لماذا يهرب الكثير من الناس عن تسديد ديونهم؟
11 ديسمبر 2000 - أ . عالية فريدالقرض أو الدين مصطلحان لمعنى واحد، أقره الإسلام كضرورة إجتماعية تسد حاجة الناس وتنفس كرباتهم، وفي نفس الوقت حذر منه، كي لا يكون أداة لسلب حقوق الآخرين وأكل أموالهم بالباطل. وعملية الحصول على الأموال في هذه الأيام أصبحت طريقة سهلة وميسورة، عبر الاستدانة من الآخرين كالأصدقاء والأقارب وحتى الجيران، أو الاقتراض من البنك أو الشركة أو صاحب المؤسسة أو زميل المهنة.
ففلان يقترض لأسباب واضحة ومعقولة، وآخر يقترض لتحقيق رغبات ونزوات كمالية فارغة، فيستلف ليغير موديل السيارة، أو لرحلة سفر سياحية، أو لأن زوجته تنوي تغيير أثاث المنزل و.. الخ، وفجأة يجد نفسه عاجزا أمام تراكم الديون، وبمراجعة سريعة لمركز الحقوق المدنية فانا نرى الكثير من المدانين مديونون إما عجزا أو نهبا أو هربا من تسديد الديون. وفيما يخص هذا الجانب إلتقت الوطن بأحد الدين في المنطقة (فضيلة الشيخ حسن الخويلدي) المتصدي لمعالجة الكثير من المشاكل حول هذا الموضوع.1- فضيلة الشيخ هل الدين ضرورة في حياة الإنسان؟
ربما كان الدين ضرورة حياتية لمزيد من الناس لكونه معسرا في وقت من الأوقات، وليس كذلك في وقت آخر، أو لغيره الناس، ولكن بشكل عام الدين ليس ضرورة حياتية، و إنما هو أحد الحلول المثلى التي وضعها الشارع المقدس لعلاج المشكلة الاقتصادية التي ربما يتعرض لها المجتمع نتيجة مخالفته أوامر الله سبحانه، ولان الله سبحانه فرض أقوات الفقراء في أموال الأغنياء، فما جاع فقير إلا بما متع به غني، فإذا بدل الغني نعمة الله كفرا، أو إتخذ البخيل البخل بحق الله وفرا، فعندئذ يختل التوازن وينتشر الفقر، وتبدأ المشاكل الاقتصادية تعصف بالمجتمع، وقد حذرت الشريعة الإسلامية من وقوع في هذه المشاكل، وفي نفس الوقت رسمت لناس طرق علاجها إذا ما وقعت، عبر تشريع الخمس والزكاة والصدقة و غير ذلك، وجعل من ضمن تلك الحلول والمعالجات مسألة القرض والاقتراض.
2- ما هي وجهة نظر الشرع الإسلامي حول الاستدانة والدين؟
الشرع الإسلامي ينظر إلى مسألة الدين من جهتين احدهما تكمل الأخرى، فهو جهة يحث المؤمنين على إقراض إخوتهم المؤمنين، وسد حاجاتهم ومواساتهم، ومن جهة أخرى يحث المؤمنين على الصبر و التحمل وعدم اللجوء إلى الإقتراض للحج المندوب أو الزواج مع القدرة على وفاء الدين في الأجل المضروب بين الدائن و المدين. و النصوص الدالة على استحباب إقراض المؤمن كثيرة ومنها، قول الرسول (ص) (من أقرض مؤمنا قرضا ينظر به ميسورة كان ماله في زكاة وكان هو في صلاة من الملائكة حتى يؤديه).
وقوله (ص) (من أقرض أخاه المسلم كان له بكل درهم أقرضه وزن جبل أحد من جبال رضوى وطور سيناء حسنات وان رفق في طلبه تعدى على الصراط كالبرق الخاطف اللامع بغير حساب ولا عذاب، وزمن شكا إليه أخوه المسلم فلم يقرضه حرم الله عز وجل عليه الجنة يوم يجزي المحسنين)، وفي وصية الأمام علي(ع) لابنه الحسن(واغتنم من استقرضك في حال غناك ليجعل قضاءه لك في عسرتك) وقول الصادق(ع) (لئن أقرض قرضا أحب إلي من أن أتصدق بمثله، ومن أقرض قرضا وضرب له أجلا ولم يؤت به عند ذلك الأجل كان له من الثواب في كل يوم يتأخر عن ذلك الأجل بمثله صدقة دينار واحد كل يوم).
ومن النصوص المحذرة من الاستدانة، قول الرسول(ص) (إياكم والدين فانه هم بالليل وذل بالنهار)، وعن أـبي سعيد الخدري قال: سمعت رسول الله (ص) يقول: أعوذ بالله من الكفر والدين! فقيل يا رسول الله! أيعدل الدين الكفر؟ فقال (ص): نعم)، ويقول أمير المؤمنين (ع) (الدين أحمد الرقين)، إلى غير ذلك من النصوص المتظافرة في هذا الباب، ومن هذه النظرة المتكاملة فيما يرتبط بالإقراض الإقتراض ندرك جيدا أن هدف الشريعة من ذلك هو إنشاء مجتمع مؤمن صالح متعاون فاعل وصبور، يتحدى كافة المشاكل الاقتصادية.
3- لماذا يلجا الإنسان إلى الدين أو الاستدانة؟
تارة يلجا الإنسان إلى الدين لكونه مضطرا إلى ذلك، ولم يكن له سبيل سوى الإستدانة والإقراض، بحيث يعد ذلك في نظر العقلاء إضطرارا كما لو ضاقت به لقمة العيش لابد منها أو المسكن أو الملبس الضروريان له ولعياله. فسبب الاستدانة هنا واضح والمستدين معذور في نظر العقلاء، وتارة يكون إقترض الإنسان لكماليات الحياة، أو لأمور يرى الشرع كراهية الاقتراض من أجلها مادام عازما على الوفاء بدينه، وهنا يكون الأولى ترك الاقتراض.
وتارة يكون الاقتراض سرقة كما لو لم يكون عازما على رد الدين إلى أهله، وفي الجملة الوازع الديني ومستوى التزام وإيمان الإنسان ينعكس على سلوكه في أمر الاقتراض أو الإقراض، فالمؤمن الصادق الأيمان لا يلجا إلى الاقتراض آلافي موارد الضرورة القصوى |أو ما هو بحكمها كما أ|شرنا، وفي نفس الوقت لا يرد مؤمنا لجا إليه طالبا منه إعانه بقرض أو صدقة أو ما شابه مدام قادرا على ذلك.
بينما الإنسان الضعيف الإيمان تراه غير متحرج من بذل ماء وجهه لهذا وذاك، وإذا حصل على بغيته، أعتبر ذلك المال الذي أقترضه غنيمة يماطل صاحبها ويشاكسه، وما كان غريمه صاحب فضل عليه، فربما أخر سداد دينه، أو ربما أنقصه شيئا من حقه، بل ربما أنكر حقه ألبته والعمدة في المقام حول تلايمان ورقابة الله تعالى وخوف المعاد.
4- في نظركم لماذا يتهرب الكثير من الناس من سداد ديونهم؟
يتهرب الكثير من الناس من سداد ديونهم، وربما إستتروا عن مواجهة غرمائهم لأمور كثيرة لعل من أهمها ما يلي:-
أولا- ربما يكونون غير قادرين على السداد واقعا، ويمنعهم الحياء من مقابلة غرمائهم، لذلك يستترون عنهم ويتهربون من مواجهتهم. وهذا التصرف غير صحيح إن كان هذا الصنف يتمتع بصفة الحياء وهي شعبة من شعب الأيمان.والتصرف الصحيح عند العجز عن السداد في الأجل المضروب هو إسترضاء الغريم، وطلب إمهاله بالكلمة الطيبة، أو عبر رسالة خطية أخوية وهذا من شأنه أن يطمئن الدائن بأن مدينة غير غافل عن حقه، أما أن يتهرب المدين عن سداد الدين وعن ملاقاة دائنه فهذا من شأنه أن يؤجج نار القلق والإضراب عند غريمه، وعندها ربما يتصرف تصرفات غير مناسبة زودا ودفاعا عن حقه، فتحصل العداوات والنزعات.
ثانيا- ربما كان تهرب البعض من سداد ديونهم لإطالة أمد الدين بغية أن يسقط صاحب الدين حقه أو جزءا منه لصالح المدين، وهذا السلوك غير صحيح أيضا فلإسلام نهى عن هكذا كسب، لأنه تحامل في أخذ حقوق الناس.
ثالثا- ربما كان تهرب البعض من سداد ديونهم إنكار منهم لحق غرمائهم، وقد يكون ترك كتابة الدين أو الأشهاد عليه عاملا مساعد لإنكار الدين، خصوصا ونحن في زمان القائل فيه بالحق قليل، واللسان عن الصدق كليل أهله مصطلحون على الاذهان ومعتكفون على العصيان.
5- ما حجم المشاكل التي تردكم وتتعلق بهذا الموضوع؟
المشاكل كثيرة، فقد رأيت أصدقاء متآلفين و متحابين حولتهم هذه المسألة إلى أعداء، لا يطيق أحدهم الآخر يأكل بعضهم لحوم البعض الأخر في المجالس و المحافل غيبة ونميمة. والسبب في ذلك مخالفة أمر الله ورسوله في التعامل مع هذا الأمر، فالقرآن الكريم يقول (يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه..) ثم تتحدث الايه المباركة عن صغائر الأمور وتطلب إثباتها و|إثبات الشهادة، لكن تعامل الناس بالثقة المفرطة مع بعضهم البعض هو الذي يقود إلى مثل هذه المشاكل، وهاهو الرسول(ص) ينهي عن المماطلة بالدين مع القدرة على آذائة، وينهى عن حبس الحقوق عن أهلها، ويؤكد على أهمية الأشهاد في أمر الدين كما أكد القرآن على ذلك. إلا أن ترك الناس للتعليم هو الذي أوقعهم في مشاكل هم في غنى عنها.
6- قبل أن نختتم فضيلة الشيخ لقائنا معكم هل لكم وصية توصون بها في هذا المجال؟
نعم وصيتي أن يحاسب الواحد منا نفسه قبل مصرعه بين يدي أهله، اذلاطبيب يمنعه ولا حبيب ينفعه، وأن يؤدي ما عليه لناس من حقوق، وعند عدم القدرة على سد الدين، ينبغي أن يبادر إلى استرضاء أصحابها وطلب إمهالهم، فان كثيرا من الناس المحسنين والمواسين لإخوانهم بالمال أصيبوا بردة فعل من سلوك المماطلين بحقوق غيرهم، فلا بد أن يعرف كل واحد منا اقترض ملا ولم يؤده إلى صاحبه بعد حلول أجله، فقد ساهم في إغلاق أبواب المعروف والإحسان بمماطلاته وتأخيره أداء دينه، وأن نلتزم بتعاليم القرآن والسنه النبوية بضرورة كتابة الدين والأشهاد عليه، وبيان كل شيى يكون بين الدائن والمدين سواء كان صغيرا و كبيراً. كما أوصي الإخوة الدائنين بالإرفاق بإخوانهم المدينين، حتى عند أداء الدين ينبغي التسامح، وعد الإساءة لا، استقصاء الحق قد يكون إساءة.