ناقصـات.. رعايـة
27 يناير 2010 - جريدة شمسناقصـات.. رعايـة
كشفت تداعيات ما حدث أخيرا، في دار رعاية فتيات مكة المكرمة التي أعلن عدد من نزيلاتها رفضهن للمعاملة السيئة التي يجدنها بالداخل، كثيرا من أوجه القصور في أنظمة المعالجات السلوكية والإدارية المؤهلة للنزلاء وتحسين أوضاعهم النفسية ليصبح لمثل تلك الجهات الحاضنة دور للتأهيل قبل العقاب.
وقد أجمع عدد من ذوي الاختصاص والمختصات على ضرورة التدخل العاجل، والتأكد من عدم وجود أي أوجه قصور في المتابعة والتأهيل، مطالبين في الوقت نفسه بالمراقبة المستمرة وعلى الدوام من قبل لجنة عليا للمتابعة وعن كثب للمهام والخدمات المقدمة من قبل القائمين عليها لنزلاء تلك الدور، وحصر أية تجاوزات قد تظهر في حينه وبترها بعد الوقوف على أسبابها ومعرفة بواطن مسبباتها، مستشهدين بأحداث الشغب التي جرت فصولها بالدار مؤكدين أن ذلك بمنزلة ناقوس خطر يوجب الاستماع لأبواقه، وكشف الأخطاء التي اكتنفته وتصحيحها للارتقاء بها للأفضل.
ضعف الرقابة
أرجع الدكتور حاتم بن عارف الشريف، عضو مجلس الشورى أسباب تدني خدمات دور الرعاية والملاحظة وما يتبع لها في مثل ذلك، إلى ضعف مستوى الجهات الرقابية المعنية بمتابعة ومراقبة كافة ما يتعلق بهذه الدور والكشف عن أخطائها مسبقا حتى يتم تدارك استفحاله، وبالتالي حصرها وإيجاد طرقها العلاجية الملائمة والكفيلة بما قد يتناسب مع ما هو مأمول منها. وأشار الشريف إلى أهمية عدم إغفال جانب الطب النفساني من داخل دور الرعاية وأهمية تواصلهم مع نزلاء تلك الدار، ومتابعة الصحة النفسية لكل نزيل من باب التأهيل لاستيعاب أجواء الدار، ومن ثم التأقلم معها حتى يسهم في التفاعل مع البرامج الإصلاحية والتهذيبية والدينية والثقافية التي يستوجب تقديمها للنزلاء والنزيلات ضمن سلسلة ورش مهنية وعملية، وأخرى توعوية من أجل إصحاح سلوكياته عامة وإعادة إصلاح مواطن الاعوجاج.
وشدّد على أن أحداث الشغب التي طالت دار رعاية فتيات مكة المكرمة وما تخللتها من تقارير سواء إعلامية أو لجهات رقابية ورسمية ذات علاقة تستوجب معها محاسبة كل مقصر أيا كان وذلك في حال ثبوتها كليا، لافتا إلى أن هذه أمانة بين أيادي أعضاء اللجان المحققة وهم على قدر من المسؤولية والأمانة لإحقاق الحق ومحاسبة المقصر، وأوضح أن هناك رصدا جاريا حيال حادثة الدار لوضعها على طاولات نقاش مجلس الشورى.
ظلم النزيلات
وطالب عبيدالله راجي الطبيري، الاختصاصي النفسي من الاختصاصيات النفسيات بفتح نوافذ فيما بينهن مع نزيلات دار فتيات مكة، من خلال قيامهن بعمل زيارات متتالية لهن للتأكد من عدم وجود أية شوائب ملازمة بدواخلهن على خلفية الأحداث الأخيرة، خاصة ما أشيع عنه من وجود معاملات سيئة تعرضن لها، وقال إن ذلك كفيل بإحساس بعضهن، إن لم تكن الغالبية، بالظلم حيالهن، وبأنهن فئات لا رغبة فيهن ولا خير يرتجى منهن.
وأشار الطبيري إلى أنه وحسب متابعاته لفصول أحداث دار فتيات مكة فإنه يجزم أن مبنى الدار بات خصبا للكشف عن حالات من داخله قد تكون بعضها تجاوزت حد الاكتئاب، وذلك حسب التقارير المصاحبة للأحداث المتمثلة في سوء المعاملات التي لقينها، وتعريضهن للجزاءات والعقوبات الصارمة، مناشداً عدم إغفال الجوانب النفسية للفتيات، فهي الخطوة الأولى والأساس قبل أية خطوات قد يتم اتخاذها لضمان نجاح الخطوات الأخرى وبلوغها المرجو منها.
لوائح قديمة
من جانبها كشفت الدكتورة نورة الأصقه، وكيلة عميدة الدراسات للشؤون الإدارية بجامعة أم القرى أنها بصدد الشروع في بحثها المعنون “العوامل المسببة لانحراف الفتيات والعلاج المناسب”، وقالت إن بحثها جاءت فكرته من الحادثة التي شهدتها دار رعاية الفتيات بمكة منوهة بضرورة النظرة الجدية تجاه لوائح دور الفتيات والإيواء، وكذا دور الملاحظات.
وحول ما يتعلق بدور رعاية الفتيات من الناحية العمرية، قالت إنها تجزم بأن اللائحة المعمول بها حاليا لا تخدم مصلحة الفتيات اللاتي بأعمار دون 18 سنة، وبحسب أن الأعمار تصل لـ30 عاما فهذا يشكل خطرا كبيرا على صغيرات السن؛ ما يعرضهن من خلال احتكاكاتهن بالكبيرات للاطلاع على كافة صنوف عمليات الإجرام.
ولفتت الأصقة إلى أن هناك كثيرات ممن أعمارهن فوق الـ20 عاما أطلق عليها صاحبة سوابق لكثرة معاوداتها للأخطاء بعد خروجها من الدار، وقالت إن ذلك يعزز نظريتها تجاه الفتيات دون 18 سنة وأن ذلك يفتح أمامهن التعرف على عالم الإجرام، ومن ثم استقطابهن للتعرف حتى عن حياة الكبيرات من النزيلات المتزوجات أيضا، وهو ما ينافي العملية التهذيبية لمثل تلك الحالات الخاصة ليس بدار رعاية مكة، وإنما سائر دور رعاية الفتيات بكافة المناطق والمحافظات الأخرى.
وأشارت إلى افتقار تلك الدور لكيفية التعامل الراقي والسليم مع حالات نزيلات الدار، ودعت الى إيجاد آليات عمل مقننة لمتابعة الأوضاع العامة وحتى الخاصة لأسر النزيلات والتقصي حول الأسباب الحقيقية التي دعت الفتاة للجنوح، وأكدت أن التعامل الراقي والإنساني مع النزيلات أحد أهم الطرق نحو الإصلاح وتوفير الأجواء المناسبة أمام الفتيات للإقبال بصدق وحماس نحو البرامج والأنشطة المقدمة لهن في هذا الجانب.
وشدّدت على أهمية شمولية ديوان الخدمة ومكتب العمل ضمن نطاق لجنة عمومية تحوي في عضويتها الشرطة والصحة والهيئة والتعليم، إضافة إلى الإمارة للنظر حيال وضع بعض النزيلات الجامعيات للاستفادة من قدراتهن العلمية وتسييرها في صالح خدمتها لدينها ووطنها والشد من أزرها لتسلك الطريق الصحيح.
ضعف العناية الصحية
وشددت الدكتورة زينب صديق أبو رزيزة، استشارية طب الأسرة على ضرورة رفع كفاءة منسوبات دار رعاية الفتيات من كافة النواحي، وإخضاعهن المستمر لدورات في فن التعامل مع الآخرين، وإلحاقهن بدورات فنون تطوير الذات وفن التواصل، ومتابعة مستوياتهن وتنميتها عبر دورات تتابعية في التنمية البشرية.
وأضافت أبو رزيزة أن هناك في الطرف الآخر دور تعليم على مراحلها الثلاث، لكنها لم تُفعل بما هو مرجو منها وذلك بإنشاء لجان تتابع فتيات الدار من خلال دراستهن، حتى إذا ما حان وقت دخول إحداهن الجامعة تقوم على الفور بأدوارها حول تهيئة الطالبات نفسيا لتقبل المرحلة الانتقالية الجديدة، منوهة بضعف المستوى الصحي والطبي بدار رعاية الفتيات من خلال إيجاد طبيبة واحدة بمعاونة أخرى ممرضة، وذلك خلال ساعات قليلة في النهار بينما تكون ساعات الليل خاوية من وجود الطبيبة عدا الممرضة التي أيا كان الجهد الذي تبذله فإنه لا يساوي نتاج كادر متكامل يحوي التخصصات المطلوبة.
إعادة نظر
فيما حمّل منصور أبو رياش، رجل الأعمال وعضو بعدة جمعيات خيرية وحقوقية وزارة الشؤون الاجتماعية مسؤولية ما بلغ به حال دور رعاية الفتيات، وأضاف أن أحداث الدار فتحت الأبواب على مصراعيها، ومن خلالها ظهرت صور شائنة وأخرى لم تقو الأنفس على استيعابها، مشددا على تفعيل دور الجهات ذات الاختصاص، وقال إنه لا بد من إعادة النظر في أعمار فتيات دار الرعاية والطرق التي يتعاملن بها، والتي عصفت بأهدافها الرئيسية وحملتها من التقويم والإصلاح للتطفيش والإذلال ومن الرعاية للإهمال، ومن التغذية للتجويع.
ودعا أبو رياش وزارة الشؤون الاجتماعية إلى تصحيح ما بدر من منسوباتها، وأن تعيد الثقة بها، ليس لدى الفتيات وإنما على مستوى الشارع العام، ولم يخف غياب أدوار جهات أخرى على رأسها الجهات الشرعية والدعوية ورجال وسيدات الأعمال، مطالبا إياهم بالظهور الفاعل ومذكرا بأن هناك فئة من أبناء وبنات وطنهم ينتظرون أياديهم وبما يعود عليهم إيجابا.
الشريف: حلول جذرية لمشاكل الفتيات
من جانبه تمسك الدكتور حسين بن ناصر الشريف، المشرف العام للجمعية الوطنية لحقوق الإنسان بضرورة أن توعي وزارة الشؤون الاجتماعية منسوباتها العاملات بدور رعاية الفتيات إلى أن الدار ما هي إلا للإصلاح والتقويم وليست بمكان يتفرخ منه ما تنبذه القيادة قبل الشعب.
وقال الشريف: “ليس بالضرورة أن تكون للجهات الحقوقية مكاتب لها داخل دور رعاية الفتيات، ولكن نؤمن أنه يجب عليها تنشيط جولاتها تجاه تلك الدور”، مشيرا إلى أهمية أن تثمر الجهود من قبل جمعية حقوق الإنسان والجهات الأخرى في إخراج فتيات دار رعاية مكة مما تصور لديهن على أعقاب الأحداث، وهو ما بدأ بعضهن يتقبلنه على أنهن بنات وطننا، وعزيزات على قلوبنا وأنهن جزء من المجتمع ولسن منبوذات عنه، مؤكداً أن الجهود جارية حيال الوصول إلى الحلول الجذرية تجاه مشاكل الفتيات اللاتي انتهت مدة محكومياتهن وبقين لسنوات طوال بسبب رفض أسرهن استلامهن.
مير: الموقف لن يمر بسهولة
اكتفى الشيخ بكر مير مدير الأوقاف والإرشاد بمكة المكرمة في تعليقه على القضية بقوله: “إن الأوقاف لا توجد لها صلاحيات حول المصليات الموجودة بدور الأوقاف حتى وإن كانت غير مهيأة للصلوات”، وعزا ذلك إلى أن تلك المصليات تحت مسؤولية وزارة الشؤون الاجتماعية، وهي جهة حكومية كان يجب عليها إبداء حرصها التام حيال ذلك. وأضاف مير: “ما وقع من أحداث بدار فتيات مكة، وما تم تداوله حول الأسباب وقع على المجتمع وأبنائه وبناته فاجعة، ولكن مع ما تقوم به الجهات الرقابية والحقوقية والأمنية من تحقيقات في ظل متابعات ولي الأمر خفف ذلك قليلا من المصاب، وبث روح الأمل في أن هذا الموقف لن يمر بسهولة على من تسببوا به أيا كانت مسؤولياتهم الوظيفية”، مشيرا إلى أن هناك تعاونا بين الأوقاف والإرشاد مع وزارة الشؤون الاجتماعية من خلال ممثلياتها بإسكان من يغادرن الدار أو السجن بعد انتهاء محكومياتهن بالروابط المخصصة لذلك، وضمن ملكيات الأوقاف وتحت رعايتها ومتابعتها مباشرة وباستمرار.
المعطاني: عاملات الدار لا بد أن يلقين الجزاء
أبدى الدكتور عبدالله بن سالم المعطاني المشرف العام على هيئة حقوق الإنسان بمنطقة مكة المكرمة، استغرابه للأحداث التي وقعت بدار رعاية فتيات مكة، أخيرا، مشيرا إلى أن الدار- لكونها تخضع لأنظمة القيادة الحكومية عبر وزارة الشؤون الاجتماعية- ظهرت مكتسية وشاح السواد جراء ما أحدثته بحق نزيلاتها من مساوئ عدة، وقال: إن الأمر يحتاج إلى ولي الأمر وليس للجنة كما ينادي بها البعض، منوها إلى أن عاملات الدار لا بد أن يلقين الجزاء حيال خيانتهن للأمانة، وعدم مراعاة حرمات من اؤتمن عليهن وكلفن بخدمتهن، مشيرا إلى أن الثقة بولاة الأمر والجهات المباشرة في التحقيق هي العزاء تجاه كل ما حدث
المصدر: جريدة شمس الاثنين العدد 1475 / 2010-01-25
http://www.shms.com.sa/html/story.php?id=86003