أ . عالية فريد >> أخبار و مقالات


فوضى إيجار المساكن تغتال أحلام البسطاء

15 فبراير 2010 - جريدة اليوم

فوضى إيجار المساكن تغتال أحلام البسطاء

مفرج عنه: حياة السجن أرحم من جشع أصحاب الشقق 

خالد سجاف ـ الدمام

 العلاقة بين المالك والمستأجر .. قضية في غاية الاهمية نظرا لارتباطها بالسلام الاجتماعي فى المجتمع وقد شهدت تلك العلاقة خلال الاعوام القليلة الماضية اهتزازات وتوترات بعد حمّى الزيادات غير المبررة لإيجارات المساكن بالمنطقة الشرقية بموجب فرمانات تصدرها مكاتب العقار دون الرجوع لأحد اوالتقيد بقانون .. فهل آن الأوان لسن قانون يحقق التوازن في علاقة طرفي المعادلة خاصة على اعتبار ان العقود بشكلها الحالي مليئة بشروط “الاذعان” والتي تعطي كافة الحقوق للمالك بينما تسلب أبسطها من المستأجر المغلوب على أمره والذي لا يملك سوى الاستسلام والرضوخ للقرارات حتى وإن كانت غير منطقية ولا تناسب الواقع من ناحية عمر العقار وموقعه وحالته .. وتعالت خلال الفترة الماضية أصوات تطالب بتبني اقتراحات بناءة لتصحيح الاوضاع بين الطرفين ومنها على سبيل المثال وضع قانون لتنظيم العلاقة بين المالك والمستأجر يعطي المالك حق الزيادة السنوية بنسبة معقولة ومتدرجة ذات سقف معين وليست مطلقة كما يحدث حاليا ، او تشكيل لجان لتقدير ايجار العقارات لتكون الفيصل بين الطرفين او اصدار لائحة ” موحدة” تتضمن نسبة الزيادة طبقا لجدول زمني محدد وبذلك يحدث التوازن في العلاقة بعدم حرمان المالك من الزيادة والحيلولة دون ظلم المستأجر ..

آهات وأوجاع

تصاعدت هذه الأيام معاناة السكان في المنطقة الشرقية من غلاء ايجارات الشقق والتي أصبحت تفوق قدرتهم المادية ، وتحجج أصحاب المباني السكنية بالمنطقة عندرفع الإيجارات بارتفاع أسعار مواد البناء رغم أن الكثير من تلك البنايات شيدت في وقت انخفاض اسعار المواد علاوة على ان أغلبها أنشئ في وقت الطفرة منذ مدة تعدت الـ 30 والـ 40 عاما والمحصلة ان المستأجرين من محدودي الدخل وقعوا فريسة لجشع بعض ملاك العقارات الذين لا يشعرون بمعاناة الباحثين عن سكن بينما كل يوم يصدرون فرمانات بزيادة الأسعار بشكل لا يتوازي مع الرواتب وشعارهم ” ما لا يعجبك غيرك يتمناه “وتبقى آهات وأوجاع المؤجرين بين صدورهم لايسمعهم أحد ويكملون الشهر بالكاد بعد التهام الإيجار نصف الراتب .

إخلاء على الحدود

فى البداية يقول علي البارقي من منسوبي احد القطاعات العسكرية: انه وخلال تواجده في الحدود الجنوبية وكان من المرابطين في الحرب ورد إليه اتصال من صاحب العمارة التي يسكن بها هو واسرته واطفاله وطالبه بالخروج من الشقة واخلائها فوراً ، واضاف ان المالك طلب منه زيادة إيجار الشقة من 14 الفا الى 24 الفا ولم يراع وضعه كعسكري يخدم البلد وبعيد عن أولاده اضافة الى ان زوجته حامل في الشهر التاسع

ويضيف : صاحب العمارة دائم الحضور الى منزلى في حضوري او غيابي ويطرق الباب ويطلب منا اخلاء الشقة او زيادة الايجار فقد وصلت به الحال بأن يطرق على شبابيك الشقة من الخارج في حال عدم تواجدي ، واضاف ان الشقة التي اسكنها في حي الجلوية كانت تؤجر مثيلاتها بنفس السعر السابق والعمارة تعتبر من العمائر القديمة لدرجة ان اسقف الشقق تخر بالمياه شتاء لكثرة الشقوق بها ، وناشد البارقي ولاة الامر بوضع حد لهذا الجشع فبينما نحن كمواطنين نخدم البلد وصدورنا مكشوفة للرصاص نجد من يطعنا من الخلف ويعكر صفو حياتنا وأسرنا .

زيادة مجحفة

” المستأجر ضعيف ” جملة بدأ بها مسفر القحطاني “60 عاماً” احد سكان حي بدر في الدمام يسكن في شقة هو وزوجته وابناؤه البالغ عددهم 8 اطفال اضافة لوالدته وشقيقتيه ، ويقول : انا مصاب بمرض السكر والكولسترول واعاني من اعاقة في احدى يدي وابصر بعين واحدة فقط وفوجئت بصاحب العمارة التي اسكن بها منذ 9 اعوام بزيادة الايجار من 13 الى 18 الفا بواقع 5 الاف دفعة واحدة ، واضاف :ان عدد من يسكنون في الشقة 13 رجلا وامرأة اضافة الى الاطفال ومنهم والدتي المريضة بشلل نصفي اثر اصابتها بجلطة ، وذكر انه لا يعمل حالياً بسبب اعاقته ويحمل شهادة معاق وابناؤه وبناته مازالوا يدرسون وانه لا يملك وسيلة مواصلات منوهاً الى ان رفع الايجار بهذه الطريقة سيؤدي الى مشكلة كبيرة بالنسبة له ووالدته المعاقة ومستقبل ابنائه .

ايجار وطلاق

اما علي العيسي والذي انتقل من الجنوب للعمل في الشرقية وتحسين وضعه المعيشي طلب منه اهل زوجته تطليق ابنتهم لعدم توافر سكن يأويه ، وبكلمات تغلفها الحسرة والالم قال انه يعمل حارس امن براتب 2800 ريال شهرياً ولا يتوافر لديه سكن حاليا بسبب طرده من قبل صاحب العمارة التي كان يسكن فيها بعد مطالبته بالزيادة ، واضاف: انه يسكن الآن في شقة مفروشة عبارة عن غرفة ودورة مياه ومطبخ بإيجار مرتفع لعدم توافر دفعة أولى لاستئجار شقة بالنظام السنوي بمبلغ 18 الفا في السنة ، وذكر ان اهل زوجته وضعوا امامه خيارين احلاهما مر الاول توفير مسكن والثاني الانفصال عن ابنتهم منوهاً الى انه انفصل عن زوجته عدة مرات وكان اخرها لمدة عام بسبب عجزه عن توفير مسكن فى ظل ارتفاع الإيجارات واستغلال تجار العقار .

السجن أرحم

مواطن آخر خرج منذ فترة قليلة من إصلاحية الدمام بعد سجنه عامين بتهمة خيانة الأمانة والاختلاس ” فضل عدم ذكر اسمه ” قال : عايشت ظروفا صعبة وتعرضت عائلتي للطرد أكثر من مرة بسبب الإيجار ، وصاحب العقار لا يهمه ظروفي ، لدرجة أنني لجأت الي الجمعية الخيرية ولم اصل الى حل لانها لا تساعد المتعثرين في الإيجار بينما أنقذني أهل الخير بعد ان تبرع أحدهم وسدد عني الإيجار كاملا ، وطالب وجود جهة حكومية تحدد العلاقة بين المالك والمستأجر لأن المسألة أصبحت جشعا في جشع ، واختتم حديثه بأن الحياة فى السجن أرحم فلا إيجار ولا مشكلة والحياة مجانية .

فصل الكهرباء

اما احمد العتيبي فيقول ان عدم وجود تعدد الخيارات امام المستأجرين ادى لتحكم تجار العقار فيهم ، واشار الى انه تلقى خطابا من صاحب العمارة التي يسكن فيها بزيادة الايجار من 14 الى 20 الفا او اخلاء الشقة فوراً والطرد وفصل الكهرباء والماء عنه ، واضاف بأن المستأجرين خاصة محدودي الدخل تحولوا الى ضحايا لظلم وجشع تجار العقار فكيف نتلقى تلك المعاملة ودولتنا الرشيدة وفرت لصاحب العمارة كل التسهيلات من بنية تحتية وحماية وبالمجان للتسهيل على المواطنين ثم يأتي صاحب العمارة ويتعامل مع المستأجرين بطريقة تناقض سياسات الدولة في التيسير على المواطن من خلال رفع الإيجارات دون مبرر ، مشيراً إلى انه يسكن العمارة منذ 7 اعوام وصاحب العمارة لم يراع العشرة والانتظام في السداد .

نظام جديد

وطالب عبد الله البوعينين ، مجلس الشورى ووزارة التجارة بسرعة التحرك لاعداد نظام وقانون سريع يحد من عشوائية ومزاجية تجار العقار في رفع الايجارات مشيراً الى انه في كل دول العالم توجد قوانين ونظم تحدد السقف الاعلى للإيجار ولجان تحديد سعر المنشأة وكم عمرها ومن ثم تحديد اسعارها وهذا الاجراء هو القائم في اغلب دول العالم ، واضاف ان تجار العقار استغلوا عدم وجود جهات رقابية للحد من استغلالهم للمستأجرين واستمروا في جني الارباح على حساب المستأجرين لدرجة ان الزيادات وصلت الى اكثر من 70 بالمائة لشقق قديمة بناها اصحابها منذ 20سنة مضت .

مأساة امرأة

وتقول ام عبد الله: ان سكان مدينتي الدمام والخبر اكثر من يعاني رفع الإيجارات وبالذات أسعار الشقق ، فأنا ام لستة ابناء ودخلي الشهري 500 ريال يذهب لصاحب العمارة والذي لم يراع حالتي المادية من خلال رفع الايجار ، واضافت بان الحي الذي تسكنه من الاحياء القديمة ومعظم مبانيه شيدت قبل 30 عاما مما يعني ان صاحب العمارة عاد اليه رأس ماله 3 اضعاف واكثر ، وما تزال أم عبدالله التي بدأت عقدها السادس وتعاني الفقر ولا تملك نقودا تسد بها رمق أبنائها او تسدد بها إيجار المنزل تنتظر بين ساعة وأخرى، أن يأتيها صاحب المنزل ويلقي بها وبأبنائها الى الشارع ليس لسبب سوى أنها وحيدة في هذه الدنيا .

الدفع او الطرد

” ادفع او اطلع ” جملة ترددت كثيراً على مسامع مسفر الغامدي الذي اكد ان صاحب العمارة رفع الإيجارات عليه لمدة 3 اعوام متتالية وفي كل عام يرفع الإيجار وبمناقشته يقول “ادفع او اطلع” وهو ما اصابني بحالة نفسية نتيجة الاحساس بالقهر وناشد الغامدي ولاة الامر والمسئولين بسرعة التحرك لوضع حد لجشع الملاك مؤكدا عدم وجود مبررات حقيقية تستدعي زيادة الأسعار .ويضيف مواطن اخر رفض ذكر اسمه ان عقود الايجار بمثابة عقود اذعان تمنح كافة الحقوق والامتيازات للمالك وتسلبها من المستأجر المغلوب على امره .

زيادة كبيرة

وأشار محمد الهاجري الى انه اضطر الى دفع 6 الاف ريال زيادة في الإيجار بناء على قرار صاحب العمارة بسبب قرب مدارس ابنائه من بيته ، واضاف ان الملبغ 500 ريال شهرياً بالنسبة لي يعد كبيراً حيث زادت الأعباء علي وتضررت أسرتي وحرمت نفسي وأبنائي من بعض الضروريات ، واشار الى ان ارتفاع اسعار الشقق بدأ منذ 4 اعوام مع ارتفاع مواد البناء ما جعل أصحاب العمائر الجديدة يؤجرون بأسعار تتوافق مع ما انفقوه على استثماراتهم ، ولكن ما حدث هو ان أصحاب المباني القديمة رفعوا الأسعار على مبانيهم استغلالاً منهم لجمع المال دون وجه حق والضحية بالطبع هو المواطن المسكين .

محكمة العقار

ويقترح الشاب بدر السياري بناء عمارات سكنية مقسمة إلى شقق صغيرة ” ستديو ” يكون إيجارها في متناول الجميع بدلا من هذا الارتفاع الجنوني في الأسعار ، واستحداث محكمة متخصصة في خلافات العقار تنظم العلاقة بين المالك والمستأجر ومحاكمة أصحاب المكاتب العقارية الذين يرفعون الأسعار بلا سبب ، وأضاف بانه يعمل في المجال العسكري وقصته مع مكاتب العقار طويلة ويتساءل : كيف أكون عسكريا وهي وظيفة أتشرف بها ويتشرف بها كل إنسان في هذا الوطن الغالي ويرفض أصحاب العقار تسكيني بحجة أنهم لا يستطيعون الشكوى ضدي في حال تأخير الإيجار او عدم الدفع ، وطالب بوضع حد لجنون أسعار الإيجارات وأن تتوسع الدولة فى بناء المساكن وتأجيرها للمواطنين كدعم لمحدودي الدخل .

 

 المصدر: جريدة اليوم  الأثنين 1431-02-24هـ الموافق 2010-02-08م العدد 13387 السنة الأربعون

http://www.alyaum.com/issue/page.php?IN=13387&P=1&G=3

أضف تعليقاً