عقود القاصرات كرة ثلج تكبر مع تزايد الحالات..
10 فبراير 2010 - جريدة شمسعقود القاصرات كرة ثلج تكبر مع تزايد الحالات.. وناشطات يرفعن بدراساتهن إلى (الشورى) و(العدل)
زواج بعد الـ.. 18
الخبر – بسمة محمد
جدد ناشطون حقوقيون المطالبات الحقوقية والاجتماعية المنادية بتحديد سن للزواج؛ لوضع حد لما يرونه انتهاكا للطفولة، عن طريق ما يعرف بزواج القاصرات، وهو ما أفضى إلى رفع مقترحات جادة لدراسة الأمر، حتى وإن لم يصل إلى حد الظاهرة، إلا أن حالات هذا الزواج باتت تتوسع وتأخذ مكانا في جسد المجتمع، وآخرها زواج طفلة القصيم من رجل ثمانيني.
وعززت هيئة حقوق الإنسان هذه المطالبات من خلال تكوين لجنة طبية لدراسة الآثار الصحية المترتبة على زواج صغيرات السن، من قبل وزارة الصحة بعد مخاطبة الهيئة للوزارة واستفسارها عن كيفية إجراء فحوص ما قبل الزواج للأطفال القصر، وما يسببه ذلك من آثار سلبية عليهم، وخلصت الدراسة إلى جملة من الأضرار الجسدية والنفسية على القاصرات، مما يعزز صوت المطالبين بتحديد سن أدنى للزواج، ووضع تشريع يقنن هذه المسألة لا أن تترك تابعة للأهواء الشخصية لأولياء الأمور.
بيع وشراء
الدكتورة سهيلة زين العابدين عضو الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان أوضحت أن الجمعية أرسلت خطابا للمقام السامي منذ أكثر من ثمانية أشهر لاستحداث لجنة لدراسة مطلب تحديد سن الزواج, وأبدت الجمعية استعدادها لأن تكون عضوة في هذه اللجنة.
وأضافت زين العابدين: “أنهيت مشروع دراسة تحديد سن أدنى للزواج إلى 18 عاما، وتشريع قانون يحد من زواج القصر، وسوف أرفعه إلى وزارة العدل ومجلس الشورى, موضحة فيه أبرز المسوغات لهذا التحديد، كحل ناجع لوقف التجاوزات ومنع زواج القاصرات من عدة نواح شرعية واجتماعية ونفسية وصحية”.
وأشارت إلى أن عقد العقود لقاصرات لا يصح ولا يقبل منهن ذلك، متسائلة عن قبول عقد كعقد الزواج وهن غير مدركات لتبعات وأبعاد هذا الزواج؟ وتقول: “القاضي لا يقبل من القاصر ذكرا كان أو أنثى ما دون 18 عاما، أي نوع من البيع أو الشراء إلا بوجود ولي، فيكف يقبل منها موافقتها على الزواج وهو الميثاق الغليظ؟!”.
وأوضحت زين العابدين أن أكثر حالات الوفيات عند الولادة تتم للأمهات القاصرات إلى جانب كثرة الإجهاض, علاوة على نسبة الإعاقة العالية بين أطفال الأم القاصر مقارنة بالأم الناضجة, مشيرة إلى نواح كثيرة تؤثر على نفسيتها وحياتها الطبيعية، منها حرمانها من التعليم ومن التمتع بطفولتها وتحميلها مسؤولية كبيرة, نافية أن يكون الإسلام قد أقر زواج القصر.
وعن الاستدلال بالسيدة عائشة تؤكد ضعف الأحاديث التي جاءت بأنها تزوجت وهي في التاسعة، وتضيف: “أسماء بنت أبي بكر كانت تكبر أختها عائشة بعشر سنوات، وقد توفيت أسماء عام 73 هجرية عن عمر يناهز مئة سنة، وعليه يكون عمر أسماء بنت الصديق عام الهجرة 27 عاما، أي أنّ الرسول خطب أو تزوج السيدة عائشة وعمرها 17 عاما تقريبا، وبنى بها وهي ابنة 19عاماً بعد غزوة بدر”.
مشددة على أهمية إصدار نظام يحدد سن أدنى للزواج، وعليه يلزم مأذون الأنكحة بعدم عقد نكاح مادون السن المعتمد، وأن تفرض عقوبات على المتجاوزين من قبيل سحب الترخيص وغرامات مالية وعليه يفسخ عقد النكاح.
لم ينعقد إجماع
وبدورها أنجزت فوزية الخليوي، باحثة سعودية وعضوة الجمعية السعودية العلمية للسنة النبوية بحثا سردت فيه أبرز المبررات التي تقف في صف منع زواج الصغيرات، مشيرة إلى أنها أرسلت نسخة من البحث إلى مجلس الشورى في خطوة لمنع تفاقم الاستهتار بتزويج القاصرات والصغيرات، طلبا لطرح هذا الموضوع بشكل جدي وحاسم.
وفندت الخليوي في بحثها الأسباب الرامية لهذا المنع من عدة نواح شرعية واجتماعية ونفسية وعلمية, وتضيف: “أن ما حدث أخيرا من توسع في تزويج الصغيرات في السعودية, اللواتي بدأت أخبار تزويجهن تتزايد فى الصحف, يعد إنذارا مبكرا لانتهاك الطفولة التي تعد من أصعب السلوكيات البشرية التي لا تتطلب رعاية الوالدين فحسب بل رعاية المجتمع بأكمله”. وتستطرد: “ظاهرة تزويج الصغيرات توسعت في الدول العربية, إما بسبب العادات والتقاليد، أو الوضع المادي المتردي للأسر الفقيرة التي ترغب في التخلص من أحد أفرادها بطريقة شرعية، أو طلبا للكسب المادي, أو حفاظا على الشرف”.
وأشارت الخليوي إلى الأدلة الشرعية على ضرورة منع زواج الصغيرات، لافتة إلى أن الإجماع في تزويج الصغيرات لم ينعقد، موضحة الخلاف في الاستدلال بحديث عائشة وزواجها بالرسول عليه أفضل الصلاة والسلام.
وعن تحديد سن للزواج قالت: إن الدول العربية والإسلامية اختلفت في تحديد سن أدنى للزواج حيث حدد بـ 18 عاما للشاب و16 عاما للفتاة في مصر والمغرب وباكستان، كما رفع سن الزواج في سوريا بالنسبة للمراهقة إلى 15 عاما بعد أن كانت 13عاما والمراهق إلى 17 عاما بعد أن كان 15 عاما.
ولفتت إلى أن أمر تحديد الزواج بالسعودية متروك لأهل الحل والعقد والخبرة، ولم تحبذ التطرق إليه, إلا أن تكون له لجان متخصصة فيما يخص التحديد من عدمه، إلا أنها أكدت على أهمية أن ينظر في موضوع عقد نكاح لطفلة قبل البلوغ، حيث إن جسم الفتاة غير مؤهل للزواج حينها، ولابد أن تقنن المسألة ولا تترك هكذا, داعية إلى تنظيم حملات توعوية فيما يخص زواج القاصرات كما هو معمول به في عدد من الدول العربية.
النجيمي: لا بد من تشريع صارم وعاجل
شدد الدكتور محمد النجيمي عضو مجمع الفقه الإسلامي على أهمية سن قانون صارم وعاجل بالسعودية يمنع الزواج دون سن الـ 15 عاما على الأقل بل يرفع إلى سن الـ 17 للبنت والـ 18 للشاب كما هو في المذهبين المالكي والحنفي، ويكون إلزاميا من ولي الأمر كما هو معمول به فيما يخص الفحص قبل الزواج.
آثار صحية سلبية لزواج الصغيرات
كشفت لجنة وزارة الصحة لهيئة حقوق الإنسان في تقرير لها صدر أخيرا، عددا من الآثار الصحية المترتبة على زواج الصغيرات، تشمل:
ـ اضطرابات الدورة الشهرية وتأخر الحمل.
ـ الآثار الجسدية “تمزق المهبل والأعضاء المجاورة له من آثار الجماع”.
ـ ازدياد نسبة الإصابة بمرض هشاشة العظام، وبسن مبكرة، نتيجة نقص الكلس.
وأشارت إلى أن هناك أمراضا مصاحبة لحمل صغيرات السن:
ـ حدوث القيء المستمر عند حدوث الحمل.
ـ فقر الدم.
ـ الإجهاض، حيث تزداد معدلات الإجهاض والولادات المبكرة، وذلك إما لخلل في الهرمونات الأنثوية، أو لعدم تأقلم الرحم على عملية حدوث الحمل، ما يؤدي إلى حدوث انقباضات رحمية متكررة تؤدي لحدوث النزيف المهبلي والولادة المبسترة (المبكرة).
ـ ارتفاع حاد في ضغط الدم، قد يؤدي إلى فشل كلوي ونزيف وحدوث تشنجات.
ـ زيادة العمليات القيصرية نتيجة تعسر الولادات في العمر المبكر.
ـ ارتفاع نسبة الوفيات نتيجة المضاعفات المختلفة مع الحمل.
ـ ظهور التشوهات العظمية في الحوض والعمود الفقري بسبب الحمل المبكر.
وبالنسبة إلى الآثار على صحة الأطفال، فتشمل:
ـ اختناق الجنين في بطن الأم نتيجة القصور الحاد في الدورة الدموية المغذية للجنين.
ـ الولادة المبكرة وما يصاحبها من مضاعفات.
أما الآثار النفسية، فتشمل:
ـ الحرمان العاطفي من حنان الوالدين والحرمان من عيش مرحلة الطفولة.
ـ اضطرابات في العلاقات الجنسية بين الزوجين ناتج عن عدم إدراك الطفلة لطبيعة العلاقة.
ـ قلق واضطرابات عدم التكيف نتيجة للمشاكل الزوجية وعدم تفهم الزوجة لما يعنيه الزواج ومسؤولية الأسرة والسكن والمودة.
ـ الإدمان نتيجة لكثرة الضغوط كنوع من أنواع الهروب.
آل مفرح: هؤلاء الصغيرات أمانة في أعناق آبائهن
من جانب آخر، أيّد الدكتور أحمد بن سعد آل مفرح عضو مجلس الشورى، فكرة تحديد سن أدنى للزواج؛ للدفاع عن القاصرات والنظر في صورة عاجلة وسريعة لمعالجة هذه الإشكالية التي لم يعتبرها آل مفرح، فردية ومحدودة، كما لم يعدها ظاهرة في الوقت نفسه، لكنها بدأت تتسع، وهناك تخوف كبير من ذلك، مشيرا إلى أن هؤلاء الفتيات الصغيرات أمانة في أعناق آبائهن وأولياء أمورهن من الرجال الذين لم يحفظوا هذه الأمانة حق رعايتها.
وقال: “أنا مع تحديد سن أدنى للزواج بسبب وجود ممارسات خاطئة، ومع التحديد حتى إذا كان الزواج من قاصر لقاصرة، أي بغض النظر عن مسألة التكافؤ في السن، وسوف أصوّت مع هذا التقنين، وأتمنى أن تتحرك الجهات المعنية في هذا الأمر بعد دراسته من كل الجوانب على الرغم من وجود جوانب شرعية لا يمكن إغفالها إلا أن هناك ممارسات خاطئة أيضا”.
ويضيف: “لا بد أن ندرك أن هناك تشريعا يسمح بزواج من هم أقل من 18 عاما، لكن ما يحدث للأسف قد يكون تجاوزا وإساءة لهذا التشريع، وما تناولته الصحافة من زواج هؤلاء القاصرات هو زواج غير متكافئ، وذلك ما يعزز إيجاد تقنين لحماية هؤلاء القاصرات مما لا يرضى مسلم عاقل أن يحصل لابنته أو قريبته، وحماية للتشريع حتى لا يساء استخدامه من قِبل أصحاب الأهواء والمصالح أيّا كانت مصلحتهم”.
ويؤكد آل مفرح أهمية وجود رؤية واضحة من قبل الجهة المعنية دون انتظار تحرك الحقوقيين والمشرعين والتربويين والاجتماعيين، ويضيف: “ما حدث لفتاة بريدة شيء محزن ولا يتصوره العقل، حيث استطاع الإعلام أن يبرز القضية، ليتحرك معها أصحاب العقول والعواطف، فالأمر كان سيئا ويسيء للتشريع وسمعة الوطن، كما أنه يسيء للعقلاء”
المصدر: جريدة شمس الاربعاء العدد 1484 / 2010-02-03