مواطنات “عاملات نظافة» لكسب لقمة عيش شريفة
21 فبراير 2010 - جريدة الرياضتجاوزن “ثقافة العيب” وتحملن مسؤولية إعالة أسرهن
مواطنات “عاملات نظافة» لكسب لقمة عيش شريفة
أبها، تحقيق – مريم الجابر
عملت مجموعة من السيدات السعوديات “عاملات نظافة” في كليات التربية ومدارس البنات، ومكاتب الإشراف، واتجهن للعمل لبضع ساعات بالمنازل، فكن نموذجا للعاملة السعودية التي تعول أسرتها خلال امتهانها لعمل شريف متحديات ثقافة العيب الاجتماعي..
أم سلمان عاملة نظافة بدأت العمل في الجمعيات الخيرية وتعمل حالياً في كلية الاقتصاد المنزلي، إلى جانب التنظيف في بعض الاحتفالات الخاصة، وقالت: أتقاضى راتبا (1400 ريال)، وحصلت على تدريب في إحدى شركات النظافة، مبينة أن هذا الراتب يساعدها على إعالة أسرتها المكونة من أكثر من 18 فردا، وزوجها المريض، مؤكدة على أن العمل الشريف ليس عيباً، وإنما العيب أن يمد الإنسان يده للآخرين بحثاً عن لقمة عيشه.. وأضافت أنها تدربت على عملية التنظيف والتعامل مع الناس ومع المجتمع في مختلف المناسبات، كما تقوم بجميع الأعمال الموكلة إليها من تنظيف ومراسلة، وعمل قهوة.
شعور بالفخر
وتقول أم محمد إن العمل الشريف لا ينتقص من قيمة الشخص، فأنا فضلت العمل في إحدى المدارس الثانوية، ثم انتقلت لمكتب الإشراف التربوي، ولا أمانع إن طلبت مني إحدى المعلمات مساعدتها بأعمال منزلها، فهذه مهنة شريفة ويكفيني أنها جاءتني بما يكفيني مد يدي للآخرين..
وأضافت “عائشة علي” عاملة في إحدى المدارس الخاصة قائلة: لم اشعر باني أقل من أي موظفة في مدرستي، كما أشعر بالفخر كوني أقوم بالمساهمة في تنظيف أي مقر حكومي، داعية الفتيات السعوديات إلى الخروج من إطار العيب الاجتماعي وتقبل العمل في المهن المختلفة وكسب ثقة المجتمع.
العاملات السعوديات مميزات
وأشارت عميدة كلية الاقتصاد ورئيسة اللجنة النسائية بجمعية الثقافة والفنون علا العاصمي إلى أن المستخدمات السعوديات وعاملات النظافة السعوديات مميزات، والعاملة السعودية لا تقل في كفاءتها وإنتاجها عن العاملة الأجنبية، كما أن هناك ميزة للعاملة السعودية وهي معرفتها بثقافة المجتمع وكيفية التعامل مع أفراده.
وقالت لقد لاحظت أن بعضاً من المستخدمات وعاملات النظافة السعوديات تخلصن من ثقافة العيب، وفضلن العمل على انتظار الصدقات، مشيرة إلى أن هناك عددا من عاملات النظافة السعوديات اللاتي يعملن في تنظيف المنازل أو الاحتفالات الشخصية، وقد اثبتن جدارتهن وكفاءتهن حول هذا العمل رغم أجورهن الزهيدة التي لا تتجاوز 1300 إلى 1500 ريال، إلا أنهن فخورات بعملهن وبأنهن يقمن بإعالة أسرهن بعيدا عن التسول، مطالبة بإيجاد شركات كبرى تقوم بتدريب وتبني هذه الفئة من السيدات الراغبات في العمل في هذا المجال.
وتحدث مدير مكتب العمل في منطقة عسير حسين المري، وقال: إن عمل المرأة السعودية ناتج عن التوسع الهائل في مناحي الحياة من كافة الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وحاجة المرأة للعمل، ووجود أنشطة متعددة تخص المرأة، مما يجعل المرأة تتجه للعمل سواء كان هذا الاتجاه نتيجة سعي المرأة لتحقيق ذاتها من خلال العمل أو نتيجة لظروفها الخاصة التي تتطلب عملها، وخصوصاً الظروف المعيشية.
ضوابط للتوظيف
وقالت فاطمة القحطاني مسؤولة قسم التوظيف النسائي في إحدى المؤسسات الخاصة إن “هناك ضوابط وشروطا لعاملة النظافة، ومن أبرزها عدم الاختلاط، وتحديد ساعات العمل، والحفاظ على كرامتها وحقوقها الشخصية”، لافتة إلى أن العاملات السعوديات يساهمن في التقليل من نسبة الاستقدام من الخارج، وما يترتب على ذلك من تكاليف باهظة، مؤكدة على أن الطلب على العاملات السعوديات يفوق بمراحل الطلب على الأجنبية، وذلك لخوف الأسر من التجاوزات التي تصاحب بعض الخادمات الأجنبيات؛ إضافة إلى رغبة البعض في توفير عاملات دون الخوض في مشاكل الاستقدام وارتفاع تكاليفه.
وكان قرار وزارة العمل الاستعانة ب “مدبرات منازل سعوديات” قبل عامين لإحلالهن محل العاملات المنزليات غير السعوديات، قد أثار ردود فعل متباينة ما بين معارض ومؤيد، حيث رفضه المعارضون بسبب النظرة الدونية للخادمة المنزلية؛ في حين رفع المؤيدون شعار “العمل الشريف لا ينتقص ولا يقلل من شأن صاحبه”، وأن ثمة أرامل وغيرهن في حاجة إلى تلك العمالة بدلاً من العاملات الآسيويات.
كيف نتخلص من ثقافة العيب؟
ويؤكد استشاري طب الأسرة والمجتمع وعميد كلية العلوم الصحية بجامعة الملك خالد د. خالد جلبان أن الإشكالية التي تواجهنا في المجتمع هي مشكلة قياس الشخص من خلال مهنته أو العمل الذي يقوم به، ولكني أتخيل الحال بعد 20 سنة، متوقعاً أن يختلف الحال بعد هذه الفترة من الزمن لأنه ستكون هناك قفزات سريعة في النمو والتخلص من ثقافة العيب والانتماء للقبيلة والاندماج في الحضارة بشكل أكبر. وقال إن المجتمع السعودي يعاني من حالات الإنهاك من محاولات القفز والوصول إلى الثراء السريع والتخلص من الفقر، ولذلك لا زال المجتمع يعيش صراع رؤية الآخرين له وكيف يمكن أن يراه الآخرون بمعزل عن مهنته وآلية اندماجه في الحياة.
وأضاف أننا نحتاج إلى نظرة مختلفة من المجتمع ليرى الشخص كإنسان وبمعزل عن مهنته، وفصل العمل عن الوضع الاجتماعي، متوقعاً أن السنوات المقبلة ستحمل دخول المرأة في مختلف مجالات المجتمع التي يحتاجها سوق العمل.
وأشار إلى أن المرأة ستدخل إلى كافة القطاعات سواء رضي العرف الاجتماعي أو عاش ينظر إلى هذه المهن بمنطق العيب، مؤكداً على أن المجتمع سيتخلص تدريجياً من هذه الرؤية القاصرة لعمل المرأة طالما انه لا يخرج عن تقاليد المجتمع ودينه وعاداته، ولا بد للمجتمع أن يصل إلى قناعة أن المرأة سيكون لها مجالات للعمل أسوة بالرجل لتستطيع أن تعول نفسها وتعول أسرتها وتحقق أهدافها وثقتها بنفسها.
المصدر: جريدة الرياض الاثنين 1 ربيع الأول 1431هـ – 15 فبراير 2010م – العدد 15211
http://www.alriyadh.com/2010/02/15/article498594.html