عرض على الحضور فيلما وثائقيا عن مكة وأرضها وشعائرها
21 مارس 2010 - جريدة الوطنالفيصل يدعو من باريس لإنشاء مركز ثقافي سعودي – فرنسي للتفاعل الإيجابي بين الحضارتين
عرض على الحضور فيلما وثائقيا عن مكة وأرضها وشعائرها
باريس: الوطن
دعا أمير منطقة مكة المكرمة الأمير خالد الفيصل في كلمة له أمام مجلس الشيوخ الفرنسي في باريس أمس إلى إنشاء (مركز ثقافي سعودي ـ فرنسي)، يكون ميدانا حيا للتفاعل الإيجابي الخلاق بين هاتين الثقافتين الأصيلتين. وقال، إن الحضارة الغربية تؤمن بالثقافة والعلم وأول كلمة نزلت في كتابنا القرآن الكريم (اقرأ).. فحضارتنا تجعل الاشتغال بالعلم عبادة وقربى إلى الله. وإن مكة المكرمة هذه المدينة المقدسة التي أشُرفُ بخدمتها في إمارتها وأحلم بأن تكون من أجمل مدن العالم قد شهدت قبل ظهور الإسلام بقليل قيام (حلف الفضول) الذي يمكن أن نعتبره واحدا من أقدم الأحلاف الإنسانية. وفيما يلي نص كلمة الأمير:
من عاصمة الإسلام (مكة) إلى عاصمة النور (باريس)، جئت لأتحدث إلى هذا البرلمان العريق الذي أرسى ثلاثية الفكر الحقوقي المعاصر: الحرية، الإخاء والمساواة، وحفل تاريخه بقرارات مضيئة، ونماذج مشرفة للعقلانية والمنطق، وأثمن جهوده في تفعيل هذه القيم الإنسانية العليا، والتي تبناها الإسلام قبل أكثر من أربعة عشر قرنا.
الحضور الكريم..
لقد جاء موسى، وعيسى، ومحمد عليهم جميعا السلام بكثير من المبادئ المشتركة لأنهم يغرفون من معين واحد، ولأن أبا الأنبياء واحد هو إبراهيم عليه السلام.
والحضارة الغربية، التي تمثل فرنسا اليوم ركنا رئيسيا فيها تنتهج قيما يقارب أكثرها قيم الإسلام، حتى لكأنه معينها ومرجعيتها..
فالحضارة الغربية تؤمن بالإخاء الإنساني، وقرآننا يقول: “ولقد كرمنا بني آدم”، هكذا بالإطلاق دون تفريق من أي لون، ونبينا عليه الصلاة والسلام يقول “أنا شهيد أن العباد كلهم إخوة”.
والحضارة الغربية تؤمن بالعدالة، وقرآننا يقول: “إن الله يأمر بالعدل والإحسان”، ويقول: “ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا، اعدلوا هو أقرب للتقوى”، كما أن الإسلام يأمرنا أن نعدل حتى بين أولادنا فلا نعطي أحدهم أكثر مما نعطي الآخر.
والحضارة الغربية تؤمن بالتنوع الثقافي والتعددية، كما جاء في الإعلان العالمي للتنوع الثقافي عام 2001، وكتابنا يقول “يا أيها الناس، إنا خلقناكم من ذكر وأنثى، وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا”. وقد كانت الكوكبة الأولى من صحابة نبينا صلى الله عليه وسلم تمثل تنوعا فريدا: أبوبكر العربي، وبلال الحبشي، وصهيب الرومي، وسلمان الفارسي، وغيرهم، كما استوعبت دولة الإسلام على مر عصورها سائر الأديان والثقافات، على أساس المبدأ القرآني: “لا إكراه في الدين”.
والحضارة الغربية تؤمن بالثقافة والعلم، وأول كلمة نزلت في كتابنا “اقرأ”، فحضارتنا تجعل الاشتغال بالعلم عبادة وقربى إلى الله.
السيدات والسادة..
ولو ذهبت استقصي لأوردت الكثير من القيم المشتركة، بما يعزز دعوتي إلى (تحالف للقيم)، يجمع الإنسانية بسائر أطيافها، وخاصة حضارة الإسلام المشرقة، بحضارة أوروبا الغربية.
منطلقا بدعوتي من فرنسا التي يقول رئيسها، “إن الحقيقة المتواجدة في جميع الديانات والمعتقدات والثقافات تتسم بشيء من الكونية، التي تتيح لكل البشر أن يدركوا أنهم جزء من هذه البشرية، وأن يتحاوروا مع بعضهم البعض ويفهموا ويحترموا ويحبوا بعضهم البعض”.
وقادما من المملكة العربية السعودية التي يقول مليكها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز في السياق ذاته: “إن الأديان السماوية الكبرى تجتمع على مبادئ التسامح الكبرى، وتشترك في قيم عظمى، تشكل في مجموعها مفهوم الإنسانية وتميز الإنسان عن غيره من المخلوقات”.
الحضور الكريم..
إن مكة المكرمة، هذه المدينة المقدسة، التي أشُرفُ بخدمتها في إمارتها، وأحلم بأن تكون من أجمل مدن العالم، قد شهدت قبل ظهور الإسلام بقليل قيام (حلف الفضول) الذي يمكن أن نعتبره واحدا من أقدم الأحلاف الإنسانية، وقد حضره النبي محمد عليه الصلاة والسلام، وهو في العشرين من عمره قبل تكليفه بالرسالة، حيث اجتمعت قبائل مكة وتعاهدوا ألا يتركوا فيها مظلوما من أهلها أو ممن طرأ عليها إلا وقفوا معه حتى ترد له مظلمته، ومنذ ذلك التاريخ ومكة تسجل مواقفها الإنسانية البيضاء.
وبعد ذلك الحلف بنحو أربعة عقود، شهدت مكة خطبة لرسول الإسلام محمد عليه الصلاة والسلام، أوضح فيها لكل البشر مبادئ حقوق الإنسان، واسمحوا لي أن أذكر بعض ما تضمنته الخطبة، لندرك أن التحالف الذي أدعو إليه واقع فعلي، لولا الغشاوة على عيون البعض، حتى لا يكاد يعرف أحدهم الآخر.
لقد بدأها رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم بقوله: (يا أيها الناس)، فخاطب الإنسانية كلها بسائر أعراقها وأجناسها وألوانها، ثم استرسل في تقرير القيم العليا:
(إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام) في تشريع يحمي النفس والعرض، والملكية والأمن لكل إنسان.
(إن لنسائكم عليكم حقاً، ولكم عليهن حق) تأكيدا على حقوق المرأة، وبيانا لواجباتها في توازن عادل.
(إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، كلكم لآدم، وآدم من تراب) تأصيلا لمبدأ الحرية والمساواة.
هذا بعض ما جاء في (خطبة الوداع) التي شهدها موسم الحج آنذاك، هذا الموسم الذي كان ـ ولا يزال ـ يمثل صورة فريدة لحقوق الإنسان، فهو أكبر تجمع بشري، لم يدع إليه بشر، وليس له توجهات سياسية، ولا يقف مع تيار ضد آخر، يترفع بالإنسان المسلم عن الأهواء، ويرتقي به من العناصر الدنيوية إلى القيم الإنسانية.
ومن هذه الخطبة (الوثيقة) التي انطلقت من مكة، اسمحوا لي أن أصحبكم إلى مكة نفسها، لتشاهدوا من خلالها وعبر إنسانها وأرضها وشعائرها ومشاعرها تطبيقا حقيقيا للقيم التي أسلفت الحديث عنها، وشاهدا واقعيا لمضامينها… فإلى هذا العرض.
السيدات والسادة…
هذه هي مكة المكرمة، بمنزلتها الدينية، ومكانتها الحضارية، ورمزيتها الإنسانية منذ القدم، وها هو خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، قد سجل بادرة إنسانية كبرى، بدعوته إلى مؤتمر حوار الأديان، الذي عقد في نيويورك عام 2008 ولا تزال جهوده ماضية في تفعيل هذا الحوار من أجل سلام العالم ورفاهيته.
وأجدها فرصة أن أوجه الدعوة لإنشاء (مركز ثقافي سعودي ـ فرنسي) يكون ميدانا حيا للتفاعل الإيجابي الخلاق بين هاتين الثقافتين الأصيلتين.
http://www.alwatan.com.sa/news/newsdetail.asp?issueno=3451&id=139851