في الوعي بحقوق الإنسان
1 فبراير 2010 - جريدة الرياضفي الوعي بحقوق الإنسان
محمد محفوظ
تعددت النصوص والمواثيق الدولية والإقليمية، التي توضح حقوق الإنسان, وتتالت الإعلانات من مختلف المواقع الأيدلوجية والثقافية والسياسية, التي تبرز رؤيتها وتصورها لشرعة حقوق الإنسان. ولكن وفي مقابل هذا التعدد والتتالي ازدادت طرق انتهاك حقوق الإنسان, وتنوعت صور تجاوز هذه الحقوق سواء من قبل الأفراد أو المؤسسات.
وأضحت مجتمعاتنا من جراء ذلك, تعيش مفارقة مذهلة على هذا الصعيد . نصوص راقية ورائعة وجميلة توضح حقوق الإنسان, ووقائع وصور سياسية واجتماعية يندى لها الجبين, تنتهك فيها كل هذه المواثيق والإعلانات المنادية بصيانة حقوق الإنسان. واللجوء إلى جمال النصوص وروعة المواثيق, لا يغير من الواقع السيئ على هذا الصعيد.
لذلك فإن المشكلة الكبرى التي تتوجه إلينا جميعا هي كيف نردم الهوة والفجوة بين النص والواقع, بين المواثيق والوقائع, بين الأقوال والأفعال, بين المقولات الأيدلوجية والثقافية, والممارسات السياسية والإدارية؟
وبإمكاننا أن نحدد الخطوات التي تساهم في ردم الفجوة في النقاط التالية:
1- طالب بحقوقك: فلا يمكن أن تردم الفجوة, إلا بأن يتحرك أبناء المجتمع للمطالبة بحقوقهم.. فلو عمل كل إنسان على المطالبة الدائمة والملحة بحقوقه, فإن قدرة المجتمع على ردم الفجوة, ستكون أقوى وأكثر فعالية.. لذلك نجد أن المسافة تكون طويلة بين القول والفعل على مستوى حقوق الإنسان, في تلك المجتمعات التي لا تطالب بحقوقها, أو لا تسعى لتطوير آليات حفظ مكاسبها وحقوقها.
إننا نعتقد أن المجتمع الذي يطالب بحقوقه, ويلح عبر الوسائل المدنية والمشروعة للمطالبة بها, هو الذي يقبض على حقوقه, ويعيش في رحابها وبركاتها. أما المجتمع الصامت والخامل والذي لا يطالب بحقوقه, فهو سيعيش القهقرى, ولن يتمكن من القبض على حقوقه؛فالحقوق بكل مستوياتها, بحاجة إلى وعي دائم بها, ويقظة مستمرة للحفاظ عليها وتطويرها.. من هنا جاءت أهمية نشر الوعي الحقوقي بين أفراد المجتمع بكل فئاتهم وشرائحهم, حتى تتوفر لديهم إمكانية المطالبة بحقوقهم العامة, ويحافظوا على كل مكاسبهم على هذا الصعيد فالمجتمعات الحية والفاعلة, هي القادرة على نيل حقوقها أو الحفاظ عليها. أما المجتمعات الميتة والراكدة فإنها لن تتمكن من الحفاظ على حقوقها فضلا عن المطالبة بها وتذليل العقبات أمام امتلاكها فالمجتمعات التي نالت حقوقها العامة, هي تلك المجتمعات التي طالبت بحقوقها وعملت من أجلها, ونشرت الوعي الحقوقي بين أفرادها للحفاظ عليها.
فالوعي بالحقوق هو الذي يقود إلى نصرة هذه الحقوق ، وبالوعي والنصرة تتطور مفاهيم وحقائق حقوق الإنسان في المجتمعات الإنسانية . وينقل التاريخ أنه قبل البعثة النبوية الشريفة بعشرين عاما دخل رجل من قبيلة زبيد مكة, وعرض بضاعته للبيع فاشتراها منه العاص بن وائل ، وحبس عنه حقه فاستعدى عليه الزبيدي بعض بطون قريش فأبوا أن يعينوه, فأوفى على جبل أبي قبيس المشرف على الكعبة, وصاح بأعلى صوته:
يا آل فهر لمظلوم بضاعته
ببطن مكة نائي الدار والنفر
ومحرم أشعث لم يقض عمرته
يا للرجال وبين الحجر والحجر
إن الحرام لمن تمت كرامته
ولا حرام لثوب العاجز القذر
فأثارت هذه الأبيات حمية رجال قريش, فقام الزبير بن عبدالمطلب, وعزم على نصرته, وأيده في ذلك آخرون, فاجتمعوا في دار عبدالله بن جدعان فتعاقدوا, وتعاهدوا على أن لا يجدوا بمكة مظلوما من أهلها وغيرهم, ممن دخلها من سائر الناس, إلا قاموا معه وكانوا على من ظلمه حتى ترد عليه مظلمته. ثم مشوا إلى العاص بن وائل فانتزعوا منه سلعة الزبيدي وردوها إليه .
وسميت قريش هذا الحلف بحلف الفضول, وشارك النبي الأكرم (صلى الله عليه وسلم) فيه وروي عنه قوله (لقد شهت في دار عبدالله بن جدعان, حلفا ما أحب أن لي به حمر النعم, ولو دعيت به في الإسلام لأجبت( .
فلو صمت الزبيدي لضاعت حقوقه . ولو تخلف الواعون عن نصرته لتعمم الظلم والاضطهاد.. لهذا فإن المطالبة الدائمة بالحقوق، هي طريق نيلها والقبض عليها.
“ولا شك في أن مشاركة الرسول (صلى الله عليه وسلم) في هذا الحلف ، وقوله المأثور في مدحه ، يعبران عن تأييد الإسلام لكل سلوك قويم يمارسه البشر انطلاقا من فطرتهم التي فطرهم الله عليها ، وتبنيه لكل قيمة خيرة تكتشفها عقولهم ، وتتمخض عنها تجربتهم ، لأن الإسلام في الواقع ، لم يأت إلا لتدعيم كرامة الإنسان التي أودعها الله فيه ولضمان حقوقه ، ودعوته إلى ممارستها ، وحمايتها من تجاوز الغاشمين وظلم المستكبرين الذين يريدون العلو على الناس والفساد في الأرض “. ( راجع كتاب المنهاج ، حقوق الإنسان في الإسلام ، تأصيل ومقارنة ، ص 45 ، مجموعة من الباحثين ) .
والتجارب التاريخية لكل الأمم والشعوب ، تثبت لنا ، أن صيانة حقوق الإنسان ، وبناء المجال العام وفق مقتضياته ، لم يبنَ أو تصل إليه المجتمعات المتقدمة ، إلا بالتأصيل والوعي والمطالبة المستديمة ، ومحاصرة كل بؤر التعدي على الحقوق ، وتحفيز الناس للدفاع عن حقوقهم وتجسيدها في المجالين الخاص والعام .
2- التربية الديمقراطية: فسيادة حقوق الإنسان في المجال العام ، ليست ادعاء يدّعى ، وإنما هي مرحلة تبلغها الأمم والمجتمعات بعملها وكفاحها وسعيها الحثيث في هذا السياق.
ولا ريب أن التربية الديمقراطية، وإشاعة ثقافة الحرية والحقوق، من الروافد الأساسية لبلوغ مرحلة سيادة قيم حقوق الإنسان في المجال العام. من هنا تنبع أهمية أن تسود هذه التربية وآلياتها كل مؤسسات وأنشطة المجتمع، وذلك حتى يتشبع أبناء المجتمع بهذه القيم، ويتدرب الجميع على أسس الحوار والتعددية وصيانة حقوق الإنسان.
والتربية الديمقراطية بحاجة إلى جهود متراكمة، حتى تفضي في المحصلة النهائية، إلى أن تصبح هذه القيمة جزءا من النسيج الاجتماعي والثقافي. وذلك لأنه على حد تعبير عمانوئيل كانت : ثمة اكتشافان إنسانيان يحق لنا اعتبارهما أصعب الاكتشافات : فن حكم الناس ، وفن تربيتهم .
فالطريق إلى التربية الديمقراطية ، ليس معبدا أو سهلا ، وإنما هو مليء بالصعوبات والعقبات والمشاكل . وإصرار أبناء المجتمع على هذا الخيار ، وسعيهم الحثيث لتجاوز كل الصعاب ، هما السبيل لإنجاز هذا المفهوم في الفضاء الاجتماعي ، وعليه فإن كل واحد فينا ، يتحمل مسؤولية مباشرة في هذا المشروع ، بحيث يثقف نفسه ثقافة ديمقراطية ، ويتعامل في كل دوائر محيطه وفق مقتضيات ثقافة الحرية والحقوق ، ويشيع أجواءهما في دوائر حركته المتعددة .
المصدر: جريدة الرياض الثلاثاء 26 يناير 2010