جهاز الحسبة وحقوق الإنسان
28 يناير 2010 - جريدة المدينةجهاز الحسبة وحقوق الإنسان
عبدالله فراج الشريف
حينما تتحوّل أهم فرائض الدّين، وهي الغاية والمقصد منه، بل هي جماع أمر أحكامه، المعبّر عنها بالحسبة، أي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلى وظيفة شرطية، مهمّتها أن تتهم وتضبط وتحقق، فإن الوظيفة النبيلة المهمّة لإنجاء المجتمع تتحوّل إلى شيء آخر غير محمود، ينفّر الناس عن العاملين بها. ومنذ تعيين فضيلة الشيخ عبدالعزيز بن حميّن الحميّن رئيسًا لهذا الجهاز الحكومي، والجميع يتطلّعون إلى خطوات هامة وجريئة لإعادة وظيفة الجهاز إلى أصلها، أمرًا بمعروف لا يتحوّل أبدًا إلى منكر، ونهيًا عن منكر، لا يكون في أصله معروفًا، فقد اختلطت الأمور، وتقادم العهد بالنظام المكتوب الذي يعمل هذا الجهاز وفقه، وعبر عبارات فضفاضة، وتشمل مهامّ كثيرة هي لغير هذا الجهاز عمل أصيل، فالرقابة على المطبوعات والمصنفات الفنية مسموعة أو مرئية، من مهام جهة وزارية موكلة لها نظامًا، وكذا إقامة المعارض الثقافية، أو التجارية، والإذن لها، وكذا أمر السياحة وصيانة الآثار، والإشراف على الشؤون البلدية، ومن ضمنها أماكن الترفيه العامة، بل والمسالخ، حيث تُذبح وتُنحر المواشي، كل ذلك من مهام إدارات أخرى، حبّذا لو تركتها الهيئة لمن أُوكلت إليهم، فالجهاز عبر نظامه المكتوب بعبارات فضفاضة، لها عموم يجعل الهيئة المسؤولة الأولى عن كل الشؤون العامة، وكأن لا جهاز سواها، ولعلّ هذا هو ما يوقع العاملين فيها بأخطاء أحيانًا فادحة، فهو يحتاج إلى إعادة نظر ليُكتب من جديد بصيغ واضحة ودقيقة، تحدد من خلاله المهام، ولا تختلط بمهام الإدارات الأخرى، ولا يشمل إلاّ ما ثبت بالدليل أنه أمر بمعروف أمر الشارع به وأوجب، ونهي عن منكر ثبت بالقطع حرمته، فليس من المقبول أن يبقى الحال على ما هو عليه، وأن يوكل إلى اجتهاد الموظف العامل في الميدان أن يجتهد في ما هو المنكر الذي ينهى عنه، حتى لو لم يرد في الشرع دليل واضح للنهي عنه، فأن يرى أن وجود رجل وامرأة في سوق يمشيان ويتحدّثان بأن هذا خلوة محرمة، يؤاخذان عليها ويحاسبان، أمر لا علاقة له بهذه المهمّة النبيلة، وتتبّع عورات الناس، التي يتخفّون بها عن الأنظار لكشفها ومحاسبتهم عليها، وقد ستروا ذنوبهم حياءً من الله، ثم الناس ليس من هذه المهمّة الموكلة للمحتسب، كذا التحرّك حسب بلاغات لا يُعرف مصدرها، وقد تكون غايتها الانتقام ممّن يكره المبلّغ عنه لملاحقة أمثال هؤلاء في بيوت واستراحات وأماكن ترفيه، أو مطاعم وملاهٍ، أو في سيارات منطلقة في الشوارع، رغم أن التجسس على الخلق محرم بنص قطعي، لا اختلاف عليه.
إن نظام الهيئة هو أول ما يجب النظر فيه لتحديثه وتطويره؛ ليتلاءم مع النصوص الشرعية الثابتة، بفهم معتدل، بعيدًا عن غلو أو تشدد، ثم ليتلاءم مع ظروف عصر نعيشه، اعترى الحياة فيه الكثير من المتغيّرات، وتحتاج إلى اجتهاد جديد فيها، ونحن نقدّر للهيئة أنها أنشأت وحدة تتبع إدارة شؤونها القانونية لتُعنى بحقوق الإنسان وفق أحكام الشريعة؛ لتحفظ كرامة المقبوض عليهم والمتّهمين، وتمكينهم من حقوقهم المقررة لهم نظامًا، وأن اللائحة الخاصة بذلك قد اعتمدت، حتى وإن لم تعلن ولم نطّلع عليها حتى الآن، ولنا أن نذكّر الهيئة بأن حقوق الإنسان المعتبرة عالميًّا، والتي لها وثيقة دولية، قد وقّعت عليها بلادنا، ولم تتحفظ إلاّ على فقرتين منها، والمفترض أننا يجب أن نُضمّن أنظمتها هذه الحقوق، ونكفل حمايتها، ونمنع انتهاكها من قِبل الأجهزة الحكومية أو الأهلية، ومنها جهاز الهيئة، وإيراد عبارة (وفق الشريعة الإسلامية) لا يعني أن للشريعة موقفًا مغايرًا من هذه الحقوق، التي اشتملت عليها وثيقة حقوق الإنسان العالمية، بل هي الحقوق المعتبرة فيها، فهذه العبارة لم تعد تؤدي إلى معناها، بل قد يُراد بها أحيانًا التمييع ليصبح ما هو وفق الشريعة رأيًا مجردًا لصاحبه، كما أنه قد وردت عبارة في تصريح مدير إدارة شؤون الهيئة القانونية تقول: (إن هذه الوحدة التي أُنشئت في الهيئة ستضع الأسس والقواعد الخاصة بالرد على التقارير المتعلّقة بحقوق الإنسان الصادرة عن الجهات الدولية، أو الرسمية أو الأهلية)، والذي أرجو ألاّ تكون الغاية من إنشائها هذه فقط. فمخاطبة الجهات الدولية في هذا الشأن حتمًا ليس من مهام هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فالمخاطب به الحكومة، ولها أساليبها في الرد على ذلك، أمّا الجهة الرسمية لحقوق الإنسان، وكذا الأهلية، أي هيئة الحقوق الرسمية وجمعيته الأهلية، فكلاهما مطلوب التعاون معه لا الرد عليه، وإنّا لمنتظرون تغييرًا حقيقيًّا في أوضاع الهيئة، بما يرتفع بها إلى نبل المهمّة الملقاة على عاتقها، وتجنّب كل الأخطاء، خاصة منها ما فدح. فهل نراه قريبًا؟ هو ما أرجو.. والله ولي التوفيق.
المصدر: جريدة المدينة الجمعة, 22 يناير 2010
http://www.al-madina.com/node/217502/madina