أ . عالية فريد >> أخبار و مقالات


اشتروا.. ذلهم!

27 يناير 2010 - جريدة شمس

عمال يعانون الاضطهاد النفسي والمعنوي.. بعد بذلهم الغالي والنفيس للحصول على عمل شريف.. فوجدوا أنفسهم ضحايا لسماسرة التأشيرات

اشتروا.. ذلهم! 

الرياض ـ أحمد المطيري وراكان المغيري

“أنصفونا.. فما نريده هو أن نحس بإنسانيتنا.. لنا مشاعر وأحاسيس لا يحترمها ولا يعترف بها أحد، كرامتنا تطؤها أقدام مستغلة، وأخرى لا تعرف الرحمة والإحسان”.. هذا هو صوت الكثير من العمال الذين وقعوا ضحية بيع تأشيرات للأسف، إن بعض من يقف خلفهم هم من أبناء هذا البلد؛ فبعضهم أصبحوا سماسرة دون النظر إلى ما يسببه ذلك من مخاطر على البلد.

بيع التأشيرات تجارة رائجة يلجأ إليها البعض لاستغلال حاجة مواطنين من دول أخرى إلى العمل؛ لتوفير تأشيرات لهم مقابل مبالغ مادية تتراوح بين عشرة آلاف و20 ألف ريال للتأشيرة الواحدة، وقد يتم الاتفاق مع الكفيل بالحصول على مبلغ مقطوع مقابل توفير التأشيرة، على أن يتركه يعمل بحرية في أي مجال يريده. وقد يستغل بعض الكفلاء مكفوليهم ويطلبون منهم مبالغ شهرية مقابل توفيرهم الغطاء القانوني لوجودهم بالسعودية، أو يستغلونهم لطلب أموال لدى احتياج المكفول إلى قضاء أي معاملة حكومية تتطلب موافقة الكفيل؛ الأمر الذي دفع بعض الناشطين في منظمة حقوق الإنسان إلى اعتبار الاتجار بالتأشيرات نوعا من أنواع الاتجار بالبشر.

ضحية نصب

محمد إقبال، هندي الجنسية، أحد ضحايا بيع التأشيرات، يقول: “قدمت إلى السعودية عن طريق شراء تأشيرة من أحد أبناء جلدتي بمبلغ باهظ الثمن، ووعدني بأن يضمن لي العمل، وبعد وصولي لم أجد عملا، بل فوجئت بأن الكفيل يطالبني بمبلغ مالي كل شهر، والمؤسف أني اكتشفت متأخرا أنني اشتريت التأشيرة بمبلغ يفوق ثمنها الحقيقي بمراحل”.
أما كريم الدين خان، باكستاني الجنسية، فيكشف معاناته، قائلا: “اشتريت تأشيرة من أحد الآسيويين بمبلغ مؤجل، أسدده من خلال عملي تحت إدارته مجانا حتى أنهي تسديد قيمة تأشيرتي، مع وعوده بإطلاق سراحي بعد أن أنهي قيمتها من عملي عنده، والآن مضى عليّ وقت طويل بعد أن أنهيت الاتفاقية، ولكنه لم يترك سبيلي؛ حيث يهددني بتسليمي إلى الشرطة وعدم تجديد إقامتي؛ حيث إنه المتصرف من بيعه لمئات التأشيرات التي يقدمها له كفيله مقابل مبلغ من المال”.

استغلال جنسي

ويشير سفيان حنضل، يمني الجنسية، إلى تعرضه لاضطهاد نفسي خلال السنوات التي يعمل فيها في السعودية على يد أشخاص من أبناء جلدته، ويقول: “أعمل 14 ساعة يوميا، ولا أعرف طعما للراحة أبدا، كما أنني تعرضت لاستغلال جنسي لحظة وصولي إلى السعودية من قبل الأشخاص الذين أحضروا لي التأشيرة، وعند قدومي كان الترتيب بيني وبينهم أن أحضر للعمل في مطعم، لكنني اكتشفت أن ذلك حلم، ووجدت نفسي في أعمال مختلفة وشاقة أقوم بها مقابل تلك التأشيرة التي ندمت على شرائها بمقابل ضخم جدا”.

ويقول إكرام خان، باكستاني الجنسية إنه عانى كثيرا منذ حضوره إلى البلد بسبب الاستغلال الكبير الذي تعرض له، ويضيف: “دفعت مبلغا ضخما يساوي 14 ألف ريال مقابل الحضور إلى السعودية والعمل فيها، وكان أملي أن أجد فرصة عمل شريفة أنفق منها على نفسي وأولادي، لكنني اكتشفت أني مستغل، ولا أتقاضى راتبا منتظما، وأقوم بأعمال كثيرة وبلا فائدة”.. ويستطرد: “اشتريت التأشيرة من أحد أقاربي لكنني اكتشفت بعد ذلك أنني أصبحت ضحية”.

مهنة دنيئة

لم يخف متعب الرخيمي تخوفه الشديد من انتشار ظاهرة اضطهاد العمالة الأجنبية وظلمهم بعد بيع التأشيرات لهم، قائلا: “هذه مهنة دنيئة وكسب بالحرام، وتعود على الوطن عموما بالمفاسد الكبيرة من جرّاء بقاء كثير من هذه العمالة دون عمل فيضطرون إلى مزاولة مهن غير شرعية ومخالفة الأنظمة والقوانين، وأتمنى أن يعي المواطن أولا المسؤولية الملقاة على عاتقه. فمن واجبنا جميعا حماية وطننا أولا وأنفسنا ومجتمعنا ثانيا”.

وعزا يوسف ماجد المطيري انتشار هذه الظاهرة إلى جهل بعض أفراد المجتمع بخطورة هذه المهنة وعواقبها المستقبلية الوخيمة، وقال: “لا يمتهن هذه المهن إلا دنيء النفس وضيّق الأفق الذي لا يعي أهمية وطنه ومجتمعه؛ حيث طغت عليه النظرة المادية البحتة، فأصبح همّه الحصول على المال بأي شكل وأي طريقة دون مراعاة لدينه ووطنه ومجتمعه”.

اتجار بالبشر

واقع بيع التأشيرات يفرز كثيرا من السلبيات على صعيد الحقوق المدنية والأمن الاجتماعي؛ ولذلك فإن خطورتها تبدو واضحة أنها مما لا يدركه تجار هذه (البضاعة) التي حينما يتم تصنيفها ضمن الاتجار بالبشر فإنها تعني ارتكاب جريمة تعاقب عليها التشريعات الوطنية، إلى جانب عقوباتها في الأنظمة الدولية.

البداح:

تغريم وعقاب المتاجرين بالتأشيرات.. مطلب

من جانبه طالب سعد البداح رئيس اللجنة الوطنية للاستقدام بإنزال أقسى العقوبات بحق من يثبت متاجرته بالتأشيرات، موضحا أن هذه العملية عبارة عن غش وخداع، إضافة إلى أنها غير نظامية وفيها إساءة كبيرة إلى البلاد، وكذلك إساءة إلى نشاط الفرد والحركة الاجتماعية عموما، وقال: “أتمنى محاكمة من يثبت امتهانه بيع التأشيرات، وفرض عقوبات صارمة بحقه، إضافة إلى منعه من الاستقدام مجددا”.

%70 من التأشيرات تذهب للقطاع الخاص

تشير الإحصاءات إلى أن وزارة العمل أصدرت أكثر من 1.7 مليون تأشيرة في العام 2007 بزيادة بلغت 34 في المئة مقارنة بالعام الذي قبله، وبلغ نصيب القطاع الخاص من تلك التأشيرات أكثر من 1.2 مليون تأشيرة، بما يمثل أكثر من 70 في المئة من إجمالي التأشيرات، في حين مُنح القطاع الحكومي نحو 52 ألف تأشيرة، والعمالة المنزلية أكثر من 445 ألف تأشيرة.

ويعزو المختصون ارتفاع نسبة الاستقدام إلى انتشار هذه التجارة في المجتمع؛ ما يرفع معدلات الجريمة والفساد في المجتمع نظير عدم حصول بعض المكفولين على عمل يوفر لهم لقمة العيش، إضافة إلى سداد مستحقات الكفيل.

مطالبات بتجريم بيع التأشيرات واضطهاد العمالة

ناشطة حقوقية تتهم 4 وزارات بالتسبب في تفاقم المشكلة..

الدكتورة سهيلة زين العابدين عضو الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان طالبت بفتح ملفات تحقيق مع وزارة التجارة ووزارة الصناعة ووزارة الشؤون البلدية والقروية ووزارة العمل؛ لتسهيلها مهمات الاتجار بالبشر؛ من خلال عدم مراقبتها للسجلات والمنشآت المستقدمة للعمالة التي تتحايل على النظام من خلال وضع مواقع وهمية للحصول على التأشيرات المطلوبة ثم إغلاقها، والبدء في أعمالهم غير القانونية وبيع التأشيرات على الأيدي العاملة في الخارج بمبالغ محددة، والعمل على تحديد مبلغ مقطوع يقدمه العامل شهريا للكفيل.

وأوضحت: “هذه الجهات أساءت إلى سمعة السعودية؛ من خلال التقارير الحقوقية الدولية التي صدرت أخيرا وترصد وجود ممارسات لبيع البشر في السعودية واضطهاد العمالة ماديا ونفسيا وجنسيا”، مؤكدة على ضرورة استحداث مراقبين يعملون على التأكد المستمر من نظامية المنشأة وبقائها مفتوحة.

وذكرت في حديث مع “شمس” أن هذه التجاوزات أسهمت في رفع أجور الأيدي العاملة في السعودية؛ من خلال سعيهم لتوفير متطلبات الكفلاء والحصول على أعلى دخل شهري، مشيرة إلى أن هذا التسيب أسهم في تجاوز العمالة وقلة جودة أعمالهم؛ ليعاود المستفيد من خدماتهم الكرة مجددا، وهذا يكلف المواطن مبالغ إضافية.

وأوضحت الدكتورة سهيلة أن الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان تتبنى مشروع إلغاء الكفيل وإسناد المهام لشركات ذات علاقة يتم من خلالها استئجار الأيدي العاملة حسب الحاجة، مضيفة أن عدة لقاءات مع مسؤولين في وزارة العمل السعودية تمت بهذا الشأن.

وذكرت أن الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان تلقت شكاوى كثيرة من العمالة ضد كفلائهم، يحتوي مضمون غالبها على خلافات واضطهادات، مشيرة إلى أن عدد القضايا ليس متوافرا لديها في الوقت الحالي.

وتتفق منى الشافعي الناشطة الحقوقية والاجتماعية مع الدكتورة سهيلة، وتوضح أن الاتجار بالتأشيرات ما هو إلا نوع جديد من أنواع الاتجار بالبشر، وتقول: “الاتجار بالبشر جريمة كبرى، وكثير من الوافدين إلى البلاد بصورة غير شرعية يُستغلون بطريقة مخيفة، حيث يأتون من بلادهم وهم ضحايا استغلال أصلا؛ إذ يتعرض أحدهم لعملية نصب من خلال شرائه للتأشيرة، وعند القدوم إلى السعودية يتعرض لاستغلال واستدراج بصور مختلفة؛ منها الاستغلال الجنسي، والعمل الإجباري، وغيرهما”، وتشير إلى أن هناك اتفاقية دولية لحظر الاتجار بالبشر واستغلال الآخرين من خلال هذه التجارة.
من جانب آخر، يرى جاسم العطية عضو لجنة المحامين في الغرفة التجارية بالمنطقة الشرقية أن بيع التأشيرات لا يدخل ضمن الاتجار بالبشر، وإنما يعد استغلالا لجهود العاملين، محذرا من الزج بالعمالة في سوق العمل دون تحديد الأهداف، ومن تقديم أوراق منافية للواقع، وهو ما يعد مخالفة صريحة يعاقب عليها نظام الإقامة الطرفين الكفيل والمكفول.

 

المصدر: جريدة شمس الاربعاء  العدد 1470 / 2010-01-20   

http://www.shms.com.sa/html/story.php?id=85413

أضف تعليقاً