أ . عالية فريد >> أخبار و مقالات


وقفات مع حقوق الإنسان في المملكة بمقعد الناظر ( 2-1 )

2 مارس 2010 - جريدة الاتحاد

وقفات مع حقوق الإنسان في المملكة بمقعد الناظر ( 2-1 )

 
 القاهرة – سجى عارف :
استضاف المقعد الفكري لمعالي السفير هشام محيي الدين ناظر بالقاهرة هذا الأسبوع معالي الدكتور زيد بن عبدالمحسن آل حسين نائب رئيس هيئة حقوق الإنسان بالمملكة العربية السعودية في محاضرة عن حقوق الإنسان بالمملكة بعدة وقفات قال فيها:
الوقفة الأولى:
هيمنة المصطلح
(حقوق الإنسان)
ظهر مصطلح حقوق الإنسان في العالم في عام 1948م مع ظهور أول إعلان عالمي لحقوق الإنسان، بعد محاولات متعددة قصد منها حماية الإنسان – وخاصة في أوروبا – لرفع ما أصابه من ظلم وقهر واستبداد ديني وسياسي وفكري، خلال الفترة التي عرفت في الأدبيات الأوروبية بعصور الظلام أو القرون الوسطى، وبالذات ما عانته الفئات المستضعفة على اختلاف حالات وأشكال الاضطهاد، وأبرز هذه المحاولات تمثلت في ظهور أنظمة وقوانين مثل: الماقنا كارتا Magna – Carta عام 1215 للميلاد أو ما يسمى بإعلان العهد الكبير، وبيان الحقوق سنة 1627م، وقائمة الحقوق سنة 1688م في إنجلترا، (وثيقة فرجينيا للحقوق) الصادرة في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1776م، وما صدر في فرنسا من إعلانات خاصة بحقوق الإنسان مثل (إعلان حقوق الإنسان والمواطن الصادر بتاريخ 26-8-1789م. الذي واكب الثورة الفرنسية، إعلان حقوق الإنسان والمواطن الصادر بتاريخ 24-6-1793م المعدل، وإعلان حقوق الإنسان والمواطن وواجباته الصادر بتاريخ 22-8-1795م. ودستور الجمهورية الفرنسية الصادر بتاريخ 14-11-1848م، الذي تضمن إعلان حقوق الإنسان والمواطن بعد تعديلها). ثم بدأت تظهر بعد ذلك مصطلحات تعبر عن مدلولات حقوقية مثل: (الحقوق الإنسانية) و(الحقوق الطبيعية) و(الحقوق البشرية).
وبرغم ارتباط تلك المحاولات بدول وجنسيات معينة فقد كان لها إيجابيات كبيرة حيث أصبحت بداية لمواثيق وعهود تخص حقوق الإنسان على مستوى دولي تحت مظلة الأمم المتحدة، ومن أهمها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي أعلن عام 1948م.
وبالرغم من ظهور هذا المصطلح للتعبير عن مدلولاتٍ الغرض منها حماية الإنسان وضمان حقوقه، والحفاظ على كرامته، إلا أن وجود هذه الدلالات كان سابقاً لهذا التاريخ بقرون عديدة حيث جاء الإسلام لضمان هذه الحقوق التي يصفها أحد المفكرين بأنها (مجموعة من القواعد التي شرعها الله لعباده لتنظيم صِلاتهم به جل شأنه وعلاقتهم ببعضهم في نواحي الحياة المختلفة اقتصادية، أو سياسية، أو دولية، أو أخلاقية).
هذه النظرة لحقوق الإنسان من منظورها الإسلامي تستند على أسسٍ هي:
1 – الحرية. وهي من أهم القيم الإنسانية، فبواسطتها يتم الاختيار بين البدائل المتاحة، وبأداة العقل يستطيع الإنسان التمييز بين الخير والشر، قال تعالى ?وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ? سورة البلد: 10، وقال تعالى أيضاً ?وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا? (سورة الكهف: 29).
2 – العدل، والعدل يتضمن المساواة لأن البشر في نظر الإسلام جميعاً سواسية من نسل آدم عليه السلام، فهم مؤهلون لنيل الحقوق المقررة، بصد النظر عن أجناسهم أو أديانهم أو قومياتهم، وقد ألزمنا الله – سبحانه وتعالى – بهذا الأساس فقال تعالى {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ…الآية} (سورة النساء: 58).
3 – الأخلاق، والأخلاق ودين الإسلام متلازمان إلى درجة أنه يصعب رسم خط فاصل بينهما، ويقول رسول الإسلام (صلى الله عليه وسلم) إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)، والأخلاق منظومة متصلة من القيم أمثلتها الصدق، الصبر، العفو.. إلخ، ونص القرآن على كل واحدة منها بما يُلزم البشر بهذه المبادئ، من أجل تحقيق الاستقامة والسعادة للإنسان بضميرٍ حي وسلوكٍ منضبط.
4 – الحق، وهو استحقاق مفروض للإنسان بنصوص الكتاب والسنة لتمكنه من حياة كريمة عندما يكون العقل أداتها الفاعلة، ويصبح رافداً اجتهادياً وإبداعياً وإنسانياً لتتحقق الخلافة في أجمل صورها التي ذكرها الله سبحانه وتعالى في قوله ?وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً.. الآية? (سورة البقرة: 30).
الوقفة الثانية:
حقوق الإنسان في ميزان المقاصد الشرعية
أصبح مفهوم الخصوصيات الدينية والثقافية والحضارية ذا مدلول سلبي في فهم الكثير من الناس – خاصة في الغرب – وبعض دوائر حقوق الإنسان ومنظماته، ودعوني أقول صادقاً إنني أتفهم بل وأحترم دوافع الكثيرين حين يشككون في مفهوم الخصوصيات الدينية والثقافية إذا كان المقصود به إنكار ما عُلم من حقوق الإنسان بالضرورة أو التراجع عن ثوابتها المقررة دولياً، ودعوني هنا أبادركم بتأكيد ٍ أَزِنُ كلماته بكل دقَّة فأقول (إن الخصوصيات الدينية في حقيقة الإسلام وليس في واقعنا كمسلمين هي خصوصيات تضيف إلى المعايير الدولية لحقوق الإنسان ولا تنقص منها). ومن الأمثلة التي تساعد على تقريب ذلك المدلول (حلف الفضول)، وهو معاهدة أبرمتها قبائل العرب فيما بينها قبل الإسلام؛ تعاهدوا فيها أن لا يجدوا مظلوماً إلا وينصرونه، وأن ترد الفضول إلى أهلها. وهذا يأتي في سياق ومدلول ما نسميه اليوم (القانون الدولي الإنساني)، وقد سُئل الرسول عليه الصلاة والسلام عن هذا الحلف فقال: (هذا حلفٌ لو دُعيت إليه في الإسلام لأجبت)، والمعنى العميق والدلالة البالغة هنا أننا في المملكة لسنا منغلقين على أنفسنا قط، وإنما نستمد قِيمنا أيضاً من كافة المصادر ما دامت تستلهم ذات المقاصد في شريعتنا الإسلامية، وهو نفس معنى الأثر (الحكمة ضالة المؤمن، أين وجدها فهو أحق الناس بها). كل هذا يعلمنا أو ينبغي أن يعلمنا أن الحكمة لا وطن لها وليست حِكراً على أحد، وأن الانغلاق على النفس يناقض جوهر الإسلام، وأن عالمية هذا الدين ليست فقط فيما يعطيه للآخرين، وإنما أيضاً فيما يقبل أن يأخذه منهم.
ورغم تفهمي لتردد بعض الفئات لدينا، في قبول مفهوم حقوق الإنسان، بسبب ربطها بما يمارسه الغرب من سلوكيات أوصلت إليها الحريات المطلقة والتوجهات السياسية، التي ترفضها الفطرة البشرية مثل زواج المثليين وغيره من السلوكيات، إلا أن ذلك يجب ألا يمنعنا من أخذ ما لدى الغرب من تجارب وخبرات شريطة عدم تعارضها مع قواعد الشرع وقيمه.
وهذا ما يسوَّغ التنوع الثقافي والتعدد الحضاري، الذي أكده المؤتمر العام لمنظمة اليونسكو بقراره عام 1966م (بأن لكل ثقافة كرامة وقيمة يجب احترامها والمحافظة عليها، وأن هذه الثقافات مهما تعددت تعتبر تنوعاً خصباً وتمثل جزءاً من التراث الذي يشترك في ملكيته جميع البشر.
ويخطئ الكثيرون – وإن كان لهم في ذلك عذر – عندما يظنون أن المملكة تستند على الواجبات أكثر مما تعترف بالحقوق، بحكم استنادها على الشرع الإسلامي دستوراً لها، والعكس هو الصحيح، لأن الحقوق في الإسلام لا تقتصر على حقوق العباد فقط؛ وإنما تمتد إلى حقوق الله، وإن التقصير في حق الله أيسر استدراكاً من انتهاك حقوق العباد، والدليل على ذلك أن الذنب في حق الله يُغفر بمجرد التوبة الصادقة، بينما شروط التوبة عند انتهاك حقوق العباد – التي هي بذاتها حقوق الإنسان – تتضمن إعادة الحق لصاحبه والعفو منه، وجبر الضرر لمن انتهكت حقوقهم ورضائهم بذلك.
وإضافةً إلى حقوق العباد على إطلاقها فقد اختصت الشريعة الإسلامية طوائف من العباد برعاية خاصة لحقوقهم لأن أصحاب هذه الحقوق أكثر تعرضاً لانتهاك حقوقهم من غيرهم كالمرأة، وهذا هو مفهوم (Vulnerable Groups)، وأعلم أن من المدافعين عن حقوق الإنسان من يرفض اعتبار المرأة من الطوائف الأكثر عرضه لانتهاك حقوقها (Vulnerable Groups)، لكن للأسف فإن هذه هي الحقيقة في مجتمعات كثيرة، ولذلك اختصت الشريعة الإسلامية حقوق المرأة بتفصيل دقيق لا يسمح الوقت بتناوله في هذه الوقفة.
وينطبق هذا المفهوم في الإسلام على الأقليات من المسلمين وغيرهم وقاعدة التعامل في ذلك ما نص عليه قول رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم (لهم ما لنا وعليهم ما علينا). الذي يعني (الاختلاف مع الاحترام)، وهي معادلة تنبذ كل عنف، وتشدد.
وإنني من منطلق هذه المعادلة (الاختلاف مع الاحترام) أود أن أعبر عن القلق الذي يساور الكثيرين ممن يهتمون بمستقبل واعد للبشرية لاستمرار الإخلال بهذه المعادلة الواضحة والبسيطة والضرورية في كثيرٍ من دول العالم ولا أستثني من ذلك أحداً، ولأنني أعتقد أن عدم التسامح هو آفة إنسانية عالمية، رغم أن حقوق الإنسان ذاتها هي مبادئ إنسانية عالمية، ويمتد هذا القلق إلى ما حذَّر منه الميثاق التأسيسي لمنظمة (اليونيسكو)، حيث نص (لما كان السلم المبني على مجرد الاتفاقات الاقتصادية والسياسية بين الحكومات لا يقوى على دفع الشعوب إلى الالتزام به التزاماً اجتماعياً ثابتاً مخلصاً، كان من المحتَّم بالتالي أن يقوم هذا السلم على أساس من التضامن الفكري والمعنوي بين بني البشر) أهـ.
إن التضامن الفكري والمعنوي الذي يجب أن يقوم عليه السلم قد دعا إليه ديننا الحنيف في آيةً توضح أبعاد هذا التقارب والتضامن على أساسٍ من الاحترام لأنبياء الله ورسله واحترام ما جاءوا به من قيمٍ هي الأساس الحقيقي لهذا التضامن الفكري والمعنوي الذي نحن في أشد الحاجة إليه، كما أنه يمثل إضافة أخرى إلى المعايير الدولية لحقوق الإنسان من منظورها الإسلامي، قال تعالى: ?قُولُواْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ? (سورة البقرة: 136).
الوقفة الثالثة:
حقوق الإنسان في المملكة قوالب مستعارة أم قيم متفردة؟!
استمر البناء والتطوير منذ عهد المؤسس الملك عبدالعزيز رحمه الله الذي كان له مواقف تاريخية مشهودة في حقوق الإنسان بالذات، ضمن برنامج البناء والتأسيس للمملكة، حيث وضع – يرحمه الله – منهجا يتولى الإشراف عليه بنفسه، من خلال قبول جميع النصائح المتعلقة بالأمور الدينية، سواء وقعها صاحبها أو لم يوقعها، على عكس الشكايات والنصائح المتعلقة بأمور الدنيا، أو الأشخاص، فلا يمكن النظر إليها إذا لم تكن موقعة من صاحبها، ذلك لأنه رحمة الله مستعد كما قال (إن يقابل صاحبها مباشرة إذا كان لدية ما لا يحب كتابته) وهذا يوضح أنه كان يهدف من وراء ذلك إلى حث المواطنين على حماية حقوقهم، فالتعليم مثلا أحد هذه الحقوق إذ كان يقاوم باتجاهات سلبية تحد من الرغبة في تحصيله فواجه الملك عبدالعزيز رحمه الله ذلك بتقديم كل تشجيع ممكن حتى يتوجه الأطفال والشباب إلى المدارس فبدأت حكومته تنفق على هذه الفئات وتؤمن لهم الطعام والمسكن والملبس وكانت تدفع لبعض الآباء تعويضا عن عمل بنيهم في رعي الماشية أو الزراعة.
واستمرت جهود البناء والتطوير فشهدت المملكة العربية السعودية عام 1412هـ الموافق 1992م المزيد من الإصلاحات وخاصة المتعلقة بحقوق الإنسان توجت بصدور النظام الأساسي للحكم الذي يمثل الإطار الدستوري في المملكة، وتحديث نظام المناطق ونظام مجلس الشورى.
وتسارعت وتيرة هذه الإصلاحات بصدور العديد من القوانين التي تمت مواءمتها مع الصكوك الدولية التي انضمت إليها المملكة، كما تم إنشاء العديد من الهياكل والمؤسسات والهيئات الوطنية لمتابعة حقوق الإنسان وإعمالها على أعلى المستويات الوطنية وكان أبرزها إنشاء الهيئة الحكومية لحقوق الإنسان. ولا زالت عملية التطوير هذه قائمة ومستمرة.
النظام الأساسي للحكم
هذا النظام المستمد من الشريعة الإسلامية والذي يمثل القيمة الأسمى بين النظم القانونية في المملكة، نص على مجموعة من المبادئ الدستورية وذلك لضمان حماية واحترام حقوق الإنسان، حيث نصت المادة (8) منه على (أن يقوم الحكم في المملكة العربية السعودية على أساس العدل والشورى والمساواة وفق الشريعة الإسلامية) كما توجهت نصوصه مباشرة نحو واجب الدولة في حماية حقوق الإنسان كما ورد في مادته (26) التي نصت على أن (تحمي الدولة حقوق الإنسان وفق الشريعة الإسلامية).
وحدد النظام السلطات في الدولة في ثلاث:
– السلطة القضائية.
– السلطة التنفيذية.
– السلطة التنظيمية (التشريعية).
وجميعها تتعاون في أداء وظائفها.
أكد على استقلال سلطة القضاء، فنصت المادة (46) على أن (القضاء سلطة مستقلة ولا سلطان على القضاة في قضائهم لغير سلطان الشريعة الإسلامية في المملكة).
وكفل حق التقاضي بالتساوي للمواطنين والمقيمين في المملكة، فنصت المادة (47) من النظام على أن (حق التقاضي مكفول بالتساوي للمواطنين والمقيمين في المملكة ويبين النظام الإجراءات اللازمة لذلك).
ونصت المادة (70) من هذا النظام على أن (تصدر الأنظمة والمعاهدات والاتفاقيات الدولية والامتيازات ويتم تعديلها بموجب مراسيم ملكية).
وضمن النظام حماية حقوق الإنسان في كل المجالات حيث نص في مادته (18) أن (تكفل الدولة حرية الملكية الخاصة وحرمتها ولا يُنزع من أحد ملكه إلا للمصلحة العامة على أن يعوض المالك تعويضاً عادلاً).
ولإيمان المملكة التام بأن حقوق الإنسان شاملة مترابطة غير قابل للتجزئة، كل حق يستتبع حقوق أخرى فانتهاك أحد الحقوق يؤثر على الحصول الإنسان على حقوقه الأخرى، فعلى سبيل المثال الحق في الحياة يفرض احترام الحق في الحصول على الغذاء وعلى الحق في مستوى معيشي كافي والحق في انتساب للوظيفة ينطوي على الحصول على التعليم والتدريب والمسكن والصحة إلى آخره. فهي إذا تتكامل وتتصف بأهمية متساوية. ونصت مادته (27) على أن (تكفل الدولة حق المواطن وأسرته في حالة الطوارئ والمرض والعجز، والشيخوخة وتدعم نظام الضمان الاجتماعي وتشجع المؤسسات والأفراد على الإسهام في الأعمال الخيرية). وكفل النظام حق العمل في مادته (28) التي نصت على أن (تيسر الدولة مجالات العمل لكل قادر عليه وتسن الأنظمة التي تحمي العامل وصاحب العمل). ونصت المادة (30) من النظام على أن (توفر الدولة التعليم العام وتلتزم بمكافحة الأمية). والمادة (31) على أن (تعنى الدولة بالصحة العامة وتوفر الرعاية الصحية لكل مواطن). ونصت المادة (37) على أن (للمساكن حرمتها ولا يجوز دخولها بغير إذن صاحبها ولا تفتيشها إلا في الحالات التي يبينها النظام). والمادة (40) على أن (خصوصية المراسلات البرقية والبريدية والمخابرات الهاتفية وغيرها من وسائل الاتصال مصونة ولا يجوز مصادرتها أو تأخيرها أو الإطلاع عليها أو الاستماع إليها إلا في الحالات التي يبينها النظام).
كما أصدرت العديد من النظم الجديدة وقامت بتعديل عدد من النظم القائمة وذلك تمشياً مع التزاماتها الدولية نتيجة لانضمامها إلى بعض الاتفاقيات الدولية، وقد تضمنت هذه النظم الجديدة والمعدلة العديد من الإضافات الإيجابية المتعلقة باستكمال البنية التشريعية والتنظيمية لضمان إعمال حقوق الإنسان، ومن ذلك ما يتعلق بتحقيق المساواة ومناهضة أي مظهر من مظاهر التفرقة والتمييز.
وقد أصدر خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز العديد من المراسيم الملكية والقرارات التي تصب في جانب الإصلاح والتطوير لنظام القضاء مما كان لها الأثر الكبير في ضمان حقوق الإنسان وتعزيزها ومنها:
تطوير نظام القضاء ونظام ديوان المظالم
أهم التدابير التي اتخذتها حكومة المملكة العربية السعودية لتعزيز حالة حقوق الإنسان سعيها لإصلاح النظام القضائي باعتباره الركيزة الأساس لضمان العدل الذي هو أحد أهم هذه الحقوق، ونظام القضاء لا ينصرف فقط للجوانب الإجرائية للعملية القضائية وإنما يتعلق أيضاً بالقواعد الموضوعية في القوانين واجبة التطبيق، وتوجت هذه الخطوة الهامة بمشروع تطوير القضاء الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م- 78) وتاريخ 19-9-1428هـ الموافق 30-9-2007م، وبدأت أولى مراحله بإصدار نظام جديد للقضاء، أكد على استقلال القضاء وبين الضمانات المقررة للقضاة وولايات المحاكم وترتيبها بما في ذلك إنشاء محكمة عليا (محكمة دستورية) تتولى ضمن اختصاصاتها مراقبة سلامة تطبيق الأحكام وصحة صدورها ومراقبة شرعية الأنظمة التي تصدر في المملكة، وبينت اختصاصات محاكم الاستئناف ومحاكم الدرجة الأولى ونظمت ولاية كل محكمة من هذه المحاكم. وفصلت هذه الأحكام في بيان حقوق وواجبات القضاة أثناء تصديهم للقضايا التي تعرض عليهم. كما حددت مهام التفتيش على القضاة، ومهام كتاب العدل واختصاصاتهم.كما تضمن النظام إنشاء محاكم الدرجة الأولى التي تتكون من المحاكم العامة وتؤلف من دوائر متخصصة تكون من بينها دوائر للتنفيذ والإثباتات النهائية وما في حكمها مثل المحاكم الجزائية، ومحاكم الأحوال الشخصية، والمحاكم التجارية والمحاكم العمالية، وقد تم العمل بهذا التنظيم وذلك بتعيين أكثر من قاضٍ للتنفيذ من عدد من المحاكم في المملكة.
كما صدر نظام ديوان المظالم (القضاء الإداري) الذي تضمن بيان تشكيل الديوان ومجلس القضاء الإداري، وتقسيم محاكم ديوان المظالم إلى المحاكم الإدارية، والمحكمة الاستئنافية الإدارية، والمحكمة الإدارية العليا، وبينت نصوص هذا النظام اختصاصات كل من هذه المحاكم، والأحكام المتعلقة بتعيين قضاة ديوان المظالم ودرجاتهم وقد رصد لتنفيذ هذا المشروع مبلغ (7) مليارات ريال.
وخضع نظام الإجراءات الجزائية لمراجعة شاملة بعد صدور نظام القضاء الجديد، حتى تتسق أحكامه مع مزيد من استقلال القضاة، وتقنين الإجراءات أمام محاكم الاستئناف، والمحكمة العليا، ليكون التقاضي على درجتين، وإخضاع الأحكام لمراجعة أعلى درجة تقوم بها دوائر متخصصة. وكذلك التوكيد على أصل البراءة المفترضة في المتهم.
والمملكة في حرصها على حماية الأمن تحرص في نفس الوقت على التوازن بين مقتضيات مكافحة الإرهاب واحترام حقوق الإنسان، وقد أقرت في هذا الصدد مبدءاً متقدماً هو التعويض عن الأخطاء التي قد ترتبط بعمليات مكافحة الإرهاب مثل الاحتجاز الذي يثبت بعده براءة المحتجزين، ومن الشواهد على ذلك قرار أصدره ديوانُ المظالم، قضى بإلزام وزارة الداخلية دفع تعويضٍ مقداره (مليوني ريال سعودي) لأحد السجناء بعد ثبوت براءته.
نظام المرافعات الشرعية
صدر هذا النظام بالمرسوم الملكي رقم (م- 21) وتاريخ 20-5-1421هـ الموافق 20-8-2000م، وعزز هذا النظام أهم المبادئ المتعلقة بالعدالة وتحقيقها لجميع المتحاكمين، فنظم ما يحتاجه القاضي من صلاحيات مهمة في التعامل مع المتقاضين أثناء الاحتكام ومن أهم ما تضمنه هذا التشريع تحديد اختصاصات المحكمة في نظر الدعاوى وطرق رفعها وقيدها والأحكام المتعلقة بحضور الخصوم وغيابهم وإجراءات الجلسات ونظامها، ونص بشكل واضح على علانية المحاكمة وحدد الحالات التي يتعين على القاضي أن يتنحى عن الحكم فيها بما يضمن حيادية القاضي أمام الخصوم كافة على حد سواء.
نظام الإجراءات الجزائية
صدر النظام بالمرسوم الملكي رقم (م- 39) وتاريخ 28-7-1422هـ الموافق 15-10-2001م ويعتبر من أهم التشريعات التي صدرت في المملكة حديثاً إذ إنه يتعامل بشكل مباشر مع أهم القضايا المتعلقة بحقوق الإنسان (لأنه يحدد بشكل واضح الإجراءات ابتداءً من الضبط حتى يتم تقديم المتهم للمحاكمة، حيث تضمنت المادة (3) منه براءة المتهم قبل صدور الحكم بالإدانة، ونظم الضمانات الشاملة التي تحمي حق المتهم في البراءة، وحظر كل أشكال الإيذاء الجسدي والمعنوي أو تعريض المتهم للتعذيب أو المعاملة المهينة للكرامة. وأكد على حق كل متهم في الاستعانة بمحام للدفاع عنه في مرحلتي التحقيق والمحاكمة، وبينت نصوص هذا التشريع جميع الإجراءات المتعلقة بالقبض والتوقيف وحرية الدفاع لكل متهم، وحماية الحرية الشخصية لأي إنسان بحيث لا يجوز القبض عليه أو تفتيشه أو توقيفه أو حبسه إلا في الأحوال المنصوص عليها نظاماً، وأكدت على حق كل إنسان في حرمة شخصه ومسكنه ومكتبه ومركبه ووسائل اتصاله، ونص النظام على إبطال كل إجراء مخالف لأحكام هذا النظام وعلى حق المتهم في التعويض المادي والمعنوي لما يصيبه من ضرر إذا تمت تبرئته.
نظام المحاماة
صدر نظام المحاماة بالمرسوم الملكي رقم (م- 38) بتاريخ 28-7-1422هـ الموافق 15-1-2001م، وقد اشتمل النظام على التعريف بمهنة المحاماة وأهدافها في إظهار العدالة، وتم تحديد شروط مزاولتها. وأوضح واجبات المحامين تجاه تحقيق العدالة واحترام المهنة والامتناع عن أي عمل يخل بكرامتها، وأوضح كذلك حقوقهم، بالإضافة إلى أن النظام قد سمح بمزاولة هذه المهنة لغير السعوديين وفق ضوابط واضحة تعزيزاً لحماية حقوق الإنسان، وذلك طبقاً لما تقضي به الاتفاقيات بين المملكة وغيرها من الدول بحسب المادة (أ- 3) من نظام المحاماة، ومع مراعاة ذلك فقد سمحت المادة (39) كذلك بمزاولة عمل الاستشارات بالصفة المؤقتة لغير السعوديين وفق الشروط المحددة في هذه المادة.
وفي جانب التربوي اعتمدت خطط واعدة للتربية على حقوق الإنسان لأن التنشئة عليها والتوعية بها هي الضمان الحقيقي للممارسة الصحيحة، كما ضُمِّنت مفاهيم ومعايير حقوق الإنسان في مناهج التعليم في كل مراحله وأصبح هناك مقررات تُدرَّس، وتشهد المملكة الآن حراكاً إيجابياً تنعكس آثاره بشكلٍ واضح على جميع أفراد المجتمع ومؤسساته، حيث تم تشكيل أكثر من (82) لجنة تُعنى بنشر وتعزيز ثقافة حقوق الإنسان تابعة لوزارة التربية والتعليم في جميع مناطق المملكة، وقد نشطت وسائل الإعلام في تناول هذا الطرح بغية انتشار هذه الثقافة وانعكاسها على حياة الناس جميعاً.
برنامج نشر ثقافة
حقوق الإنسان
كانت موافقة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز في هذا العام على برنامج نشر ثقافة حقوق الإنسان، الذي يعد إحدى المهام الرئيسة التي نص عليها تنظيم هيئة حقوق الإنسان في مادته الخامسة، حيث عُهِد إلى مجلس الهيئة وضع السياسة العامة لتنمية الوعي بحقوق الإنسان، واقتراح سبل العمل على نشر ثقافة حقوق الإنسان والتوعية بها وذلك من خلال المؤسسات والأجهزة المختصة بالتعليم والتدريب والإعلام وغيرها، إضافة إلى القيام بنشر المبادئ والمفاهيم الأساسية لحقوق الإنسان، التي تتفق مع أحكام الشريعة الإسلامية وتأصيل ثقافتها، من خلال الأجهزة المختصة بالهيئة عبر تنظيم دورات لمنسوبي الجهات المعنية بحقوق الإنسان في المملكة وغيرهم من المهتمين بهذا المجال.
رسالة البرنامج تكمن في نشر ثقافة حقوق الإنسان في مناخ من الأخوّة والتسامح والتراحم، وبناء القدرات المؤسسية في القطاع الحكومي والخاص، ليرتقي أداؤها المعزز لحماية حقوق الإنسان باستلهام رسالة الإسلام السمحة، وما يتفق معها من العهود والمواثيق الدولية.
والأهداف العامة للبرنامج:
– تنمية الوعي بحقوق الإنسان التي كفلها الإسلام بين أفراد المجتمع.
– التعريف بالأنظمة والتعليمات والإجراءات المتبعة في المملكة التي تحمي حقوق الإنسان وتفعيلها.
– التنبيه إلى خطورة انتهاكات حقوق الإنسان والتحذير منها والعمل على توافق اللوائح والإجراءات والسلوك التنفيذي للمتعاملين مع الجمهور مع مبادئ حقوق الإنسان ومفاهيمها.
– التعريف بالأساليب والوسائل التي تساعد على حماية هذه الحقوق.
أن نشر ثقافة حقوق الإنسان هو مثال جلي لتأكيد سياسة ملك الإنسانية خادم الحرمين الشريفين الرامية إلى رعاية الإنسان وحماية حقوقه والمحافظة عليها من أجل تمكين المواطن والمقيم من التمتع بحياة كريمة تزدهر فيها القيم الإنسانية التي كفلها الشرع المطهر.
وسينفذ هذا البرنامج في دورته الأولى والتي مدتها أربع سنوات من أجل:
1 – تأهيل كوادر لتكون مرجعية علمية في مجال حقوق الإنسان، ممن يحملون درجات عليا (الماجستير، والدكتوراه).
2 – تثقيف أصحاب المهن مثل الأطباء والمهندسين والمحامين والمعلمين وغيرهم ممن تستوجب مهنُهُم معرفةً عمليةً بحقوق الإنسان من خلال برامج إعدادهم المتخصصة.
3 – التربية على حقوق الإنسان في التعليم العام والجامعي ضمن مناهج التعليم بشكل عام.
4 – التثقيف العام عبر وسائل الإعلام، وغير ذلك من الوسائل، كمنابر المساجد والأندية وغيرها.
5 – التدريب بشكل عام كلما ظهرت الحاجة لذلك لتشمل القضاة والمحامين ورجال الأمن وغيرهم.
http://www.al-jazirah.com/114088/fe27.htm

أضف تعليقاً