أ . عالية فريد >> مشاركات


الشيخ الدكتورعبداللطيف آل الشيخ يؤصل مسألة الاختلاط شرعياً

22 مايو 2010 - جريدة الجزيرة

الشيخ الدكتور عبداللطيف بن عبدالعزيز آل الشيخ يؤصل مسألة الاختلاط شرعياً:

الاختلاط المباح وفق الضوابط موجود في صدر الإسلام ولم تأتِ الشريعة الإسلامية بمنعه على الإطلاق

دخل فضيلة الشيخ الدكتور عبداللطيف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن بن عبداللطيف آل الشيخ، مساعد أمين ثاني عام هيئة كبار العلماء في المملكة سابقاً المستشار الخاص السابق لأمير الرياض، في الجدل الدائر حول الاختلاط، الذي أصبح واقعاً تعيشه المملكة، بينما يستمر السجال بين فئات عريضة من المجتمع والمتشددين على أعمدة الصحف ووسائل الإعلام.

الشيخ عبداللطيف، الذي غاص في بحور النصوص الشرعية، يؤكد بطلان نظرية المعارضين من خلال إيراده النصوص الشرعية التي تفرِّق بين فعل الخلوة المحرمة والاختلاط المباح.

ومعلوم أن الاختلاط الذي كان في عهد أصحاب السماحة والفضيلة لا يتعارض مع ما بينوه في كتبهم وفتاواهم من الصور المحرمة للاختلاط، وإلا لتعارض قولهم مع فعلهم التي أوضحها كاتب المقال.

لقد اتفقت الأمة على أن الشريعة وُضعت للمحافظة على الضروريات الخمس, وهي: «الدين, النفس, العقل, النسل والمال».

وهذه الضروريات إذا فقدت، أو إحداها، لم تستقم مصالح العباد، بل يحصل الفساد العظيم والهلاك للعباد في الدنيا وفوت النجاة في الآخرة.

لقد كثر الكلام هذه الأيام عن مسألة الاختلاط، والمقصود به اختلاط الرجال بالنساء غير المحارم في مكان واحد, وانقسم المتكلمون فيه إلى فريقين أو قسمين، أحدهما أصدر عليه الحكم بالتحريم المطلق، والفريق الآخر أجازه على الإطلاق؛ ما جعل الناس في حيرة من أمرهم، وأصبحوا بين التشدد المذموم أو الانفلات المحرم.

إن الشريعة – ولله الحمد والفضل – فيها التيسير ورفع المشقة عن العباد، ولا يخفى على أحد من المسلمين في بلادنا حال الناس وما يمارس في الواقع من اختلاط في الأسواق والأماكن العامة ودور العبادة، كالحرمين وما يحصل في موسم الحج، وغير ذلك من التجمعات البشرية.. فهذا الاختلاط الذي فرضته الحاجة والضرورة، وهذه الممارسات ليست وليدة اليوم أو هذا الزمان، وإنما كانت موجودة منذ أزمنة قديمة، بل كانت موجودة في صدر الإسلام, ولم تأتِ الشريعة الإسلامية بمنعه على الإطلاق, بل أجازته في حدودٍ تكفل الحرية المنضبطة بالضوابط الشرعية للمرأة, مع المحافظة على الأعراض، وتمنع الوقوع في المحظورات المحرمة؛ فوضعت ضوابط وقيودًا واضحة صريحة لا يجوز لمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن يتجاوزها، ومن لم يلتزم بهذه القيود فقد وقع في الاختلاط المنهي عنه، وهو المحرَّم.

ولا بد من عدم الخلط بين الخلوة والاختلاط..

فالخلوة: هي اجتماع رجلٍ مع امرأة أجنبية عنه بغير محرم في مكان منفردين فيه، في غيبة عن أعين الناس، وهذه الخلوة محرمة, والدليل على تحريم الخلوة ما رواه ابن عباس – رضي الله عنهما – حيث قال: سمعت الرسول – صلى الله عليه وسلم – يخطب يقول: «لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم».

وما رواه عامر بن ربيعة – رضي الله عنه – أن الرسول – صلى الله عليه وسلم – قال: «لا يخلونَّ رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما».

وعن جابر – رضي الله عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يخلون بامرأة ليس معها ذو محرم منها؛ فإن ثالثهما الشيطان», وعنه – رضي الله عنه – أيضا عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «لا تلجوا على المغيبات, فإن الشيطان يجري من أحدكم مجرى الدم» أي لا تدخلوا على النساء اللاتي غاب أزواجهن بسفر ونحوه. وعن عقبه بن عامر – رضي الله عنه – أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «إياكم والدخول على النساء». فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله أفرأيت الحمو؟ قال: «الحمو الموت»، والحمو هو قريب الزوج, الذي لا يحل للمرأة كأخيه وابن عمه.

إلا خلوة في حالة الضرورة كمن يجد امرأة تائهة في صحراء ولا يوجد غيرهما, أو امرأة في قعر بئر تحتاج إلى من يخرجها، ونحو ذلك من الحالات والضرورات الملجئة؛ فهذه الخلوة ليست بمحرمة, بل يجب على الرجل أن يقوم بإنقاذ المرأة وإيصالها إلى مأمنها ولو كان غير ذي محرم.

والحكمة من تحريم الخلوة هي سدٌّ للذريعة الموصلة إلى الفاحشة أو الاقتراب منها.

والعلماء حين يحرمون الاختلاط إنما يريدون الاختلاط المطلق عن كل القيود أو الاختلاط المستهتر الذي لا تؤمن معه الفتنة.

فالاختلاط الجائز له ضوابط، من أهمها:

1- الالتزام بعدم التبرُّج وكشف المرأة ما لا يجوز لها كشفه لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِي قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ). (سورة الأحزاب الآية 59).

2 – الالتزام بغض البصر عما لا يجوز النظر إليه من الجنسين، وقد دل على هذين الشرطين: قوله تعالى (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ) وقوله عز وجل:(وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ) سورة النور 30- 31.

3 – الالتزام بعدم تكسر المرأة في كلامها والخضوع فيه، والدليل قوله تعالى (فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِه مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلا مَعْرُوفًا). سورة الأحزاب أية 32.

4 – الالتزام بالسكينة في المشي وعدم إظهار الزينة, قال تعالى (وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ) سورة النور آية 31.

5 – الالتزام بعدم التبرُّج بأي نوع أو أسلوب.

6 – الالتزام بالابتعاد عن مواطن الريبة أو ما يدفع الرجل إلى التجرؤ عليها واستغلالها.

7 – أن تلتزم المرأة بعدم التعطُّر واستعمال الزينة وأدواتها وما يثير شهوة الرجال لقوله – صلى الله عليه وسلم -: «إذا استعطرت المرأة فمرت بالمجلس كذا وكذا يعني زانية».

8 – أن يخلو من تلاصق الأجسام عند الاجتماع؛ فعن أبي سيد الأنصاري – رضي الله عنه – أنه سمع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول وهو خارج من المسجد, فاختلط الرجال مع النساء في الطريق فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – للنساء: «استأخرن فإنه ليس لكن أن تحققن (تتوسطن) الطريق عليكن بحافات الطريق».

9 – أن يكون الاختلاط في حدود ما تفرضه الحاجة دون إسراف أو توسع أو تعطيل عن واجبها الأساس في رعاية البيت وتربية الأبناء.

10 – أن يخلو من إزالة الحواجز بين الجنسين حتى يتجاوز الأمر حدود الأدب والسمت, وينافي العفة والحياء, وكذا عدم الإطالة وما يوصل إلى حد الامتزاج.

11 – ومن أهم الضوابط مراقبة الله تعالى وخشيته في السر والعلانية؛ فمن راقب الله ابتعد عن محارمه.

12 – سن عقوبات من قِبل ولي الأمر وتطبيقها على كل من يتجاوز الآداب والسمت؛ فإن الله ينزع بالسلطان مالا ينزع بالقرآن.

13 – أن لا يكون الاختلاط متعمدًا ومقصودًا لذاته، وإنما تفرضه الحاجة والضرورة.

فإن تم الاختلاط بهذه الضوابط كان جائزًا.

وفي الختام أجد أنه من المناسب التذكير بأن من عاش في مدينة الرياض في سنوات خلت قبل 1390هـ تقريباً يتذكر ولا ينسى ما كان فيها من حركة تجارية وأسواق تزخر بالكثير من الباعة رجالاً ونساءً، يعملون في اكتساب الرزق الحلال من خلال البيع والشراء ببساطة ويُسْر، وكلٌّ على قدر ما يتيسر له من ثروة ورأس مال، ولا أنسى سوق المقيبرة، وهو السوق الرئيس في هذه المدينة، والطريق الممتد من الجنوب إلى الشمال، وهو الشارع الذي يعتبر أكثر كثافة بالباعة على يمينه وشماله من الرجال والنساء ببسطات تحوي كل ما يحتاج إليه من يقصد السوق من ملابس جديدة وقديمة ومواد غذائية وحتى السمن والذهب والحلي… إلخ، مما يباع ويشترى، والباعة من النساء والرجال غالبيتهم من أبناء الوطن، وكذلك سوق حلة القصمان شرق الرياض، وسوق منفوحة جنوب الرياض، وكان الناس لا يرون من ينكر عليهم أو يعكر صفوهم، وكانت الرياض في ذلك الوقت تزخر بالعلماء الكبار الأجلاء أمثال سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ، والشيخ عبداللطيف بن إبراهيم آل الشيخ، والشيخ عمر بن حسن آل الشيخ رئيس هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وسماحة الشيخ عبدالله بن حميد، وغيرهم من المشايخ والعلماء – رحمهم الله جميعا -، وكانوا يعلمون بهذه الأسواق ولم نسمع عنهم أنهم اعترضوا عليها أو أنكروا على من فيها من الباعة وهم أصحاب كلمة مسموعة ورأي سديد، وكانوا يحظون بالاحترام الوافر والتقدير عند ولاة الأمر وعند الناس، وكان نصحهم مقبولا عند الجميع ولا تُردُّ لهم نصيحة أو مشورة، فرحمهم الله جميعا وغفر لهم وللمسلمين، إنه سميع مجيب. وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

http://www.al-jazirah.com/20100516/fe3d.htm

أضف تعليقاً