المرأة السعودية ومشروع التمكين السياسي المعوقات والمنطلقات
29 مايو 2012 - أ . عالية فريدلا مناص، أن تمكين المرأة من حقوقها السياسية لا يتعارض مع جوهر الرسالات السماوية والقيم الانسانية، وحقوق المرأة والنساء عامة جزء لا يتجزأ من حقوق الانسان، بوصفها كيان موحد وشامل لكل أصناف الحقوق «السياسية والمدنية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والعائلية» غير قابلة للتجزئة أو النقصان، إذ لا يمكن على سبيل المثال كفالة الدولة حق المواطن وأسرته بالحقوق الاقتصادية في ” حالة الطوارئ والمرض والعجز والشيخوخة، ودعم نظام الضمان الإجتماعي أو الإسهام في الأعمال الخيرية، مع عدم الاعتراف بالحقوق السياسية والمدنية والعكس بالعكس، والعدل والمساواة بين المواطنين رجالا ونساء، وقيم الخير والفضيلة تدعوا إلى إعطاء كل ذي حق حقه.
على هذا الأساس، التمكين السياسي يعني مشاركة المرأة في ادارة الشأن العام وفي صناعة القرار المرتبط بالتنمية في مختلف جوانبها السياسية والإجتماعية والثقافية والاقتصادية، ولا يمكن لدولة ما أو مجتمع ما أن يتقدم أو يرتقي دون مشاركة المرأة في مختلف هذه الجوانب، وعندما ننظر لواقع المرأة السعودية نلحظ برغم ما أحرزته من تفوق في الجانب الاجتماعي والثقافي وحتى الاقتصادي نوعا ما، إلا أن دورها على الصعيد السياسي لايزال ضعيفا إن لم يكن معدوما.
فعلى سبيل المثال لا الحصر، في لقاء المنتدى الاقتصادي الأخير عام 2011 م الذي أقامته الغرفة الصناعية التجارية بالمنطقة الشرقية، والذي جاء في أجواء قرارات ملكية تعنى بالترشيح والإنتخاب للمرأة بناءا على تصريحات خادم الحرمين الشريفين التي حملت معها تباشير لحقبة جديدة لتاريخ المرأة السعودية على كل المستويات التنموية السياسية والإقتصادية والثقافية والإجتماعية.
أكثر ما شدني ولفت إنتباهي في المنتدى كلمة السيدة بهية الحريري وهي إمرأة لبنانية عربية أثبتت ذاتها في الحقل السياسي اللبناني كونها نائبة في البرلمان اللبناني ورئيسة للعديد من اللجان التربوية والثقافية وعضو في عدد من اللجان معظمها يعنى بشؤون المرأة والطفل… لها العديد من المبادرات والانجازات التي لاقت صدى واسعاَ على الصعيدين اللبناني والعربي…. إلى جانب اختيارها سفيرة ” الأونيسكو ” للإرادة الطيبة للمرأة والفتاة العربية… ولعل من أهم مبادراتها اطلاق جائزة أم المؤمنين السيدة خديجة بنت خويلد «سلام الله ورضوانه عليها» لسيدات الأعمال العرب في منتدى سيدات الأعمال الذي أقيم في جدة عام 2003 م بهدف دعم سيدات الأعمال العربيات اللاتي يتمتعن بالإرادة الطيبة تجاه أمتهن ومعتقداتهن… شاهدنا هنا أنها كانت تحكي تجربتها في العمل السياسي على مدار ثلاثين عاما وهي تعمل في خدمة الشأن العام، تحدثت بدرجة عالية من الوعي والإحساس بالمسؤولية وبثراء فكري سياسي ممتع للجميع، كانت تروي ما تواجهه من مستجدات وأحداث يومية في تعاملها المباشر مع قضايا الناس ومعايشة همومهم وسعيها لحل مشاكلهم، فكثيرا ما كانت تؤكد على أهمية أن تبني المرأة قدراتها وتستقل بذاتها كصاحبة قرار بدءاً من موقعها الأسري وانطلاقا في ساحة الميدان العام بممارسة دورها كشريكة في صنع القرار، موضحة بأن مشاكل تعاطي المرأة السياسة في نظرها معظمها مشاكل وهمية تعود للمرأة نفسها نتيجة أوهام تتحكّم بالمفاهيم الاجتماعية والثقافية السائدة، فالقضية هي ” قضية إرادة وإيمان وثقة بالنفس” معلنة بأنها لم تواجه كامرأة مشاكل تختلف عن المشاكل التي يواجهها الرجل في الحياة السياسية، وترى بأن الكثير من المسائل التي تعاني منها المرأة في العالم العربي يعاني منها الرجل أيضاً… هذا لا يعني بأننا لا نقرّ بوجود أنماط مختلفة ومعقدة تحول دون لعب المرأة دورها الطبيعي في المجتمع، الأمر الذي يستلزم المشاركة الكاملة في صناعة القرار من أجل النهوض بالمجتمعات العربية إنتاجياً وثقافياً واجتماعيا كي يتسنى للجميع إحداث التوازن، وتغيير الثقافة السائدة والنظرة المحدودة لدور المرأة العربية في المجتمع.
عوداً لبدء، لا يختلفان عاقلان عارفان بزماننا السياسي المعاصر، أن من خصائص المجتمع الديمقراطي اهتمامه بالمشاركة الشعبية – الأهلية – في ادارة الشأن العام وفي عملية صناعة القرار والتي أساسها «أن السيادة للشعب والشعب هو مصدر السلطات»، إنطلاقاً من مؤسسة الأسرة ومرورا بمؤسسات المجتمع المدني وإنتهاءا بالمؤسسات الوطنية الرسمية، حيث هذه المشاركة تكون منقوصة في حال تم غياب أي فئة من هذه الفئات، اذ الإعتراف بحقوق النساء ومشاركتهن الفاعلة في الشأن العام يعد شرط ومكون أساسي لتحقيق الديمقراطية والمساواة والكرامة الانسانية، وكوننا بصدد طرح إشكالية غياب وضعف مشاركة المرأة السعودية في المجال السياسي فإن ذلك يدعونا لمعرفة الأسباب الهيكلية والجذور الثقافية والاجتماعية والتاريخية التي عاشتها المرأة، وبالتالي فان قضية مشاركة النساء وتمكينهن السياسي تقتضي تناول قضايا الأمية والتعليم والتنشئة والإنتاج المعرفي والاقتصادي والصحة والبيئة والتشريعات والإعلام والأمن والاستقرار وما هنالك، فمن المهم بنا في هذه المرحلة مناقشة واقع ” مشاركة المرأة السعودية في الحياة السياسية ” والصعوبات والتحديات التي تعترض طريقها وذلك في ضوء المشروع القانون الانتخابي الجديد الذي يجرى إعداده والعمل عليه – إن صح ذلك – لمشاركة المرأة السعودية في الانتخاب والترشح كعضوة في مجلس الشورى وفي المجالس البلدية، مما يجعل الأمر ملحا لإيجاد ومناقشة آليات عملية لتعزيز مشاركة المرأة في المجالات السياسية على مستويات أساسية متعددة ترتبط بإدماج النساء في حياة المجتمع الخاصة والعامة والذي يشكل مقياسا أساسيا للتنمية الحقيقية، والتي لا تتم في غياب النساء عن مراكز القرار وهن يشكلن نصف المجتمع، ودون مشاركتهن في الاختيارات الأساسية للبلاد، فمشاركة المرأة ضرورة ملحة في السلطة وتمثيلها في السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية وفي صناعة القرار وفي مجلس مستقل يهتم بشؤونها ومشاكلها، وتمثيلها في سلك القضاء والمحاماة، وتحديد نسبة تواجدها في مجالس المناطق المحلية، ومشاركتها في مجلس الدولة، وأن تنال فرصتها في الخدمة المدنية وفي المناصب القيادية والإدارية العليا، ليتحقق لها التمكين السياسي المطلوب الذي يعزز ويدعم موقعيتها في الفضاء السياسي والذي لا يقل أهمية عن الفضاءات الاجتماعية والثقافية التنموية الأخرى.
أما عن المعوقات التي تعترض طريق المرأة ومشاركتها الفعالة فهي متنوعة وعديدة:
1 – معوقات سياسية، ناتجة عن ضعف البنية السياسية نتيجة لحداثة الدولة، التعصب والأحادية الفكرية التي تسعى لتهميش المرأة، فقدان التسامح وعدم الايمان بالتعددية، المواطنة المنقوصة، فالمرأة السعودية لازالت لا تتمتع بأهلية قانونية كاملة، ضعف القوى والتيارات الوطنية في إعداد وإبراز النماذج النسائية الناجحة.
2 – معوقات إقتصادية، مثل تزايد نسب البطالة المتفشية بين النساء وضعف وجود المرأة في سوق العمل والتي تقدر نسبتها بين 30 – 60 %، بالإضافة إلى تدني مستوى الرواتب والأجور مقارنة بالرجل.
3 – معوقات اجتماعية ثقافية، حول ما تعانيه المرأة من إقصاء وتمييز في أمورها الحياتية، العنف الأسري والاجتماعي، النظرة الدونية التقليدية وضعف قبول المرأة في الشأن العام، الموروث الثقافي، السيطرة الذكورية، العنوسة، الجهل والأمية، الفقر والعادات والتقاليد كل ذلك يضعف مشاركة المرأة في الحياة السياسية.
4 – معوقات نفسية، ضعف الثقة بالذات، النظرة الدونية لدور المرأة، علاقة المرأة بالمرأة، نفور النساء من العمل السياسي نتيجة الجهل وعدم الوعي والرضا بحالة التبعية، او نتيجة لتحقيق الانجازات السريعة وهذا مالا يتوافر في طبيعة العمل السياسي، والإحباط نتيجة الفساد السياسي في الأجواء العامة.
5 – معوقات قانونية، لا زالت المرأة السعودية تعاني من القوانين التمييزية الجائرة بحقها لاسيما في القوانين الجزائية وقوانين الاحوال الشخصية.
6 – ضعف التخطيط الاستراتيجي الذي يعمل على تشكيل حركة نسائية سعودية قادرة على بناء وتخريج القيادات النسائية التي تفعل الدعم والمساندة.
7 – ضعف العمل على ايجاد مراكز ابحاث ودراسات متخصصة حول واقع المرأة السعودية لتوثيقها واعتمادها وجمعها في وثيقة وطنية واحدة.
لأهمية المرحلة السياسية الحرجة التي تعيشها المنطقة ولمواكبة المتغيرات والتحولات العصرية المتسارعة، وللنهوض بالمجتمع آن الآوان لتبني سياسات تنموية جديدة تستجيب للاحتياجات الخاصة للنساء حتى يتمكّن من لعب دور حقيقي وفاعل في الحياة العامة، وذلك عبر مايلي:
1 – مراجعة القوانين واللوائح المحلية وتطويرها وإيجاد تشريعات حديثة بما يمكن النساء من المشاركة الفعلية في الشأن العام.
2 – إقرار مبدأ المواطنة المتساوية ورفع التمييز عن المرأة ، وتعديل التشريعات الوطنية بما يتوافق مع الإتفاقيات والصكوك الدولية التي تلزم الدولة باتخاذ التدابير اللازمة لكفالة حقوق الإنسان بصفة عامة، وحقوق النساء بشكل خاص، وايجاد آليات وطنية لتنفيذ هذه الإتفاقيات وخاصة الاتفاقية الدولية المعنية بإلغاء كافة أشكال التمييز ضد المرأة «سيداو» التي صادقت عليها المملكة العربية السعودية عام 2000م والبرتوكول الاختياري الملحق بها، فالعبرة ليس في تصديق الإتفاقية بل في إيجاد لجان وهيئات لمراقبة تنفيذ القوانين واعتماد جداول زمنية لتنفيذها.
3 – المسارعة في إنجاز قانون الأحوال الشخصية كبقية دول الخليج فبدوره سيساهم في رفع التمييز عن المرأة في الشؤون الأسرية كالزواج والطلاق والميراث وحضانة الأطفال وسيضفي احتراما لكرامة المرأة ويحفظ مكانتها.
4 – أهمية العمل على اتخاذ تدابير عاجلة واعتماد تشريعات لحماية المرأة تجرم جميع اشكال العنف، وتعاقب على ممارسته لاسيما العنف الأسري.
5 – دعم المؤسسات الحقوقية وأهمية دورها في دفع وإدراج مشاركة النساء في الشأن العام ضمن خططها وبرامجها. باعتماد نظام ” كوتا ترشيح النساء ” لتعزيز مشاركة المرأة في الحياة العامة وتخصيص مقاعد للنساء وفق نظام “الكوتا” كمرحلة انتقالية تؤمن مشاركتهن الفاعلة فهي تساهم في تغيير الذهنيات وتولد ثقافة واعية تجاه التعامل مع المرأة وتعّْود الناخبين على فكرة “انتخاب المرأة وقبولها” حتى لو لم تفز النساء، وبالتالي فهي تفرض على جميع القوى والتيارات الوطنية أن تفتش عن كوادر في صفوفها لترشيحها.
6 – دور الإعلام وأهميته في تغيير الصورة النمطية للنساء عبر وسائله المختلفة، وعمله على توعية المجتمع بأهمية مساهمة المرأة في الحياة العامة ، وتوعية المرأة بحقوقها لمواجهة المعوقات الاجتماعية والثقافية، من خلال تسليط الضوء على أسباب إعاقة النساء سواء كانت دينية أو اجتماعية أو غيرها على أن تكون هذه الصورة مؤسسة على مبدأ المساواة والتكاملية بين الجنسين بتعزيز الثقة والاحترام المتبادل، واتاحة الفرصة لطرح الاشكالات الحقيقية لأوضاع المرأة وحلحلة مشاكلها.
7 – افساح المجال ورفع الحظر عن مؤسسات المجتمع المدني والجمعيات الأهلية لممارسة دورها بجانب مؤسسات الدولة الرسمية فهي القادرة على الوصول الى كافة نساء المملكة في مختلف قراها ومناطقها. وإفادتهم ببرامجها وأنشطتها التثقيفية والتوعوية لدعم إستقلاليتهن وتحفيزهن على أهمية العمل والمشاركة في خدمة الوطن وتحقيق التنمية المستدامة.
8 – أهمية العمل على تغيير وتطوير الخطاب الديني والتعليمي والتربوي بما يتناسب مع واقع المرأة اليوم، وتصحيح الصورة التهميشية والإقصائية تجاه دورها وعملها الإنساني والطبيعي.
كلمة أخيرة: إن مشاركة المرأة بشكل فاعل في الشأن العام تتطلب إعداد القيادات النسائية الواعية لدورها الجديد بتمكينها من المهارات القيادية اللازمة لممارسة عملها بكفاءة وقدرة على التأثير الإيجابي في أداء كل من المجلس البلدي ومجلس الشورى.. كما هي بحاجة للتوعية بالأدوار التي تقوم بها هذه المجالس، والتعرف على طبيعة المساهمة التي يمكن أن تقدمها بكفاءة، فما على المرأة إذن إلا الرقي بفكرها وسلوكها والتزامها ومواطنيتها لتؤكد أنها شقيقة الرجل في مشوار البناء الحضاري العادل….