أخوها استلم نصيبها من راتب والدها المتوفى بعد بلوغها منذ ١٤ عاماً
31 يناير 2010 - جريدة الرياضأخوها استلم نصيبها من راتب والدها المتوفى بعد بلوغها منذ ١٤ عاماً
ديوان المظالم يسقط الولاية بعد البلوغ وينصف مواطنة أمام مؤسسة التقاعد
تحقيـق- أسامـة الجمعـان
بعد ١٤ عاماً من وفاة والدها؛ اكتشفت إحدى المواطنات أن المؤسسة العامة للتقاعد تصرف لأخيها استحقاقها من معاش والدها المتوفى بعد بلوغها سن الرشد، حيث كان من المقرر على المؤسسة التوقف عن الصرف لأخيها بمجرد بلوغها، لأن ولاية أخيها تنتهي بمجرد بلوغ سن ١٥ عاماً، ولكن المؤسسة رفضت طلبها.
ولجأت المواطنة إلى ديوان المظالم، ورفعت دعوى تطالب إلزام المؤسسة بصرف المبالغ التي سبق صرفها لأخيها من تاريخ بلوغها سن الرشد، وحكم الديوان لصالحها (حصلت “الرياض” على نسخة من الحكم)، حيث تم إلزام المؤسسة بإعادة جميع حقوقها من معاش والدها منذ بلوغها.
وكانت مؤسسة التقاعد قد ردت على الدعوى بأن أخيها هو وكيلها ووليها بموجب صك الولاية، وأن إجراءات الصرف سليمة، وأجابت المدعية بأنها لا تعترض على الصرف قبل تاريخ بلوغها سن الرشد إنما بعد انتهاء الولاية عليها.
التأخر في رفع القضية
وتنص قواعد المرافعات والإجراءات أمام ديوان المظالم؛ على أنه بعد مرور خمس سنوات من نشوء الحق لا تُقبل الدعوى إلا بعذر شرعي تقتنع به المحكمة، وفي هذه القضية رأت المحكمة أن تأخر المواطنة في رفع الدعوى له ما يبرره من كونها امرأة صغيرة في السن، إلى جانب الحياء مما قد منعها من اللجوء إلى القضاء.
ويؤيد موقف المحكمة تفريق الفقهاء بين المرأة البرزة وغير البرزة في بعض الأحكام أمام القضاء، وهو التفريق الذي يبين عظمة الفقه الإسلامي الذي لاحظ أدق أشكال مراعاة التعاون النفسي بين الناس.
رأي المحكمة في موضوع القضية
وبعد دراسة القضية رأت المحكمة أن الولاية على القاصرة تنتهي بمجرد بلوغها سن الرشد وهو الخمسة عشر عاماً، حيث إن صرف مؤسسة التقاعد استحقاق المدعية لأخيها بعد بلوغها سن الرشد لا يعتبر وفاء بما تستحقه المدعية، ويعد هذا تفريطاً من المؤسسة، والمفرط وفقاً للقاعدة الشرعية أولى بالخسارة، إذ كان الواجب عليها أن تتحرى الدقة في صرف الحقوق وإيصالها إلى أهلها وعدم قبول أي مستند فاقد لقيمته الشرعية والنظامية، فصك الولاية وما بني عليه من وكالات تنتهي قيمته بمجرد بلوغ سن الرشد وهو ما أكدته وزارة العدل بخطاب وجهته إلى مؤسسة التقاعد.
انتهاء الحجر
وأسست المحكمة لما انتهت إليه على ما هو مقرر في الفقة الإسلامي من أن الحجر نوعان، هما: حكمي وآخر قضائي، فالحجر الحكمي يشمل من كان محجوراً عليه لذاته، وهذا الحجر لا يحتاج إلى حكم قضائي لأنه يثبت بالشرع، ومن يشملهم الحجر الحكمي صغار السن من الذكور والإناث الذين لم يدركوا سن البلوغ الذي يفترض فيه أن الصغير قد استكمل عقله وهو عند جمهور أهل العلم بلوغ سن الخامسة عشر، ويرتفع الحجر في هذه الحالة عند البلوغ من غير حاجة إلى حكم حاكم، لأن هذا الحجر إنما ثبت في حقهم بنص الشارع وليس حكم الحاكم.
وقد ثبت هذا الحجر لعلة معينة وهي الصغر فوجب سقوطة بمجرد انتفاء هذه العلة، وذلك بثبوت البلوغ أو بلوغ خمس عشرة سنة، وأما قول من قال بأنه قد يبلغ سفيهاً فهذا أمر آخر، وسبب جديد يحتاج إلى عرض الأمر على القاضي ليقرر ذلك، فالحجر على الصغير ينتهي بمجرد البلوغ وليس هناك تلازم بين الصغر والسفه، والغالب في حال الصغار عند البلوغ الصلاح وليس السفه، بدليل أن الشارع حكم وجعل البلوغ علامة على التكليف وهذا هو الذي يتفق مع مبادئ الشريعة الإسلامية، إذ الأصل أن بلوغ الشخص دليل على اكتمال أهليته وإبقاء الحجر سلب لولايته على نفسه، وفي ذلك إهدار لآدميته وإلحاقه بالبهائم كما يقول “ابن الساعات” في كتابه شرح مجمع النهرين، وفي هذا إضرار بالإنسان وسلب لحقوقه دون موجب، وتتضح صورة هذا السلب في حالة تمتع الولي بنفوذ أدبي أو مادي بحكم الإنعام أو الاعتبار أو الهيمنة، وفي هذه الصورة ضرر كبير وخطر عظيم على كرامة الإنسان وآدميته فيتوجه القول بانتهاء الحجر على الصغير ببلوغه، وإذا تبين للولي وجود سبب آخر للحجر رفع الأمر للقضاء، يقول صاحب “الروض المربع”: (وإذا أتم الصغير خمس عشرة سنة حكم ببلوغه… أو عقل المجنون ورشد) أي من بلغ وعقل، (أو رشد سفيه زال حجرهم) لزوال علته، قال تعالى “فإن آنستم منهم رشداً فادفعوا إليهم أموالم” (بلا قضاء) حاكم لأنه ثبت بغير حكم فزال لزوال موجبه بغير حكم)
واستأنست المحكمة بأن المؤسسة العامة للتقاعد قد أصدرت دليلاً حول إجراءات استلام المعاش التقاعدي بينت فيه سريان صكوك الوكالات والولايات، وهي:
١ – الوكالات: تعتبر سارية المفعول ما لم يطرأ عليها أحد الأسباب التالية: (فسخ الوكالة، وفاة الموكل، انتهاء مدة الوكالة المحددة بمدة، مضي خمس سنوات على تاريخ صدور الوكالة.
٢ – الولاية: يستمر الصرف بموجبها حتى بلوغ القصر سن الخامسة عشرة ما لم يصدر من المحكمة ما يفيد باستمرار الولاية عليه، وبالنسبة للبالغ فاقد الوعي يشترط تجديد الولاية بعد مضي خمس سنوات على تاريخ صدورها.
وإذا تقرر صحة قول جمهور أهل العلم في أن الولاية على الصغير تسقط بمجرد بلوغه سن الرشد، وأن صرف الحقوق يبنى على التثبت، وأن المدعى عليها (مؤسسة التقاعد) قد صرحت لعموم المستفيدين أن الولاية تنتهي ببلوغ الصغير سن الخامسة عشر، وأن الاستناد إلى وكالة أصلها فاسد أمر غير معتبر وينافي مبدأ التثبت في الوفاء بالحقوق، تبين أن ما قامت به المدعى عليها(مؤسسة التقاعد) من صرف استحقاق المدعية لأخيها مخالف لأحكام الشرع والنظام، وتتحمل المؤسسة نتيجته وتلزم بصرف استحقاق المدعية لها مباشرة أو لوكيل توكله بعد بلوغها سن الخامسة عشر، ولها الحق في مطالبة من استلم المبالغ بغير وجه حق.
وقد طعنت المؤسسة في الحكم أمام هيئة التدقيق وطلبت نقضه فحكمت الهيئة برفض الطعن وتأييد الحكم الذي صدر لصالح المواطنة.
التماس إعادة النظر في الحكم..
بعد أن أصبح الحكم نهائياً طعنت المؤسسة على الحكم بالطريق الاستثنائي وهو الالتماس بإعادة النظر، وقالت ان سبب الالتماس وجود دليل جديد في القضية وهو خطاب رئيس مجلس القضاء الأعلى رقم ٢٩٤٦/١ وتاريخ ١/١٢/١٤٢٥ه المتضمن ان إلغاء صك الولاية على الصغير لابد من عرضه على القضاء، وانتهت المحكمة إلى رفض الالتماس على أساس أن هذا الخطاب لا يأخذ صفة النظام أو الأحكام القضائية إنما هو من قبيل الفتاوى التي ليس لها صفة الإلزام، فضلاً عن أنه يخالف ما ورد في خطاب وكيل وزارة العدل الذي اعتمد على قرار الهيئة القضائية العليا وهي أعلى سلطة في القضاء العام في المملكة -في ذلك الوقت- ولقراراتها قيمة نظامية تجعلها أولى بالاعتبار، بالاضافة إلى انه يخالف ما اعتمدته المدعى عليها من تعليمات فيما يتعلق بصكوك الولاية فكيف تعلن للناس مبدأ ثم عند مخالفته لمصلحتها ترفض الاعتداد به، وأوضحت المحكمة في نهاية الحكم قائلة “إذا تقرر ما سبق علم أن الخلاف في المسألة وارد وقد وقع بين علماء الشريعة، ورجحت الدائرة ما رأته محققاً للعدالة وما فيه الاحتياط لآدمية الإنسان وحقوقه ولا ترى المحكمة أن ما قدم يعتبر من الأدلة الجديدة”.
قضايا الإنصاف كثيرة
وأكد الخبير القضائي الشيخ د.عبدالله السعدان على أن هذا الحكم ليس الوحيد الذي أعلنت فيه محاكم الديوان في المملكة أصالة مبادئها ودقة نظرها، إنما هذا مجرد مثال أكد فيه ديوان المظالم أصالة مبدأ حماية حقوق الإنسان في النظام والقضاء السعودي، مشيداً بما انتهت إليه المحكمة من الأفق الواسع والدقيق لمسائل الخلاف عندما نصت في الحكم على أن “الخلاف في المسألة وارد ولكنها رجحت ما رأته محققاً للعدالة وأدمية الإنسان”.
وقال: إن هذا الحكم كشف عن عمق الطرح الفقهي الشرعي، مما سجل لذلك الفقه الريادة بمصدريه الكتاب والسنة، والتأكيد على التزام هذه البلاد بتطبيق الشريعة الإسلامية كمنهج حياة نسير عليه جميعاً، وهو ما يدعو إليه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز-حفظه الله-، وآتى ثماره في تحقيق العدالة والمساواة في المجتمع.
المحكمة العليا أعلى سلطة قضائية
وعلّق القاضي في وزارة العدل الشيخ ابراهيم الهويمل على استناد الحكم إلى قرار الهيئة الدائمة بمجلس القضاء الأعلى، وقال: ان السبب هو أن “الهيئة الدائمة” تعتبر أعلى هيئة قضائية في المملكة وكانت تختص بنظر القضايا المتعلقة بالقتل والرجم والقطع التي ترفع إليها مباشرة بعد التصديق عليها من قبل محكمة التمييز، ويعتبر قرار الهيئة الدائمة نهائياً، وكذلك تختص الهيئة بنظر القضايا والمسائل التي تحال إليها من قبل ولي الأمر، ثم تقوم بدراستها واصدار قراراها ويعتبر هذا القرار نهائياً قابلاً للتنفيذ غير قابل للطعن وقرارات الهيئة تصدر بالأغلبية أو بالاجماع، مشيراً إلى أن المحكمة العليا حلت الآن محل الهيئة الدائمة حسب نظام القضاء الجديد وتقوم باختصاصاتها في الوقت الحاضر حتى يصدر نظام المرافعات الذي سوف يحدد طريقة وآلية رفع القضايا إليها.
المصدر: جريدة الرياض الاثنين25 يناير 2010
http://www.alriyadh.com/2010/01/25/article492635.html