يومنا الوطني وماهية حب الوطن؟!
23 سبتمبر 2012 - أ . عالية فريداعتادت دول كثيرة في العالم أن تحتفل بمناسبة أعيادها الوطنية، فقد تحتفل بذكرى إستقلال أو بذكرى تحرير، أو بذكرى تنصيب أو تعيين، أو تولي زمام الحكم، وأيضا تحتفل الجماهير في بعض الدول بسقوط طاغية وقيام ثورة ورحيل حاكم مستبد، أو بأحداث تاريخية مهمة تستبشر من خلالها بنهوض حكم جديد، كقيام نظام ديمقراطي يعلن عن تأسيس برلمان «منوط بحكم الشعب» وقيام دولة الدستور والقانون، فيعلن عنه عطلة رسمية تعطل فيها جميع مصالح الدولة وهيئاتها، حيث تحتفل به في مختلف مدنها وقراها بجميع فئاتها وشرائحها، كما تبتهج شوارعها التي تتزين بالأعلام والشعارات الوطنية، وتزدان حدائقها بمظاهر إحتفالية بدءًا من العزف الموسيقي والرقص الفولكلوري، ومهرجانات للكبار، ومسيرات للأطفال الصغار، ويتم توزيع أنواع الحلوى بأشكالها، كل ذلك في أجواء تثير الفرحة وتعمق الولاء الوطني في النفوس.
اليوم الوطني السويدي أنموذجا:
في دولة السويد مثلا لم يكن العيد الوطني مألوفا فهو وليد حديث، كان مُختلفٌا عليه حتى سنوات قليلة مضت وكانت السويد تتميز عن أغلب بلدان العالم بخُلِّوها من المناسبات – الوطنية – بما فيها العيد الوطني، ولقد ظل هذا الأمر محل مفاخرة السويديين، والمقيمين في بلادهم، لما يعكسه من ضعف المشاعر الشوفينية لديهم مقارنة بمحيطهم القريب، إلا أن الأمور بدأت تتغير في العام 1983 حين صوّت البرلمان السويدي على اعتبار يوم 6/6 ‘’يوماً وطنياً أسوة ببقية دول العالم التي تحتفل بأعيادها الوطنية’’. وبعد أكثر من عشرين سنة صوّت البرلمان السويدي في 2005 على اعتبار هذا اليوم عطلة رسمية.
وقد لا يتفق الكثير من السويديين على ‘’سبب’’ اختيار هذا اليوم بالتحديد للاحتفال بعيدهم الوطني، ولكن حسب مزاجهم السياسي يشيرون إلى ثلاثة أحداث تاريخية مهمة بالنسبة لهم، أولها هو تاريخ انتخاب جوستاف فاسا ملكاً للبلاد في العام 1523، والثاني يعود للعام 1809 حين تم إقرار الدستور الذي فصَّل حقوق المواطنة ووضع أسس ضمانات حرية التعبير وحماية الملكية الشخصية، أما الثالث فهو من العام 1916 م حين استكملت الدولة السويدية شكليات بنائها بإقرار علمها الرسمي في صورته الحالية.
بقي العيد الوطني السويدي، لحسن الحظ وحتى الآن، خاضعاً للمزاج الشخصي لا لإرادة جمعية. وبقي يوم 6/6 بالنسبة للغالبية من الناس العاديين يومَ عطلة عادي دون أي معنى.
ولكن هل يتحول العيد الوطني السويدي من مجرد مناسبة ظريفة إلى أداة للتعبير عن الولاء أو أداة في يد أحد ما لاختبار ذلك الولاء لدى آخرين. هذا ما سوف توضحه لنا الأيام.
من هنا مهما يكن السبب فإن النتيجة التي توخاها البرلمان السويدي في 1983 م من تحديد يوم للاحتفال بالعيد الوطني وفي 2005 من إقراره يوم عطلة رسمية هي نفسها النتيجة التي يتوخاها كل المسؤولين في مختلف دول العالم التي تحتفل بأعيادها الوطنية. على رغم اختلاف أسبابها ومناسباتها تتقارب النتائج المرجوة من كل هذه ‘’الأعياد الوطنية’’.
في حين يحتفل الشعب السعودي باليوم الوطني في 23 سبتمبر من كل عام. وهو يوم صدور مرسوم الملك عبد العزيز بتوحيد المملكة العربية السعودية؛ حيث صدر في 17 جمادى الأولى 1351هـ مرسوم ملكي بتوحيد كل أجزاء الدولة السعودية الحديثة تحت اسم المملكة العربية السعودية، واختار الملك عبدالعزيز يوم الخميس الموافق 21 جمادى الأولى من نفس العام الموافق 23 سبتمبر 1932م يوماً لإعلان قيام المملكة العربية السعودية.
ومن أهم هذه النتائج هو الوصول إلى توافق بين الشرائح الأساسية في المجتمع على مساحة مشتركة تتفاعل فيها ومعها لتحقيق الإندماج والإنسجام الوطني المطلوب في كنف الدولة.
وفي مجتمعاتنا لتحقيق هذا التوافق هناك أربع مرتكزات رئيسية..
1 – الوحدة الوطنية: عبر المحافظة على النسيج الاجتماعي وتعزيز الحصانة الوطنية وجبهته الداخلية بعيدا عن أي تحيزات أو تمايزات أو إصطفافات عنصرية أو فئوية أو طائفية أو مناطقية، وذلك لأننا بحاجة إلى حماية المكتسبات والإنجازات العظيمة بتجاوز جميع الموروثات السلبية والتطلع إلى المستقبل الواعد من خلال مراجعة التاريخ ومواصلة مسيرة البناء والتطوير التي تحققت في المملكة خلال الحقب الزمنية المختلفة بدءاً من المؤسس الأول الملك عبد العزيز وصولا لعهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبدالعزيز – حفظه الله – والذي أوصل المملكة إلى مستوى عال من التقدم والنمو في مختلف المجالات. والحفاظ على أصالة المجتمع السعودي وأمن الوطن بحماية قيمه وتراثه بتضامن أبنائه وتلاحمهم وتقاربهم وتواصلهم وإخلاصهم في خدمته والإصرار على مزيد من التقدم في مسيرته السياسية والإقتصادية والثقافية والإجتماعية. فالوفاء للوطن ورفعة شأنه والأخذ بيد قيادته في المشورة والنصح هو خيار السعوديين الأول وهو ما تربوا عليه ودرجوا عليه جيلا بعد جيل، فكلما إشتدت بهم الأزمات وعصفت بهم المحن وتصاعدت بهم التوترات الإقليمية والدولية، ما ذادهم ذلك إلا تماسكا وتكاتفا خلف قيادته بالوفاء لها والإلتفاف حولها. فليكن هذا اليوم بداية لتأسيس ودعم الوحدة الوطنية وتطهير القلوب والعقول من ملوثات الفتن الطائفية.
2 – المساواة والمواطنة وتحقيق رفاهية المواطن، بما يتناسب مع تطورات العصر ومتغيرات الزمن والتحولات الدولية والإقليمية، فالدولة بحاجة إلى إصلاح في منهجها السياسي وفي تعاملها وإدارتها لشؤون الدولة بسن قانون يقر الحقوق والواجبات ويؤكد على مبدأ المساواة والتسامح والمواطنة وإقرار العدالة الإجتماعية وإرساء دعائم الدولة المدنية الحديثة، بالإضافة إلى تجريم ومحاسبة من يسئ لذلك أيا كان نفوذه، وبحاجة إلى الحد من إنتهاكات حقوق الإنسان والإعتداء على الحقوق والحريات وتوفير الحياة الكريمة للأفراد والجماعات وتلبية حاجات المجتمع بالعمل على سد العوز والفقر، وتوفير السكن وفرص العمل لتقليص نسب البطالة، فثروات المملكة وخيراتها ملك لمواطنيها ومن نصيبهم جميعا، ومن حق السعوديون أن يستمتعوا بها في التعليم والصحة والمرافق الخدمية المتنوعة وفي الخدمات العامة.
3 – العمل على تحقيق التنمية المستدامة والشاملة، فبلادنا بحاجة ماسة إلى تصحيح المسار وإعادة توجيه البوصلة في رسم خريطة التنمية في إتجاه الإهتمام بالموارد البشرية وتعزيز قيمة المواطن كإنسان بتنمية مؤهلاته وقدراته ككيان مشارك في عملية النهضة والبناء.، وبحاجة إلى ضخ دماء جديدة بروح جديدة حية ومعاصرة من الكفاءات العلمية المتخصصة وزجها في الحقول المتعددة وفي مختلف مشاريع التنمية في الدولة ونحو تنمية سريعة تنعكس على خدمات البنى التحتية وإمدادات الحياة اليومية من توفير الإحتياجات الأساسية التي يستفيد منها كافة المواطنين في مختلف ربوع المملكة وتلبية مطالب الناس المشروعة، والعمل بمبدأ الحوار والتفاهم ونزع فتيل الأزمات وإخمادها.
4 – محاربة الفساد، بحماية مصالح الوطن، فكلنا شركاء بمختلف طوائفنا وتعددياتنا من أجل الارتقاء بهذا الوطن الغالي علينا جميعا، فلنشحذ الهمم لكشف المفسدين والمخربين والطامعين وإبعاد كل من تسول له نفسه إيذاءه والإضرار به بكافة السبل الشرعية والوسائل المتاحة. فليس من المروءة إهدار المال العام في خدمة المصالح الشخصية والمحسوبيات دون أدنى شعور بالمسؤولية اتجاه من يعيشون الفقر، ويعانون من فقدان السكن، ولا يستطيعون تأمين أسرة للعلاج نتيجة لسوء الرعاية الصحية والخدمية. وللأسف الشديد هناك الكثير من المتنفذين والمفسدين الذين يعبثون بأموال الوطن بمسميات مختلفة دون حسيب او رقيب ودون وازع من ضمير أو رحمة. الأمر الذي يحتم على جميع الشرفاء والنبلاء في هذا الوطن الاستفادة من هذه الذكرى للدفاع عن الضعفاء من المواطنين، ومجابهة هؤلاء المفسدين وفضحهم على الملأ العام وبكل علانية.
بقدر ما يحمله المواطنين من حب عظيم ووفاء كبير لوطنهم ودولتهم في مختلف الظروف التاريخية والعالمية المتحولة، وفي إطار تقدير الظروف التي يعيشها الوطن، وتقدير المخاطر الذي تستهدفه، يتوجب على الدولة أن تقدم من نفسها نموذجا حضاريا للعالم كله بإحتضان شعبها ورعايته…
فاليوم الوطني يعني ماهية حب الوطن، وحب الوطن ليس خطب رنانة أو لافتات أو سطور منمقة ومجاملات تبثها وسائل الإعلام، بقدر ماهو حاجة الوطن لإخلاصنا نعم الإخلاص الذي يترجم إلى ثقافة عمل تلزمنا جميعا حكاما ومحكومين، بمعنى إخلاص المواطن في عمله وفي حياته اليومية، وإخلاص الموظف في تسهيل معاملات أخيه المواطن دون روتين وبيروقراطية معقدة، وإخلاص المدراء في حبهم وايمانهم بخدمة الوطن دون محسوبيات أو رشاوى، واخلاص الوزير وحفاظه على المال العام وتوفير المشاريع التي تخدم الوطن والمواطن دون التفكير بالمصلحة الشخصية والطائفية، واخلاص الحاكم بالحفاظ على الوحدة الوطنية من اجل الصالح العام، وإخلاص مؤسسات الدولة وأجهزتها في عملهم دون التفكير بالطائفة والقبيلة وتغليب المصالح الفردية على مصلحة المواطن السعودي الذي يحتاج الى الكثير من الخدمات العامة والخاصة، نعم كل ذلك من أجل الحياة الكريمة والعزيزة التي لا يذل بها المواطن الكريم الذي يستحق منا أكثر مما يقدم اليه الان، فالواقع الإداري والمالي المتخم بالفساد يشير إلى عوزنا وحاجاتنا إلى الكثير والكثير..
نعم يتحول الوطن كله إلى إحتفالية شعبية يسعد بها الجميع دون إعتقالات تعسفية، ودون حريات مقيدة، ودون تعذيب وسجون وزنازين انفرادية، ومع كل عيد وطني ينتظر السعوديون فرحة تطرق بيوتهم، وتدخل البهجة والسرور إلى قلوبهم ﴿وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان﴾ فهل يتحقق ذلك؟
و صدق حكيم الاسلام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب حين قال: “عمرت البلدان بحب الأوطان” فصدق حب الوطن لا دليل عليه سوى السعي الحثيث لإعماره وتنمية كل آفاقه الثقافية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية والأمنية الشاملة. حماك الله يا وطني…