مثقفينا بين التجربة والنظرية
11 أبريل 2010 - أ . عالية فريد
مثقفينا بين التجربة والنظرية
هناك ثمة مشتركات تجمع المثقفين والكتّاب وعلماء الدين بالذات من ينشدون الإصلاح والتغيير ، فهناك رسالة واحدة تجمعهم إطارها العام الامـر بالمعروف والنهي عن المنكر والعمل على إصـلاح شـؤون الأمة في لم شملها والحفاظ على وحدتها ، وتوجيه مجتمعاتهم نحو الأفضل والأحسن للسير بدفتها بما يتوافق مع حاجات الناس ومصالحهم ضمن المتغيرات الإجـتماعية وتـبدلات الظروف العصرية والحداثية الفكرية والثقافـية طبعا مـع الأخذ بالإعـتبار المـحافظة على الثـوابت والإنـتماء للـهوية الوطنـية ، فعلى عاتـقهم تــقع مسـؤولية الـتغيـير وإسـتهاض المجتمعات من تراكماته السلبية من جهل وتخلف وغلو وتطرف وعصبية مع الأخذ بالأسباب والمسببات التـيسيرية للناس فهـم المبتغى الأول والأخـير مـن هذه الرسالة الـذي مـفادها إيضـاح المفاهيم وتصـحيح الرؤى تجاه مقاصد الدين والشريعة الإسلامية .
واقعا كثيرة هي الإختلافات اليوم في الأراء والأفكـار والتنـاقضات وتعدد الفـتاوى و فـي بـعض المـفاهيم والإطـروحات التي نراها تحتدم هذه الأيام بين مختـلف الجهات والتوجهات الدينية والعلمية والثقافية وإن كـانت تعبر عن مخاض طبيعي وحالة صحـية تـدعو للـتأمل والـتفكر والـغربلة ومـراجعة الـذات ، ألا أن بعضها أصبح مثيرا للجدل وعرضة للـشبهات التي تخلق الـفوضى في أذهان الناس ، فعالـم يفـتي وذاك يناقضه ، وآخر يصرح في قضايا معاصرة ومن ثم يتردد ويتراجع ، وآخر يمارس عـمل ثم ينفـي ما قـام به ، حتى تداخلت الأمـور وتشابكت بين العام والخاص وبـين ماهو مقيد أو مطـلق ، وبـين ماهو جائز أو مباح ، وما بين التصريح والتلميح والـقديم والحديث….. الخ ، وهذه الإمور مجتـمعة بحاجة إلـى ضـبط وإلـى تـنظيم وإدارة وإلا فـإن مؤاداها إلـى تتـشتيت أفـكار النـاس و قـد أسـميهـم الأتـباع أو الـمريدين أو الـمؤيدين لـهذا الـشخص الـمثقف أو ذاك الـعالم وبالتالـي زعزعة فـي منـظومـة المبادئ والـقيم التي نشأ عليها المجتمع ، ما وددت التأكيد عليه هو حاجة مجتمعاتنا إلى علـماء وقيـادات متـميزون ومبـدعون وإن وجـدوا فـهم قلة ، أي حـاجتنا الـيوم ماسـة لشجـاعة الـعالم وجـرأة الـمثقف وقـوة الـكاتب إلـى رجال صادقين الإيمان بمبادئهم أشداء وأقوياء يملكون الشجاعة في الحق والصراحة في مواجهة الظلم والفساد بالقول والفعل ، وقد جـاء فـي الـحديث ( الـمؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف ) ، نحن بحاجة الى رجال أصحاب رسالة يقودون مسيرة العمل السياسي الإصلاحي ويعاشرون الـناس علـى هـدى وبصـيرة وصـدق مـن أمـرهم ، يشــعرون بـمعاناة الـناس ويتـعاونون معهم ويسـعون لحـل مـشاكلهم ، فالشجاعة تتطلب الثبات والتضـحية بالحـياة الـشخصية فـي سبـيل إنـقاذ الـخير الأسـمى ونصـرة الـحق ، وإنصاف المظلوم من الظالم . وبحاجة للإيمان الصادق الذي يضفي على صاحبه قوة تنطبع على سلوكه ، فإذا تـحدث كـان واثقا من قوله ، وإذا عمل كان راسخا في عمله ، وإذا اتجه كان واضحا في هدفه ، فلا يعرف التردد والتراجـع إلـى نـفسه سبيلا ، فالمؤمن الواثق في ايمانه وفي قيمه العليا لا يجبن ولا يخاف في الله لومة لائم ، صلبا في إرادته جلدا في مواقفه لاتهزه العواصف .
ومـن أفـضل الـشجاعة: الـصراحة فـى الـحق، والإقـرار بالـخطأ والاعـتراف به، والإنـصاف مـن الـنفس، والانتصار للغير منها، وملـك الـنفس عنـد الـغضب ” فأفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر ” فكم هم الذين بيننا يقولون الحق بأدب وإن تألم الناس مـنه ، ومـن هـو الـذي يعـترف بالـخطأ وإن نالته عقوبة ، ويرفض العمل بما لايراه صوابا ؟
هـو أشـجع الـناس لـم يبالي بكـثرة الـعدد ، ولـم يفر مـن عدو قط ، ولم يدبر منهزما قط كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم- أشجع الناس، يقول على بن أبى طالب – عليه السلام «كنا إذا اشتد البأس،وحميت الحرب اتقينا برسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم- فما يكون أحد أقرب إلى العدو منه، ولقد رأيتنا يوم بدر نلوذ برسول الله – صـلى الله عليه وسلم- وهـو أقـربنا إلـى الـعدو» – ولـقد كانت الصحابة تقول: «إن الشجاع منا للذى يقوم بجانبه يستـتر به»، وقـيل لأنـس : أفررتـم يـوم حنـين عـن رسول الله – صلـى الله عليه وسلم- فقال: لكـن رسـول الله لم يفر، ثم قال: لقد رأيته على بغلته البيضاء وأبو سفيان آخذ بلجامها وهو يقول:
أنا النبّي لا كذب …… أنا ابن عبد المطلب ، فهل نتأسى به ؟