رجاء إلى وزارة التجارة والغرف التجارية الصناعية
22 فبراير 2010 - جريدة الجزيرةرجاء إلى وزارة التجارة والغرف التجارية الصناعية
تركي الخالد السديري
لا يشك أحد في مقدار ما أنعم الله به على هذه البلاد وأبنائها من خير ونعمة، وما يتمتعون به عامة من راحة وأمان، بفضل من الله ثم من الأيادي الساهرة على راحة المواطنين وسلامتهم في ظل قيادتهم الرشيدة.
إنَّ هذه الحقيقة المجردة هي وراء تحولها إلى مقصد لمئات الآلاف بل الملايين الذين يقدمون إليها طلبا للرزق عن طريق ما تتيحه لهم من فرص عمل؛ وبالتالي المشاركة المثمرة في عملية البناء والتنمية التي مرت وتمر بها هذه البلاد المباركة.
وتجدر الإشارة هنا إلى أنه في خضم هذا الفيض الهائل من الحركة والنشاط في مختلف حقول التنمية القائمة في المملكة العربية السعودية نجد أن معظم الأعمال التجارية فيها كعمليات البيع في المعارض والمتاجر والصيدليات وأعمال المحاسبة والإدارة وسواها تكاد تكون الغالبية الكبرى منها تتم من قبل الأيدي العاملة المستقدمة من الدول العربية أو الدول الإسلامية، بينما يكتفي أصحابها السعوديون بالقليل من الإشراف أو المشاركة في الأعمال اليومية العادية منها. فإذا أضفنا هذا القصور إلى القصور في الخبرة والقدرة على متابعة ما يدور في هذه المراكز التجارية بصورة دقيقة، أو حتى الأمية المطلقة لدى البعض منهم، نجد أن احتمالات حدوث عمليات التلاعب قوية بالنسبة لتقديم صورة حسابية صحيحة لما يتم من خلال حركة البيع والنشاط التجاري اليومي.
أجد هذه المقدمة ضرورية للموضوع الذي أطرحه والنابع من تجارب شخصية حدثت معي، ولا بد أنها حدثت مع غيري، سواء لفتت نظرهم وأعطوها التفسير الحقيقي أم لا.
لاحظت أن نسبة ليست قليلة من المتاجر الصغيرة التي تقودني الحاجة بين آن وآخر إلى الشراء منها كالصيدليات وسواها، والتي لا يعمل بها في الغالب سوى عدد محدود من البائعين، أنها يندر أن تقدم فاتورة الشراء بعد دفع الحساب إلا بعد طلبها من قبلي؛ حيث يجري تقديمها مصحوبة أحيانا بنظرة حيرة واستغراب لعدم توقع مثل هذا الطلب. وإن ما حدث معي منذ أيام هو بالذات ما دفعني لكتابة هذه السطور للتنبيه إلى هذا الأمر الذي قد يبدو صغيراً إلا أن أهميته تنجلي لنا إذا عرفنا أنه قد يكون من أسباب إفلاس العديد من الأماكن التجارية التي نشاهد يوميا افتتاح العديد منها ثم بعد فترة نشاهد إعلان البيع المخفض لها، يعقبه بعد فترة قد تطول أو تقصر إغلاق المحل؛ ليتم افتتاحه من جديد بعد خسائر لا حصر لها من قبل مالك جديد في الديكور وسواه، إضافة إلى البضائع والسلع الجديدة المعروضة.. فقد دخلت أحد المتاجر واشتريت ما احتجت إليه، ثم قدمت النقود للمحاسب الذي مد يده للآلة الحاسبة التي سجلت – كما تصوَّرتُ – حركة تسجيل السعر وخلافه، إلا أن البائع بعد أن أعاد ما تبقى لي من القيمة المدفوعة لم يقدم لي الفاتورة، وعندما لاحظ بعد ثوان قليلة أنني لا أزال أقف أمامه بدأ عليه الارتباك، وأخرج كشف حساب قديما كان في درج تحت آلة المحاسبة، وتأمله قليلاً لسبب لا أعلمه، ثم قام بتشغيل الآلة من جديد وكأنه لم يسبق أن قام بذلك من قبل، مقدما اعتذاره لي، وموضحاً أن ما حدث هو بسبب خلل في آلة المحاسبة، عندئذ استلمتُ منه الكشف، إلا أن ما أثار استغرابي أكثر هو السؤال الذي وجهه لي المحاسب عندما قال لي وهو يودعني: «هل هذه أول مرة تأتي للمحل؟»..
كما تكررت معي مرات عدة؛ حيث أخرج المحاسب آلة حاسبة صغيرة لهذا الغرض بحجة عطل في الآلة الحاسبة الأساسية.
وهنا يأتي السؤال الذي يطرح نفسه، إذا وضعنا في اعتبارنا أن هذا الأمر ربما يحدث يوميا في عشرات الآلاف من المتاجر دون أن يثير ذلك اهتمام أحد: لماذا يحدث هذا الأمر هنا وليس في الدول الأخرى حسب ما يشاهده كل زائر؟..
الجواب يمكن أن يكون في الآتي:
أ- عدم شعور المواطن بالحاجة إلى استحصال الوصل من البائع؛ لأنه في الغالب لا ضرورة له البتة؛ إذ إن المواطنين في الدول الأخرى بحاجة إلى هذه الوصول (الفواتير) للاستفادة منها في حسوماتهم الضرائبية.
ب- طبيعة معظم المواطنين والثقة المغروسة في نفوسهم في تعاملهم مع الآخرين بحُكْم تقاليدهم.
ج- عدم قدرة الكثير من أصحاب المتاجر الحقيقيين على متابعة ما يدور في متاجرهم من جرد دقيق للمواد والسلع بصورة روتينية.
نخرج من هذا كله بأن هناك العديد من الإجراءات التي يمكن عند تبنيها معالجة هذا القصور الملحوظ:
أولاً: أن تقوم الغرف التجارية بالتعميم على جميع أصحاب المعارض والمتاجر باختلافها بضرورة وضع يافطة أو أكثر في داخل كل متجر بهدف حث المواطن على طلب فاتورة الحساب أو الوصل من البائع قبل انصرافه وبعد حصوله على مشترياته، على أن تكون اليافطة (أو اليافطات) موضوعة في مكان يستطيع الزبائن ملاحظته بيُسْر، وأن تقوم أجهزة وزارة التجارة بمتابعة ذلك من قبلها للتأكد من تماشي الجميع مع هذه التعليمات.
ثانياً: أن تعد الغرف التجارية نشرات شهرية مبسطة تعطى للأعضاء المسجلين لديها، توضح فيها طبيعة الحركة التجارية في الأسواق وإحصاءات عن مختلف المعارض والمتاجر التي يجري افتتاحها شهرياً في كل حي من أحياء المدن ونوع نشاطاتها وما يتم إغلاقه منها إما بسبب الإفلاس أو سواه؛ لتوعية رجال الأعمال الصغار ومحدودي الدراية بهذه الأمور قبل إقدامهم على مشاريع تجارية جديدة.
ثالثاً: حث أصحاب هذه المعارض والمتاجر على التواجد فيها جزءاً من النهار أو الليل؛ لتفقد أحوالها أثناء حركة البيع فيها سواء من قِبلهم أو من قِبل أبنائهم أو أقاربهم لأن ذلك لا بد أن يترك أثرا في نفسية العاملين فيها من البائعين الآخرين.
المصدر: جريدة الجزيرة الثلاثاء 02 ربيع الأول 1431 العدد 13655
http://www.al-jazirah.com/156409/ms1d.htm