الفجوة المهنية – العلاج القانوني والقضائي
5 مارس 2010 - جريدة الوطنالفجوة المهنية – العلاج القانوني والقضائي
ماجد محمد قاروب
تزامن إعداد نشر الحلقات الثلاث السابقة عن الفجوة المهنية مع استحضار لآراء عدد من الزملاء المحامين ومع طرح بعض المختصين بالإضافة لبعض الأحاديث مع عدد من أصحاب الفضيلة القضاة وكان تأييدهم لفكرة هذا الطرح أحد بشائر الخير لأن الاعتراف بوجود المشكلة أو الخلل هو بداية التصحيح السليم والواقعي.
ووجدت أن البدايات على الطريق الصحيح في إنشاء نادي القانون والمحكمة الافتراضية وبرنامج الماجستير التنفيذي للقانون في جامعة الملك عبدالعزيز، وفي إنشاء كلية للشريعة والقانون بحائل بالإضافة إلى كليات وأقسام الحقوق للبنات في جامعة نورة بنت عبدالرحمن وجامعة الأمير سلطان وكلية دار الحكمة، إذ تم توفير المنهج الدراسي العلمي الذي يحتاجه المجتمع القانوني والحقوقي والقضاء بأن يوازن بين تدريس مبادئ الشريعة والقانون من خلال المواد العلمية الضرورية لتخصص القضاء أو المحاماة، وفي الكميات الكبيرة من المبتعثين إلى أمريكا ولندن وأستراليا في مختلف الجامعات العالمية للبنين والبنات، وفي دور نادي القانون بكلية الأنظمة والعلوم السياسية بقسميه النسائي والرجالي وأيضاً البرامج القانونية المستحدثة في المعهد العالي للقضاء في القانون التجاري والعمالي بما يتواكب مع الاختصاصات النوعية للمحاكم في التطوير الجديد، وكذلك في التطورات الحاصلة على صعيد احترام حقوق الإنسان من خلال الهيئة الحكومية والأهلية لحقوق الإنسان بالإضافة إلى وجود لجنة مختصة بذلك في مجلس الشورى، وفي الإدارة المستحدثة في هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفي برامج تدريب الضباط على الأنظمة العدلية وبخاصة نظام الإجراءات الجزائية.
كل هذه البدايات والتحركات والفعاليات وغيرها هامة ومؤثرة في ترسيخ دور ومكانة رجل القانون في الإدارة والمجتمعين الحكومي والخاص.
ولكن الخطوة الأولى والأساسية التي ستبنى عليها كل القرارات التطويرية للمنظومة القانونية والوزارات والهيئات الحكومية هي ضمن مشروع الملك عبدالله بن عبدالعزيز ـ حفظه الله ـ لتطوير مرفق القضاء وديوان المظالم وفي التطبيق الشامل والجذري والعلمي للأمر الملكي الكريم بتطوير القضاء وديوان المظالم فيما تضمنه من استحداث درجة الاستئناف والمحاكم العليا والمتخصصة في مجالات التجارة والعمل والجنائي والأسرة والأحوال الشخصية بالإضافة إلى المحاكم الإدارية وفق الدرجات الثلاث ابتدائي واستئناف وإدارية عليا، وما صدر عن الديوان ووزارة العدل وتوج من مجلس القضاء الأعلى من إصدار لوائح التفتيش القضائي إلى غيرها من اللوائح الأخرى المنظمة لأعمال القضاة في المحاكم.
ويواكب ويتبع هذه الخطوة خطوات هامة مؤثرة في تعديل الدراسات الجامعية لأقسام الشريعة والقانون في الجامعات والاستعانة بالخبرات الضرورية واللازمة خاصة من ذوي الممارسة والخبرة في الأعمال القضائية.
كما أن تطوير القضاء لا يكون إلا بتطوير القاضي كأساس للعملية القضائية.
ولذلك فإن توصيات ملتقى تطوير القضاء الذي اختتم مؤخراً تعتبر البداية والانطلاقة الحقيقية لتطوير المنظومة القضائية والحقوقية وحتى التشريعية التي سوف تنعكس على كافة سلطات الدولة وثقافة المجتمع بكل فئاته وطبقاته ومؤسساته بعد أن تم التأكيد على تأهيل وتدريب القضاة على العمل القضائي، وأكد الملتقى على أن دراسة الشريعة في حد ذاتها لا تكفي لتولي مسؤولية القضاء بل يجب أن يعقبها كمرحلة أولى تأهيل القاضي للعمل في المجال القضائي ويشمل ذلك التدريب العلمي والعملي المرتكز على الأنظمة العدلية والمهارات القضائية، ويعقب ذلك المرحلة الثانية وهي التدريب والتأهيل النوعي للقاضي وفق المحكمة النوعية سواء كانت في المجال الجنائي أو الإداري أو التجاري وحتى العمالي والأسرة والأحوال الشخصية، فلكل منها علومها وقواعدها وقوانينها، ثم تأتي بعد ذلك المرحلة الثالثة من التدريب التخصصي الدقيق، فلكل مجموعة من مجموعات القوانين تخصصات تشمل عدداً كبيراً من القوانين على سبيل المثال القانون التجاري (الوكالات، الشركات، الغش التجاري، العلامات التجارية، الأسماء التجارية، السجل التجاري…..)، وكذلك التخصصات في القوانين البحرية والجنائية والإدارية، وهي قوانين تتطور وتتعدل في النصوص والقواعد.
إن القرار بضرورة تأهيل القضاة هو حقيقة وجوهر التغيير للأفضل لتحقيق رؤية الملك عبدالله بن عبدالعزيز ـ حفظه الله ـ لتطوير القضاء كمتطلب يتفق مع أساس الحكم والملك ومبادئ الشريعة للمجتمع المسلم ويتفق مع دستور البلاد المنصوص عليه في النظام الأساسي للحكم.
وهذا التطوير سينعكس إيجابياً على أداء ومخرجات كل الأجهزة التي تتعامل مع الأنظمة العدلية وجميع الأجهزة الحكومية والقطاع الخاص وكافة شرائح المجتمع في شتى المجالات ومنهم بشكل أساسي المحامون المرآة الحقيقية لتطور القضاء والممارسة القانونية والحقوقية والعدلية في البلاد.
وإن كنا تحدثنا عن القاضي كعلم وتأهيل وتدريب فإننا يجب أن نتحدث عن القضاء كوظيفة فلا يقبل أن يكون القاضي عاملاً في أي عمل آخر حتى ولو كان اجتماعياً كرئاسة الجمعيات الخيرية أو أن يكون إماماً لمسجد، أو أن يتصدى للفتوى، وعلى المجلس الأعلى للقضاء أن يعمل على صيانة ورعاية خصوصية وهيبة القضاء كسلطة مستقلة ممثلة في شخص القاضي، وذلك بأن يوفر له السكن الخاص الملائم والراقي، وأن يكون مرتبه عاليا ومخصصاته محترمة تغنيه وتعففه عما هو موجود من احتياجات ولوازم الحياة بما فيها التطور الطبيعي لأفراد الأسرة، ويجب أن تكون جميع متطلبات الحياة للقضاة ميسرة وراقية وتساعدهم على التعفف عن مستلزمات الحياة للتفرغ للقضاء والعمل القضائي.
إن ما تقدم سيؤدي إلى التطوير ويزيل ويسد الفجوة المهنية الخطيرة لمجتمعنا وهو ما أتمناه كمواطن قبل أن أكون محامياً دون أن يفوتني أن أشيد بما صدر ويتم من قبل رؤساء الأجهزة القضائية بديوان المظالم ووزارة العدل والمجلس الأعلى للقضاء في سبيل الوصول إلى التطور الحقيقي والأمثل الذي ينشده المجتمع ويتطلع إليه قائد هذه الأمة وولي أمرها الملك عبدالله بن عبدالعزيز ـ حفظه الله ـ وأمده بالعافية والصحة وطول العمر، وأيده بولي عهده الأمين ومكنهم من البطانة الصالحة إن شاء الله تعالى.
http://www.alwatan.com.sa/news/writerdetail.asp?issueno=3434&id=17922&Rname=146