طفلة بريدة وصك الضياع
22 فبراير 2010 - جريدة الوطنطفلة بريدة وصك الضياع
التنازل الذي قدمته والدة طفلة بريدة تمهيدا لإغلاق ملف زواجها من رجل مسن لا يعنينا كمجتمع ويجب أن لا يغير موقفنا على الإطلاق، فنحن نملك الحق الاجتماعي في التصدي لهذه الممارسات ونملك حق رفضها ويجب أن تكون أصواتنا عالية ومسموعة في الحديث عن هذه القضية. ليس هذا فحسب، بل يجب على المجتمع أن يفرض عقوبة اجتماعية على جميع المشتركين في هذه القضية لأنها تسئ إلى سمعتنا وتلحق ضررا بالغا بسجل مجتمعنا في مجال حقوق الإنسان وتضعف حجتنا في الدفاع عن بلادنا في هذا المجال. ومن المعروف أن ردة الفعل المجتمعية على هذه السلوكيات هي المؤشر الحقيقي لمعرفة مدى تسامح المجتمع وتقبله لهذه الأفعال، فالسكوت على هذه الممارسات وعدم إنكارها أو مجرد لزوم الصمت حيالها أمر غير كافٍ وردة فعل سلبية لا تتناسب مع درجة خطورتها. فالمجتمع وحده هو الذي سوف يعطي رسالة بليغة لهؤلاء وأمثالهم من المنتهكين لحقوق الإنسان، فعندما يحسون أنهم معزولون وأفعالهم مرفوضة وينظر إليها باحتقار واستغراب، وعندما يأتي الوقت الذي لا يجدون من يصمت على هذه الممارسات ولو من قبيل المجاملة، وعندما لا يجدون شخصا واحدا يبتسم في وجوههم ولو من باب الازدراء، عندها فقط سيتعلمون درسا بليغا لن يفهموه بجميع الوسائل الأخرى، وعندها سيدركون أنهم ارتكبوا خطأ كبيرا حتى لو كان لديهم صك من المحكمة بالمصادقة على تصرفاتهم. فردة الفعل المجتمعية هي المؤشر الحقيقي الذي ينبغي استخدامه في الحكم على المجتمع حيال أية قضية، والمجتمع الناضج هو وحده من يهذب سلوكيات أفراده من خلال ردة الفعل.
هذه الطفلة ربما كانت تنتظر نهاية العام الخامس الابتدائي لتحصل على هدية نهاية العام الدراسي تقديرا واحتراما لطفولتها البريئة وتشجيعا لهاعلى الاستمرار في الدراسة، إلا أنها وجدت نفسها وقد تم تقديمها هدية لعلها تكون أحد أسباب السعادة التي يبحث عنها رجل طاعن في السن وعليها أن تدفع فاتورة بحث الرجل عن السعادة. هذه الطفلة التي تدرس في الصف الخامس الابتدائي أصبحت زوجة وسوف تصبح أما تنجب أطفالا تربيهم في المنزل وليس مستبعدا أن تزاملهم في المدرسة.
هذه الفتاة حكم عليها والدها بالإعدام واغتال طفولتها ورسم لها مستقبلا مضمونا فشله لا محالة، ومنحها والدها صكا للضياع وأدخلها إلى عالم المجهول من أوسع أبوابه.
آمل ألا يجانبني الصواب وألا أبتعد كثيرا عن الحقيقة إذا قلت إن هذا النوع من الآباء لا يعير أي اهتمام لنجاح هكذا زواج والتفكير في استمراره ومدى نجاحه ولم يفكر ولو لحظة واحدة في مستقبل هذه الفتاة، وأكاد أجزم أنه لم يخطر على باله نجاحها في تكوين أسرة، ولم يخطر على باله أن يفكر في مصير ابنته عندما تنجب أطفالا وهي لا تزال تدرس مع الأطفال.
المشتركون في قضية طفلة بريدة ليسوا وحدهم، فهناك أشخاص رغم ندرتهم إلا أن أفعالهم لا يمكن قبولها والسكوت عليها بهذا التبرير لأنها تلحق ضررا بالمجتمع. فثمة أشخاص في مجتمعنا لا يزالون يقدمون بناتهم للزواج على طريقة الهدايا ويفاخرون بذلك ويعلنونه على رؤؤس الأشهاد، وهناك من يقدمها هبة مقابل مكاسب مادية، وهناك من يعطيها لابن عمها الذي هو وحده من يملك حق الموافقة على زواجها من رجل آخر إذا كان لا يريدها، وهناك من يزوج ابنته دون علمها لأنه وعد فلانا من الناس أو أعطى كلمة لا يريد أن يتراجع عنها.
ممارسات كثيرة ومتنوعة تشترك في شيء واحد وهو النظر للمرأة على أنها بضاعة عند الرجل وجزء من ممتلكاته، وهناك من يتباهى ويفتخر بهذه الممارسات والأفعال من خلال نظم القصائد الشعرية لتكون شاهدا على انتهاكه لأبسط الحقوق الشرعية والإنسانية التي منحها الله سبحانه وتعالى لكل إنسان، وتكون شاهدا ودليلا على عدم تحمله الأمانة التي قبلها بطوعه واختياره عندما قرر أن يتزوج وينجب أطفالا. هذه السلوكيات ربما يحتفل بها البعض ويرى أنها مناسبة سعيدة بالنسبة له الآن، وموقف رجولي غير مسبوق، إلا أن الزمن وحده كفيل بتحويلها إلى ذكريات مريرة عندما يصحو ضميره في يوم من الأيام، وتباً له من ضمير لن يصحو إلا بعد تدمير حياة إنسان بكاملها
المصدر: جريدة الوطن الجمعه28 صفر 1431 ـ 12 فبراير 2010 العدد 3423 ـ السنة العاشرة
http://www.alwatan.com.sa/news/writerdetail.asp?issueno=3423&id=17700