامُ الشياطين، وقيل له بأنها ممهورة بتوقيع الملائكة!
مستنقعات اليمن ستأكل الأخضرَ واليابسَ في السعودية إذا استمر الوضعُ الكارثيُّ على الحدودِ، وثنائية العرشِ في المملكة ترجح كفتَها المؤسسة الدينية، والانفجارُ الجنسي قادمٌ لا محالة وهو أشدّ هوّلا وتدميراً من ثورة الجوعى، وانتفاضة الغاضبين.
تلك هي رسالتي للملك عبد الله بن عبد العزيز، ولأولي الألباب في السعودية، ولكل من لا يزال قلبُه يخفق بحبِ وطنه .. أرضِ المقدسات، فإما إنقاذ المملكة بأيدي حُكّامِها وأبنائِها، وإما أنْ يضع السعوديون أصابعَهم في آذانهم قبل الطوفان!
تلك رسالة حب للسعودية وأهلها وشعبها الطيب، والشيطان فقط هو الذي يستطيع أن يعثر في ثناياها على ذرة كراهية!
محمد عبد المجيد
رئيس تحرير مجلة طائر الشمال
أوسلو النرويج