حوار الأجيال
23 يونيو 2010 - أ . عالية فريد
حوار الأجيال
عالية آل فريد
إذا كان للحوار أهمية وتأثيرا بين الأيدلوجيات الثقافية وبين السياسات الدولية والأنظمة العالمية ، فهو لايقل تأثيرا على الأحوال المجتمعية والأوضاع الأسرية ، فالأسرة نواة المجتمع إذا صلحت صلح ماسوا ها والعكس صحيح ، ولا يمكننا أن نتجاهل أهمية الحوار بين أفراد الأسرة لاسيما بين الآباء والأبناء فاللهاث خلف أمور الحياة والانشغال بالمصالح العامة ، والسعي وراء الماديات والرفاهية أوتحت مسمى الالتزامات الاجتماعية ، يجب أن لايسرق كل ذلك أبنائنا من أحضاننا ، حتى ولو كان ذلك تحت مبرر تحسين سبل المعيشة من أجلهم ، فالتحديات اليوم التي تواجه الأسرة كبيرة ومعقدة إن لم يتم تداركها بسهولة ، سوف تؤثر سلبا على حياة الأبناء وتؤدي بهم إلى التغريب والضياع . فالكثير من الأسر تعاني من جفاء العلاقة بينها وبين أبنائها خاصة عندما يمرون بسن المراهقة هذه المرحلة الحساسة والحرجة التي تجهل أغلب الأسر طريقة التعامل معها ، فشكاوى الآباء في تزايد مستمر من تصرفات الأبناء ، و انتقادات الأبناء تتصاعد من تعامل الآباء ومن وجود فجوات واسعة تفصل بينهم ، ولأننا دائما نبحث عن المبررات لنعلق عليها شماعة أخطائنا نعول ذلك على تأثير وسائل الإعلام والتكنولوجيا الحديثة ، أو على سلوك القرناء من الأصدقاء ، دون أن نوجه أصابع الاتهام إلى أنفسنا ! ومن هذا المنطلق يجب أن نعي أمورا عدة أبرزها طبيعة المتغيرات الاجتماعية المتسارعة التي إصطجبت معها متغيرات قيمية جديدة على مستوى النشأة والتربية ، فما كان صالحا للآباء في الماضي من أدوات في تقديم فروض الطاعة والتبعية والاحترام قد لا يتناسب في طبيعته مع المتغيرات في هذا العصر ، لذلك علينا أن نكون حريصين في التعامل معهم ، فكل جيل يعيش حياته المختلفة في رأيه وتطلعاته ومبادئه ، وكل جيل له أخلاقياته وسلوكه باختلاف الزمان والمكان ، و كما ورد عن الإمام علي بن أبي طالب (ع) ” لاتقصروا أبناكم على أخلاقكم فإنهم خلقوا لزمان غير زمانكم ” ففرضية الأوامر والنواهي إضافة إلى الرهاب الفكري والحصار الثقافي الذي كان سائدا في السابق لم يعد مجديا اليوم ، وزمن الممنوع قد انتهي وذهنية أبنائنا اليوم لاتستجيب إلا مع السؤال والنقاش وإبداء الرأي ، لذلك تتجلى قيمة الحوار وتبرز أهميته لتخطي الحواجز وتقريب المسافات بين الآباء والأبناء .
ما أعتقده أن أبنائنا اليوم بحاجة إلى استشعار القرب من الوالدين عبر قلوب حانية ولمسات دافئة تحتضنهم ، وإلى أذان صاغية تسمعهم وإلى عقول واعية تشاركهم تفكيرهم ، وتعيش أحلامهم وتطلعاتهم وفي نفس الوقت تجيب على أسئلتهم وتزيح علامات الاستفهام من أذهانهم داخل الأسرة وليس خارجها .
وبقدرما يمثله الحوار من قيمة نفعية عامة في عملية التقدم والتنمية وفي مشاريع الاستقلال ورفض القمع والتبعية ، وفي بناء الخطط والإستراتيجيات المستقبلية ، بقدر ما يحتاج إليه من حرية فكرية وإتقان لفن لغة الخطاب والتواصل ، والتفاوض والدبلوماسية ، التي بناءا عليها نشأت العلاقات السياسية وقامت الشراكات المتبادلة ، والمصالح الوطنية ، ولذلك اعتمدته السياسات الدولية العالمية وانتهجته الكثير من الأنظمة السياسية . كذلك هي طريقة التربية وأسلوب التعامل بحاجة إلى فتح أبواب التفكير والحوار أمام أبنائنا ، ولأننا في عصر العلم فأنهم بحاجة إلى أن نعلمهم منذ البداية على التفكير الناقد والبناء بإنتاج الفكر وصناعة الفكر لاتقليده ، ولنعلمهم كيف يعتمدون على أنفسهم في تنمية عقولهم فهم قادة المستقبل ونحن كلنا مسئولون عنها ومحاسبون .