جدلية تعيين المرأة في مجلس الشورى السعودي
18 يناير 2013 - أ . عالية فريدالعديد من الفاعلين في الحياة السياسية والاجتماعية، قدروثمن الخطوة المتقدمة التي أعلنها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز – حفظه الله – بمشاركة المرأة في مجلس الشورى، والتي تم الإعلان عنها هذه الأيام كواقع على الأرض عندما أمر بتخصيص 20% من المقاعد للمرأة السعودية، وتعيين ثلاثين سيدة عضوات في مجلس الشورى.
هناك من يراه تعزيز لموقعية المرأة ودعم لمشاركتها في مسيرة التنمية، – بغض النظر عن كل ماتم تداوله بعد القرار من رفض وتعليقات – في حين البعض يرى أن يحصل الحضور النسوي في الواقع السياسي والتنموي العام عبر عملية الترشيح بالإنتخاب لا بالتعيين وإقرار المعدل الكلي للكوتا، مع تحقيق المساواة وتفعيل المجلس بممارسة صلاحياته.
لا ريب أن جلها رؤى ذات أهمية بالغة لا يمكن إغفالها بلحاظ الارهاصات والآفاق، كما أن المشاركة السياسية للمرأة حق من حقوقها مكفول بالشرع والعرف الاجتماعي الراهن، فالإسلام كرّم المرأة وأتاح لها مجالا واسعا للمشاركة في بناء مجتمعها وتمكينها من خدمة أمتها، وفي المقابل أيضا هذا ما أكدت عليه القوانين والمواثيق الدولية، بالتالي ليس من النباهة والحكمة السياسية حرمانها – المرأة – من هذا الحق.
على ذات الموضوع، جميع الأمنيات والتطلعات والآمال كبيرة، متى ما ولدت في بيئة مناسبة ومناخ حر ينعم بالإستقرار والديمقراطية والعدالة والمساواة، ومدى ما يتميز به المجتمع من عمق التجربة والحداثة في بناء الدولة وتطورها، فالمملكة العربية السعودية دولة ذات عهد جديد بالحداثة الفكرية والثقافية والسياسية التي تقوم وتنبني عليها مرتكزات الدولة المدنية الحديثة لذلك لا نستغرب بمثل هذه القرارات التغييرية البطيئة رغم إيجابيتها،
و لا شك أن حصول المرأة على حقوقها السياسية ليس بالأمر السهل والهين الذي يتحقق بلمح البصر وبعصى سحرية، بل هو طريق شائك ووعر مليء بالعثرات والصعوبات، ليس على مستوى مجتمعاتنا العربية والإسلامية فحسب بل على مستوى العالم كله، ففي أوربا كانت الحقوق السياسية محجوبة عن المرأة حتى أوائل القرن الماضي، ولم يكن الفرق كبيرا في هذا المجال بين مناطق العالم وثقافاته المختلفة، فالمرأة لم تكن جزءا من المشهد السياسي في أوربا حتى الحرب العالمية الأولى، وما إن وضعت الحرب أوزارها حتى بدأ الفرق يظهر ويزداد وضوحا، حيث عرفت المرأة الأوربية طريقها إلى الحياة السياسية حتى إنطلقت وشقت طريقها ووصلت إلى اعلى المناصب والمراكز القيادية بلا قيود أو عراقيل يحسب حسابها.
في بريطانيا مثلا، لم تدخل المرأة البرلمان «مجلس العموم» إلا في نهاية عام 1918م، وكانت امرأة واحدة هي التي فازت في أول انتخابات شاركت فيها النساء، كان عدد المرشحات 17 فقط مقابل نحو ألف وستمائة مرشح من الرجال.
وفي جمهورية مصر العربية عندما وصلت سيدتان إلى البرلمان المصري للمرة الأولى في يوليو 1957 م، كانت البريطانيات قد ملأن العشرات من مقاعد مجلس العموم في كل الانتخابات.
وبعد نصف قرن على ذلك التاريخ، لم تحقق المرأة المصرية تقدما يذكر في تمثيلها البرلماني بخلاف ما أنجزته المرأة البريطانية في فترة زمنية أقل منذ إن دخلت البرلمان في 1918 وحتى 1968 م، ولذلك اقتضى الأمر تخصيص مقاعد محجوزة للمرأة في مجلس الشعب المصري عام 1979، ثم عام 2009 م لضمان تمثيلها كميا، ولكن دون أن يكون هناك ما يضمن تميز هذا التمثيل وجدواه، مادام المجتمع غير مقتنعا بعد في معظمه بدور سياسي للمرأة.
نفس المظهر بالنسبة لبقية الدول العربية، حيث ما عاصرناه ولمسناه عن قرب في حجم المعاناة التي عصفت بالمرأة الخليجية، لاسيما في الكويت والبحرين، بالنظر لضخامة المعوقات التي إعترضت طريق وصول المرأة للمجالس البرلمانية، ولازالت مستمرة لولا ثبات المرأة في حركتها ونضالها وفي حضورها وصمودها رغم قدم التجربة الديمقراطية وإتساع هامش الحقوق والحريات.
ما علينا أن نستوعبه جيدا عدة الأمور، نذكر من أهمها ما يلي:
1 – ان التحديث الثقافي الذي بدأت ارهاصاته في القرن التاسع عشر سيتواصل كالنهر يغذي بروافده الأمم ويقود الى رهانات استراتيجية وحديثة، لأن المجتمع الواعي هو الذي لا يتنكر لخصوصيته ولا كنه لا يجعل هذه الخصوصية سجنا يعيش خلف اسواره يحرمه من النور، فالقرار التاريخي جاء حكيما لأنه يعزز قيم المجتمع السعودي.
2 – علينا عدم الخلط بين ماهو تقليد اجتماعي موروث وبين ما هو مبادئ إنسانية وقيم أخلاقية فيما يتعلق بالتعامل مع إنسانية المرأة كمطلب حضاري راقي، فمن الطبيعي أن تواجه المرأة هجوما على حقها في أن تشارك في بناء مجتمعها ووطنها.
3 – علينا اليوم التطلع نحو المستقبل وليس التشدق بالتاريخ الذي يعيق انطلاقتنا التي سبقتنا اليها بقية الأمم، فالعبور للمستقبل بحاجة الى جرأة وتحدي وتقديم تضحيات.
4 – نبعث كل التهاني لجميع الأعضاء وأتمنى أن يضيف موقعهم وتوزيعهم الجغرافي خدمات جليلة للمواطنين كافة بالتواصل الحقيقي مع الناس والتواضع معهم وتقدير الإحتياجات اللازمة وتقديم الخدمات خاصة في المناطق المهملة أو النائية، وإيجاد مبادرات ومشاريع عمل تلامس حياتهم وتحل مشاكلهم. وأخص بالتبريك جميع السيدات وأقول لهن أنتن اليوم عين المجتمع والنظر إليكم يتضاعف أكثر من ذي قبل، فأنتن في موقع المسؤولية وكلي ثقة بمهارتكن وإبداعكن وكن حذرات، ولتتسع صدوركن لتحمل النقد وعدم الترفع على الناس، حيث أنتن اليوم في موقع القدوة والمسؤولية ومركز القرار، والمعول عليكن كبير بغرس الأمل والتفاؤل في النفوس والدفع بواقع المرأة السعودية للأمام، فالسنوات الماضية بقدر ما فيها من يأس وإحباط هي مليئة بالإنجاز والإيجابيات، ومع كل المتغيرات التي تجرى حولنا وفي محيطنا وعالمنا فالقادم هو الأفضل بلا محالة..
وأخيرا: «الشعب مصدر السلطات»، خيارنا القبول بواقعنا، والعمل بجد ومثابرة لأننا نبقى نتطلع الى تغييرات جوهرية بالمشاركة الشعبية وحق الجماعة في الإختيار وتحمل المسؤولية في صنع القرار وإلى مجلس منتخب يمارس دوره في الرقابة والتشريع وإصلاح الشؤون العامة.
أما بعد نتمنى ان لا يكون هذا التعيين مجرد إضفاء شرعية شكلية أو الهروب للأمام دون احداث تغيير جوهري.