أ . عالية فريد >> أخبار و مقالات


شغب فتيات أم غضب فتيات؟

28 يناير 2010 - جريدة الرياض

 شغب فتيات أم غضب فتيات؟ 

د. هتون أجواد الفاسي

    تصدرت قصة احتجاج فتيات “دار رعاية الفتيات” في مكة المكرمة صفحات الجرائد السبت الماضي 14 يناير 2010 للحدث الذي وقع في اليوم السابق له، الجمعة. واختلفت معالجات الصحف لها حسب خبرة الصحفي أو الصحيفة المغطية للخبر. لكن الجامع المشترك حول القصة كان إطلاق صفة “الشغب” عليها. وهي النقطة التي أود طرح عدد من التساؤلات حولها.

فالشَّغَب أو الشَّغْب في اللغة وفق لسان العرب هو “تَهْيِيجُ الشَّرِّ والفِتْنَةِ والخِصام”. أي أن الصحف أعلنت على مانشتاتها الحكم على ما جرى في دار رعاية الفتيات وهو أن مجموعة من الفتيات قمن بتهييج الشر والفتنة والخصام وما يتبع ذلك من معان سلبية وموقف يُملى على القارئ ولابد أن نقفَه منهن باعتبارالشر صادرا منهن وعنهن وأوقعن فتنة وخصاما.

بعض الصحف في بداياتها كانت لا تذكر حتى سبب الشغب ولا من الطرف الثاني فيه، أو من هي الجهة “المغلوبة على أمرها” وهذا أمر جاد ومحزن. فعلى الرغم من إيماننا بأن المتهم بريء حتى تثبت إدانته إلا أن صحفيينا من خلال هذه المانشتات والصحف التي تأخذ هذه الأخبار دون تمحيص فتنشرها على عناتها تدين الفتيات حتى لو كان لديهن سبب وجيه للثورة أو الغضب. ولعل السبب أن هذه الإدانة كانت صادرة عن المسؤولين أنفسهم.

إن ما سال من بعض الصحف حول القصة الداخلية لهذا الاحتجاج مثيرة للتوقف وأشياء أخرى.

في القصة أن هناك سوء معاملة لهؤلاء الفتيات، وهناك تعديات عليهن، فما درجة هذه الإساءة وهذا التعدي؟ وهو الذي أخذنا في التعرف عليه شيئاً فشيئاً من عدد من التغطيات الجادة. ومانعرفه على وجه التحديد هو أن درجة الغضب لدى الفتيات كانت عالية لدرجة أنهن قمن بحبس عدد من الموظفات اللاتي يسئن معاملتهن حسب إمكانات تحركهن في الدار.

وهي دار تابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية، مخصصة لرعاية الفتيات السعوديات ممن هن تحت سن الثلاثين المحكوم عليهن في قضايا مختلفة تتفاوت من مجرد “الهروب من المنزل” إلى قضايا الدعارة.

ومن المفروض أن دور الدار رعائي وتربوي وعقابي وسجن في الوقت نفسه، لكن كل القضايا تختلط ببعضها. لكن الأدهى من ذلك أن مَن تنتهي محكوميتها ولا “تستلمها” أسرتها تبقى في الدار إلى ما شاء الله ، وتبقى مع نفس المجموعة من الخارجات على القانون.

وقد أثارت ثورة الأسبوع الماضي التساؤلات وحركت الدوائر الصامتة في الوزارة وغيرها وبعد أن كانت تصريحات المسؤولين أن “مجموعة من الفتيات حاولن التمرد على أنظمة ولوائح الدار وأثرن نوعاً من الشغب مما استدعى الشؤون الاجتماعية إلى الاتصال بالجهات الأمنية للتدخل”وأخرى تقسم بالله العظيم أن الفتيات لم يتعرضن للضرب فإن تسرب الأمر إلى الصحافة التي أحسنت تغطيته من زوايا عدة فضلاً عن تصريحات لجنة حقوق الإنسان التي تابعت قضية وملف الفتيات وصرحت بإشكاليته منذ عامين، وتجاوب القيادة ممثلة في إمارة مكة المكرمة مع هذا التحرك وطلبها تقديم تقرير حول الأحداث من خلال هيئة الادعاء والتحقيق، وتكليف معالي وزير الشؤون الاجتماعية بتشكيل لجنة خماسية للتحقيق في القضية وتم الانتهاء منه وتسليمه يوم الخميس 21 يناير. مع ملاحظة أن جمعية حقوق الإنسان كانت تطالب بتشكيل لجنة تحقيق محايدة. وأرى أن تقرير الوزارة مهما كان حريصاً على الحياد والموضوعية إلا أنه لن يتمكن من ضمانها كلية.

وما تسرب للصحافة أن هناك تقريرا وزاريا ، وتقرير”ظل” لخمس وثلاثين نزيلة كتبن شكواهن في 12 صفحة وقعنها جميعاً ضمت قائمة من التجاوزات التي لم يعد باستطاعتهن احتمالها. وقد أقر تقرير اللجنة بما تعرضت له النزيلات من معاملة غير إنسانية وسوء تغذية وتردي أوضاع المباني، وتكليفهن بأعمال نظافة ليست من ضمن مهامهن.

وقد ثبتت هيئة التحقيق والادعاء العام التي رفعت تقريرها إلى إمارة منطقة مكة المكرمة في منتصف الأسبوع الحالي عدداً من هذه الشكاوى فقد تضمن تقريرها مائة شكوى مقدمة من النزيلات ضد إدارة الدار تتمثل في تعرضهن للضرب، التعرية، منع الزيارة عنهن، الحجز الانفرادي، عدم إحالتهن للمستشفيات في حال المرض، وتكليفهن بأعمال فوق طاقتهن.

وتفصيل ذلك يأتي في الشكوى الجماعية التي شرحت معاناة نزيلات الدار من أساليب انتهجتها إدارة الدار بحقهن تمثلت في تفتيشهن بعنف في كل مرة تنتهي فيها زيارة أسرة النزيلة، بالإضافة إلى تعريض الفتيات للإهانة والظلم، بحجة أنها أنظمة الوزارة وأن موظفات الإدارة مجرد مأمورات بتطبيقها، منع الإدارة لهن لقاء لجان التفتيش الدورية التي تشهدها الدار باستمرار. يقلن في نص الشكوى: «عندما تأتي اللجان الخاصة بالسجون تجمعنا إدارة الدار بسرعة شديدة في المصلى، وتضع معنا مراقبة تجعل كرسيها خلف الباب لمنعنا من الخروج، وتخبرنا بأننا في المصلى لوجود صيانة في الدار» (عكاظ).وتتهم النزيلات في شكواهن مراقبة (ح. ك) ومديرة الدار بتعرضهن إلى شتى أنواع التعذيب، بينما المديرة تضرب الفتيات بمساطر خشبية تتكسر على أيدي الفتيات، مؤكدات أن أغلبهن يعانين من عنف أسري وأنهن أتين إلى الدار فوجدن عنفا ومعاملة أقسى. وتقوم المراقبات بتعيير الفتيات بقضاياهن، كما أن الصراصير والحشرات تطفو على الطعام، ويجبرنهن على نقل مخلفات الدار بأيديهن.

وبعد كل هذا نقول إنهن مشاغبات، ومهدِّدات للأمن وسلامة الآمنين على مناصبهم/ن ومصالحهم/ن وعقدهم/ن.

الحديث يطول ولكني سوف أتوقف الآن لأفصل الحديث قريباً في قضية بقاء الفتيات المنتهية مددهن في الدار لرفض أسرهن استلامهن إلى أجل غير معلوم.

المصدر: جريدة الرياض الاحد 24 يناير 2010

http://www.alriyadh.com/2010/01/24/article492357.html

أضف تعليقاً