آخر من يعلم!
8 فبراير 2010 - محرر الموقعآخر من يعلم!
* خيري منصور
______________
قد يكون الجدل البيزنطي العقيم عن عدد الملائكة او الشياطين على رأس الدبوس ، اقل اثارة للسخرية او الاشفاق من السّجال الذي يدور في عالمنا العربي ، بدءا من مفهوم السيادة الذي عبرت عنه الشعوب المنكوبة بنكتة سوداء هي قهوة سيادة بدلا من قهوة مرّة ، حتى تبادل التخوين وهاجس تبرئة الذات طلبا لنجاة مستحيلة ، فالمقعد الذي ثقب اسفله في هذه السفينة او التايتانك لا يخص من فعل ذلك ، بل سوف يتضرر منه الجميع. العرب آخر من يعلمون بما يخطط لهم الان ، مثلما كانوا اخرمن علموا بما خطط لهم بالامس ، عندما استيقظوا من سبات سياسي طويل على سايكس – بيكو، واخيرا على طبعات قومية منقحة من هذه السايكس بيكوات التي حولت الوطن الى شقة ،واختزلت التاريخ الى عقدين او ثلاثة. من يراهم في الشوارع اثر نوبة كروية وقد فقدوا الرشد قد يفكر بانهم استعادوا ما ضاع منهم ، ارضا وثقافة وتاريخا وثروة مسلوبة ، ومن يشاهدهم على الشاشات في حروب دونكيشوتية يشفق على سيوفهم من طواحين الهواء ، ومن يقرأ ثلاثة ارباع ما يكتبون يظن انهم لا يزالون في القرن التاسع عشر، اما الاساليب التي يعبرون بها عن حبهم للاوطان وولائهم لها فهي تصلح لمداعبة طيور في قفص او غزل عابر بين رجل وامرأة في حافلة او مطار. البساط يسحب بهدوء ودون مقاومة من تحت الاقدام ، واللعاب الامبراطوري يسيل على حدودهم من كل الجهات ، فماذا اعدوا لاعوامهم القادمة العجاف؟ بالطبع لم يعدوا ما استطاعوا من رباط الخيل او الردع النووي او اي رباط ، لكنهم اعدوا ويعدون ما استطاعوا من خيام ، لعالقين هنا او هناك ،ولمشردين صحوا من النوم فلم يجدوا الدولة..وكانوا قبل ذلك يفاجأون فقط بانهم لم يجدوا الوظيفة، ان اقصى ما يمكن لانحطاط او احتضار حضاري ان يبلغه هو ان يستخف الانسان بمصيره ويقعد على العتبة يتفرج على من يكسر باب بيته ويأسر زوجته ويقتل اطفاله..
شكرا للتكنولوجيا في اشد مظاهرها سطحية لانها تحول السّخام الى رخام. واحيانا تطلي القصدير المغطى بالصدأ بلون الذهب ، وكان الراحل نزار قباني قد قالها بملء الفم وبما انفجر في الحلق من مرارة الخذلان «.. لبسنا قشرة الحضارة والروح جاهلية»،.يخطئ مرارا ويفقأ عينيه باصعبه من يتصور بان من يعاتبون اوطانهم ويبكون دما على مصائرها انما يجلدون الذات ، او يستمرئون هجائها على نحو ماسوشي مرضي. الحقيقة عكس ذلك تماما ، فمن يحب وطنه لا يتواطأ على تخلفه ومرضه وجهله وهوانه خصوصا اذا ابتلاه الله بقدرة على رصد ما يكتب الاعداء ، وما يعد الغزاة. فالمستقبل كله اصبح في خطر ، لان الحرب الان تعلن على الممكنات وعلى الاجنة في الارحام. وعلى الاطفال في المهود التي تتحول الى توابيت طائرة في سماوات محتلة. حرب بلا طبول تقرع ، وشبه سرية تشن ضد كتب ومخطوطات وايقونات وخرائط وذاكرات.. فالاستباحة اخترقت اللحم والعظم الى النخاع ، والانتهاك لم تسلم منه مصاحف ومقدسات وانبياء. فكم من الطعن وكم من النزيف يحتاج هذا العربي الرهينة كي يدرك بانه قاب قرارين او اقل من ابادة مزدوجة ، معنوية وعضوية؟
وما الذي تفعله النخب المستغرقة في شجونها الصغيرة وحساباتها الاصغر لتدل الناس على الطريق الاخر ، الخالي من الافخاخ والكمائن واللصوص..،
ما نخشاه ان يكون الفساد قد شمل الملح،،