إلى متى سيستمر التعذيب؟
5 يوليو 2012 - أ . عالية فريد«يعتبر تعذيب الإنسان جريمة ضد البشرية كلها بصرف النظر عن دوافعه. فليست هناك دوافع تبرر التعذيب أو تخفف المسؤولية عنه ».
لكن على الرغم من ذلك كله، إلا هناك الكثير من الدول تمتهن التعذيب رغم توقيعها وتصديقها على العديد من المواثيق والاتفاقيات الدولية التي تحرمه وتجرمه، ومع أنه يوجد تفاوت في أساليب التعذيب بين الدول الذي تمارس التعذيب بانتظام، فإنه يمكن التأكيد بأن أكثر من نصف دول العالم تمارسه على سبيل التكرار والاستمرار…
وبمراجعة سريعة لتقارير المنظمات والمؤسسات الدولية الحكومية وغير الحكومية المهتمة بحقوق الانسان، نراها تفصح بنماذج وأساليب كثيرة من التعذيب التي تهز الوجدان وتثير الحزن والأسى على إنسان هذا العصر الذي يواجه أبشع وأقسى الممارسات اللا إنسانية في الدول المتخلفة والمتقدمة على السواء.
و حسب أجهزة الأمم المتحدة، هناك جهود مبذولة في سبيل حث الدول على عدم ممارسة التعذيب وتجريمه ومحاكمة المعذبين، وذلك عن طريق وضع مشروعات الاتفاقيات الدولية ودعوة الدول للتوقيع والتصديق عليها وتنفيذها كقوانين وطنية يلتزم بها جهاز الأمن المحلي كأقسام الشرطة أو المعتقلات والسجون والقضاة وكل السلطات الداخلية، فضلا عن وضع الإعلانات الدولية لمناهضة التعذيب ومنعه.
كما حرصت لجنة حقوق الانسان التي وضعت مشروع الإتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب 1987م في مادتها الأولى على أن تذكر بعض الأسباب الدافعة للتعذيب الذي يقع للمقاصد التالية: الحصول على معلومات، الحصول على إعتراف، المعاقبة، التخويف، الإرغام على شيء، أو بسبب التمييز العنصري. ووسعت من نطاق المسؤولية عن فعل التعذيب لكل من: مرتكب الفعل، المحرض، الموافق عليه، الساكت عنه من المسؤولين. بدءا من الجندي أو الضابط أو المحقق أو الموظف الذي يمارس التعذيب ممارسة فعلية صعودا إلى رئيسه أو رؤسائه الذين أمروا بالتعذيب أو حرضو عليه أو علموا به ووافقو عليه، أو في أقل الإيمان علموا به وسكتو عنه ولم يتخذوا إجراءا لإيقافه من موقع سلطاتهم فكلهم شركاء مسؤولون ومحاسبون.
وليس مستغربا أن الكثير من هذه الدول التي تمارس التعذيب قد صادقت على العهد الدولي للجقوق المدنية والسياسية لعام 1966 والإعلان الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 9 ديسمبر 1975 بحماية جميع الأشخاص من التعرض للتعذيب، ثم إتفاقية مناهضة التعذيب التي إعتمدتها الجمعية العامة في 10 ديسمبر 1984 ودخلت دور التنفيذ في 26 يونيو1987 م ومواثيق حقوق الانسان الأخرى، وضمنت ذلك وفق دساتيرها وأنظمتها المحلية وحملتها نصوصا قيمية عن حقوق الإنسان وعدم تعذيبه، لكنها للأسف تنتهك حقوق الانسان ولا تتورع عن ممارسة التعذيب، وما يؤسف أكثر ويحز في النفس أن من يقع عليهم التعذيب ليسوا أعداءا أو إرهابيين أو متمردين مسلحين بل هم مواطنين عاديين أغلبهم شبابا وأحداث زج بهم في السجون لا لشيء سوى أنهم متهمين بالتعبير عن أراءهم في نقد سياسات جكومات دولهم. أو مخلين بالنظام العام لمشاركتهم في الحراك السلمي… إنهم أبناؤنا وإخواننا في هذا الوطن العزيز، كيف ندعهم يتعرضون لظروف قاسية حيث تنعدم عندهم ابسط الامور والاحتياجات اليومية.
اضافة الى ذلك لم تعد ضروب المعاملة القاسية أو اللا إنسانية والمهينة للكرامة الإنسانية خافية على أحد اليوم، وها نحن ومع مرور الذكرى العالمية لمناهضة التعذيب ونحن في زمن ارتفاع أسهم الحريات والديمقراطية والاصلاح السياسي، لا نزال نلحظ عبر وسائل الإعلام المختلفة ما تفصح به هذه الدول من ممارسات، ونقف مذهولين أمام حالات البعض من السجناء المعتقلين الذين ينقل عنهم أسرهم بأنهم تعرضوا لوحشية من الممارسات التعذيبية الخطيرة ولا زالوا يعانون إلى اليوم من آثار التعذيب من اعاقات جسدية وأزمات نفسية حادة، كان آخر ضحية من ضحايا التعذيب الرسمي، الشاب اليافع محمد السيد طاهر الشميمي البالغ من العمر 22 عاما، الذي تم إلقاء القبض عليه في الحدود السعودية الكويتية قبل أكثر من ثلاثة أشهر، ولم يعرفوا أهله إلا بعد أسبوع من إعتقاله أنه في سجن المباحث العامة بالدمام، حيث احتجز في السجن لمدة 75 يوما، وتم الإفراج عنه مساء يوم 9/8/1433هـ الموافق 29/6/2012م، وتم نقله مباشرة لإحدى مستشفيات المنطقة – في وضع حرج «فاقدا للنطق والحركة والوعي».
لقد آن الآوان وقبل أن يستفحل الأمر ويتحول إلى ظاهرة نلزمها بالصمت، يجب أن تعلو أصواتنا لمقاومتها وردعها وفضحها، حتى نضع حد لكثير من هذه الممارسات وندفع السلطات الوطنية إلى محاكمة المسؤوليين عن ممارستها…
لابد من مساءلة ومحاكمة لكل أولئك الذين يمارسون التعذيب لسجناء الرأي وغيرهم من المعتقلين بإسم حفظ النظام أو التخويف وعلى أساس اعتبارات لا انسانية، مستغلين الزي الرسمي للدولة والمواقع القيادية ظانين بالله ظن السوء، كأنهم خلفاء الله في أرضه، يعذبون من يشاؤون وكيفما يشاؤون وينكلون بمن يشاؤون، ناسين عذاب الله الأليم!
يا ترى بماذا سيعود عليهم جورهم وتنكيلهم بالناس « ألا يعلموا أن الله عادل وقوي متين ولا تخفى عليه خافية وخاتمة المطاف سيعذب عزوجل الذين ظلموا وأجرموا وعذبوا الناس في أرضه »، يا ترى هؤولاء الذين يعذبون ويرهبون وينكلون في السجون، إن لم يكن لهم دين أليس لهم ذرة من ضمير أم أنهم باعوا عقولهم وإنسانيتهم بمتاع ومواقع زائلة وأوهام رخيصة؟ وكيف يتذوقون حلاوة العيش في هذه الدنيا وأيديهم ملوثة بتعذيب وضرب الأبرياء، وكيف يهنؤون بنوم أو راحة وقلوبهم وأسماعهم صدئة بضجيج ألم وصراخ ضحاياهم من السجناء.
وفي هذا الإطار لقد كفلت الإتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب «المادة 15» حقا أساسيا للمجني عليه، على السلطة القضائية مراعاتها والإلتزام بها، وذلك بإسقاط الإعترافات أو الشهادة التي أخذت تحت وطأة التعذيب، كجزاء مبدئي على ممارسة التعذيب، اذ يفوت على مرتكب التعذيب نيته وقصده في تلفيق التهم وتزوير شهادة الشهود.
كما تكفل الإتفاقية «المادة 13» لمن وقع عليه التعذيب أن يرفع شكواه إلى السلطات المختصة التي تلتزم بنظرها على وجه السرعة والنزاهة الكاملة، مع اتخاذ كل ما يلزم لحماية الشاكي والشهود من الضغط والإرهاب لإجبارهم على العدول عن شكواهم.
وأيضا في المادة «14» اذا ثبت وقع التعذيب وجب الحكم بالتعويض العادل والمناسب بما في ذلك وسائل إعادة تأهيل المجني عليه.
نافلة القول: الاسلام دين المعاملة والرفق دين المحبة والرحمة والعدل والسلام احترم البشرية ورفع عنها كافة أنواع العنت والذل والهوان، وحث أتباعه من عدم الاضرار بالحياة كلها سواءا كان نباتا او حيوانا، فما بالكم بالإنسان الذي أعزه الاسلام حيا وميتا فنهى عن التمثيل… إذن أين قيم الاسلام ورحمته وحضارته من واقعنا وسياستنا واجتماعنا وكل ابعاد وطننا؟ سؤال ينتظر جواب أصحاب الضمير السياسي والحقوقي والانساني الحي.
لا مناص أنه إذا فقد مجتمع ما، قيمة الاحترام في علاقاته العامة «الاجتماعية والسياسية والاقتصادية» ضاع السلام للجميع الحاكم والمحكوم معا… وبالتالي سؤالنا للقائمين على شؤون الإسلام وحقوق الانسان في بلادنا رسميا: إلى متى سيستمر التعذيب؟!