أ . عالية فريد >> حديث الشهر


حرية الرأي والتقدم السياسي

25 مايو 2010 - أ . عالية فريد

حرية الرأي والتقدم السياسي

عالية آل فريد

بفعل الاستبداد السياسي المسيطر على مجتمعاتنا ، والتطرف الديني ، والتخلف الاجتماعي ، لاتزال حقوق الإنسان تشكل أزمة وتتفاقم هذه الأزمة عندما تلامس الفكر وحرية التعبير عن الرأي التي تعد من أولويات حقوق الإنسان . وحرية  الرأي و المناقشة والجدل حول رأي أو فكر ما  هو أساس الديمقراطية ، ولا معنى حقيقي لحرية الرأي  إلا إذا مارسها الناس والمواطنون على أرض الواقع  ، وذلك عن طريق مختلف المنابر الإعلامية المتاحة كما هو معروف .
وتأتي حرية الرأي على رأس جميع الحريات ، فالحرية سمة رئيسية يتمتع بها المجتمع الديمقراطي ، وقد اتفق الباحثون على أهميتها للفرد في التعبير عن آرائه وأفكاره  ، والتي تأتي بطرق شتى عبر التدوين في الصحافة والطباعة أو التداول  والنشر في مختلف وسائل الإعلام المتنوعة ، وذلك في جميع الموضوعات المختلفة وبلا استثناء ودون إجازة أو رقابة سابقة  مادامت هذه الحرية لاتخالف القانون.

هذا بالإضافة إلى أن حرية التعبير عن الرأي  ، هي في الواقع مقدمة لبقية الحريات و مرتبطة بها ومتضامنة معها، وانتهاك احدها يعتبر انتهاكا لها جميعا. فالحرية الشخصية للفرد المتمثلة في حرية التعبير عن الرأي أو الكلام هي امتداد لحرية الفكر وحرية الاعتقاد والتحرر من العوز ، والتحرر من الخوف و بقية الحريات الأخرى . لذلك كانت محط اهتمام ولها الأولوية في القوانين والتشريعات والدساتير المحلية والمواثيق الدولية  ، وكانت ومازالت هذه الحرية أملا من آمال هيئة الأمم المتحدة منذ ظهورها والي يومنا هذا ونحن نعرف أن من لجان هذه الهيئة لجنة خاصة بحرية الصحافة والإعلام وهي فرع من لجنة حقوق الإنسان. ولجنة حرية الإعلام هي التي دعت إلي عقد مؤتمر جنيف سنة 1948 للنظر في قضية الرأي بصورة عالمية ، وقد نصت المادة التاسعة عشرة من إعلان حقوق الإنسان ما يلي:
لكل فرد الحق في حرية الرأي والتعبير. وهذا يتضمن الحق في عدم إزعاجه بسبب آرائه، كما يتضمن الحق في البحث عن الأنباء والأفكار و وإذاعتها بشتى وسائل التعبير أيا كانت ودون أي اعتبار للحدود الإقليمية.
ما أود قوله أن حرية الرأي والإعلام  في مجتمعاتنا لازالت متعثرة ومريضة  ، رغم التفاعل الذي تركته متغيرات الأحداث السياسية العالمية والإقليمية على مجتمعاتنا   ، ومع تطلعاتها نحو الدمقرطة والحرية والاستقرار ، إلا أنه هناك ثمة عوائق جداريه صلبة تقف في الطريق إذ يجب العمل على دحرجتها أو تطويعها لقبول هذا التغير ، والذي يمكن بتذييله تحقيق واقعا أفضل من الرفاه الديمقراطي والعمل الحر على كلا المستويات  ، إن أبرز هذه العوائق هي أنظمتنا السياسية التي تكلست مع مرور الزمن  والتي لم تستوعب بعد حجم التغيرات المتسارعة على الأرض ، ولم تدرك أن زمن حكم القطيع قد ولى ، وإن تخدير العقول وتكميم الأفواه وإشغال الناس بخلق الفتن والأزمات لإبعادهم عن حقوقهم الأساسية   ، وأن استخدام سياسة القمع والإرهاب في انتهاك حريات الآخرين لخنق آرائهم ووأد أفكارهم لم تعد مجدية اليوم ، وإلا بماذا نفسر التعسف في اعتقال أصحاب الرأي وإيداعهم لشهور وسنوات طويلة في السجون ؟ دون محاكمة ودون السماح لهم حتى بتعيين محامين للترافع عنهم وعن قضاياهم ؟ وبماذا نفسر مصادرة الرأي عبر منع الكتابة والتعرض للتحقيق والتضييق وتوقيع التعهدات ومنع بعض الكتب والمطبوعات  ، وحجب الكثير من المواقع الإلكترونية وممارسة كافة أشكال التنكيل؟                                                                                                                 إن استخدام الدول  للعنف الفكري والثقافي والممارسة المتطاولة من لدن الجهات المتنفذة  وبسط تسلطها على الأبرياء من مواطنيها ، دون أن تراعي فيها حتى أنظمتها وقوانينها التي وضعتها، فضلاً عن عدم مراعاتها للمواثيق الدولية التي وقعتها،  أمر لا يحمد عقباه يؤدي إلى إرباك الساحة السياسية والمجتمعية ،  كيف لا ونحن نقرأ ونسمع التصريحات الأخيرة لبعض الجهات المسئولة  التي تصدرت وسائل الإعلام لاسيما  في ظل زيارة المفوضة السامية لحقوق الإنسان السيدة نافي بيلاي، والتي جاءت لتطلع عن قرب على مستويات التحسن في مجال حقوق الإنسان في هذا البلد  وذاك والذي بلا شك في أن مسألة ” انتهاك حرية الرأي والاعتقاد ” تعد أحدى أهم وأبرز قضاياها.                                                
إن استمرارية هذه الممارسات مؤكدا أنها لا تصب في مصلحة شعوب المنطقة ناهيك عن أنها سوف تعيق مبدأ العدالة والمساواة والمواطنة الصحيحة وبالتالي تؤثر سلبا على حركة الإبداع والتطوير والتنمية التي تسعى إليها مجتمعاتنا ، وفي ظل هذه الظروف فمناهضة أجواء القمع والإرهاب الفكري تستلزم فسح مجال أوسع من الحريات ، فمهما كان حجم الاختلاف في الأفكار والآراء لايجوز مصادرة حرية الرأي ولا يجوز قمعها بأي شكل من الأشكال . إن ذلك رهين بالمبادرات وبتمسك الفئات الواعية بحق التعبير عن أرائها ومقاومة مختلف ضغوط الإرهاب .
هكذا علمنا التاريخ وعلمتنا تجارب الشعوب أن إنتزاع الحق يحتاج إلى ثقة بالذات ،وإلى تحرر من ثقافة الخوف والاستسلام ، وإلى شجاعة وإصرار حتى لو دعتنا لتقديم التضحيات .

 

أضف تعليقاً