مالذي يجب أن تبحث عنه المرأة السعودية في مؤتمر الحوار الوطني؟!….
12 يونيو 2004 - أ . عالية فريدفي البدء أشيد بجهود مركز الملك عبد العزيز لتشيد صرح هذا الحوار وإستمراريته وإنشاء الله نجني منه الثمار الطيبة لخدمة هذا الوطن الغالي في تحقيق آمال وأماني مواطنيه ، وإن المبادرة بمناقشة قضايا المرأة في هذا اللقاء لجهد رائع يشكر عليه القائمين والمسؤولين .
وما إقرار هذه المحاورالخاصة بالمرأة في الأسرة وفي المجتمع والمرأة في التعليم و العمل إضافة إلى القرارات التسعة الذي أعلنها مجلس الوزراء مؤخرا لصالح المرأة العاملة لم تأتي إلا نتيجة جهود متواصلة ، ومطالبات حثيثة من المرأة نفسها، جاء ذلك نتيجة لمعاناة طويلة عاشتها المرأة وقطعت فيها شوطا كبيرا وفرضت من خلالها واقعا متقدما علينا الإيمان به والإقرار بوجوده ولايمكن لأحد إنكار ذلك.
فقيام المرأة بالأدوار المتعددة التي إبتدئتها من البيت والأسرة وإنطلقت عبرها لمجالات العمل الأخرى التي لم تتعارض مع ثوابتها وقيمها الدينية، والتي أثبتت فيها كفاءتها وجدارتها بكل إحترام رغم العقبات والصعوبات الإجتماعية التي واجهتها لهو خير دليل على أهمية دورها ومشاركتها في إدارة الحياة ، وفي التنمية والتطوير المجتمعي، وإستطاعت بعون الله بعزيمة قوية وإردة واعية أن تتجاوز كل ذلك، وفي نفس الوقت فهي على إستعداد تام لمواصلة المسير في تقديم المزيد لتحقيق ذاتها وخدمة مجتمعها، وسوف تسعى وتناضل من أجل الحصول على حقوقها كافة.
المرأة السعودية اليوم واعية متعلمة ومتطلعة تختلف عما كانت عليه بالأمس لذلك سعت بجهودها ومطالبهاالحثيثة للجهات المسؤولة والتي تظافرت مع ما تتطلع إليه قيادة هذا البلد من رؤى حكيمة تصب لمصلحة هذا الوطن وكان نتيجتها المكتسبات التي وصلت لها المرأة العاملة اليوم . فشكرا لكل من سعى و ساهم لتحقيقها.. وكم أتمنى أن تأخذ طريقها نحو التتنفيذ والتطبيق بعيدا عن بيروقراطية الروتين والتعليق المعتاد، كما أتمنى أن تكون التوصيات التي سيخرج بها المؤتمر تلبي طموح كل إمرأة وتعمل على إصلاح واقعها ومعالجة قضاياها بشكل حقيقي وإنني على ثقة بالجهود المخلصة التي ستضع هذه الحقوق في نصابها بعيدا عن الأطماع و الأهواء والمصالح الشخصية.
ومع الأهمية التي أحرزتها قرارات الإسبوع الماضي وما سيضيفه هذا الحوار بشأن المرأة من توافق أو توصيات، أتمنى أن تكون عند المستوى المطلوب، كذلك أتمنى أن لاتكتفي المرأة بجزء من الرغيف وأن يكون ذلك إرضاءا لها على حساب ضياع أو تجاهل حقوقها الأساسية الأخرى.. مثل الحقوق المدنية والإجتماعية التي تقوم على مبدأ تكافؤ الفرص وإيجاد قانون الكل فيه سواسية يحفظ الحقوق للجميع بدون تمييز أو تفرقة.
والحقوق الإجتماعية/ كالحد من ضغوط الجهات الدينية لاسيما «هيئة الأمر بالمعروف» ومرعاة الرفق واللين والتسامح في التعامل لافرض الوصايا والتسلط على رقاب الآخرين، والحقوق الإقتصادية التي تعمل على تأهيل المرأة لبناء إقتصاد الوطن بإ يجاد برامج وخطط إسترتيجية تدفع المرأة وتؤهلها للمشاركة في صنع التنمية الحقيقية للبلاد وتقضي على البطالة، وأن تزاول المرأة عملها التجاري الحر بنفسها دون الحاجة إلى وكيل يستغلها وتصب أموالها لصالح الوطن فالإحصاءات الأخيرة تقدر حجم الأموال النسائية الراكدة ب65 مليارد ريال مجمدة وهذا بدوره يجعلها تحرك السوق وتحفظ مصالحها وتخدم المجتمع، كذلك العمل على تفعيل البطاقة الشخصية الخاصة بها وأن تمارس الإجراءات الرسمية والمعاملات الحكومية بنفسها.
وهناك الحقوق الفكرية والثقافية بإلتعبيرعن الرأي في الإعلام والصحافة ونفي المحسوبية والشلليية الحزبية التي تفقد المجتمع الكثير من طاقاته. وفي حرية الكتابة والنشر، وأيضا إعطاء المرأة حقوقها السياسية و ضرورة العمل على تفعيل دورها في مجلس الشورى ومنحها حق التصويت والإنتخاب في المجالس البلدية والشعبية «إن وجدت»، كما أنها بحاجة أن تطالب بإيجاد برلمانات ونقابات وجمعيات ومنتديات تحفظ بها هويتها وتراثها و تبرز من خلالها إبداعاتها وقدراتها، وبحصولها على ذلك فسوف تذوب كافة مشكلاتها تدريجيا فالقرار السياسي هو الحكم.
وحتى يتم ذلك لابد من أمرين أساسيين وهما كالتالي :
1- تغيير العقلية الذكورية تجاه المرأة ، فالمجتمع لايمكن له أن يحلق بجناح واحد، بل إلى متى سيستمر المجتمع في نظرته الدونية لها في حين أنها تحقق الكثير من الإنجازات والمكتسبات، في كل النواحي وفي مختلف الأصعدة والمجالات في الحياة الإجتماعية والثقافية والإقصادية وفي المراكز والمعاهد والمؤسسات، وقد لمست ذلك كثيرا عن قرب من خلال بعض جولاتي المتعددة في مدن المملكة والتي كشفت لي الكثير من الفعاليات والأنشطة الرائدة والمتميزة التي أبدعت فيها المرأة كثيرا لكن أين من يقدر؟! وأين هو دور الإعلام بكل قنواته ومرئياته عن تسليط الضوء على هذه الإنجازات والتجارب الرائدة والعملاقة للمرأة السعودية، وأين هو من طرح النماذج والقدوات منهن، وأين هو من قضايا هن وعملهن ونجاحاتهن؟
2- نحن بحاجة إلى إيجاد صيغة جديدة نغير بها نظرتنا تجاه المرأة و أن نعكس صورة الإسلام الحضاري في التعامل معها، فبدونها لايبنى مجتمع ولا تنهض أمة فهي شريكة للرجل وشقيقة له في كل شيئ ولايمكن الإستغناء عن أحدهما، كما أن الإسلام يرفض أن تكون المرأة طاقة معطلة فالمولى سبحانه يقول ﴿ المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة …الخ ﴾ ويقول ﴿ إن الله لايضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض ﴾ والنبي الأكرم يصرح بذلك في قوله «النساء شقائق الرجال» وقد كان في بداية القرن الهجري الأول في عهده يحترم النساء الصحابيات ويعاملهن بأحسن المعاملة، وكان يستشيرهن ويأخذ بآرائهن، إضافة إلى أنهن مارسن حق الشورى والبيعة والولاية والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومنحن حق مشاركة الحياة كافة، لقد شرع الإسلام للمرأة حضور الجماعة في المسجد وصلاة العيد والتزود بالعلم والفقه في دروس مشتركة مع الرجل، وأتاح للخاطب أن يرى خطيبته وفي البيع والشراء والهبة والصدقة والعمل لكسب العيش، وفي الرواية و حتى ساحات القتال لم تستثنى منها فهي تعالج وتطبب وتداوي الجرحى وتشارك في بعض الغزوات، كما أباح الإسلام للمرأة اللقاء بالرجال لإدارة أمورها ومعاملاتها في حدود الضوابط والآداب الشرعية مع كشف وجهها وكفيها …الخ.
بينما مجتمعاتنا تحجم المرأة وتحصر دورها في أطر مغلقة وضيقة ماأنزل الله بها من سلطان، تارة بمسمى الدين والعمل بالأحاديث الموضوعة والضعيفة السند وإعتمادهم عليها للحط والنيل من شأن المرأة والإشارة إلى تدني مكانتها الإجتماعية والدينية والعقلية ، وكذلك على مستوى النصوص والأحاديث الصحيحة الذي أسيئ تأويلها أيضا ، لاسيما في مسألة القوامة الذي إتخذها البعض ذريعة ليمارس سلطته وسيطرته على المرأة فيهينها ويتعامل معها أسوأ المعاملة، وتارة بإسم العادات والأعراف والتقاليد، واخرى تحت إطار ستر الذرائع وتجنبا للفتنة، كل ذلك شكل ضغوطا كبيرة على المرأة لازالت تعاني منها فمن هو المسؤول ؟
المسؤولية تقع على عاتق الجميع وهنا أوجه سؤالي للعلماء الكرام عّلي أجد الجواب الشافي فيما آراه حول نظرة الدين الشمولية والسمحة في نظام تعامله مع المرأة وبين ما آراه من تضييق وتحجيم لدورها من قبل علماء ومثقفين إسلاميين، فياترى لماذا فرض الإجتهاد في الشريعة الإسلامية السمحاء؟ وماهي وظيفته؟
أليس من أجل أن يساعدنا على حل مشاكلنا وأزماتنا؟؟ أم نعمل بالقياس على مانراه من وجهة نظر قاصرة من البعض في نظرته تجاه أمه أو أخته أو زوجته ويقيس بها على بقية نساء المجتمع ؟؟؟ وهل هذا من العدل في شيئ؟
إذن الإعتراف بالمشكلة جزء من حلها ولكي نعالج المشكلة يجب أن نستأصلها من الجذور، فلماذا نخاف ونتردد عندما نعلن بأن المرأة تعيش وضعا سيئا في مجتمعاتنا!! ألا يكفي ما جنيناه طيلة سنوات ماضية نتيجة التحفظ والخصوصية والنظرة القاصرة وإذا بليتم فاستتروا و…الخ . فماذا كانت النتيجة!!؟؟
إننا على المستوى الرسمي بحاجة إلى إقرار الحقوق الأساسية، وعلى مستوى الحوار الوطني نحن بحاجة أيضا إلى إنصاف المرأة العاملة، وبحاجة إلى إزالة التخلف العلمي عبر النهوض بجامعاتنا التي تفتقد إلى مراكز ودراسات عليا في الأبحاث العلمية، وبحاجة إلى إيجاد تخصصات جديدة تتوافق مع المرحلة الجديدة لتلبي إحتياجات المرأة وسوق العمل، وعلى المستوى الإجتماعي نحن بحاجة لرقي وسائل الإعلام الرسمية والخاصة لتعبر عن الجوهر الإنساني والحقيقي للمرأة وتعالج قضاياها ومشاكلها في مختلف زوايا الحياة، وماقناة الإخبارية إلا بادرة جيدة في هذا المجال يشكر القائمين عليها فهي بحاجة إلى أن نساندها وندعمها.
وأخيرا.. الجهات الدينية .. أقولها«الحلال بين والحـرام بين».
إن النظرة القاصرة للمرأة وسوء التعامل معها كان نتيجة لإجتهادات سابقة وقديمة، وبالتالي هي إجتهادات بشرية معرضة للصواب والخطأ وليست أحكاما نصية ثابتة، وإن الإجتهاد والفقه إذا مارسه أهله والمتخصصين فيه وفقا للقواعد والإصول المقررة عند الفقهاء والمجتهدين عامة كفيل بأن يقدم لنا الصيغ القانونية المناسبة والملائمة للمتغيرات التي تذخر بها الحياة وتمر بها الأمة ويصلح بها المجتمع، لاسيما إصلاح واقع المرأة وهي مسؤولية مضاعفة على العلماء خاصة.
نحن نعيش عصرا جديدا وزمنا متغيرا والمستقبل القادم مليئ بالتحديات، وهذا يحتم علينا النهوض من جديد والإستفادة من جميع الطاقات البشرية رجالا ونساء لعمران مجتمعاتنا وتنمية حقولها والأخذ بها نحو التقدم والإزدهار .
كما يجب علينا أن نعيد قراءتنا لتاريخنا وثقافتنا الإسلامية برؤى مستجدة، فهي الوقود المحرك الرئيسي الذي يحفظ لنا هويتنا وتراثنا.
وبالنسبة للمرأة هي بحاجة إلى أن تستعيد وضعها وثقتها بذاتها وتنطلق بقدراتها ومهاراتها وطاقاتها لخدمة المجتمع، فلم يعد هناك وقت للتراجع أوالخوف والتردد فالساحةالإجتماعية تدعوك وبحاجة إليك، وأنا واثقة و متفائلة بأنك سوف تحققي الكثير لأنك لم تقف يوما عاجزة، وإن الجهات المسؤولة والمخلصة سوف تقف معك وتساندك.