أفراح تنتهي بمآس وأحداث مؤلمة وعنف
22 مايو 2010 - جريدة عكاظأفراح تنتهي بمآس وأحداث مؤلمة وعنف
قاصرات يروين لـ(عكاظ) قصصهن مع العذاب
منيرة المتروك ـ مكة المكرمة، أميرة الذكر الله ـ الأحساء، هدى اليوسف ـ تبوك، مريم المليجي ـ بيشة، خالد الشلاحي ـ المدينة المنورة، سعيد رافع ـ تنومة، سليمان النهابي ـ القصيم، هاني باحسن، فهد المطيري ـ جدة
«كنت في الحادية عشرة ألعب بعروستي مع أختي الصغيرة، عندما نادتني والدتي لتخبرني أن زواجي بعد يومين، فكانت ليلة الدخلة من أصعب التجارب التي مرت بي، فقد عانيت فيها الكثير وأدخلت على إثرها أسبوعا المستشفى لتلقي العلاج، وبعد مرور تسعة أعوام من الزواج توفي زوجي وترملت وأنا بنت عشرين». هذه الحكاية المؤلمة التي ترويها فاطمة سعد من الأحساء في المنطقة الشرقية، تعكس بجلاء الآثار النفسية والجسدية المدمرة لزواج القاصرات، وماحكاية زواج طفلة عنيزة ذات الأعوام التسعة التي عقد والدها قرآنها على رجل خمسيني ببعيدة عن الأذهان. وتضم سجلات مأذوني الأنكحة العشرات من الحالات التي تقع ضحيتها طفلة، ما أثار جدلا اجتماعيا واسعا إلى درجة أن البعض اعتبر هذه الزيجات بمثابة «صفقات» يتم من خلالها بيع القاصرات للميسورين من كبار السن، فيما رأى آخرون أن زواج كبار السن بالصغيرات يقلل من نسبة عنوسة الفتيات في المجتمع.
السؤال الذي تطرحه هذه الـــقـضـيــة يتمحور حول الأسباب التي دعت إلى زيجات من هذا النوع، وكيفية الحد منها للــتـقـليـــل من تداعيــاتـها وآثـــارها الخـطـيـــرة.
هنا حالات لبعض الفتيات اللائي تزوجــن في سن صـغـيـرة من رجال يفصل بينهما عشرات السنين:
خديجة من مكة المكرمة في العقد الثالث مطلقة، مرت بتجربة زواج في سن مبكرة، تقول: كنت في الثانية عشرة من عمري أساعد والدتي في تنظيف المنزل، حينما فوجئت بدخول رجل من قبيلة أمي، وكل ما أذكره بعد ذلك سيارة إسعاف وغرفة طوارئ ودماء تسيل وأطباء وممرضات يقفون على حالتي وينظرون إلي نظرة شفقة وعطف، عادت بعد ذلك خديجة إلى منزل والدها بعد أن توسلت بوالدتها بعدم العودة مجددا لزوجها، ولكن استمرت وضعها النفسي حتى بعد الانفصال من زوجها، حيث بدأت تعاني القلق والأرق والوسواس القهري والاكتئاب وعدم الاتزان، فيما كان هناك سؤال يدور في مخيلتها كلما حضرت عرسا أو رأت عروسا، ماذا سيكون مصير هذه العروس ليلة دخلتها ؟ هل ستذهب بسيارة إسعاف لقسم الطوارئ ؟ وظل هذا السؤال يراودها خلال مرحلة مراهقتها، وحاليا تخضع خديجة لعلاج نفسي بعد أن أدمنت النيكوتين والتدخين بشراهة، واستعمال المهدئات النفسية لأنها أدمنت عليها، وتجد فيها ملاذا من جحيم ذكرياتها وشبح الوحش الذي اغتصبها.
مريم ح. من الأحساء تزوجت وهي بنت 12 عاما تقول: قبل الزفاف بكيت كثيرا كطفلة على وشك أن تفقد والدها، علما أن أمي متوفاه، فلم أبالي بما سمعته من والدي وأخذوا يعدون العدة لليلة الزفاف، وكان العريس يكبرني بـ 15 عاما، وفي ليلة الزفاف أخذت أبكي كوني أرى أمامي والد جديد مجبورة أن أخضع لأوامره، ولعدم تحملي للوضع قررت الهروب بعد مرور أسبوع من المنزل إلى بيت العمة، بعدها أخذ الأهل والمقربون تقديم النصيحة لي ولزوجي للرفق بي، وتجنبا لأي مضاعفات جسدية، وبالفعل استجاب الزوج لما قيل له.
وبسؤال الأم عن الأسباب في اقتران ابنتيها برجلين كبيرين في السن قالت: ما المانع في ذلك الزواج طالما أن السعادة متوفرة للطرفين.
أم عبد الله «50 عام» تسكن إحدى قرى محافظة النماص، أرملة وأم لخمسة من الأبناء، أوضحت أن زوجها توفي منذ 10 أعوام، وكابدت الفقر واليتم، خصوصا أن عائلها الوحيد عبد الله لا يزال صغيرا، وأشارت حول قصتها أن اثنتين من بناتها تزوجن وهن دون السادسة عشرة من العمر، والسبب كما تقول الفراغ الذي تركه زوجها بعد وفاته، جعلها تنظر لبناتها بعين الرحمة والشفقة على مستقبلهن. وتضيف: بقيت أنتظر ذلك اليوم الذي يأتي بطارق يخطب إحدى بناتي، وكان لي ما أردت، رجل متزوج باثنتين ولديه أبناء بلغوا سن الرشد، وعمره يتجاوز الستين وعرضت الأمر على إحدى بناتي فوافقت إحداهن بدون تردد، وها هي ترفل في سعادة ولديها طفلة، أما ابنتي الأخرى فقد تزوجت من شاب يكبرها قليلا، ولكن زواجهما لم يستمر طويلا وفضلت أن تتزوج من رجل عاقل حتى ولو كان كبيرا في السن، وهذه المرة من آخر متقاعد من وظيفته العسكرية وليس لديه أبناء وكان يبحث طيلة سنوات عمره عن ذرية، وتزوج عدد من الزوجات رفضن كلهن البقاء معه لعدم الإنجاب، وصارحني برغبته في الاقتران بإحدى بناتي فعرضت الأمر عليهما، فوافقت إحداهما، وبعد أشهر أخبراني بخبر الحمل ففرحت.
الهروب من عش الزوجية
وتروي سارة م. من الأحساء: تزوجت وأنا بنت 14 عاما، لا أعرف عن أمور الزواج شيئا، وفي ليلة الدخلة هربت من زوجي ولم أعد إليه إلا بعد عشرة أيام من المحاولات والإصرار، لأعود إلى ما أسميه «وحشي»، وكنت أنظر إليه وعيناي تغرق بالدمع، فقد كنت أكرهه كثيرا، ولم أستطع أن أستمر معه، فانفصلت بعد مرور سبعة أشهر، وأنا حامل بطفلتي التي ربتها أمي، فيما كنت في مقاعد الدراسة أكمل ما فاتني من التعليم، ولم أشعر معها بإحساس الأمومة.
أما والدة سارة فقالت من جانبها: لم أستطع معارضة زوجي على زواج ابنتي، فقد عودني أنه يختار ما فيه صلاح، وأنه أعرف مني في تدبر الأمور، فقد كنت سلبية في زواج ابنتي، ولم أجلس مع ابنتي لأعرفها بما يسمى بأمور الزواج، لأنني كنت أخجل من ذلك، وقلت بيني وبين نفسي إن الأيام كفيلة في تعليمها.
أم صالح من بيشة، فقال: أبلغ من العمر الآن 32 عاما، ذهب شبابي حسرة وألما مع رجال مسنين أعمارهم فوق عمر والداي، تزوجت أربعة أحدهم في التسعين، ولم أوفق معهم جميعا والآن أحمل صفة مطلقة وأم لثلاثة أطفال من رجل واحد، وقد ذقت الذل والإهانة والفقر والجهل مع بعضهم، مثلما ذقت الفقر والجهل في منزل أبي وينتابني الألم والحسرة كلما رأيت مثيلاتي سعيدات مع أزواج في نفس أعمارهن، ومهما حييت فلن أسامح أبي الذي أصبح مقعدا ولا أمي التي لم تستطع منع زواجي، من رجال مسنين.
منيرة المعلقة من بيشة التي تبلغ من العمر 30 عاما زوجها والدها، وهي في 15 من عمرها، سبق أن فشلت في ثلاث زيجات لأزواج لا تقل أعمارهم عن الخمسين.
أما أختها أم مسفر التي تبلغ من العمر ثلاثين عاما، فقد تزوجت في سن 14 تقول: كنت كالبلهاء ليلة زفافي ووالدي قاس وجاف في تعامله، فقد كان يغلق علي الغرفة حتى لا أهرب من المنزل إلى خالي أو أحد أقاربي، كنت أبكي كثيرا بعد زواجي لما يقارب الشهرين، فكنت لا أعرف ما هو الزواج، ولا كيف أتعامل مع زوجي أو تسيير أمور المنزل.
تجربة ناجحة
سني أحمد الفلاحي الزهراني (65 عاما) من جدة، تزوج مرتين، الأولى حينما كان عمره 28، فيما كان عمر زوجته 17 عاما، والثانية من جنوب المملكة وكانت في 14 وهو في الأربعين من عمره.
يروي سني قصة زواجه الثاني من القاصر: أنجبت بعد زواجي منها بعامين بنتا لم تجد صعوبة في حملها، لأنها كانت تعمل وتدير شؤون منزلها بنفسها، وكان لحياتي معها طابع خاص، والآن لدي منها تسعة.
وعن مدى تأييده للزواج المبكر، قال إنه زوج ابنته وهي في الـ 15 لابن عمها البالغ من العمر 18 عاما قبل سبعة أعوام وأنجب منها بنتا وولدا.
ظروف الزواج
ويروي الأخصائي الاجتماعي في المدينة المنورة عارف السحيمي: أن الظروف المعيشية التي تعيشها بعض الأسر تجبرها على تزويج بناتها في أعمار مبكرة، وأحيانا قبل سن البلوغ للحصول على جزء من المهر والتخفيف عن كاهل الأسرة جراء نفقات الابنة، ولكن تلك الزيجات في الغالب سرعان ما تنعكس سلبا على الأسرة، حيث ينفصل الزوجان وتعود الطفلة إلى بيت والدها مكسورة الجناح، فضلا عن ما ينتج عن حالات الزواج هذه من معاناة نفسية تتعرض لها الفتاة طوال حياتها، فالكثير من الحالات التي نسمع عنها نرى أن الفتاة الصغيرة التي تتزوج قبل البلوغ، سرعان ما ترتبط بشخص آخر وتعيد التجربة معه، لأن والدها يكون أكثر إصرارا في المرة الثانية على تزويجها للتخلص من نظرات المجتمع تجاه ابنته الصغيرة.
ويضيف السحيمي: لانحكم إجمالا على حالات زواج الأطفال بالفشل، ولكننا نؤكد على حقوق الطفل في خوض تجربة الحياة واكتمال شخصيته قبل خوض تجربة الزواج المبكر، مطالبا مأذوني الأنكحة والمحاكم الشرعية بالتدخل لوضع حد لمثل هذه الزيجات وبشكل خاص حينما يكون الزوج يكبر الزوجة بعشرات السنين.
ويستذكر السحيمي في إحدى المرات أراد أحد أقربائي استكمال إجراءات الفحص الطبي لما قبل الزواج، وتفاجأت بطفلة لاتكاد تتجاوز الثانية عشرة تسير مع والدها ويقدم أوراقها للفحص، ما أثار حفيظة أحد المسؤولين في المركز والذي حينما علم أن الزوج يكبر الطفلة بأكثر من ثلاثين عاما، أدخل والد الطفلة إلى مكتبه في محاولة لإقناعه بالعدول عن تزويج ابنته في هذه السن، لكن الأب خرج غاضبا وأصر على الكشف وتزويجها دون التفكير في العواقب التي قد تصاحب مثل هذه الحالات، وعلمت بعد ذلك أن الزوج متزوج من امرأتين ولم يمض على زواجه من الأخيرة سوى عامين.
حوامل في الابتدائية
من جانبها، عبرت المشرفة الاجتماعية من مكة المكرمة سحر محمود التي عملت في مدرسة بنات ابتدائية في إحدى القرى لسبعة أعوام عن دهشتها وتعجبها من وجود طالبات حوامل في المرحلة الابتدائية، وتقدر عدد الحالات التي عرفت عنها بما يقارب الـ 200 فتاة كلهن في المرحلة الابتدائية، كان هذا العدد قبل سبعة أعوام، أما حاليا فربما تقلص العدد، ولكن ما تزال هناك حالات زواج لقاصرات في تلك القرى.
وتروي الإعلامية عليا الشهري موقف فتاة قاصر تزوجت مرغمة مبكرا، فتقول آلمني موقف إحداهن وهي تتأمل جسدها بعد أن تشوه بفعل الحمل في السادسة عشرة، وتروي هذه الطفلة قصتها «كنت أحمل حقيبتي على ظهري، وفي أحشائي جنينا أرهقني وأثقل كاهلي، فأنزوي خجلا من صويحباتي في فصلي المدرسي، لأنهن يعاملنني على أنني امرأة متزوجة، ولست من جيلهن أو في مستوى براءتهن».
الدافع مادي
ترى ملحة القحطاني إخصائية نفسية من تبوك أن الدافع الرئيسي لمثل هذه الزيجات مادي بالدرجة الأولى، فكلما كان المهر كبيرا كلما كانت موافقة الأب بعدم الممانعة على زواج ابنته القاصر، حتى لو لم يكن مقتنعا بوضع العريس المتقدم لابنته الاجتماعي وفارق السن، أما الأم فغالبا ما تكون مغلوبة على أمرها ولا تملك من الأمر شيئا، وإذا ما اعترضت يأتي اعتراضها متأخرا كون إجراءات مثل هذه الزيجات تتم في سرية تامة من قبل العريس والأب، ولا يكتشف خبر الزيجة إلا بعد عقد القران حتى لا يتم إفشال الزواج من قبل المعارضين عليه من الأهل والأقارب.
المتاجرة بالمشاعر
أما الكاتبة ريما البراهيم فتقول إن مثل هذا الأب لا يستحق من ابنته ولا من المجتمع التقدير والاحترام، لأنه قطع أعظم وأقوى رابط في حياة ابنته وتاجر بمشاعرها قبل كل شيء.
ترى الإعلامية عليا الشهري في تزويج القاصرات انتهاكا لبراءة الطفولة ومقبرة لهذه الصغيرة يحفرها لها ولي أمرها فتعيش حياة مظلمة، وتعد وجريمة إنسانية يجب محاربتها، والأبشع قسوة حين ينتهي هذا الزواج بالفشل والطلاق.
مشكلات جسدية ونفسية
طبيا يرى خالد الشعلان الطبيب في مستشفى في مكة المكرمة، أن من الأضرار الصحية لزواج القاصر عدم اكتمال النضج الجسدي الذي يساعد في العملية الجنسية السليمة، ما يؤدي إلى تمزيق الأعضاء الجنسية والأغشية المحيطة بها، إضافة إلى حدوث نزيف قد يكون حادا في تلك الأعضاء، إضافة إلى ذلك يمتد التأثير إلى الجنين في حالة الحمل وقد يؤدي إلى إجهاضه، علاوة على صعوبات الولادة والتي غالبا ما تكون مبكرة وقيصرية.
إلى ذلك حذرت الدكتورة نجوى أحمد إخصائية أمراض نساء في العاصمة المقدسة من أن زواج القاصرات قد يتسبب في ظهور مشكلات صحية وجسدية ونفسية، الأمر الذي يهدد بزيادة انتشار الأمراض المختلفة بين أفراد المجتمع.
وأضافت الدكتورة نجوى: المشكلات الجسدية عادة تكون ناجمة عن عدم استعداد أجساد القاصرات لخوض تجربة من هذا النوع من العلاقة، كما يكون مهددا بالإصابة باضطرابات الدورة الشهرية وتأخر الحمل، والولادة المبكرة، علاوة على تزايد حالات الإجهاض بين تلك الفئات من المتزوجات، وارتفاع مخاطر إصابتهن بهشاشة العظام.
مخاطر الولادة
من جانبها، أشارت الدكتورة أمل إبراهيم – نساء وتوليد في الأحساء – إلى معاناة الأطفال من عدد من المشكلات الصحية مثل اختناق الجنين في بطن الأم نتيجة القصور الحاد في الدورة الدموية المغذية لجسده بعد الولادة المبكرة، وما يصاحبها من مضاعفات مثل قصور الجهاز التنفسي، لعدم اكتمال نمو الرئتين ومشاكل الجهاز الهضمي، إضافة إلى تأخر النمو الجسدي والعقلي وزيادة مخاطر الإصابة بالشلل الدماغي، والإصابة بالعمى والإعاقات السمعية، كما أن زواج القصر يؤثر بشكل سلبي على الصحة النفسية للأطفال الذين هم ثمرة ذلك الزواج، فهم قد يشعرون بالحرمان نتيجة عدم قيام الأم القاصر بدورها كأم ناضجة، كما يكونوا مهددين بالإصابة باضطرابات، قد تؤدي إلى أمراض نفسية في الكبر كالفصام والاكتئاب، نتيجة وجود الطفل في بيئة اجتماعية غير متجانسة، وقد يواجهون خطر تأخر النمو الذهني الناجم عن انعدام أو ضعف الرعاية التربوية الصحيحة.
زواج باطل
من وجهة النظر الشرعية، يؤكد الشيخ أحمد السالم – مأذون شرعي- أن تزويج القاصرات بالإكراه باطل، لأنه يخل بأحد شروط الزواج الشرعي، وهو القبول، مبينا أنه إذا تم إجبار الفتاة على الزواج، فلابد أن يفسخ العقد وقد كان محبذا أن يسن قانون يحدد عمر 18 عاما كحد أدنى لزواج الفتيات، وأضاف في سياق ذلك أن مجرد حصول البلوغ غير كاف لتزويج الفتاة، مشددا على وجوب أن يكون الزواج مرهونا بالوصول إلى سن الرشد، فيما تقتضي قضية الرشد معرفة الفتاة للضار والنافع، وهو ما يتعذر في زماننا هذا، إلا بعد 15 عاما على الأقل لكثرة الفتن والشبهات.
من جانبه، يؤكد الشيخ أحمد بن حمود بن حميد الرويثي مأذون الأنكحة في الحرة الشرقية في المدينة المنورة أنه يحيل إلى المحكمة الشرعية أي عقود للزواج يكون أحد طرفيها دون سن البلوغ، مبديا تحفظه على إتمام مثل هذه الزيجات لما يترتب عليها من سلبيات.
فيما يرفض مأذون الأنكحة عبد الكريم صنيتان خليوي الحربي في المدينة المنورة إتمام أي عقد زواج يكون أحد طرفيه طفلا لم يتجاوز سن البلوغ، قائلا: أرفض إتمام تلك العقود وأطلب من العريس أو ولي أمر الفتاة الذهاب إلى مأذون آخر، وأنصحه بتأجيل زواج ابنته»، مشيرا إلى أنه دعا في أكثر من خطبة للجمعة إلى وقف تزويج الصغار الذين لا يتحملون أعباء الحياة الزوجية ومسؤولياتها.
تحديد سن الزوجة
المحامي عبد الله الجطيلي الموكل بالمرافعة عن أم وطفلة عنيزة، اقترح صدور نظام يحدد زواج الفتيات، مشيرا إلى أن المأذون الذي عقد نكاح الطفلة خالف المادة 11من اللوائح التنفيذية لمأذوني عقود الأنكحة، حيث تنص المادة على: «يقتصر عمل المأذون في حدود الولاية المكانية للمحكمة المختصة التابع لها»، والمأذون عقد خارج الولاية حيث الزوج والزوجة ووليها من سكان عنيزة، فيما عقد مأذون الأنكحة في مدينة بريدة، كما أن المأذون لم يطبق التعليمات المبلغة من وزارة العدل، وهو التأكد من رضا المخطوبة وموافقتها على العقد، ومن ذلك استئذان البكر ولو كان الولي هو الأب ومعرفة شروطها وفق التعميم الوزاري في 17/5/1391هـ .
وعلمت «عكاظ» أن وزارة العدل أضافت خانة (تحديد سن الزوجة) في وثيقة الزواج لدى مأذوني الأنكحة ما اعتبره أحد مأذوني الأنكحة، تمهيدا لإصدار نظام يحدد سن زواج المرأة بعد رصد العديد من حالات زواج فتيات لم يتجاوزن الرابعة عشرة.
وبحسب مأذون أنكحة، أن الوزارة ضمنت عقود الزواج شرطا يلزم تحديد سن الزوجة لاستكمال إجراءات الزواج، ويأتي ذلك عقب تزايد المطالبات بوضع حد لحالات تزويج الصغيرات لاسيما في المناطق الريفية.
فحص ما قبل الزواج
على صعيد متصل، نفى مصدر في مركز فحص ما قبل الزواج التابع لوزارة الصحة في جدة أن يكون للمركز دخل في رفض أو قبول زواج القصر، طالما هناك ولي أمر له القرار الأول والأخير في تزويج ابنته، ولكنه أضاف أن من صلاحياتهم منع تزويج المقيمة من مواطن في حالة اتضاح أمراض وراثية، وفي المقابل إذا اتضح أن هناك مرضا وراثيا عند زواج المواطن من مواطنة، يكون الخيار للزوجين، إذ أنه من المعروف أنه لا يصدر أي عقد نكاح طالما ليس هناك شهادة فحص مبكر قبل الزواج.
وأضاف المصدر أنهم بصدد دراسة إضافة خانات جديدة في استمارة الفحص المبكر قبل الزواج، من ضمنها تحليل للكشف على المتعاطين للمخدرات بهدف علاجهم أو رفض تزويجهم، فيما يستقبل مركز الفحص المبكر في جدة المراجعين لإجراء الفحص بمعدل 50-80 حالة يوميا، ويزداد الإقبال عليه صيفا، والتي عادة ما تكثر فيه الأعراس بواقع 150 حالة يوميا قابلة للزيادة، مشيرا إلى وجود مركزين للفحص ما قبل الزواج في جدة أحدهما في مستشفى الولادة والأطفال، والآخر في مستشفى الملك عبد العزيز.
مليون توقيع لمحاربة الظاهرة
اعتبرت الدكتورة والأكاديمية أميرة كشغري عضو مجموعة «سعوديون لمنع زواج القاصرات» زواج القاصرات مأساة إنسانية تستحق التصدي لها، لافتة أن الخطوة المقبلة للمجموعة هي جمع مليون توقيع برفض زواج القاصرات من كافة شرائح المجتمع والمطالبة بتحديد سن قانوني مناسب لزواج الفتيات، فيما سيكتب في نهاية التواقيع بيان نهائي يرفع للجهات المسؤولة.
وأضافت: من الناحية الحقوقية والقانونية لم يتم العثور على إحصائية بعدد حالات زواج القاصرات من هيئة حقوق الإنسان والجمعية الوطنية لحقوق الإنسان في الرياض، كما لم يتم التوصل إلى أي تصريح أو بيان عن طريقهما، فيما أنتجت جمعية الدفاع عن حقوق المرأة فيلما وثائقيا عن زواج القاصرات، تحت مسمى : «أنا طفلة ولست امرأة»، حيث تؤكد الجمعية أن استمرار المحاكم الشرعية في عقد زواجات لمن هن ما دون سن الثامنة عشرة، يـعد خرقا صريحا للاتفاقية الدولية لحقوق الطفل التي وقعت عليها المملكة، والتي تعتبر في مادتها الأولى «أن كل إنسان لم يتجاوز الثامنة عشرةة هو طفل، ما لم يبلغ سن الرشد قبل ذلك بموجب القانون المنطبق عليه».
حقوق الإنسان تطالب بالضوابط
طالب رئيس الجمعية الوطنية لحــقـــوق الإنسان الدكــتـــور مفلح القـحــطـــاني وزارة الـــعـــدل بــوضـــع ضوابط للحد من زواج الأطـفــــال، وإلـــزام مأذوني الأنكحة بعـــدم استكمال إجراءات زواج يكـــون أحد طـــرفـــيه في ســن غــيــر مهــيــأ للــزواج.
وقال القحطاني لـ«عكاظ»: على الرغم من قلة حالات زواج الصغـــــار في المجتمع، إلا أن الإعلام يتناول تـــلـك القضايا لغرابتها، مؤكدا أن الجمعية دعت منذ مدة إلى إيجاد ضوابط لمنع توثيق حالات زواج الأطفال.
وأكــد القحطاني وجــــود حاجـــة ملحة لـــعــمــل دراســـة مـعـمـقـــة من النواحي الدينية والاجتماعية والأسرية لحالات زواج الأطفال للوقوف على أسبابها والحد منها،
مضيفا أننا بحاجة لوضع ضوابط لمثل هذه الحالات، وأن تركها لاجتهادات الأسر يترتب عليها عدم استمرار الحياة الزوجية، وظلم للزوج أو الزوجة القاصر.
http://www.okaz.com.sa/new/Issues/20100521/Con20100521351562.htm