أ . عالية فريد >> أخبار و مقالات


الداعيات السعوديات : مجتمع خفي وخطاب محجب

21 نوفمبر 2005 - أمل زاهد

شهدت السعودية أخيرا حراكا ملحوظا في مجال النشاط الدعوي النسائي وصار ذلك النشاط عصبا رئيسا في الحياة الاجتماعية للكثير من النساء، واصبحت ظاهرة الثقافة السمعية المتجسدة في المحاضرات التي تلقيها الداعيات في المؤسسات التعليمية والمحاضن التربوية والجمعيات الخيرية والمخيمات الدعوية والمعسكرات الصيفية والحلقات الاجتماعية وفي مناسبات العزاء وأحيانا حفلات الأعراس احدى ملامح وسمات الحياة الاجتماعية والثقافية للنساء السعوديات.واشتبكت الآراء المنافحة عن هذا النشاط والداعية لدعمه وتقويته والأخرى المناهضة له والداعية إلى تحجيمه في نقاشات وجدل لا ينتهي إلا كي يبدأ من جديد.وفي الفترة الاخيرة شاب هذا المناخ قلقا نتيجة للضغوط الخارجية الناجمة عن أحداث 11 سبتمبر والتي طالبت بضرورة تحسين وضع المرأة السعودية باعتبار أنها تعاني من التمييز الجنسي والاقصاء والتهميش ومن وضع اجتماعي متدن يراوح مكانه منذ زمن.فالصراع الداخلي بين التيار الصحوي والتيار الليبرالي يلعب دوره في شحن الأجواء بالمزيد من التوترات والشد والجذب فتزداد الرغبة في تصيد الأخطاء من كلا الطرفين لبعضهما البعض.ففي مناخ مؤسس على سوء الظن والإحساس بالخوف والتوجس بدءا من ترصد الجناح الآخر للاخطاء والهنات والزلات كان لا بد أن يترسخ الخوف في اللاوعي ولا بد من أن يحاول كل طرف أن يكيل الاتهامات للطرف الآخر.

 

فالتيار الليبرالي يرى أن التيارالاسلامي يميل أو يقترب من الظلامية والرجعية والتخلف وفي تعبير لا يخلو من القسوة لبعض المثقفين السعوديين (الدروشة والتغييب)، خاصة في مجال النشاط الدعوي.كما يتهمه أيضا بشخصنة الأفكار ورفضها ـ حتى في حال انطلاقها من منطلقات إسلامية ـ ونبذها لو ثبت لديه أن مصدرها (علماني).بينما تنطلق اتهامات التغريب والعلمنة والرغبة في هتك ستر المرأة وإخراجها من محارتها المكينة وانتهاك عفتها وإفساد المجتمع وخلخلة قيمه من الجانب الاسلامي لنظيره الليبرالي، وذلك رغم أن المحرك الرئيس لدوافع كلا التيارين واحد وهو الرغبة في الاصلاح والخروج بالأمة من الأزمة التي وجدت نفسها تهوي في مزالقها، فالهدف واحد لكن الطرائق والحلول والأدوات تتمايز لاختلاف الرؤى وتباين القراءات للأوضاع السياسية والاجتماعية، ولمضمون واشكالات وتفاصيل الأزمة ذاتها.لذا تعد شبكة الانترنت كونها البوابة الاكثر حيوية في الاتصال من المصادر الاساسية، في استقاء المعلومات ورصد الخطاب وأدواته وذلك عبر البحث في المواقع الإسلامية سواء الخاصة منها بالنشاط النسائي أو تلك التي ينضوي تحتها الخطاب الدعوي بشقيه، نظرا لعدم توفر الدراسات الميدانية المطبوعات الورقية، التي تكشف الغطاء عن هذا النشاط العالي في الوسط الاجتماعي السعودي والذي ينبئ بالطريقة التي تفتش بها المرأة عن دورها في اطار مجموعة الضوابط المتعارفة به .

 
على الرغم من ان عددا من الداعيات يتحفظن من عملية البوح عندما يتم اخبارهن بان هذا الملف سيلقى طريقة للنشر، فيعتذرن عن الحديث بأساليب مهذبة وقد يلجأن إلى التسويف أو التجاهل التام بينما قلة منهن استجابت لفرد الاوراق على طاولة البحث والنقاش والغوص في العالم السري والخصوصي للمرأة الداعية.ويبدو أن المناخ الملغم بالتصيد والمهيمن على المشهد الثقافي هو السبب الرئيس لذلك التوجس الذي يحكم او يتحكم بحالة اللاوعي الاسلامي الدعوي مما يجعله يخشى المواجهة والبوح لوسائل الإعلام ويخاف عملية كشف الغطاء لأنساقه وأدواته وأساليبه.للثقافة السمعية في المجتمع السعودي أهميتها وحساسيتها في كونها تلعب دور الدعامة الرئيسية في المكون الثقافي والمعرفي والتربوي للوعي الجمعي الشعبي بشقيه النسائي والرجالي وذلك لأنها الأكثر تداولا والأسهل تناولا، كونها منطقة خطرة شديدة الخلط والالتباس بين البعد العلمي المعرفي وبين البعد النصحي الوعظي، كما تتهم بأنها احدى المعابر لتمرير أدبيات الغلو والتشدد والتطرف وأحادية الفكر. وإن كانت ـ الثقافة السمعية ـ أكثر قدرة على التسلل إلى الوعي النسائي وترسيخ جذورها فيه، لأن العقلية النسائية العربية تميل إلى امتصاص كافة أنواع الخطاب من دون أية محاولة للغربلة والتمحيص والنقد محصلة لطبيعة التنشئة المجتمعية التقليدية السائدة التي تضخ في عروقها التبعية الشديدة للرجل لدرجة عدم القدرة على التفكير الذاتي المستقل عنه، وترسخ في فهمها وإدراكها اكتساح وسيطرة النفوذ العاطفي على الجانب العقلي في تكوينها فشلت لديها ملكة التفكير وإمكانية الخصوصية عندما رضيت ان تستلب وتتحول إلى كائن مدجن مطيع للأوامر ينتظر دائما من يقوده.. متشبث بوضعية المتلقي دائما وخاضع لآلية التلقين.مما جعلها تنظر بعين من التقديس لأية شخصية تخرج من عباءة دينية، وهذه القداسة قد تصل إلى حد الافتتان الذي يقود إلى الاختزال وتقديم الكثير من التنازلات تمهيدا للتبعية المطلقة والانضواء تحت لواء المتحدثة باسم الدين من دون القاء اعتبار إلى الخلفية الثقافية القادمة منها والمكونة لوعيها المعرفي والثقافي، مشكلة بذلك نمطا جديدا من السلطة والسيطرة المجتمعية الموازية ايضا؟هل يساهم الخطاب الدعوي النسائي السعودي في تكوين شخصية متوازنة للمرأة المسلمة ترفض التبعية للغرب وتعتز بدينها وتراثها كما يقول المشرفون والمشرفات على صناعة هذا الخطاب الدعوي؟ وهل تساهم في صناعة التوازن النفسي الايجابي لدى المرأة وابعادها عن أية مسالك غير صحية، كما هو حاصل في داخل العديد من الاسر؟أم أن الخطاب الدعوي خطاب مأزوم تعبوي انفعالي وسطحي يهدف إلى شحن الوعي الجمعي بعبارات رنانة وشعارات مدوية كما يقول الليبراليون؟ مما يغيبه عن الاحتكام الى المنطق والعقلانية والرشد، وهل يتمترس وراء نظرية المؤامرة واستهداف القيم الإسلامية كي ينال المزيد من الشعبية في الشارع العربي ؟ ويزيد من مساحة سيطرته وهامش صلاحياته، وهل يعاني الخطاب الدعوي النسائي بصفة خاصة من التماهي في الشكلانية والاهتمام المفرط باللباس والمظهر وملحقاته والابتعاد عن الواقع الاجتماعي للمرأة والاغراق في الترهيب والبعد عن مناقشة المشكلات الجوهرية والحقيقية للمرأة ؟ وهل ينحو الخطاب نحو الغلو والتشدد والتحليق في فضاء التنظير مبتعدا عن الواقع إحساسا منه بالمشكلة صانعا افراد يتقلبون بين أقصى اليمين تارة واقصى اليسار تارة أخرى؟ وهل يعتمد الآخر الغربي كإطار مرجعي عند التقييم والمراجعة والمقارنة أم على قراءة مسطحة للتاريخ والتجربة ؟ وهل يتغافل عن البعد النفسي عند الوعظ ويغرق في الطوباوية وفي الغيبيات والماورائيات حتى يغطي ضعف طرحه وهشاشة بنيانه؟فلماذا يتهرب من الخاص ليبحر في عالم العموميات ؟ ولماذا لا يناقش مشكلاته الداخلية ويعمل على حلها، ليقوم بحل المشكلات الخارجية ؟ يحاول هذا الملف رصد مسار الحركة الدعوية النسائية وبداية انطلاقاتها والقاء الضوء على الخطاب الدعوي، كما يهدف إلى إثارة الأسئلة أكثر مما يحاول تقديم إجابات على إشكالات تختلف حولها الآراء وتتباين في النظر إليها العقول.
واعظة على استحياء وبدون اعتراف

من يحاول رصد النشاط الدعوي النسائي لا يجد في متناول يديه خطابا مطبوعا يساعده على تتبع حركة هذا الخطاب، ولربما يعزى ذلك لحداثة النشاط الدعوي النسائي وتغييب الحضور النسائي عن الجسد الصحوي لمدة طويلة.ورغم أن مشاركة المرأة في الصحافة وفي الكتابة ليست بالقصيرة إذا وضعنا في الاعتبار أن أول زاوية صحفية لامرأة سعودية دشنت لها الأستاذة خيرية السقاف عام 1965م.ورغم ظهور عدة أقلام نسائية حداثية في المملكة في الثمانينيات إلا أنه لم يظهر على الساحة الثقافية إلا قلم نسائي إسلامي واحد، وهو قلم الداعية سهيلة زين العابدين حماد التي نقدت الحداثة وكان لها كثير من الصراعات الفكرية والسجالات الحوارية حول الحداثة والدعوة إلى أسلمة الأدب على صفحات الجرائد، خاصة في جريدة «المسلمون» وملحق جريدة المدينة الأدبي.بل إن الأستاذة سهيلة وجهت نقدها اللاذع الذي وصل إلى التكفير أحيانا للكثير من أعلام الثقافة والأدب والفكر، منهم الدكتور طه حسين وعباس محمود العقاد وزكي نجيب محمود وإحسان عبد القدوس والدكتور عبد الله الغذامي وغيرهم.

 

قلم نسائي إسلامي آخر شارك الاستاذة سهيلة وهو قلم الدكتورة نورة السعد الذي بدأ وهو ينحو إلى الليبرالية ثم شهد تحولا فكريا جعل الطابع الاسلامي مهيمنا عليه.لم تشهد الساحة الثقافية وجود أديبة إسلامية متميزة أيضا في أي من مجالات الأدب سواء الشعر أو القصة القصيرة أو الراوية، ولم تكن هناك سوى محاولات هزيلة لا يمكن تصنيفها في خانة الإبداع والتألق.ولم يهتم الخطاب الدعوي النسائي بالصحافة إلا أخيرا وله الآن عدة مجلات بعضها يصدر أسبوعيا والآخر شهريا منها مجلة «الأسرة» و«أسرتنا» و«المميزة» و«حياة».إذن كان هناك تغييب واضح للمرأة على كافة الصعد عند التيار الصحوي، وحتى عندما ظهرت المرأة الداعية في كافة أنحاء المملكة لم يكن لها حضور رسمي وكانت جهودها في هذا المجال فردية، وكان النشاط الدعوي النسائي نفسه يعاني من إهمال الدعاة ومن عدم التفاتهم إليه.وهذا الغياب الطويل عن تفعيل دور المرأة كان لا بد أن يثير بعض الاسئلة عن دور المرأة في أدبيات الجماعات الإسلامية، مع الأخذ في الاعتبار الدور المركب الذي تستطيع المرأة أن تلعبه في هذا المجال وذلك لرحابة الطريق أمامها وتعددية المتلقين الذين يقعون تحت دائرة تأثيرها من أب وزوج وأخ وابن بالاضافة إلى المجتمع النسائي الواقع في نطاق ومجال تأثرها وتأثيرها.وعلى الضفة الأخرى عند الليبراليين أو التنويريين أيضا فالحال مثل بعضه فلم يكن هناك نشاط يذكر في مجال حقوق المرأة، ولم تقدم مطالب بتحسين أوضاعها الاجتماعية أو تفعيل دورها، وكأن أحلام الليبراليين قد وصلت إلى قمة هرمها الذي لا يمكن التطلع إلى ما هو أبعد منه بعد إقرار تعليم المرأة الرسمي وفتح الجامعات، ويبدو أن أسباب ذلك الصمت المطبق هي الاطر السياسية والدينية والاجتماعية المقيدة التي تكبل أية مطالب بحقوق للمرأة وتلجمه عن الحديث.
تيار الصحوة السعودي وغياب المرأة

عند النظر إلى التيار الصحوي في السعودية لا بد من مواجهة نفس الإشكالية وهي تغييب المرأة، فلم يكن هناك وجود رسمي للنساء ؟ فهل كان تغييب المرأة مقصودا ولماذا كان دور المرأة مهملا ولم يدخل في نطاق التفعيل إلا أخيرا؟ ولماذا تقر الرموز النسائية الدعوية في المملكة وجود إهمال للدعوة النسائية ولاتقدم أسبابا واضحة لذلك الإهمال ؟ بقدر ما تحاول نسبه إلى دور النخب النسائية (العلمانية) ـ حسب وصفها ـ والتي لا يكاد يكون لها وجود حقيقي حركيا ناهيك عن افتقادها للشعبية التي يتمايز بها النشاط الدعوي النسائي عن نظيره الليبرالي.تقول الدكتورة رقية المحارب لدى اجابتها عن سؤال وجه لها حول دور المرأة في الدعوة وأسباب اختفائها «عندما نتأمل في رموز العلمانية من النساء الحاملات راية تغريب المرأة نجد أنهن أولاً كبيرات في السن في الغالب، وثانيـًا شاركن في كثير من اللقاءات الثقافية والمؤتمرات، وثالثـًا وجد من يتبناهنّ منذ سن مبكرة ومُكّن لهن في الصحف والمجلات وغير ذلك.هذه الخبرات المتراكمة لا شك تؤدي إلى وضوح في التصورات ـ وليس وضوح التصورات يعني صحة التصورات ـ وهذا الوضوح نتج عنه تأليف كتب، ونظم قصائد، وإقامة جمعيات متنوعة، وتأسيس دور نشر ومراكز بحوث وغيرها، وأدى هذا إلى تأثر طبقة من النساء بهذه الطروحات».لكن المحارب في مناسبة اخرى تؤكد أن الحركات النسوية الليبرالية أثبتت فشلها وعدم قدرتها على منافسة الخطاب الإسلامي حيث ترى ان «المتأمل للدعوة النسائية يجدها في بداياتها، إلا أنها قفزت قفزات كبيرة، في حين التي سبقتها الحركات النسوية الليبرالية من قوى عظمى لا تخطو تلك الحركات خطوها المؤمل منها في كثير من البلاد الإسلامية.وعن سلبيات وايجابيات العمل الدعوي النسائي: تقول «اي عمل لا يخلو من سلبيات ولا سيما إذا كان حديثـًا..والعمل الدعوي النسائي ضحية إهمال الدعاة والمصلحين.ربما يكون سبب ذلك أن المرأة كانت مصونة من التعرّض للفتن وللأفكار المنحرفة لعوامل اجتماعية لا تخفى، وبالتالي فإن أي عمل في بداياته لا شك سيكون من أهم سلبياته نقص الداعيات المؤهلات، وعدم وجود المرجعية النسائية أو القيادة الدعوية النسائية القادرة على ترتيب الأوراق، ودراسة الأولويات، وإنشاء المشروعات المناسبة، ومن السلبيات ضعف اهتمام الدعاة ـ حتى هذه اللحظة ـ بإيجاد محاضن تربوية تخرج للمجتمع المصلحات المؤهلات، كذلك من أبرز السلبيات في نظري ندرة وجود مؤسسات دعوية نسائية متخصصة توفر كل ما تحتاجه المرأة من استشارة اجتماعية وفقهية وتربوية وغيرها.وأما الإيجابيات فكثيرة، منها :العاطفة لدى المرأة فسرعة استجابتها للخير معلومة، ومنها قوة الترابط الأسري الذي لا يزال يوفر دعامة للمحافظة واحترام التعاليم الشرعية، ومن الإيجابيات في العمل الدعوي النسائي سهولة الوصول للمرأة بخلاف الوصول للرجل لانشغاله وغير ذلك.ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو هل كانت أدبيات الإسلام الصحوي تهمش دور المرأة وتقصيها عن دائرة الفعل والضوء؟ ثم انساقت في تفاعل برجماتي إلى إشراكها ودمجها في الجسد الصحوي بعد أحداث 11 سبتمبر المشهودة والتداعيات السياسية المصاحبة لها؟ وهل يعتبر حضور المرأة في وثيقة الرد على المثقفين الأميركيين (لأجل ماذا نتعايش؟) بمثابة شهادة الميلاد الرسمية للحضور النسائي في جسد الصحوة؟ فقد تضمنت تلك الوثيقة توقيع خمس عشرة سيدة من مجموع مائة وخمسين شخصية ردت على وثيقة (لأجل ماذا نحارب؟)والتي وقعها 60 مثقفا أميركيا من بينهم فوكوياما الذي يقول بنهاية التاريخ وهنتغتون الذي يتبنى رؤية صراع الحضارات.ومن الجدير بالذكر أن كلا من الداعية رقية المحارب والداعية أفراح الحميضي عدن إلى التراجع عن ذلك بعد أن اتهم البيان بالانبطاح والانهزامية للغرب وبالتخلي عن الولاء والبراء.
من الأربعينيات حتى الستينيات

شهدت الأربعينيات والخمسينيات والستينات من القرن المنصرم ارتدادا في اشراك المرأة في ممارسة الشعائر خارج بيتها في الحجاز نتيجة لعوامل متعددة منها اتساع الدائرة الاجتماعية أمام المرأة فلم يعد خروجها مقتصرا فقط على اداء الشعائر الدينية، وإن بقي تقليدا مارسته النسوة اللواتي كن يعشن في مدينتي الحرمين وهو أن تكون أول زيارة تقوم بها الأم بعد ولادة طفلها لحرم المدينة التي تعيش فيها.بالطبع لم يعد للاحتفال بالمولد النبوي وجود رسمي ولكنه بقي كتقليد أثير على نفوس الحجازيين تمارسه حتى الآن كثير من الأسر الحجازية داخل جدران بيوتها، حيث تقرأ أحداث حمله وولادته وسيرته صلى الله عليه وسلم تتخللها الصلوات على الرسول وتنتهي بالأدعية والأوراد.

 

هذه الفترة ايضا شهدت بوادر التحديث الثقافي والاجتماعي والاقتصادي الذي كان يستقبل من المجتمع بشغف ونهم على مقدماته واجراءاته، ونستطيع أن نرجع ذلك إلى عفوية المجتمع آنذاك وتحرره من قيود الأيديولوجيات المختلفة، وهذا القبول لاجراءات التحديث كان سمة مشتركة للمجتمع السعودي برمته حجازه ونجده..شماله وجنوبه وشرقه وغربه.رغم أن معظم الفتيات في الأربعينيات والخمسينيات كن يتلقين تعليما بدائيا في الكتاتيب يمكنهن من القراءة وتعلم شؤون دينهن إلا أنه كان هناك الكثير من الأصوات التي تنادي بضرورة تعليم المرأة وكانت بعض العوائل تبعث ببناتها إلى مصر للتعلم، بل إن بعض تلك الأسر آثرت أن تقيم في مصر لا لشيء إلا لتنال بناتها حظهن من التعليم حتى شهدت بداية الستينات ولادة تعليم المرأة الرسمي في السعودية.

 

كان الحجاز موطنا تتلاقح فيه الثقافات المختلفة، حيث تزوره تلك الثقافات في عقر داره لتأدية فريضة الحج، فيغادر من يغادر ويبقى من يبقى جالبا معه ثقافته الخاصة التي تندمج وتنصهر في ثقافة المنطقة.وتؤكد بعض السيدات، تم رصد ملامح المشهد الثقافي (من أفواههن التاريخ الاجتماعي) لتلك الحقبة مشافهة واللواتي عاصرن تلك الفترة أن المجتمع كان يتميز بالتلقائية والعفوية وبالبعد عن التشدد الديني. كانت تركيبة الأسرة تعتمد على الأسرة الممتدة التي كانت تضم عدة أسر نووية بين جدران منزل واحد وهو البيت الكبير، يجتمع أفراد هذه الأسر رجالا ونساء وأطفالا دون فصل بين الجنسين لتناول الوجبات والسمر مع الجد والجدة.ولم يكن هناك حضور للجانب الوعظي في حياة تلك السيدات وأحيانا تتبرع سيدة مسنة من العائلة بنصحهن في الالتزام بالصلاة خاصة إذا اجتمعن في دعوة غداء يتخللها وقت اداء صلاة العصر.
شاهدة على العصر

تميز عقد السبعينيات بالانفتاح والتلقائية والبعد عن التشدد الديني، حيث اعتاد المجتمع الحجازي على الاختلاط المنضبط مع الحجيج وعلى دعوة بعض منهم وهم من مختلف الجنسيات العربية والاسلامية إلى البيوت الحجازية وغالبا ما تضم هذه الدعوات الجنسين.لم يكن هناك حضور للجانب الوعظي اللهم إلا ما تقوم به بعض السيدات من قراءة لبعض الكتيبات الحافلة بالقصص عن أهل الجنة والنار في ذكرى الاسراء والمعراج.وفي منتصف شهر شعبان تجرى عادة احتفالات يتقاطع فيها الديني مع الاجتماعي، فتقرأ الأدعية والأوراد ثم يمر الأطفال على منازل الحي طالبين من ربات البيوت الحلوى والمكسرات وخلافها مما يسعد الأطفال ويبهج نفوسهم.بدت بوادر الصحوة تظهر في الأفق في العامين الأخيرين من السبعينيات وبدأ التركيز على لباس المرأة والحديث عن الجهل بتعاليم الدين وعن عدم التزام المجتمع بما جاءت به الشريعة الإسلامية من تعاليم تختص بحجاب المرأة وفصلها عن الرجل، وكان المقصود بالطبع فصلها عن الرجل في الاجتماعات العائلية التي اعتادت أن تضم الجنسين من فروع العائلة وامتداداتها، وبدأ الحديث أيضا عن وجوب الالتزام بالحجاب عند السفر إلى خارج المملكة، فالطفرة الاقتصادية اتاحت للكثير من السعوديين رفاهية الخروج إلى التصييف سواء في البلدان العربية التي لا تلزم المرأة بلبس العباءة أو للبلدان الأجنبية.

 

ولكن تلك الأحاديث لم تدخل حيز التطبيق إلا في نطاق ضيق ثم بدأت في الانتشار في اوائل الثمانينيات من القرن المنصرم، والتي شهدت أيضا ولادة النشاط الدعوي النسائي الذي بدأ على استحياء وبجهود فردية ثم ما لبث أن ثبت جذوره وأرسى دعائمه وصار سمة من سمات الحياة الاجتماعية للنساء في السعودية، في نجد والمنطقة الغربية وكافة مناطق المملكة.حادثة احتلال الحرم المكي الشريف في عام 1979 هزت المجتمع السعودي آنذاك مقدمة له ولأول مرة الخطاب التكفيري الذي يقول بجاهلية المجتمع وعدم تطبيقه للشريعة الإسلامية. ورغم القضاء على حركة جهيمان العتيبي وباقي زمرته إلا أن فكر التشدد والغلو والتطرف تسرب إلى بنية المجتمع السعودي، ثم جاء الجهاد الأفغاني ليؤجج المشاعر الدينية ويوقظ آمال العزة الضائعة والمجد المستلب خاصة بعد خيبة أمل الشارع العربي الناتجة عن توقيع مصر اتفاقية كامب ديفيد وتوابعها. كل هذا ساهم في إذكاء شعلة الصحوة والتي تناسل منها النشاط الدعوي في المملكة.
صالونات دعوية وخطابات تعبوية

للنشاط الدعوي النسائي في المملكة عدة حقول يستطيع أن يمارس فيها فعالياته وأهمها بالطبع المؤسسات التعليمية والتي شهدت تدشين هذا النشاط ثم تأتي مدارس تحفيظ القرآن والجمعيات والمؤسسات الخيرية وأخيرا المخيمات الدعوية والملتقيات والمعسكرات الصيفية، وهناك أيضا نشاط موجه للجاليات غير المسلمة.وعن بدايات النشاط الدعوي النسائي في المملكة تقول الدكتورة رقية المحارب:انطلقت الدعوة النسائية من الجامعات والكليات حيث كانت تتأسس الصحوة في المصليات وقاعات الدرس، وأثمرت بعد بضع سنين كوادر متحمسة استطاعت أن تبني فكراً وتوجد تياراً قوياً واعياً فاعلاً على قدر من التدين، بالرغم من المؤثرات الإعلامية الفضائية والصحفية. وهي بهذا تعتبر أحد أهم المجالات الدعوية يجتمع فيها ما يزيد على المليون فتاة من شتى أنحاء البلاد، من فئة عمرية مهمة وحيوية، فلا نحتاج إلى تكلف في الوصول إليها، إنما نحتاج الخطاب وقوة التأثير وتعدد الوسائل، وتفهم للحاجات النفسية والعاطفية والاجتماعية.كما شهدت المنطقة الغربية إبان الثمانينيات ممارسة نشاط دعوي يتم في صالونات بعض البيوتات الموسرة والتي تبغي التقرب إلى الله بإقامة الندوات الوعظية ومجالس الذكر بين جدران منازلها ولا يزال هذا النشاط تحت دائرة التفعيل حتى وقتنا الحالي، ويتيح للسيدات، خاصة ربات البيوت غير العاملات التعارف والاندماج في علاقات اجتماعية محورها الصداقة والمؤازرة، بالاضافة بالطبع إلى الاشباع الروحي والترويح عن النفس وقضاء أوقات الفراغ، حيث تلقي الواعظة ندوتها التي تتخللها القصص والعبر التي تحث المرأة على الالتزام بالحجاب والتمسك بآداء الشعائر والابتعاد عن البدع، وغالبا ما تتطرق إلى المعجزات التي تتم على أيدي المجاهدين الأفغان ثم تختم الندوة بجمع التبرعات.وكانت تحضر هذه الندوات جموع غفيرة من النساء حتى أن الصالونات التي كانت تقام فيها تلك الندوات لا تحتمل كل تلك الكثافة من الحضور فتضطر الكثير من السيدات إلى اقتعاد الأرض.وتعتبر مجالس العزاء صورة أيضا من صور الحلقات الاجتماعية التي ينشط فيها العمل الدعوي وتقام غالبا عند الأرامل المعتدات ندوات بصفة يومية أو دورية خلال مدة العدة والممتدة إلى أربعة أشهر وعشرة أيام.كانت بعض السيدات السعوديات يرافقن أزواجهن إلى أفغانستان إبان مرحلة الجهاد الأفغاني وفي أوج اشتعال جذوته وينخرطن في جهود دعوية وخيرية ويقمن بمساعدة زوجات المجاهدين وأسرهم ويفتحن المدارس للأيتام، كما أن كثيرا من الداعيات كن يسافرن إلى هناك في تلك الفترة للاطلاع على الأوضاع في ساحة الجهاد ويقمن بمساعدة أسر المجاهدين والقاء الندوات في فترة الإجازة الصيفية وقد زارت كل من الداعية فاطمة نصيف والداعية سميرة جمجوم أفغانستان وقدمتا جهودهما الداعمة في تلك الفترة. كما شهدت تلك الفترة أيضا حضور زوجة عبد الله عزام إلى السعودية لالقاء المحاضرات والندوات.
صناع الحياة أم فيديو كليب

تلعب الحلقات الاجتماعية دورا بارزا في النشاط الدعوي لدى الصوفية والشيعية، فالنشاط الدعوي النسائي الصوفي لا يستطيع أن يمارس نشاطه إلا من خلال الحلقات الخاصة.ويستمد الخطاب الدعوي النسائي من خطاب محمد علوي المالكي وتلاميذه والحبيب عمر بن حفيظ والحبيب علي الجفري حاليا، هناك الكثير من التحفظ على هذا التيار من السلفيين.والمناخ بين التيارين دائم التوتر ومشحون بالاتهامات,وهذا المناخ ينسحب أيضا على المحيط النسائي، وهناك الكثير من المساجلات التي تمت أخيرا على صفحات ملحق الرسالة بجريدة المدينة والتي توضح اختلاف وجهات النظر بين الفريقين.هناك أيضا جمهور عريض من الرجال والنساء من الطبقة المخملية والمتوسطة يميل إلى خطاب عمرو خالد وخالد الجندي في المنطقة الغربية، ويشده عرضهما الذي يميل إلى التسامح والبساطة.وساعد على تنمية هذه الجماهيرية الحضور المكثف الذي تضخه الفضائيات العربية لهما خاصة خلال شهر رمضان الكريم.

 

فهذه الشرائح الاجتماعية تميل إلى الدعاة الذين يقدمون رؤية متسامحة وعصرية لا تتجاوز السطح لتغوص إلى الأعماق فترهقهم معها في تتبع حفرها والخوض في إشكالياتها.ولبرنامج صنّاع الحياة الكثير من المريدين وله مناشط في مدينة جدة وشباب وشابات يقومون بالتطوع للعمل في عدد من مدن المملكة.وللنشاط الدعوي النسائي رموزه البارزة الآن وأغلبهن من الأكاديميات سواء العاملات منهن في الجامعات أم في كليات التربية، وهناك اسماء بارزة في هذا المجال كالدكتورة فاطمة نصيف والتي تعتبر المؤسسة لهذا النشاط في جامعة الملك عبد العزيز والمحتضنة لأبرز الداعيات في جدة، والدكتورة سناء عابد والتي توجه خطابها غالبا للشابات الصغيرات وتهتم بإقامة المخيمات الصيفية لهن، كما أن هناك أسماء برزت وحاولت أن تركز على جوانب معينة في الخطاب الدعوي كالدكتورة فاتن حلواني التي تحاضر عن الاعجاز العلمي والدكتورة سعاد عبيد التي تحاضر في العقيدة والدكتورة آمال نصير والدكتورة وفاء الحمدان والدكتورة لطيفة القرشي وفوز كردي وغيرهن.وفي كلية التربية أيضا في الرياض هناك كثير من الأسماء اللامعة كالدكتورة رقية المحارب والدكتورة أفراح الحميضي واسماء الرويشد ونوال العيد وغيرهن، ولا تقتصر تخصصات هؤلاء الأكاديميات على الدراسات الإسلامية أو الشرعية بل منهن المتخصصة في الكيمياء مثل الدكتورة خديجة بادحدح في جامعة الملك عبد العزيز والدكتورة خديجة بابيضان المتخصصة في اللغة العربية بكلية التربية.احد الأسماء المثيرة للجدل الداعية أناهيد السميري وهي خريجة كلية الاقتصاد والادارة من جامعة الملك عبد العزيز، ماجستير محاسبة وتدرس حاليا في المعهد العالي لاعداد معلمات الكتاب والسنة في مدينة جدة.

 

وهي خطيبة مفوهة ولها حضور مميز جدا وقبول عال عند المتلقيات من مختلف الأعمار ومن مختلف الخلفيات الثقافية وتحضر محاضراتها عادة جموع غفيرة من السيدات. تتلمذت على فكر الشيخ ابن عثيمين رحمه الله وخطابها يأخذ من خطابه، منظمة الأفكار، ولا تعتمد على الأقصوصة أو الحكاية في محاضراتها التي تتخذ طابعا علميا يتداخل معه الجانب الوعظي عندما يسمح لها السياق بذلك، وتستخدم تقنيات علمية حديثة حيث تعرض شرائح محاضراتها غالبا على شاشة عرض كبيرة مستخدمة برنامج البوربوينتس power points.ترى بعض منتقداتها أنها تميل إلى التشدد بينما ينفي البعض الآخر هذه الصفة ويجد أن خطابها معتدل ويركز على الاحساس بالعزة الإسلامية والابتعاد عن الهزيمة النفسية والتبعية.
كشف الوجه لم يعد عورة!

وقد تتمايز أدوات وأساليب العرض عند الداعيات ولكن يبقى جوهر الخطاب وأساسه موحدا وله ملامح وسمات مشتركة، وتميل بعض المتلقيات إلى طرح داعية معينة بينما تعرض عن عرض أخرى، ويعتمد ذلك على قدرة خطاب الداعية من ملامسة وعيها وتحريك مشاعرها ومن ملاءمته لتركيبتها النفسية.وتقع الداعية أحيانا في شرك ارضاء المتلقيات لأن العرض المتشدد يلاقي قبولا شعبويا عند البعض، فتميل إلى التشدد والغلو وقد صرحت احدى الداعيات التي لم تحبذ ذكر اسمها أنها تؤمن أن كشف وجه المرأة جائز ولكنها لا تستطيع التصريح برأيها هذا أمام من قد يرى انه تساهل أو تهاون في الدين، وأنها تختار نوعية المتلقيات اللواتي تستطيع أن تصرح أمامهن بذلك.

 

وتقول فوز كردي في محاورة خاصة معها أن محاضرة الداعية تكون أحيانا علمية أو اجتماعية أو تحفيزية ولكنها تُفاجأ بأن الأسئلة التي تطرح عليها من المتلقيات تنحصر في الجانب الفقهي، فتضطر إلى إجابة تلك الأسئلة البعيدة تماما عن موضوع المحاضرة.وبالرغم من أن الاهتمام لا يزال ضعيفا بقضايا المرأة الاجتماعية وبمحاولة مساعدتها في التغلب على أوضاعها المتدنية إلا أن هناك خطوات لا زالت في بداياتها في هذا المجال، تحاول الالتفات إلى العناية بالأسرة والمرأة المطلقة والأرملة والطفل، ومن هذه الخطوات إنشاء الهيئة العالمية للمرأة والطفل، ومركز المودة الاجتماعي لحل الخلافات الزوجية، واللجنة النسائية للمشروع الخيري للزواج، وتأخذ هذه المؤسسات على عاتقها توعية المرأة بفنون الحياة الزوجية وبمحاولة حل مشكلاتها الاجتماعية.
تحاول الداعيات أيضا ممارسة النقد الذاتي وتحديد مواطن الضعف في الخطاب، ويسعين إلى الالتحاق بالدوارات الشرعية والتربوية والنفسية المتخصصة التي تثري خبراتهن وتزودهن بالطرق الناجعة للتأثير في وعي المتلقية ومن ثم ملامسة ذلك الوعي ومخاطبته وتوجيهه الوجهة المرادة.وتنخرط بعض السيدات غير المؤهلات في المجال الدعوي عندما يتوسمن في أنفسهن القدرة على الخطابة أو حسن الالقاء، أو عندما يشعرن بتمكنهن من التأثير على المتلقيات وتحريك عواطفهن الدينية. فيحفل خطاب بعض الواعظات من هذه الفئة بالترهيب الشديد والقصص غير الموثقة التي تلعب على أوتار العواطف، مستغلا ضعف الخلفية الثقافية للمتلقيات وتقبلهن لأي خطاب يخرج من عباءة دينية، ويكثر نشاطهن في مجالس العزاء، فالموت واجواؤه المهيبة يساعدان على تعزيز خطاب الترهيب.وتقرر كثير من رموز الخطاب الدعوي النسائي أن هناك داعيات لسن مؤهلات بالقدر الكافي لهذه المهمة الدقيقة والخطيرة، كما يلفتن النظر إلى ضعف الخطاب الموجه لفئة الشابات خاصة وعدم قدرته على مواكبة مشكلات النساء في هذا العصر.وعن هذا الموضوع تقول الدكتورة فاطمة نصيف:ان النشاط الدعوي الموجه للفتيات خاصة غير كاف، وغير متلائم مع أعمارهن وطريقة تفكيرهن واحتياجاتهن، بل أكاد أقول إنه لا يوجد النشاط الذي يتحدث بلغتهن ويشبع رغباتهن إلا فيما ندر! وبصورة فردية!
وتقول الدكتورة سعاد عبيد في حوار خاص معها ان هناك كثيرا من الداعيات غير مؤهلات لهذه المهمة الدقيقة، وانها تنبه المبتدئات منهن بأن لا يصبحن واعظات فقط، كما تقول ان هيئة الدعوة والإرشاد ستنظم دراسة خاصة للداعيات مدتها ثلاث سنوات حتى لو كان تخصص الداعية في التربية الاسلامية أو الشريعة، وهذا الاجراء سيُتخذ حتى يحد من عدد الداعيات غير المؤهلات..
أما عن أسباب غياب مؤسسات دعوية نسائية فتقول الدكتورة رقية المحارب:
1 ـــ حداثة سن الصحوة ـ إن صح التعبير ـ وضخامة المهمات المنوطة بها.
2 ـــ عــدم القناعة لدى قطاع من الدعاة والمربين بأهمية العناية بقضايا الدعوة في أوساط النساء.
3 ـــ سلامة الـبـنـيــة الأساسية للأسرة المسلمة في كثير من بلاد العالم الإسلامي، فمؤسسة الزواج ما زالت محترمة رغم الدعوات المحمومة إلى اعتبار الزواج العرفي مشروعاً!! وما زالت قيمة العناية بالوالدين عظيمة عند السواد الأعظم من المسلمين.
4 ـــ ضعف الموارد المالية للمؤسسات الدعوية .
5 ـــ ندرة الطاقات النسائية القادرة على المطالبة بإنشاء هذه المؤسسات، وضعف تكوينهن الثقافي والتربوي *

 
أوائل الداعيات الدكتورة فاطمة نصيف

* تعتبر الدكتورة فاطمة نصيف من أبرز الشخصيات الدعوية النسائية في المملكة، وقد نشأت في أسرة متدينة وتعتبر والدتها المؤسسة لهذا النشاط في المنطقة الغربية، وتلقت والدة فاطمة نصيف تعليمها على يد والدها الداعية (شرف الدين نرول) المؤسس لأول مطبعة للكتب الإسلامية في مدينة بومباي بالهند. وانتقلت السيدة والدة الدكتورة فاطمة إلى أرض الحرمين بعد زواجها ثم بدأت دروسها الدينية في تعليم القرآن الكريم للنساء والقاء محاضرات لكي تفقههن في شؤون دينهن، كما أسست أول مدرسة للبنات في المملكة تحت إشراف السيد محمد نصيف جد الدكتورة فاطمة الذي كان رجل علم وسياسة ويمتلك أكبر مكتبة خاصة تعرف بمكتبة الشيخ محمد نصيف. وحكت الدكتورة سعاد عبيد لي عن احتفاء الخالة صديقة (والدة الدكتورة فاطمة) بالفتيات اللواتي يحفظن القرآن والتي كانت ترى فيهن القدرة على ممارسة النشاط الدعوي فكانت تشجعهن على الاستزادة من العلم وتحتضن تلك المواهب حتى يتم صقلها. درست الدكتورة فاطمة التاريخ وحصلت على الماجستير والدكتواره من كلية الشريعة بمكة المكرمة (جامعة أم القرى). وكان لها دور في إنشاء قسم الدراسات الإسلامية وكلية الاقتصاد المنزلي بجامعة الملك عبد العزيز بجدة. درّست في الجامعة لمدة (19) سنة كما ناقشت وأشرفت على العديد من الرسائل والبحوث العلمية. تعمل الآن رئيسة للجنة النسائية بهيئة الاعجاز العلمي في القرآن والسنة. ولها مؤلف عن (حقوق المرأة وواجباتها في الكتاب والسنة) وقد طبع هذا الكتاب باللغات العربية والانجليزية والفرنسية والأردية والبنغالية. قامت بالعديد من الجولات على المراكز الاسلامية في كندا وأمريكا ولكنها ترى أن الجهود المبذولة في هذه المراكز غير كافية لأنها تقوم على الجهود الفردية فلا تستطيع استعياب التحديات، ولها ابنتان تمارسان أيضا النشاط الدعوي وهما آلاء ولينا نصيف.
قضية المرأة وتحررها

عند النظر إلى النشاط الدعوي النسائي على وجه الخصوص فلا بد أن نصطدم بثنائية قضية المرأة وتحريرها من جهة وبالمؤامرة على القيم الاسلامية واستهداف الأسرة العربية لزلزلة الأرض الثابتة التي تقف عليها وبالتالي تحطيم استقرارها من جهة أخرى، فهذه الثنائية هي المحور الرئيس الذي يدور حوله النشاط الدعوي النسائي وذلك منذ بداية انطلاق التنظيمات النسوية وحركة تحرير المرأة في مصر وباقي الأقطار العربية حتى وقتنا الحالي. فالخطاب الإسلامي يهدف منذ ذلك الوقت إلى الرد على من يسميهم دعاة ورموز تحرير المرأة الذين يستهدفون إخراج المرأة من بيتها وانتهاك حرمة جسدها بالدعوة إلى السفور وترك الحجاب والاختلاط، فيحذرالخطاب من مغبة الانجراف وراء هذه الدعاوى كما يحذر من مؤتمرات المرأة العالمية والاتفاقيات الدولية وخاصة اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة.بينما تجيب الداعية فوز كردي الأستاذة بكلية التربية بجدة عن انشغال المهتمين في الصف الإسلامي بالرد على المؤتمرات وأدعياء حقوق المرأة والمشاركة السياسية، عن تحرير عوام النساء من قيود الجهل والغفلة والتقليد وتبصيرهن في أمور دينهن وأخلاقهن وعلاقتهن الاجتماعية.أوافقك نسبياً، ولكن ما انشغلوا به يُعدّ أمراً مهماً وجبهة لا بد من التصدي لها، والجبهة الأخرى تحتاج إلى جهود مكثفة كذلك، وبحمد الله تساهم المحاضرات والأشرطة، وحلقات العلم وأنشطة المؤسسات التربوية والمجتمعية والدعوية في سدّها كثيراً.الداعية نوال العيد تتحدث أيضا عن حرية المرأة في مقالة لها عن الحرية قائلة:وساهم بالمناداة لحرية المرأة المستشرقين العرب الذين تأثروا بالغرب وعاشوا فيه، وتبرجها في كل صعيد، وأن تغير من نمط الحياة السائد في «المجتمع الذكوري» مجتمع الإسلام، وأن تخرج حين تريد، وتعود كيفما تريد، وتخالط الرجال على كل صعيد!! وجاءت دعوة (الحرية) مغلفة ضبابية من ورائها دوافع خطيرة من أهمها الدعوة إلى الحرية الفردية والشخصية، وتدمير الأخلاق والقيم الإنسانية، في محاولة اتباعها للقضاء على الإسلام.
عمل المرأة والقوامة

وتتفرع أيضا من هذا المحور قضية عمل المرأة والدعوة إلى إشراكها في الشأن العام ونيلها حقوقها السياسية، وينظر إليه الخطاب الدعوي بنظرة متوجسة تخشى من دس السم في الدسم.فعمل المرأة يحقق لها الاستقلال الاقتصادي الذي قد يؤدي بدوره إلى إلغاء القوامة وقلب الأدوار، كما قد يؤدي عملها إلى الاختلاط بالرجال وحينها تحدث الفتنة وتتدمر قيم المجتمع الإسلامي. يركز الخطاب أيضا على طبيعة المرأة النفسية والبيولوجية واختلافها عن الرجل فهي خلقت وهيئت لمهمة الأمومة وما يتبعها من تربية وتنشئة للأطفال واهتمام بهم، بينما خلق الرجل للعمل خارج المنزل، فيعزف الخطاب على ثنائية الخاص/ العام فالمرأة الأولى بها والأجدى البقاء في خاص المنزل وما يتعلق به من تفاصيل والرجل يحلق في فضاء العام بشؤونه وقضاياه..تقول الداعية سهيلة زين العابدين حماد في كتابها (المرأة المسلمة وتحديات العولمة) الصادر عن مكتبة العبيكان عام 2003م:وكما لا يخفى عن الجميع أن الهدف من استقلالية المرأة هو تمردها على الزوجية والأمومة لتقويض دعائم الأسرة، والقضاء على الزواج الشرعي، وارضاء رغبات المرأة الجنسية عن طريق العلاقات غير الشرعية لأنها اصبحت مستغنية عن الزوج الذي يعيلها وينفق عليها وهذا ما حدث بالفعل في المجتمعات الغربية ويريدون فرضه على مجتمعاتنا الإسلامية بصورة خاصة.ورغم ذلك وفي نفس الكتاب وفي الفصل الثالث منه والمعنون (مواجهاتي مع العلمانيين في مؤتمر مائة عام على تحرير المرأة العربية)، نجد أن الأستاذة سهيلة تتحدث في المواجهة الخامسة عن الحقوق السياسية للمرأة في الاسلام، ومنها حق البيعة وحق الشورى وحق الولاية والفتوى، وحق إجارة المحارب وحق المشاركة في الحياة السياسية.وهذا الطرح يتوافق مع طرحها الحالي والذي يدعو إلى توزير المرأة وإشراكها في الشأن العام، وفي مجلس الشورى وفي انتخابات المجالس البلدية، وقد طلبت طلبا خاصا من جلالة الملك عبد الله إبان وفاة الملك فهد رحمه الله بتخصيص يوم للنساء كي يبايعنه فيه أسوة بالصحابيات اللواتي بايعن الرسول الكريم وكان ذلك على القناة السعودية الأولى.من القضايا المتفرعة من قضية المرأة أيضا قضية الرد على الاتهامات التي يوصم بها الإسلام وتستخدم كدلالة على التمميز الجنسي مثل موضوع القوامة والطلاق وتعدد الزوجات وميراث المرأة والشهادة والعنف الذي يمارس ضد المرأة باسم الدين.ويجتهد الخطاب الدعوي في محاولة دحض هذه الاتهامات وايضاح حقوق المرأة في الإسلام والتشديد على أن الظلم الذي يرتكب ضدها ليس الا صنيعة الأوضاع الاجتماعية المتدنية ونتيجة لعدم فهم المرأة نفسها لحقوقها، فالقوامة ليست سيفا مسلطا على رقبة المرأة بل هي تكليف يقوم به الرجل على شؤون المرأة وعلى شؤون أسرته.وتقول الدكتورة رقية المحارب عن علاقة المرأة بالرجل من خلال مفهوم القوامة:هي علاقة سلطوية لا شك في ذلك ولكن لا يمكن أن تكون المرأة سعيدة بدونها طالما كانت في إطارها الشرعي، سيد ومسود، الزوج سيد، لأنه قائد الأسرة ولا يمكن أن يكون للأسرة قائدان. وما تصوره بعض المسلسلات من قسوة وسطوة مجنونة يمارسها الزوج على الزوجة لا يمثل إلا حالات لا تمثل الغالبية.وتكرار طرح الصور الشاذة، يؤدي إلى نفور من الزواج وهذا هدف موضوع مخطط له.

 

من خلال دحض التهم الموجهة للإسلام نلاحظ أن الخطاب الدعوي يتخذ الغرب إطارا مرجعيا عند التقييم والمقارنة، وهي آلية تتخذ من الهجوم وسيلة للدفاع، فإذا ذكر تعدد الزوجات ذكر تعدد العشيقات في الغرب والفساد والتسيب الأخلاقي والانحلال الجنسي. وفي حالة الحديث عن العنف الموجه ضد المرأة المسلمة والعربية لا بد أن يستحضر الخطاب إحصائيات تدلل أن المجتمع الغربي ليس بريئا من هذه الحالات بل إنه ينافس المجتعات العربية ويزيد عليها!! والسؤال الذي لا بد أن يرتفع هنا: هل سيساهم ذكر هذه الاحصائيات في تقليص الظلم الموضوع على كاهل المرأة المسلمة والعربية والذي يمارس باسم الدين؟! وهل سيساعد المرأة العربية في وضع حلول لمشاكلها الاجتماعية؟ أم أن استخدام هذه الآلية التبريرية يساهم في جعل المرأة تتقبل الظلم ولا تتخذ أية تدابير لايقافه أو لتحجيمه؟
واعظات الكاسيت وإلهاب المشاعر

منذ اشتعال جذوة الصحوة وبداية تمظهر فعالياتها في المجتمع النسائي في المملكة العربية السعودية، انتشرت ظاهرة مقلقة وجديدة على مجتمعنا، وتتجسد في انتشار الوعظ الذي تمارسه واعظات يأتين من خلفية ثقافية هشة تشكل الكاسيتات والمطويات والكتيبات الصفراء الدعامة الرئيسية فيها، أو عندما يلمسن في أنفسهن قدرة على الخطابة أو تمكنا من التأثير على المتلقيات، بل إن هناك اتجاها إلى دعوة كل امرأة لأن تكون واعظة أو تجاوزا (داعية) وهذا الاتجاه عادة يدّعم بالحديث الشريف القائل: ( بلغوا عني ولو آية) دون تفكيك لحقيقة معناه أو الالتفات إلى السياق الذي ورد فيه.

 

فهذا الخطاب يطلب من جميع النساء أن يصبحن واعظات دون القاء اعتبار إلى خطورة ودقة هذه المهمة والتي من الممكن أن تؤدي إلى تكوين أفراد غير متوازنين نفسيا، يعانون من القلق والاكتئاب والوساوس والأمراض النفسية المختلفة.ومعظم هذه الندوات لا تراعي الأبعاد النفسية للوعظ ولا تحسن استخدام عنصري الترغيب والترهيب والذي يتحول فيه الترهيب إلى سادية عالية جدا يتم فيها مصادرة الفرح ووأد مشاعره واجتثاث أحاسيسه، بتركيزه على الترهيب من الموت ومن عذاب القبر وعذاب النار.واذكر أني حضرت احدى هذه الندوات وكانت الواعظة تتحدث عن العذاب الذي يعانيه المحتضر عند خروج الروح من الجسد، ورأيت كيف ترتسم ملامح الرعب على ملامح المتلقيات اللواتي تتهدج أنفاسهن وتدمع أعينهن وترتفع صدورهن وتنخفض في لهاث سريع يتوافق مع صوت الواعظة الذي يرتفع وينخفض حسب شدة الموقف ورهبته. المشكلة في معظم هذه الندوات أنها ترسخ لكراهية الدنيا وتخلط ما بين حب الحياة ـ والذي يعتبر احدى الوسائل التي يقاوم بها الإنسان أزمات الحياة ومصائبها ـ وبين العب من الشهوات والانكباب عليها، كما أنها تحض على ثقافة الموت وتكثر فيها الأقاصيص الملفقة والمختلقة والحكايا المهّولة، وتخرج الحاضرات وقد اسودت الدنيا في أعينهن..يلازمهن شعور مر وممض من الإحساس بالتقصير يدفعهن إلى اليأس من العمل وإلى تحقير شأن الممارسات الدنيوية الحيوية في حياتهن، وإلى الخوف الهستيري من الوقوع في الشبهات الصغيرة. مع خلق صراع نفسي في نفس المتلقية، لأن هذه الجلسات الوعظية تتعارض مع الطبيعة البشرية، لأنها تحاول أن تلغي الرغبة الموجودة عند كل إنسان في الترفيه واللهو البريء والاهتمام بشؤون الدنيا، وتمعن في تهميش الحياة الدنيا وكأنها ليست الطريق الذي يؤدي إلى الآخرة.ولا تحاول تسليط الضوء على القيم الإسلامية التي تحفز الإنسان على العمل البناء الذي يدعو إلى عمارة الأرض والسعي في تحصيل العلم وربط العلم بالعمل، وإلى إتقان العمل وربط ذلك بحب الله سبحانه. كما أنها تسطح هذا الدين العظيم وتصبه فقط في خانة واحدة تشكل الشكلانية محورها الرئيس، فتركز على الممارسات الشعائرية والالتزام الشكلي بالحجاب وتوابعه، فتجرده من الدعائم الجوهرية التي يقوم عليها والتي تشكل أهم مميزاته فهو دين الحياة الذي يجعل حياة الإنسان كلها عبادة ويؤكد أن جميع ممارساته الدنيوية تدخل في خانة العبادات.
الترهيب النفسي ـ الديني

ثقافة الترهيب هذه لا تقتصر فقط على بعض الحلقات الاجتماعية والمحاضرات، بل تمتد لساحات المدارس لتساهم في تكوين شخصيات وسواسية، قلقة، من أجيال المستقبل من الطالبات الصغيرات اللواتي يتعرضن لتأثيرها.وقد انتشر شريط لغسل الميت وتكفينه في المدارس الابتدائية والمتوسطة والثانوية، وذلك حتى تتعظ الطالبات ويعرفن أن نهايتهن المحتمة هي الموت !! وقد كتبت الصحافة السعودية كثيرا عن هذا الشريط وأثره السلبي على الطالبات والذي أدى إلى إصابة بعضهن بأمراض نفسية، وقيل انه قد تم سحبه من المدارس.ولكني فوجئت حين أخبرتني سيدة لها ابنة في الصف الثالث الابتدائي أنه تم عرض هذا الشريط في مجلس الأمهات في نهاية العام الدراسي السابق باحدى المدارس الحكومية الابتدائية في المدينة المنورة.ويفترض أن وظيفة مجالس الأمهات الرئيسية هي مناقشة مستوى الطالبات في التحصيل العلمي، وطرق تطويره، والمشكلات التي تواجه المعلمات والأسرة في تعليم الطالبات وتربيتهن، والطرق الناجعة لمواجهتها، ولكن ذلك المجلس تحول ما بين غمضة عين وانتباهتها إلى حفلة ترهيب للأمهات أنفسهن.وتقول تلك السيدة أنها كانت تتطلع إلى الخلف ما بين الفينة والأخرى خوفا من أن تتسلل ابنتها إلى مكان الحفل فتتجرع من تلك الوصلات المرعبة التي لا يمكن أن يتحملها صغر سنها ورهافة تكوينها، لأن الأم نفسها لم تكن تحتمل مشاهدة ذلك الشريط المرعب الذي أجبرت على رؤيته.
التوظيف الديني لقصص الموت

لا تزال هذه المحاضرات التي تركز على الشكلانية في التدين تقام في المدارس الحكومية والأهلية وفي مختلف المراحل الدراسية، ويقتطع وقتها من الحصص المدرسية.وتقول طالبة في المرحلة المتوسطة في احدى المدارس الأهلية ان بعض الواعظات يأتين إلى مدرستها لالقاء الندوات في حرم المدرسة وأنهن ما زلن يستخدمن الأساليب الترهيبية القديمة. واستطردت تحكي عن احدى الندوات التي القتها عليهن احدى مديرات المدارس الحكومية، وكان موضوع الندوة عن لباس المرأة المسلمة وشروطه، فحذرت الواعظة من التشبه بلباس الكافرات أو تقليدهن حتى لو كان اللباس ساترا، وكانت تذكر بعض القصص عن وفاة بعض الفتيات فجأة أو في حوادث السيارات ثم توميء بأصبعها عشوائيا إلى احدى الفتيات التي يوقعها سوء حظها في وجهها قائلة: ربما تكونين أنت التي سينتزع ملك الموت روحها المرة القادمة.. فهل تريدين أن تدخلي النار بسبب بنطلون!! ناهيك أن كثيرا من المعلمات يتحولن إلى واعظات نتيجة لثقافة التشدد والغلو التي انتشرت في مجتمعاتنا، ولا يقتصر ذلك على معلمات التربية الاسلامية بل يمتد إلى معلمات الرياضيات والطبيعة والفيزياء!!

التساهل في الوعظ، وتقديم الفتاوى المجانية حول مجتمعاتنا برمتها إلى هيئة إفتاء ووعظ ونصح وإرشاد، وصار الصغير والكبير والجهلاء وأنصاف المتعلمين لا يتورعون عن الإفتاء وإطلاق الأحكام الدينية التي تقيم محاكم لتصرفات البشر بل وتتجرأ أيضا على ادعاء معرفة النوايا والمقاصد المتوارية خلف الأعمال الظاهرة. كما أن تصنيف الناس إلى فئات بات سمة واضحة من سمات مجتمعاتنا فعظيم البلايا قد وفد علينا من جراء إطلاق التهم على عواهنها ومن إصدار الأحكام على الناس، فصار من السهولة بمكان إشهار سلاح التكفير في وجه أي شخص يجرؤ على التفكير بطريقة مختلفة. بينما يهمش ويلغى من أجندة الوعظ والواعظات تثقيف المرأة وتوعيتها بدورها في المجتمع وأهمية مشاركتها في صنع نهضة بلادها وتنميتها وتفعيل دورها، وعن المسؤولية الملقاة على عاتقها فيما يختص بإدارة منزلها أو تربية أبنائها وطبيعة المراحل التي يمرون بها وكيفية التعامل مع الإشكاليات التي لا تفتئ ترمي بثقلها على ظهورهم اليانعة وعن ماهية التحديات التي تواجهها الأسرة والمجتمع في وقتنا الحالي.أفظع ما في الأمر أن التركيز على التمسك بصغائر الأمور مع تهميش الجوهر، يؤديان إلى التعصب الذي يقود إلى التطرف والإحساس بالتفوق والتميز وامتلاك الحقيقة المطلقة. وبدون شك أن كل هذه الأمور تقود إلى النظرة الأحادية وإلى الكابوس الذي يفزعنا جميعاً الآن: الإرهاب.

أضف تعليقاً