أ . عالية فريد >> أخبار و مقالات


أنين القاصرات في انتظار فتوى حاسمة

7 مارس 2010 - جريدة الوطن

أنين القاصرات في انتظار فتوى حاسمة       

جدة: ياسر باعامر

لن تكون طفلة “عنيزة” ذات الثماني سنوات بزواجها من رجل يكبرها بخمسين عاما هي الأخيرة في مسلسل “تزويج القاصرات” في السعودية. فقد رفعت أمام المحاكم السعودية العديد من القضايا المشابهة، منها ما تم التصدي له ونجح المحتجون من تعطيل مثل تلك الزيجات كزواج الطفلتين شيخة (14 عاما)، وعبير (11عاما) اللتين تم تزويجهما بالإكراه من قبل أبويهما” في أغسطس 2008، بطريقة “الشغار” أي عن طريق استبدال كل من زوجيهما ابنة الآخر لتكون زوجة له دون مهر أو قبول. وقضت المحكمة الشرعية بالتفريق بين الفتاتين وزوجيهما وإحالة القضية إلى المحكمة لإيقاع العقوبة على الأبوين ورفع الولاية عنهما، وأخرى نجح ولاة أمر الفتاة في تمرير مثل تلك “الزيجات”، وبالرغم من الرفض المجتمعي، من قبل مؤسسات المجتمع المدني على رأسها لجنة حقوق الإنسان، والمطالبة بتحديد سن الزواج فوق 18 سنة، إلا أن الأمر ما زال ساري المفعول وآخرها “فتاة عنيزة” التي أعادت إلى الواجهة المحلية الجدل مجدداً بشأن قضية “زواج الصغار” الذي تفرضه التقاليد القبلية في بعض مناطق السعودية، والذي يؤيده بعض العلماء الشرعيين، فيما ترفضه السلطات الرسمية وجمعيات حقوق الإنسان والمؤسسات المعنية بالدفاع عن حقوق المرأة والطفل والمؤسسات الصحية.

ويعترف المتحدث باسم هيئة حقوق الإنسان بالسعودية الدكتور زهير الحارثي أن الهيئة نجحت في تأجيل إتمام زيجات من هذا النوع، غير أنه توجد زيجات أخرى تم مع الأسف المضي بها، مشيرا إلى أن الهيئة تصدت لزواج سبعيني من فتاة في العاشرة وسارعت لتبني القضية، معلنة حربا شعواء لمنع هذا الزواج، و”بيع” الطفلة للعريس المسن مقابل 30 ألف ريال يحصل عليها الأب ثمنا لهذه الصفقة”.

قرار لم ير النور بعد

وزارة العدل السعودية منذ إبريل 2009، كما ذكر مسؤولها الأول الدكتور محمد العيسى تعكف على الإعداد لتنظيم جديد يقنن زواج القاصرات، مشيرا إلى “أن التنظيم الجديد يأتي لحفظ الحقوق ودرء المفاسد بما يقضي على المظاهر السلبية في تزويج القاصرات”. ليس هنا فحسب، بل شرعت لجنتان في مجلس الشورى سابقاً خلال العام الماضي بدراسة اقتراح يقضي بمنع زواج القاصرات في المملكة، درسته لجنة الشؤون الإسلامية والقضائية وحقوق الإنسان بالمجلس. وتقوم فكرة الدراسة على تعميم مأذوني الزواج بعدم إتمام عقود النكاح للفتيات القاصرات اللاتي تقل أعمارهن عن 18 سنة.

وفي سبتمبر 2008 كانت حملة شعبية من قبل متطوعات سعوديات، رفعت على إثرها عريضة إلى وزارة العدل السعودية وهيئة حقوق الإنسان بمناسبة اليوم الوطني السعودي، يطالبن فيها بالحد من تزويج القاصرات وسن تشريعات تجرم زواج من هي أقل من 17 عاما، محذرات من التداعيات الاجتماعية الخطيرة لهذه الظاهرة التي وصفنها بأنها أصبحت مقلقة في المجتمع السعودي، إلا أن مثل القرارات لم تر النور بعد.

ويرجعها الصحافي في القضايا الاجتماعية حسن عبده في حديث لـ”الوطن” إلى أن “أغلب هذه الزيجات كانت عبارة عن صفقات تم فيها بيع القاصرات لكبار السن من الميسورين تحت مسمى الزواج”، مضيفاً :” أنه لا توجد بالسعودية قوانين تضع حدا أدنى للعمر المناسب للزواج، وبالرغم من أن موافقة الفتاة المقبلة على الزواج تعد ملزمة من الناحية القانونية إلا أن بعض المأذونين لا يسعون إلى الحصول عليها”.

تبعات مستقبلية مخيفة

المختص في العلاج الأسري الدكتور رامي بن خالد الخضر أكد أن مثل هذه الزيجات تتسبب غالباً في فشل الزواج قائلاً “مثل هذا النوع من الزيجات والمتمثلة في زواج فتاة في سن صغير جدا برجل طاعن في السن تنتج عنه فوارق عديدة اجتماعية ونفسية وجنسية، فلا تقارب في الاهتمامات ولا الفكر ولا الثقافة، وكذلك ليس هناك أدنى اعتبار لتلبية الحاجات والمطالب الأساسية والتي يعد من أهمها الاحتياجات العاطفية ثم الاحتياجات المادية والتي يعد الجنس واحدا من أهمها وتشكل هي وغيرها مجموعة العوامل والمقومات التي يرتكز عليها بناء وتكوين الأسرة”.

ويذهب الدكتور الخضر إلى مسألة مهمة تقع خلف هذه “الزيجات” وصفها “بالطمع المادي وتحسين الظروف المعيشية لذوي الفتاة. وقال “ما يحدث حقيقة هو طمع ذوي الفتاة في زوج معين بهدف تحسين أوضاعهم المعيشية وما هي إلا أيام أو أشهر معدودة وتبدأ المشكلات تتوالى على الأسرة بكاملها حتى ينتج عن ذلك (غالبا) إما انفصال سريع، أو انفصال مبطن بطيء، أو انحرافات سلوكية مختلفة الصور”.

وتشير رئيسة جمعية الدفاع عن حقوق المرأة في السعودية – التي ما زالت تحت التأسيس- فوزية العيوني إلى أن فكرة رفع عريضة تطالب بالحد من زواج القاصرات انطلقت بعدما استشرى خطر هذه الزيجات في السعودية، مضيفة أنها رصدت المعاناة التي أصابت الزوجات الصغيرات، ودللت على خطورة الظاهرة بتداعيات اجتماعية كثيرًا ما ترافق هذا النوع من الزواج، مشيرة إلى أن هناك فتيات تم إجبارهن على الزواج وعمرهن لم يصل الاثني عشرة سنة، ومعظم هذه الزيجات كان مصيرها الفشل وانتهت بالطلاق، هذا بخلاف حالات الانتحار التي رصدتها الجمعية لزوجات في عمر الزهور كان سببها فارق السن الكبير بينهن وبين أزواجهن.

موقف غير معلن

ويظل حتى هذه اللحظة موقف المؤسسة الدينية الرسمية من هذه القضية غير معلن، رغم المطالبات بتحديد موقفها وخيارها، وهو ما يكشفه لـ “الوطن” عضو هيئة كبار العلماء والمستشار بالديوان الملكي الدكتور عبدالله بن منيع من أنه قريباً ستصدر من الجهات الرسمية المختصة “نظاماً ينظم تزويج الفتيات ويحفظها من تعسفات ورغبات ولي أمر الفتاة وأطماعه الشخصية دون أي يبدي أي تفاصيل تذكر حول مشروع القرار الرسمي”.

وقال بن منيع إنه حتى هذه اللحظة لم يرفع لهيئة كبار العلماء دراسة مشروع قرار يحدد سن الزواج، أو يحرّم تزويج الطفلة، وربما يعود ذلك بحسب مراقبين لـ “الوطن” إلى سيطرة الأعراف والعادات القبلية السائدة في المجتمع السعودي، أكثر من كونه موقفاً فقهياً شرعياً، لكن بن منيع يجيز للطفلة التي زوجها ولي أمرها سواء تحقق مصلحة من زواجها أم لم يتحقق “الحق في فسخ عقدها بعد بلوغها”.

ويتفق المستشار القانوني باسم عالم مع ما ذهب إليه الشيخ المنيع قائلا “إنه يحق للقاضي من الوجه القانونية، لدى أطراف الزواج الثلاثة أو ما يسمى في عقود الزواج (التأبيد) وهم الزوج، موافقة المرأة، ولي أمر المرأة، فإذا ما رأى القاضي أن طرف موافقة المرأة قد اختل لسبب ما، فيحق للقاضي هنا فسخ العقد، لأنه يعتبر حينها (أي القاضي) بحسب الشريعة ولي أمرها”.

آراء شرعية متضاربة

العميد السابق لكلية الشريعة بجامعه الإمام الدكتور سعود الفنيسان، بدوره طالب بسن قوانين تحدد عمر 18 سنة كحد أدنى لزواج الفتيات، مشيرا إلى أن مثل هذه الخطوة جائزة شرعا. وأوضح الفنيسان لـ “الوطن” أن “زواج الفتاة في عمر 18 عاما يتوافق مع المذهب الحنفي المعمول به في أغلب القوانين الوضعية”. وحول قياس البعض بزواج الرسول صلى الله عليه وسلم من عائشة وهي في التاسعة من عمرها قال الفنيسان: “إن الكثير من أفعال الرسول تقتضي الخصوصية، وحتى إن لم تقتض ذلك فمَنْ مثل الرسول ومَنْ مثل الصديق”. وفيما يتعلق باعتبار البعض البلوغ مقياسا للزواج قال الفنيسان”إن مجرد حصول البلوغ غير كافٍ لتزويج الفتاة”، مشددا على وجوب أن يكون الزواج مرهونا بالوصول إلى سن الرشد”. وأوضح أن “قضية الرشد تقتضي معرفة الفتاة للضار والنافع؛ وهو ما يتعذر في زماننا هذا إلا بعد عمر 15 سنة على الأقل نظرة لكثرة الفتن والشبهات”. وأردف قائلا: إن “الزيجات التي حدثت بين كبار سن وفتيات صغيرات ليست من الدين ولا العقل من شيء”.

 

المصدر: جريدة الوطن الأحد 14 ربيع الأول 1431 ـ 28 فبراير 2010 العدد 3439 ـ السنة العاشرة

http://www.alwatan.com.sa/news/newsdetail.asp?issueno=3439&id=138353

أضف تعليقاً