أ . عالية فريد >> مشاركات
أرواح البنات قرباناً لقسوة التقاليد
10 أبريل 2010 - جريدة الوطن
أرواح البنات قرباناً لقسوة التقاليد
أميرة كشغري
بالرغم من مرور ثماني سنوات على حادثة حريق مدرسة ابتدائية للبنات بمكة المكرمة عام 2002، والذي أزهقت فيه أرواح 15 طالبة نتيجة لعدم تمكن الطالبات من الخروج من المدرسة عند اندلاع الحريق، إذ إن مفتاح البوابة الرئيسية كان لدى حارس المدرسة الذي كان غائباً حينها، وبالرغم من أن تلك الحادثة المروعة كانت قد انتهت بدمج تعليم البنات في التعليم العام، وبغلق الملف الثقيل “للرئاسة العامة لتعليم البنات” إلا أن مسلسل إزهاق أرواح البنات وتعرضهن للموت نتيجة لمنع وصول فرق الإنقاذ لم يغلق بعد، فقد طالعتنا الصحف مؤخراً بخبر محزن ومؤسف حيث توفيت طالبة (22 عاماً) نتيجة لأزمة صحية مفاجئة في كلية التربية لإعداد معلمات المرحلة الابتدائية التابعة لجامعة القصيم، وسقطت مغشياً عليها، ولم تفلح محاولات الموجودات في الكلية لإسعافها، فأبلغن هيئة الهلال الأحمر التي حضرت منها فرقة لكن حارسات الأمن منعن أفرادها من الدخول مما أخر إسعاف الطالبة، وعندما تمكنت الحارسات من إخراجها على نقالة تبين أنها كانت قد فارقت الحياة.
مدير العلاقات العامة في الكلية برر عدم دخول فريق الإنقاذ إلى كون الكلية “مكتظة بالطالبات”. مدير الفرع الرئيسي لهيئة الهلال الأحمر في منطقة القصيم اتهم مسؤولي الكلية بـ “قلة الوعي”، وعدم الإيمان بأهمية الوقت الإسعافي واستغلال كل ثانية منه، مشيراً إلى أن المسعفين انتظروا عند بوابة الكلية 9 دقائق حتى جلبت الحارسات الطالبة. حارسات الأمن وقفن بكل قوة وقسوة، أعرف من أين حصلن على هذه القسوة لكني لا أعلم من أين حصلن على هذه القوة، للتصدي لرجال الهلال الأحمر المسعفين والحيلولة دون دخولهم للكلية حيث الطالبة بين الحياة والموت. ولكم أن تتصوروا حالة الهلع والذعر التي تربك العقول قبل أن تربك الحركة حينما يعلن عن دخول “رجال” في مؤسسة تعليمية نسائية! فنحن لم نتعود حتى على مجرد سماع صوت “رجل” في هذه الصروح العتيدة المحمية من الغارات الذكورية، فما بالكم برجل حقيقي يقدم على اقتحام معقل النساء المحصن ضد “الاختلاط” حتى لو كان مسعفاً من الهلال الأحمر لإنقاذ روح طالبة مصابة بسكتة قلبية.
المثير للاستياء هو أن هذا الحادث جاء بعد أسبوعين فقط من تصريح المدير العام للدفاع المدني الفريق سعد التويجري (صحيفة الوطن عدد 3463 بتاريخ 24 مارس) الذي أكد فيه عدم أخذ الإذن من أحد لمباشرة الدفاع المدني أعماله، لافتاً إلى أن النظام يخول له حق الدخول إلى أي موقع في حال وجود هدم أو غرق أو حريق، ومؤكداً ضرورة ألا ينتظر رجال الدفاع المدني إذناً من أي شخص، كائناً من كان، لمباشرة أعمالهم الإنقاذية في الحرائق والكوارث الأخرى أياً كانت طبيعتها، وأنهم مخولون باستخدام القوة في حال عرقلة طريقهم، حتى إن وصل الأمر إلى “كسر الأبواب المغلقة”.
ترى هل كان على مدير الهلال الأحمر أن يصدر تصريحاً مماثلاً لتفادي هذه الحادثة؟ هل كنا ننتظر صدور توجيهات لجميع المستشفيات والأطباء وفرق الطوارئ في جميع مناطق المملكة باستخدام القوة النظامية ضد كل من يحاول منع وصول فرق الإنقاذ من أداء مهامها الإنسانية التي لا تحتمل مجاراة الإجراءات الروتينية، بل تحتاج إلى سرعة في التدخل واتخاذ القرار السريع لإنقاذ الأرواح والمحافظة على الممتلكات؟
يبدو أن هذه الحادثة تكشف لنا أن هناك أيادي مازالت تعبث بأرواح البنات، قد تكون نتيجة جهل بالقوانين أو تطبيقا لقوانين العرف والتقاليد التي أصبحت جزءا من نسيج عقلياتهن وسلوكهن الأحمق الذي لا يعرف التفريق بين الطارئ والعادي، فهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كانت قد أيدت حق رجال الدفاع المدني في كسر أبواب مدارس البنات لمواجهة أي اعتراض لمباشرة أعمالهم الإنقاذية في الحرائق والكوارث الأخرى أياً كانت طبيعتها. ومن المعلوم في الدين أن الضرورات تبيح المحظورات، هذا إن سلمنا أن دخول الهلال الأحمر مدرسة نسائية هو من المحظورات.
وبعيداً عن الاتهامات المتبادلة حول من تقع عليه المسؤولية في حادثة وفاة الطالبة وما الذي كان يجب أن يكون داخل الكلية، نحن أمام أزمة حقيقية تتمثل في عدم قدرة القوانين على أن تكون واقعاً يمارس على الأرض نتيجة لقسوة الأعراف والتقاليد خاصة فيما يخص التعامل مع المرأة.
هذا الواقع الأليم يفرض علينا اتخاذ إجراءات عقابية صارمة لمحاسبة المقصرين الذين تسببوا في عرقلة القوانين في حالات الإنقاذ الطارئة حتى لا تتكرر مثل هذه المأساة مرة أخرى.
نحن بحاجة إلى فتح آفاق إنسانية تطل منها المؤسسات التعليمية النسائية على الحياة في مواجهة الموت الذي كان بالإمكان تفاديه.
رحم الله روح الطالبة، وألهم أهلها الصبر والسلوان.
أضف تعليقاً